الرئيس التونسي في «مواجهة مفتوحة» مع أكبر النقابات العمالية

محلّلون عدّوها تهديداً لأبرز منظمة مستقلة وأحد أركان الديمقراطية في البلاد

الرئيس التونسي قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس التونسي قيس سعيد (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي في «مواجهة مفتوحة» مع أكبر النقابات العمالية

الرئيس التونسي قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس التونسي قيس سعيد (أ.ف.ب)

دخل الرئيس التونسي قيس سعيّد في مواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد، وهو ما عدّه محلّلون تهديداً لأبرز منظمة مستقلة وأحد أركان الديمقراطية في تونس. في السابع من أغسطس (آب) الحالي، رفعت مظاهرة شعارات تتهم قادة الاتحاد التونسي للشغل بـ«الفساد»، وأطلقت المواجهة بين المنظمة، التي لعبت دوراً مهماً في مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 2011، وحازت جائزة نوبل للسلام عام 2015، وبين الرئيس الذي يحتكر السلطات منذ عام 2021. وجاءت المظاهرة أمام مقرّ الاتحاد في العاصمة، غداة تصريحات للرئيس سعيّد، عبّر فيها عن غضبه من إضراب نفَّذته المنظمة لـ6 أيام في قطاع النقل. ووصفت قيادة الاتحاد المتظاهرين بأنهم «أنصار سعيّد»، وقالت إنهم حاولوا «اقتحام» المقر. لم ينتظر سعيّد طويلاً، فخرج ليل الجمعة مرة ثانية وقال بنبرة غاضبة: «لم تكن في نية المحتجين لا الاقتحام، ولا الاعتداء كما تروّج لذلك ألسنة السوء»، مضيفاً أن «هناك ملفات يجب أن تُفتح لأن الشعب يطالب بالمحاسبة... ولن تكون هناك حصانة لأي كان إذا تجاوز القانون، والقانون يُطبّق على الجميع». بهذا الخصوص يقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، بسام خواجا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بعد أن كثّفت السلطات هجماتها ضد الأحزاب السياسية والجمعيات، يبدو أن النقابات العمالية أصبحت الآن هدفاً للسلطات، وهي من آخر أعمدة الديمقراطية في تونس».

مزيد من التصعيد

يوضح خواجا أن «التهديدات المبطنة» من الرئيس ضد المركزية النقابية «تشكِّل انتهاكاً جديداً للمؤسسات التي يسعى سعيّد إلى تفكيكها».

نور الدين الطبوبي رئيس اتحاد العمال التونسي (إ.ب.أ)

من جهته، يرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعات تونسية، عبد اللطيف الحناشي، أن ما حدث «يأتي في سياق متواصل لمشروع الرئيس سعيّد، الذي له موقف من الأجسام الوسيطة، ومنها منظمات المجتمع المدني»، مضيفاً أن «الخوف كل الخوف ألا يتحكّم الطرفان في ردود الفعل، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات لن تخدم البلاد»، عادّاً أن الرئيس عبّر عن موقفه بنوع من «التحدي الحادّ»، الذي سيدفع الاتحاد إلى «التفاعل باتجاه التصعيد، والدخول في معركة كسر العظم». وعقد «الاتحاد» هيئته التنفيذية بشكل عاجل الاثنين، وردَّ الأمين العام، نور الدين الطبوبي، على الرئيس سعيد بالقول: «لسنا من الذين سيُحكم عليهم بتكميم الأفواه، صوتنا عالٍ»، منتقداً ما عدّه «سيفاً مسلطاً» على النقابيين باتهامهم بـ«الفساد»، ودعا إلى اللجوء إلى القضاء في حال توفّر ما يثبت الاتهامات. وأعلن الطبوبي في أعقاب ذلك تنظيم مظاهرة ومسيرة، الخميس المقبل؛ «للدفاع عن الاتحاد»، ولعودة المفاوضات الاجتماعية المعطلة مع الحكومة، ولوّح بتنفيذ إضراب عام. ومنذ عام 2022، نفّذت السلطات حملات توقيف وملاحقات قضائية، طالت معارضين للرئيس سعيّد، من المنتمين إلى أحزاب سياسية، أو من الناشطين والحقوقيين والصحافيين والقضاة، ما دفع كثيراً من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية إلى التنديد مراراً بتراجع الحريات في البلاد. في المقابل، يؤكد الرئيس سعيّد أن الحريات مضمونة في بلاده، ومكفولة في دستور 2022، وأنه لا يتدخل في عمل القضاء. وفي خطوة تصعيدية أخرى، قرَّرت الحكومة الخميس إلغاء «التفرّغ النقابي»، الذي كان موظفون في القطاع الحكومي يحصلون بموجبه على تراخيص استثنائية لممارسة نشاطهم النقابي والتفرّغ له.

إضعاف الفضاء المدني

منذ تأسيس المركزية النقابية عام 1946، خاض قادة الاتحاد صدامات عدّة مع المستعمر الفرنسي، وخلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وصولاً إلى ثورة 2011. كما أن للاتحاد تجربة واسعة في تعبئة المنخرطين فيه (700 ألف على الأقل)، بخلاف المعارضة التي تراجعت قدراتها بشكل كبير منذ 2021.

من مظاهرة سابقة نظمها اتحاد العمال التونسي في العاصمة (د.ب.أ)

وكان للاتحاد التونسي للشغل دور ريادي في حل أزمة 2013 السياسية، حين كانت البلاد في حالة استقطاب سياسي حاد، بعد الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي سنة 2011، ونال إثرها جائزة نوبل للسلام مع 3 منظمات أخرى. غير أن طيفاً من الرأي العام ومن التونسيين أثنوا على انتقادات الرئيس سعيد للمنظمة، معللين ذلك بأن من بين أبرز أسباب تراجع الوضع الاقتصادي الإضرابات المتكررة منذ 2011، التي نفَّذتها النقابات في قطاعات حيوية، ومنها إنتاج الفوسفات. وأصدرت ائتلافات حزبية معارضة، ومنظمات حقوقية بيانات، ندّدت بما حصل أمام مقرّ الاتحاد. وعدّت «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» أن المظاهرة لا يمكن فصلها عن «سياق عام من التحريض والتجييش ضد العمل النقابي والمنظمات المستقلة»، لافتةً إلى أنها «محاولة مكشوفة لتجفيف منابع التعبير الحر، وإضعاف الفضاء المدني، عبر التخويف والتخوين والتشويه». ودعم «الاتحاد» قرارات الرئيس الاستثنائية التي أقرها عام 2021، من تجميد أعمال البرلمان، ثم حلّه لاحقاً وإقالة رئيس الحكومة، من دون أن يمنحه «صكّاً على بياض». لكن دعمه سرعان ما تراجع، واتخذ موقفاً ناقداً لمسار قيس سعيّد.

مظاهرة سابقة نظمها اتحاد الشغل التونسي في العاصمة (أ.ف.ب)

ويرى الحناشي أن ما تقوم به السلطة «هو توسيع لجبهة الأعداء، وتقليص لجبهة الأصدقاء». ويتزامن تطور الأزمة بين الرئيس سعيّد و«الاتحاد» مع تراكم خلافات داخلية داخل الاتحاد ما يهدّد بإضعافه، وقد برز جناح من النقابيين يطالب بوضع حدّ لحالة «الوهن والارتباك والانقسام». وفي هذا السياق أقرَّ الطبوبي، الاثنين، بوجود «خلافات داخلية»، وصفها بـ«الظاهرة الصحية»، مضيفاً أنها «تُحسم بالآليات الديمقراطية، وليس لنا الرجل الأوحد».


مقالات ذات صلة

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

شمال افريقيا جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير المقبل، احتجاجاً على ما عده «قيوداً على الحقوق والحريات».

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق جانب من حفل جائزة التميز الحكومي العربي 2025 (الشرق الأوسط)

السعودية تحصد 6 جوائز في «التميز الحكومي العربي 2025»

حقّقت السعودية إنجازاً جديداً في مسيرة التطوير والابتكار الحكومي، بحصدها 6 جوائز ضمن جائزة التميز الحكومي العربي 2025.

«الشرق الأوسط» (دبي)
شمال افريقيا من مظاهرة سابقة نظمها اتحاد الشغل التونسي في ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

«اتحاد الشغل» التونسي يتظاهر من أجل «مزيد من الحريات»

قاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، الخميس، مسيرة داعمة للمنظمة النقابية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي مجرى نهر العاصي في منطقة جسر الشغور غربي إدلب وقد بدا جافاً تماماً أغسطس الماضي (أ.ب)

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

تقرير يرصد أبرز الأنهار التي تعرضت لعوامل شديدة من الجفاف في المنطقة، إضافة إلى تعليق خبير في الشأن المناخي عن الأزمة وأبرز سُبل الحل.

يسرا سلامة (القاهرة)
رياضة عربية الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر لدى وصوله إلى ملعب افتتاح كأس العرب 2025 (الاتحاد العربي)

افتتاح كأس العرب: دراما ورمزية وحضور عالمي في ليلة غير مسبوقة بالدوحة

في ليلة عربية خالصة، خطفت قطر أنظار الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، بعدما دشّنت النسخة الحادية عشرة من كأس العرب 2025 بحفل افتتاح استثنائي.

مهند علي (الرياض)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.