«علاقات معقّدة»... التوتر السياسي لا يعوق «التعاون» المصري - الإسرائيلي

إسرائيل منحت ترخيصاً لمظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب لـ«محاولة تحميل القاهرة مسؤولية تجويع أهل غزة» (متداولة)
إسرائيل منحت ترخيصاً لمظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب لـ«محاولة تحميل القاهرة مسؤولية تجويع أهل غزة» (متداولة)
TT

«علاقات معقّدة»... التوتر السياسي لا يعوق «التعاون» المصري - الإسرائيلي

إسرائيل منحت ترخيصاً لمظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب لـ«محاولة تحميل القاهرة مسؤولية تجويع أهل غزة» (متداولة)
إسرائيل منحت ترخيصاً لمظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب لـ«محاولة تحميل القاهرة مسؤولية تجويع أهل غزة» (متداولة)

على الرغم من أن هناك حالة من التوتر السياسي الظاهر للعلن بين القاهرة وتل أبيب، وتحدثت عنه تقارير صحافية مصرية وعبرية ووسائل إعلام دولية أيضاً، وقد بلغ هذا التوتر ذروته هذه الأيام عبر لهجة بدت تصعيدية من القيادة السياسية في مصر، فإن مصدراً مصرياً مسؤولاً أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «برغم تعقّد العلاقات وتوترها بين مصر وإسرائيل؛ فإن ذلك لا يعرقل التعاون بين البلدين في الملفات الحيوية، وأيضاً في المجال الاقتصادي على وجه الخصوص».

وأوضح المصدر أن «الإدارة المصرية تفصل تماماً بين ما هو سياسي وتشوبه الخلافات، والملفات الأخرى التي لديها التزامات بشأنها، سواء فيما يتعلق بالتعاون الأمني المنصوص عليه في اتفاقية السلام مع إسرائيل، أو في الدور المصري الحيوي الساعي لحلحلة أزمة الحرب في غزة، وضرورة التوسط وبذل كل الجهود من أجل وقفها رغم كل التحفظات والاعتراضات المصرية على النهج الإسرائيلي، والذي وصل إلى حد اعتبار القاهرة له أنه نهج إجرامي».

وأشار المصدر كذلك إلى أن «النهج المصري يفصل كذلك بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي، والخلاف مهما بلغ حداً كبيراً على الصعيد السياسي، فذلك لا يؤثر على مجالات التعاون الاقتصادي، سواء مع إسرائيل أو أية دولة أخرى؛ لأن الأمور الاقتصادية والتجارية تحكمها مصالح حيوية مشتركة، وأيضاً اتفاقات والتزامات، ومصر دولة تحترم التزاماتها حتى مع من تختلف معهم»، بحسب تعبير المصدر.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وصف، لأول مرة، الثلاثاء الماضي، ما تقوم به إسرائيل في غزة من حرب تجويع بأنه «إبادة ممنهجة بغرض تصفية القضية الفلسطينية»، وهو الوصف الذي كرره وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بعد قول السيسي له بساعات، وأيضاً خرج محافظ شمال سيناء، القائد السابق بالجيش المصري، اللواء خالد مجاور، بتصريحات لافتة، الأربعاء، محذراً فيها إسرائيل من محاولة الدخول في حرب مع مصر، قائلاً: «من يقترب من الحدود فلا يلومنّ إلا نفسه، وسيتم التعامل معه بما هو معلن من قدرات وما هو غير معلن»، وكل ذلك فسّره البعض بأن «التوتر بلغ حداً كبيراً بين القاهرة وتل أبيب».

السيسي ونتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (وسائل إعلام عبرية)

ومنذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 لم تشهد العلاقات بين البلدين توتراً مثل الحادث حالياً بسبب الحرب في غزة، وخاصة بعد احتلال إسرائيل محور «فيلادلفيا» المحاذي للحدود المصرية بالمخالفة لمعاهدة السلام، ثم نقضها اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي بوساطة القاهرة، واستمرار إسرائيل في الحرب والتجويع لأهل غزة، ثم احتلالها محور «موراج»، والترتيب لبناء مدينة خيام للغزيين قرب حدود مصر، فضلاً عن احتلال القوات الإسرائيلية معبر رفح من الجانب الفلسطيني وحصار القطاع. وكذا محاولة تل أبيب إلقاء اللوم على مصر في حصار وتجويع الشعب الفلسطيني وترديد ذلك في الإعلام العبري، حتى إن السلطات الإسرائيلية سمحت بتنظيم بعض الأشخاص مظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب بدعوى «التنديد بالدور المزعوم لمصر في حصار وتجويع الغزيين»، وهو الأمر الذي أغضب القاهرة بشدة، وأصدرت مصر بيانات رسمية تدينه، وخلال الفترة الماضية تتصاعد المناوشات الإعلامية بين مصر وإسرائيل.

ورغم كل ذلك فقد كان لافتاً الإعلان، الخميس، عن تعديل جوهري على اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، يشمل زيادة ضخمة في الكميات المتفق عليها، مع تمديد فترة التوريد حتى عام 2040، في خطوة تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ صادرات الطاقة بين مصر وإسرائيل.

خبير الأمن القومي المصري، اللواء محمد عبد الواحد، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا شك أن هناك توتراً سياسياً كبيراً بين القاهرة وتل أبيب بسبب القضية الفلسطينية وممارسات إسرائيل في غزة، لكن مصر تدير علاقتها مع إسرائيل بشكل معقّد جداً؛ إذ تفصل بين السياسة والاقتصاد والملفات الأخرى».

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

وأشار عبد الواحد إلى أن «مصر تصعّد ضد إسرائيل سياسياً فيما يتعلق بملف الحرب في غزة والقضية الفلسطينية، لكن في ذات الوقت هي تعلم جيداً أنها لها مصالح كبرى من استمرار التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، منها استيراد الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي المصري، وتسييل الفائض وتصديره لأوروبا، فضلاً عن أن هناك اتفاقية لـ(الكويز) تنص على أفضلية لتصدير المنتجات المصرية للولايات المتحدة بشرط أن تكون بها نسبة من المكونات الإسرائيلية، وكذلك مصر تستفيد من المعونة العسكرية الأميركية التي تحصل عليها بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل، وأيضاً فإن استمرار دور مصر كوسيط لحل أزمة غزة يعزز من مكانة القاهرة في المنطقة، وهي تدرك ذلك».

تجدر الإشارة إلى أن مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام إن «القاهرة لا تتفاعل مع أي اتصالات مع إسرائيل على مستوى الرئاسة ولا الحكومة ولا الخارجية، والاتصالات فقط فيما يتعلق بالوفود الأمنية بشأن وساطة غزة، أو التنسيق الأمني المشترك المنصوص عليه في اتفاقية السلام».

ولم تعتمد القاهرة أوراق سفير جديد لإسرائيل منذ انتهاء مدة السفيرة الإسرائيلية السابقة في الربع الأول من عام 2024، كما استدعت مصر سفيرها من إسرائيل منذ عدة أشهر، ولم يعد إلى هناك حتى الآن.

معبر رفح البري مفتوح من الجانب المصري لكن من دون دخول المساعدات الإنسانية (تصوير: محمد عبده حسنين)

عضو «مجلس الطاقة العالمي»، الدكتور ماهر عزيز، قال إن «الدول تعلم جيداً أن الاقتصاد وعلى رأسه الطاقة عصب الحياة. ولأن الخلافات أمر ملازم لتلك الحياة؛ فمن ثم لا تجعل تلك الخلافات تؤدي لتعطيل الحياة، وأوضح الأمثلة على ذلك خلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت ألمانيا تغزو فرنسا في حين يتصل مشغلو الشبكة الكهربية الموحدة فيهما من مركزَي التحكم في كل من البلدين ليتعاونا في تنسيق توزيع القوى الكهربية وسريانها بينهما، كأنما الشبكة الكهربية جزيرة معزولة عن الحرب والمتحاربين».

وذكر لـ«الشرق الأوسط» أنه «لذلك مهما تصاعدت التوترات بين مصر وإسرائيل، فلا تنعكس تلك التوترات على التعاون الاقتصادي والطاقي بينهما، بل يتعين أن تظل الطاقة خصوصاً بمنأى عن أي خلافات بينهما؛ لأنها أعلى من أي خلافات وأسمى من أي توترات سياسية».

في حين يرى أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة واين ستيت في ميشيغان بالولايات المتحدة، مصطفى يوسف، أن «التنسيق الأمني والاقتصادي وحتى السياسي على أعلى مستوى بين الجانبين المصري والإسرائيلي، وكل منهما يدرك أن هناك ضغوطاً من الرأي العام تدفع لتصريحات من هنا وهناك، لكن تلك التصريحات لا تُترجم في الواقع على صعيد العلاقات الرسمية بين البلدين». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل برغم كل شيء، ترى أنها تستفيد من استمرار التعاون الاقتصادي المصري معها في ظل العزلة الدولية وتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة بسبب ما تفعله في قطاع غزة، وكذلك فإن الإدارة المصرية تستفيد».


مقالات ذات صلة

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

شمال افريقيا أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج» أحمد عبد القادر (ميدو) الذي سبق وجرى توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا تُظهر هذه الصورة المأخوذة من مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين مباني مدمرة وأعمدة دخان تتصاعد في الأفق إثر غارات إسرائيلية شرق مدينة غزة (أ.ف.ب) play-circle

مصر: لا مجال للحديث عن تقسيم غزة... والانتقال للمرحلة الثانية من خطة ترمب ضرورة

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي شاحنة محمَّلة بمساعدات إنسانية تنتظر الإذن على الجانب المصري من معبر رفح مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

«حماس» تدعو الوسطاء للضغط على إسرائيل لفتح معبر رفح في الاتجاهين

دعت حركة «حماس» الوسطاء والدول الضامنة لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة، إلى ممارسة ضغط جاد على إسرائيل لوقف «خروقاتها» للاتفاق.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا بهو المتحف المصري الكبير (الشرق الأوسط)

رفع قيمة تأشيرة الدخول إلى مصر... هل يؤثر على تدفقات السياحة؟

أثار قرار الحكومة المصرية زيادة «رسوم تأشيرات الدخول» إلى البلاد بنحو 20 دولاراً تساؤلات حول مدى تأثيره على حركة السياحة الوافدة إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار يناقش في لقاء سابق مع نظيره السوداني هيثم إبراهيم عوض الله تقديم الدعم اللازم (وزارة الصحة المصرية)

مرضى سودانيون في مصر رهن مبادرات الإغاثة

يعيش عشرات الآلاف من المرضى السودانيين في مصر، بعد فرارهم من الحرب السودانية، رهن مبادرات إغاثة دولية «محدودة»، وجهود حكومية مصرية لرعايتهم، في ظل ظروف صعبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».