استنفار أمني واسع في الجزائر تحسباً لعودة «الحراك»

بعد انتشار دعوات مجهولة لتنظيم مظاهرات مناوئة للحكومة

السلطات الجزائرية تتخوف من عودة مظاهرات الحراك الشعبي (متداولة)
السلطات الجزائرية تتخوف من عودة مظاهرات الحراك الشعبي (متداولة)
TT

استنفار أمني واسع في الجزائر تحسباً لعودة «الحراك»

السلطات الجزائرية تتخوف من عودة مظاهرات الحراك الشعبي (متداولة)
السلطات الجزائرية تتخوف من عودة مظاهرات الحراك الشعبي (متداولة)

انتشرت قوات الأمن الجزائرية بكثافة، منذ مساء أمس (الخميس)، في شوارع العاصمة ومحاورها الرئيسية، استعداداً للتعامل مع دعوات مجهولة لتنظيم مظاهرات مناوئة للحكومة، اليوم (الجمعة)، وسط مخاوف رسمية من تجدد الحراك الشعبي الذي توقّف منذ عام 2021.

ومنذ أسبوع والسلطات تبدي تخوفاً من حدوث انفلات في الشارع، بسبب تداول رسائل مجهولة عبر منصات الإعلام الاجتماعي، تشجع على تنظيم احتجاجات في الشارع للتعبير عن التذمر من سياسات الحكومة في مجال تسيير الاقتصاد، والتقييد الذي تشهده الحريات في السنين الأخيرة، خصوصاً منذ أن أوقفت السلطات في 2021 مظاهرات الحراك الشعبي، الذي أجبر الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة على التنحي في 2 أبريل (نيسان) 2019.

جانب من مظاهرات الحراك الشعبي الذي أجبر الرئيس الراحل بوتفليقة على التنحي (الشرق الأوسط)

ولوحظ في شارع «ديدوش مراد» بقلب العاصمة، و«ساحة البريد المركزي» القريبة من قصر الحكومة، استنفار أمني واسع، تحسباً للتصدي إلى مظاهرات مفترضة، أشيع في الأيام الأخيرة أنها ستنطلق من المساجد بعد صلاة الجمعة.

كما لوحظ وجود نقاط مراقبة كثيرة على الطرق السريعة، حيث أوقف رجال الدرك عدداً من السيارات وفتشوها بدقة. وكان الهدف هو التأكد من عدم وجود ملصقات أو شعارات مناوئة للسلطات.

خوف من عودة «العشرية السوداء»

علّق خمسيني صادفته «الشرق الأوسط» في شارع «فرنكلين روزفلت»، الذي يقود إلى وسط العاصمة، على الحالة غير العادية التي يعيشها هذه الأيام سكان العاصمة والمدن الكبيرة، قائلاً: «من الواضح أن الخوف من تجدد الحراك هو ما يفسر هذا الاستنفار، ويعود هذا ربما إلى شعور الناس بالخيبة لأن مطالبهم بالحرية والديمقراطية وفي عيش أفضل، التي حملها الحراك قبل 6 سنوات، لم تتحقق».

وأكد شاب، قال إنه طالب في كلية الحقوق، كان في مقهى بـ«شارع عميروش»، حيث مقر أمن العاصمة المركزي، أن «الانسياق وراء الحسابات المجهولة التي تدعو إلى الاحتجاج يشكل خطراً على الأمن. صحيح أن السلطة لم تستجب لكل مطالب الحراك، لكن الحفاظ على الاستقرار أهم من أي شيء آخر، بلدنا يوجد في منطقة تحيط بها الأهوال والاضطرابات الأمنية والسياسية، وعلينا أن نكون يقظين».

ويسود البلاد هذه الأيام هاجس يتمثل في الخوف من «العودة إلى العشرية السوداء»، وهي فترة التسعينات، التي شهدت مقتل الآلاف في مواجهات مع جماعات مسلحة متشددة.

وكتب الناشط الحقوقي، زكي حناش، المقيم بكندا لاجئاً سياسياً، بحسابه على «فيسبوك»، أن حملة اعتقالات واسعة شهدتها مناطق بالبلاد في المدة الأخيرة، طالت، حسبه، نشطاء سياسيين من الحراك، واشتبهت الشرطة في أنهم وراء «هاشتاغ... انزل إلى الميدان بقوة للتظاهر يوم 8 أغسطس (آب) 2025»، مؤكداً أن الأمن أطلق سراحهم «بعد أن أمضوا تعهداً مكتوباً بعدم الخروج يوم الجمعة في مظاهرة».

وفي اتجاه عكسي، حذر ناشطون مؤيدون للحكومة، عبر حساباتهم، من «مجهولين يقفون وراء محاولات يائسة لزرع الفوضى في البلاد، مدفوعين من طرف جهات تموَلهم»، بحسب ما جاء في بيان سمي «رابطة الوطن»، نشره صحافي بالتلفزيون العمومي.

ومن أهم ما تضمنه البيان: «نهيب بكل المواطنين، خصوصاً شبابنا الواعي، أن يكونوا حصناً منيعاً في وجه هذه المخططات العدائية، وأن يُفشلوها بالوعي لا بالعاطفة، وبالحكمة لا بالتهور، فالمعارك الكبرى لا تخاض في الشارع؛ بل تربح بالعقول والإرادة والصبر».

الفريق أول سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الحالي (وزارة الدفاع)

وتأتي هذه الدعوات المجهولة للتظاهر بعد أيام قليلة فقط من خطاب حاد، ألقاه الفريق أول سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي ووزير الدفاع الوطني بالنيابة، بمناسبة الاحتفالات السنوية بـ«اليوم الوطني للجيش»، أكد فيها أمام عدد من العسكريين وأسر ضحايا الإرهاب، أن الجيش «يتعهد بصون وحدة الوطن، ومواصلة مكافحة الإرهاب»، مشيداً بـ«المجاهدين القدامى وأبناء الوطن الأوفياء، الذين تصدّوا للإرهاب الهمجي بعزم وبسالة».

وشدد شنقريحة على أن «تلك التضحيات أجهضت محاولات تدمير البلاد»، لافتاً إلى «الدور المحوري للجيش الوطني الشعبي، باعتباره الامتداد الطبيعي لجيش التحرير الوطني، في صون الدولة الجمهورية وحماية مؤسساتها».

الرئيس الجزائري انتقد حملة «لست راضياً» للتعبير عن التذمر من أوضاع الحريات والاقتصاد (د.ب.أ)

وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد انتقد نهاية 2024 حملة رقمية بعنوان «مانيش راضي» (لست راضياً)، انتشرت على وسائل التواصل، للتعبير عن التذمر من أوضاع الحريات والاقتصاد، وعدّها حملة «أجنبية المنشأ تستهدف ضرب الاستقرار ونشر اليأس»، مؤكداً أن الجزائر «لن تُفتَرس بهاشتاغات».

وفي مقابلها، أطلق مؤيدون للحكومة حملة مضادة باسم «أنا مع بلادي»، حظيت بانتشار واسع في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

الجزائر: سباق مبكر بين المعسكر الرئاسي والتيار الديمقراطي على «استحقاقات 2026»

مع اقتراب موعد الانتخابات الجزائرية، المقررة في 2026، بدأت الساحة السياسية تستعيد بعض حيويتها، بعد فترة من الركود والجمود أعقبت توقيف الحراك الشعبي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بأحد نصين سيناقشان في البرلمان الجزائري، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتقدم فيه «قوات الدعم السريع» حثيثاً تجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي» صباح الخميس، وانسحاب «القوة المشتركة» التابعة للجيش، تعهد رئيس «حركة تحرير السودان»، (حاكم إقليم دارفور)، مني أركو مناوي، بعدم الاستسلام، ومحاربة ما أسماه «الفوضى والبربرية».

وقال مناوي، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس»، مساء الأربعاء: «لن نسلّم أرواحنا ولا تاريخنا ولا هويتنا للفوضى والبربرية.. الليلة سمر، وغداً أمر»، بعد أن كان قد ذكر في وقت سابق أن قواته «انسحبت».

حاكم إقليم دارفور وقائد «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، يزور مخيم نازحين بشمال السودان يوم 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتعد بلدة «الطينة» آخر جيوب القوات الموالية للجيش المعروفة بـ«القوة المشتركة»، وتقع على الحدود السودانية التشادية مباشرة، وتنقسم إلى بلدتين باسم «الطينة السودانية، الطينة التشادية»، وتعرف بأنها عاصمة دار قبيلة «زغاوة» المشتركة بين البلدين.

وبثت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو ذكرت فيها أنها حققت انتصاراً كاسحاً في بلدة «كرنوي»، فيما ذكرت صحيفة «دارفور 24» أن «قوات الدعم السريع» دخلت منطقة كرنوي الواقعة في الشمال الغربي لولاية شمال دارفور، وأن القوة المشتركة انسحبت نحو بلدة «الطينة» على الحدود مع دولة تشاد.

وقال شاهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات الدعم السريع» المدعومة بقوات «تحالف السودان التأسيسي»، (تأسيس)، اقتربت من بلدة الطينة، التي انسحبت إليها «القوة المشتركة» الحليفة للجيش، وينتظر أن تشهد معاركاً طاحنة بين القوتين.

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

وحضّ مناوي في حسابه على «فيس بوك»، مواطني المنطقة ومن أسماهم بـ«أهلي» للدفاع عن «أنفسهم»، بقوله: «نرفض الذل، والدفاع عن الوطن ليس خياراً، بل واجباً، ولا نبحث عن الدم، لكننا نحمي الأرض والعرض والتاريخ»، وتابع: «حين يستباح الوطن، يصبح الصمت خيانة».

لكن دعوات مناوي للمواطنين لم تلقَ استجابة، بل ردت عليه مجموعة من سكان المنطقة ببيان حمل توقيع «أبناء قبيلة الزغاوة» التي يتحدر منها، دعته إلى «عدم الزج باسم القبيلة في الحرب»، وإبعادها عن «الاستقطابات السياسية والعسكرية المتواصلة».

وقالت في البيان إن القبيلة «ليست كياناً سياسياً أو عسكرياً، أو أداة في الصراع على السلطة»، وتابع: «نرفض رفضاً قاطعاً التحدث باسم القبيلة أو توظيفها كتلة سياسية موحدة، أو الادعاء بتمثيلها في أي صراع سياسي أو عسكري».

ويأتي هذا التطور العسكري بعد استيلاء «قوات الدعم»، الأربعاء، على بلدات «أبو قمرة، أم برو، بير سبيل»، وسيطرتها الخميس على «كرنوي»، ولم يتبقَ على الحدود المشتركة بين تشاد والسودان سوى بلدة «الطينة».

وتعد «الطينة» أحد أهم النقاط التجارية والأمنية في شمال دارفور. وتقع إلى الشرق منها، بلدة «كرنوي» المركز الإداري يربط المناطق الحدودية بالداخل، بينما تقع بلدة «أم برو» إلى الشرق من «الطينة» وكرنوي، وتتميز بطبيعة جبلية تجعل منها منطقة استراتيجية عسكرياً.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وتكون هذه البلدات مثلثاً حدودياً يربط السودان بدولة تشاد، وتسعى الأطراف المتصارعة للسيطرة عليه لتأمين خطوط الإمداد أو إغلاقها بوجه الخصم.

وتعرف المنطقة التي تدور فيها المعارك إدارياً بـ«دار زغاوة»، وهم المجموعة الإثنية التي تنتشر على طرفي الحدود بين الدولتين، وينحدر منها معظم قوات حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، اللذين يديران الحرب هناك من بورتسودان.

وبسيطرة «قوات الدعم السريع» على بلدة «الطينة»، تكون قد سيطرت على كامل إقليم دارفور، وعلى الحدود المشتركة مع دولة تشاد، باستثناء جيب صغير عند سفوح «جبل مرة» بوسط دارفور، تسيطر عليه قوات «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد النور، الذي اختار الحياد في الصراع لكن ومواقفه أقرب لـ«قوات الدعم السريع».

وبإكمال عملية «الطينة»، لن يكون هناك خيار أمام القوة المشتركة الموالية للجيش الموجودة هناك، سوى «الانسحاب» لداخل دولة تشاد.


السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.