لأول مرة... مرشدات سياحيات في أفغانستان يقدن مجموعات نسائية فقط

كيف تروج حركة «طالبان» للجذب السياحي؟

زوي ستيفنس (31 عاماً) من بريطانيا تلتقط صورة سيلفي مع سائحات أجنبيات أخريات ومريم المرشدة السياحية المتدربة المحلية (يسار) بقصر «دار الأمان» في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)
زوي ستيفنس (31 عاماً) من بريطانيا تلتقط صورة سيلفي مع سائحات أجنبيات أخريات ومريم المرشدة السياحية المتدربة المحلية (يسار) بقصر «دار الأمان» في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)
TT

لأول مرة... مرشدات سياحيات في أفغانستان يقدن مجموعات نسائية فقط

زوي ستيفنس (31 عاماً) من بريطانيا تلتقط صورة سيلفي مع سائحات أجنبيات أخريات ومريم المرشدة السياحية المتدربة المحلية (يسار) بقصر «دار الأمان» في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)
زوي ستيفنس (31 عاماً) من بريطانيا تلتقط صورة سيلفي مع سائحات أجنبيات أخريات ومريم المرشدة السياحية المتدربة المحلية (يسار) بقصر «دار الأمان» في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)

يصغي السياح في المتاحف إلى شرح المرشدين والمرشدات عن القطع الأثرية المعروضة... لربما كانت تلك المجموعة مثل أي مجموعة من الزائرين في أي مكان بالعالم، لكن كان هناك أمر غير اعتيادي يميزها عن غيرها؛ هو أن تلك المجموعة من الأجانب، التي تزور المتحف الوطني الأفغاني، مكونة من النساء فقط.

وتشهد أفغانستان عودة تدريجية للسياحة رغم القيود الاجتماعية والأمنية، فقد بدأت أعداد صغيرة من الزوار الأجانب تتوافد لاكتشاف البلاد، في وقت تسعى فيه حكومة «طالبان» إلى استغلال القطاع على أنه رافعة اقتصادية.

مريم شابة أفغانية خلال يومها الأول من التدريب لتصبح مرشدة سياحية تساعد السائحة الأسترالية سوزان ساندرال البالغة من العمر 82 عاماً بتعديل حجابها في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)

ومن يقوم بمهمة الإرشاد امرأة أيضاً، وهي واحدة من أولى المرشدات السياحيات الأفغانيات اللائي يعملن في بلد فرضت فيه حركة «طالبان» الحاكمة له على الفتيات والنساء فيه أشد القيود صرامة بالعالم، وفق تقرير من «أسوشييتد برس» الخميس.

لم تكن سمية منيري (24 عاماً) تعرف بوجود وظيفة المرشد السياحي في الحياة من الأساس، لكن عند بحثها على الإنترنت طلباً للمساعدة في تحسين مستواها في اللغة الإنجليزية، عثرت مصادفة على تطبيق «كاوتش سيرفينغ» الذي يتواصل السائحون من خلاله مع سكان محليين ويقيمون في منازلهم.

قالت سمية بعد استضافتها سائحة: «أصبح لديّ شغف بالأمر، وأثار اهتمامي كثيراً. لقد كان الأمر فريداً ولم أسمع به من قبل، لذا قلت: لمَ لا أجرب وأفعل ذلك؟».

3 سائحات أجنبيات (اثنتان على اليمين والثانية من اليسار) يزرن قصر «دار الأمان» برفقة 3 مرشدات سياحيات في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)

البحث عن الجوانب الإيجابية

مع استضافة أول زائرة ومرافقتها لها في بلدتها غرب أفغانستان، رأت جانباً جديداً من بلادها. وأوضحت قائلة: «أكثر الأمور التي سمعنا بها (عن أفغانستان) كانت سلبية. تركيز الناس، وتركيز وسائل الإعلام، والعناوين الرئيسية... كل ذلك منصبّ على الجوانب السلبية فقط. وبالتأكيد تأثرنا بذلك».

إن أفغانستان بالنسبة إليها مختلفة. في الوقت الذي توجد فيه مشكلات في بلد يتعافى من عقود من الحرب والفوضى، هناك جانب آخر لهذا البلد المعقد المذهل. إن حبها بلدها عميق، وتتوق لمشاركته جمالياته، وتأمل أن تغير مفاهيم ووجهات نظر الناس تدريجياً. وقالت بلغة إنجليزية مفعمة بالحماس: «رأيت كل تلك الطبيعة، وكل هذا الجمال، وكل تلك الإيجابيات... لقد غيّر ذلك رؤيتي تماماً. ويمكن أن يحدث ذلك للآخرين أيضاً».

من أولئك الزائرات؛ الأسترالية سوزان ساندرال، التي أرادت رؤية أفغانستان خلال حقبة الستينات، لكن ضغوط رعايتها الأسرة حالت دون ذلك. هي تبلغ الآن 83 عاماً، وكانت ضمن المجموعة المكونة من سائحات أجنبيات فقط في كابل.

فاجأتها أفغانستان

لقد قالت خلال استراحة في الرحلة: «إنها مختلفة عما توقعته. لقد توقعت الشعور بالخوف، وتلقي نظرات الاتهام، لكن لم يحدث ذلك إطلاقاً. في كل مكان يذهب إليه المرء في الشوارع إذا ابتسم لأحدهم وأومأ له بالتحية، فإنه يتلقى رداً رائعاً. لذا؛ الوضع مختلف جداً».

المرشدة السياحية الأفغانية سمية منيري (24 عاماً - على اليمين) ومريم المرشدة السياحية المتدربة المحلية (وسط) ترافقان السائحة الأسترالية سوزان ساندرال البالغة من العمر 82 عاماً (يسار) خلال زيارة المتحف الوطني في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)

جاكي بيروف (35 عاماً) سائحة مستقلة من شيكاغو لم تكن ضمن المجموعة المذكورة، لكنها وصفت الشعب الأفغاني بـ«المضياف على نحو لا يُصدق». وقالت: «مع ذلك أُدرك جيداً أني أتمتع بحرية أكبر من المواطنات الأفغانيات».

مجال ناشئ

منعت 4 عقود من الحرب السائحين من زيارة أفغانستان، لكن في الوقت الذي أدى فيه تولي حركة «طالبان» السلطة في أغسطس (آب) 2021 إلى هروب آلاف الأفغان وصدمة العالم، فقد أدت نهاية تمرد الحركة ضد النظام السابق المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية إلى تراجع وتيرة العنف بشكل كبير. ولا تزال هناك هجمات تحدث بين الحين والآخر، أكثرها من جانب جماعة تابعة لتنظيم «داعش»، وتحذر دول غربية رعاياها من السفر إلى أفغانستان.

تحسن الوضع الأمني

مع ذلك، يجذب تحسن الوضع الأمني مزيداً من السائحين الذين ينبهرون بالمشاهد الخلابة والتاريخ الطويل وثقافة إكرام الضيف والترحاب الضاربة بجذورها في البلاد.

إن السياحة مجال ناشئ، حيث لا يتعدى عدد السائحين سنوياً بضعة آلاف، وأكثرهم من المسافرين المغامرين المستقلين. مع ذلك، تزداد عروض الجولات السياحية التي يصحبها مرشد من بلاد تتمتع بتنوع مثل الصين واليونان وهولندا والمملكة المتحدة. وتحرص حكومة «طالبان» على الترحيب بهم. ورغم عزلتها على الساحة الدولية، فهي لم تحظ رسمياً سوى باعتراف روسيا في يوليو (تموز) 2025، فإن الحكومة تدرك أن مجال السياحة يمكن أن يكون مربحاً.

أصبح الحصول على التأشيرات السياحية، التي عادة ما تكون تأشيرات دخول لمرة واحدة فقط وسارية لمدة تصل إلى 30 يوماً، من بعض السفارات التي تصدرها أمراً بسيطاً وسهلاً نسبياً. وهناك رحلات طيران منتظمة تصل إلى كابل بعد المرور بمحطات كبيرة مثل دبي وإسطنبول.

المرشدة السياحية الأفغانية سمية منيري (24 عاماً - على اليسار) والسائحة الأسترالية سوزان ساندرال (82 عاماً) تلتقطان صورة بجوار مروحية عسكرية خلال زيارة لمتحف الحرب في كابل بأفغانستان يوم الأربعاء 28 مايو 2025 (أ.ب)

مسألة الأخلاق

فكرة زيارة أفغانستان بصفة سائح بالنسبة إلى البعض بغيضة أخلاقياً، خصوصاً بالنظر إلى معاملة الحكومة النساء في البلاد. من المحظور حصول الفتيات على مستوى تعليمي أعلى من المرحلة الابتدائية، وتعيش النساء في ظل كثير من القيود. كذلك تحدد الحكومة ما يمكنهن ارتداؤه من ملابس في الأماكن العامة، وكذلك الأماكن المسموح بها لهن، والأشخاص المسموح لهم بمرافقتهن. ولا يستطعن السير في المتنزهات أو تناول الطعام في المطاعم. وصالونات التجميل محظورة. هناك عدد محدود من الوظائف والمهن المتاحة لهن، من بينها التعليم ونسج السجاد.

يمكن للقوانين أن تتغير سريعاً

مع ذلك، يشير المنخرطون في مجال السياحة إلى آثار إيجابية متاحة في زيارة أفغانستان. قالت زوي ستيفنس (31 عاماً)، وهي مرشدة سياحية بريطانية تعمل لدى شركة «كوريو تورز» المختصة في الجهات غير الاعتيادية: «أؤمن بالسياحة الأخلاقية. وأعتقد أنه من الممكن الفصل بين السياسة والناس، وهذا هو أهم أمر بالنسبة إليّ. أي بلد ليس محصلة سياسته فحسب، بل هو محصلة كثير من الأمور؛ منها ثقافته وتاريخه والمأكولات التي يشتهر بها، وكذلك الشعب؛ وتحديداً في حالة أفغانستان».

لمحات من عالم النساء

من الجولات السياحية الثلاث، التي قادتها ستيفنس في أفغانستان، كانت اثنتان منها مكونة من النساء فقط. عند العمل مع مرشدات محليات من السيدات، ومن بينهن منيري، وجدت أن هناك جمعاً بين أماكن الجذب الرئيسية وزيارة السيدات المحليات مراكز نسائية وصفوف طهي وتطريز، وهي عوالم مغلقة أمام المسافرين من الرجال.

وأوضحت ستيفنس: «نجرب دائماً فعل أمر مختلف قليلاً يجعل جولاتنا السياحية فريدة ومميزة، إلى جانب أمور تعود بالنفع على المجتمع. لذا، شعرت أن العمل مع مرشدات سياحيات يحقق الهدفين».

المجموعات صغيرة، فقد ضمت إحداها 8 سيدات، في حين ضمت أخرى 3 سيدات، لكن الشركة تتطلع إلى إقامة شبكة من المرشدات السياحيات في أنحاء أفغانستان. وأضافت قائلة: «ما نحاول القيام به من خلال هذه الجولة، خصوصاً جولة النساء، هو هزيمة تلك المخاوف الأخلاقية. الفكرة هي التعرف على حياة النساء الأفغانيات في سياقها الطبيعي».


مقالات ذات صلة

«إف بي آي»: صلات محتملة بين منفّذ «هجوم الحرس الوطني» وجماعة متشددة

الولايات المتحدة​ ضباط من فرقة الخدمة السرية يرتدون الزي الرسمي يقومون بدورية في ساحة لافاييت المقابلة للبيت الأبيض في العاصمة واشنطن يوم 27 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

«إف بي آي»: صلات محتملة بين منفّذ «هجوم الحرس الوطني» وجماعة متشددة

يحقق «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأميركي بصلات محتملة بين منفّذ هجوم الحرس الوطني بواشنطن الأفغاني رحمن الله لاكانوال، وطائفة دعوية غامضة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا دورية أمنية لقوات «طالبان» في منطقة سبين بولدك الحدودية 15 أكتوبر 2025 (إ.ب.أ)

طاجيكستان تعلن مقتل 5 في هجومين عبر الحدود من أفغانستان

قال المكتب الصحافي للرئاسة في طاجيكستان، الاثنين، إن خمسة أشخاص قُتلوا وأصيب خمسة آخرون في هجومين انطلقا من أفغانستان المجاورة خلال الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (ألما أتا)
أوروبا قوات بريطانية في أفغانستان عام 2009 (أرشيفية - رويترز)

ضابط كبير يبلغ لجنة تحقيق بأن القوات البريطانية ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان

قال ضابط بريطاني كبير سابق للجنة تحقيق عامة إن القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان ارتكبت على ما يبدو جرائم حرب بإعدام مشتبه بهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا يقف أحد أفراد أمن «طالبان» حارساً على طريق قرب معبر غلام خان الحدودي بين أفغانستان وباكستان في منطقة جوربوز جنوب شرقي ولاية خوست في 20 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

باكستان: النظام الأفغاني يمثل تهديداً للمنطقة وللعالم

حذَّر المدير العام للعلاقات العامة للجيش الباكستاني، الليفتنانت جنرال أحمد شريف شودي من التهديد الذي يمثله النظام الأفغاني ليس فقط لباكستان، بل للمنطقة بأسرها

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد - كابل)
أوروبا طلاب عسكريون جدد في جيش «طالبان» يقفون فوق مركبة عسكرية خلال حفل تخرجهم في مركز تدريب «فيلق المنصوري 203» قرب غارديز بولاية باكتيا 2 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

تقرير: «طالبان» استخدمت تكنولوجيا غربية لملاحقة أفغان عملوا مع الجيش البريطاني

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن «مواد ومعدات حساسة» تُركت في أفغانستان مكّنت حركة «طالبان» من تعقب أفغان عملوا مع الجيش البريطاني. جاء ذلك وفقاً لشهادة مبلغة…

«الشرق الأوسط» (لندن )

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
TT

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية، بينما أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اتفاقاً ثنائياً واسعاً لتعزيز التعاون الاقتصادي؛ بهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

وأوضح مودي، خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع بوتين، أن الجانبين يعملان على اتفاقية للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده موسكو، ويضم كلاً من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان.

بدوره، قال بوتين، لمودي خلال المؤتمر الصحافي، إن «روسيا مزوّد موثوق للنفط والغاز والفحم وكل ما يلزم لتطوير قطاع الطاقة في الهند»، مضيفاً: «نحن مستعدون لمواصلة توريد النفط دون انقطاع لاقتصاد الهند سريع النمو».

ومن دون الإشارة مباشرة إلى النفط الروسي، شكر مودي ضيفه على «دعمه الراسخ للهند»، مشدداً على أن «أمن الطاقة ركيزة أساسية وقوية» في الشراكة بين البلدين.

وتتعرَّض نيودلهي منذ أشهر لضغوط من الولايات المتحدة التي تتهمها بالمساهمة في تمويل المجهود الحربي الروسي عبر شراء النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة. وفي أواخر أغسطس (آب)، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 50 في المائة على الصادرات الهندية، في وقت كانت تُجرى فيه محادثات ثنائية حول اتفاقية تجارة حرة. وأكد ترمب لاحقاً أنه حصل على تعهّد من مودي بوقف واردات النفط الروسي التي تُشكِّل نحو 36 في المائة من النفط المكرر في الهند.

وبحسب منصة «كبلر» للمعلومات التجارية، تراجعت المشتريات الهندية من الخام الروسي، رغم عدم صدور تأكيد رسمي من نيودلهي، بينما أعلنت مجموعات هندية عدة أنها ستتوقف عن الاعتماد على الواردات المقبلة من موسكو.

وكان مودي قد استقبل بوتين شخصياً، مساء الخميس، في مطار نيودلهي، واستضافه على مأدبة عشاء خاصة. ومنذ بداية الزيارة، تبادل الجانبان عبارات الإطراء وأشادا بمتانة العلاقات التاريخية بين البلدين.

ووصف مودي ضيفه أمام الصحافيين بأنه «صديق حقيقي»، معرباً عن تفاؤله بإمكان إيجاد تسوية للنزاع في أوكرانيا، ومؤكداً أنه «علينا جميعاً العودة إلى طريق السلام».

وردَّ بوتين بشكر جهود مودي «الرامية إلى إيجاد تسوية لهذا الوضع»، مشيداً بالعلاقات «العميقة تاريخياً» بين البلدين وبـ«الثقة الكبرى في التعاون العسكري والتقني» بينهما.

ويسعى البلدان إلى إعادة التوازن في المبادلات التجارية التي بلغت مستوى قياسياً وصل إلى 68.7 مليار دولار خلال عامَي 2024 – 2025، رغم أنها تُظهر حالياً اختلالاً كبيراً لصالح روسيا. وما زالت الهند تمتنع عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل صريح، مع حفاظها في الوقت ذاته على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

وكان مودي قد عبّر لأول مرة عام 2022 خلال لقاء في أوزبكستان عن موقفه حيال الأزمة، حين دعا إلى وقف الحرب «في أسرع وقت ممكن»، مؤكداً لاحقاً تمسكه بنظام عالمي «متعدد الأقطاب» ومقاومة الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع موسكو.

واستغلت روسيا والهند الزيارة لمناقشة التعاون في المجال العسكري. وقال الدبلوماسي الهندي الكبير فيكرام ميسري إن وزيرَي الدفاع في البلدين عقدا اجتماعاً، من دون التوقيع على أي اتفاق جديد. ورغم توجه نيودلهي مؤخراً إلى مورِّدين آخرين مثل فرنسا، وزيادة اعتمادها على التصنيع المحلي، فإن موسكو لا تزال من أبرز مورِّدي السلاح للهند.

وبعد الاشتباكات التي شهدتها الحدود الهندية - الباكستانية في مايو (أيار)، أبدت نيودلهي اهتماماً بالحصول على منظومات دفاع جوي روسية متقدمة من طراز «إس - 400». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الزيارة: «لا شك أنه سيتم بحث هذا الموضوع خلال الزيارة». كما أشارت تقارير صحافية هندية إلى اهتمام الجيش الهندي بالمقاتلات الروسية من طراز «سوخوي - 57».

ومن المقرر أن يغادر بوتين الهند عائداً إلى موسكو، مساء الجمعة.


خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
TT

خريطة طريق لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ونيودلهي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي (رويترز)

عكست نتائج القمة الروسية الهندية إصرار موسكو ونيودلهي على إطلاق مرحلة جديدة لتعزيز التعاون في كل المجالات، بما في ذلك في قطاعي الطاقة والدفاع وفي المجالات النووية والتقنية. وتجنبت الوثائق التي وقَّعها الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والهندي ناريندرا مودي الإشارة إلى الضغوط الأميركية على الهند لتقليص التعاون مع روسيا، لكنها رسمت ملامح «خريطة طريق» لتوسيع الشراكة بين البلدين خلال السنوات المقبلة.

وبعد جولات من المحادثات التي شارك فيها ممثلون عن قطاعات مختلفة في البلدين، شارك الزعيمان في أعمال المنتدى الروسي الهندي للتعاون، ووقَّعا عشرات الوثائق المشتركة.

ووصف بوتين نتائج المحادثات بأنها وضعت أساساً لتوسيع التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. بينما أعلن رئيس الوزراء الهندي برنامجاً للتعاون الاقتصادي حتى عام 2030، سيساعد على تنويع التجارة والاستثمارات، وتحقيق التوازن بينهما.

جانب من حقل استقبال بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

وشملت الوثائق الجديدة التي تضاف إلى اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المبرمة قبل 25 سنة، اتفاقية للتعاون في مجال الصحة والتعليم الطبي والعلوم، واتفاقية لتنظيم حماية المستهلك، وتعزيز الإشراف على حقوق المستهلكين في البلدين.

كما وقَّع الزعيمان اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز فرص العمل لمواطني كل دولة لدى الدولة الأخرى، وكان هذا مطلباً هندياً لتوسيع مجالات العمالة الوافدة من الهند. وركزت اتفاقية أخرى على توسيع التعاون في منطقة القطب الشمالي، وتم رفدها بمذكرتي تفاهم للتعاون في مجال الملاحة في المياه القطبية.

ومن ضمن الاتفاقات الأخرى كان هناك بروتوكول بين الهيئة الفيدرالية للجمارك الروسية والهيئة الجمركية الهندية. واتفاق لتعزيز الخدمات البريدية. وبدا أن هذه تشكل الجوانب المعلنة من الاتفاقات الجديدة التي وصل عددها بحسب مصادر الكرملين إلى 29 وثيقة.

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)

إجراءات تبسط التنقل بين البلدين

كما أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً حدد أولويات التعاون الثنائي. بعد مشاركتهما في منتدى الأعمال الروسي الهندي. وشدد البيان على إطلاق موسكو ونيودلهي إجراءات العمل على تبسيط التنقل لمواطني البلدين من خلال نظام تأشيرات ميسر. وأشار إلى تعزيز التعاون في إمدادات الطاقة، وتوسيع الصادرات الهندية إلى روسيا، وحدد أولويات تطوير التعاون الدفاعي في إعادة تركيز الشراكة العسكرية والانتقال إلى إنتاج منصات دفاعية متقدمة وتطوير أبحاث علمية.

كما نص على تسريع المشاورات بشأن بناء محطة طاقة نووية جديدة بتصميم روسي في الهند. واتفق الزعيمان على تطوير أنظمة دفع بالعملات الوطنية، وناقشا إنشاء شركات للأسمدة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصول الزعيم الروسي إلى قاعدة بالام الجوية في نيودلهي في 4 ديسمبر 2025 وهو اليوم الأول من زيارته الرسمية التي تستغرق يومين إلى الهند (أ.ف.ب)

ووفقاً للبيان المشترك، فقد ناقش الطرفان، وأشادا عالياً بالتعاون الواسع النطاق في مجال الطاقة بوصفه عنصراً أساسياً في الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمتميزة بينهما. وأشار الطرفان إلى التعاون الحالي والمستقبلي بين الشركات الروسية والهندية في مجالات النفط ومنتجاته، والتكنولوجيات المتعلقة بالتكرير والبتروكيماويات، وخدمات الحفر، وتكنولوجيا الاستخراج والبنية التحتية ذات الصلة، والبنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال وغاز البترول المسال، والمشاريع المختلفة القائمة في البلدين، وتكنولوجيا الغاز تحت الأرض للفحم، والمشاريع النووية، وما إلى ذلك. كما شدّد الطرفان على ضرورة حلّ القضايا المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة بشكل عاجل، واتفقا على معالجة مختلف التحديات التي يواجهها المستثمرون في هذا القطاع.

تعاون في مجال الطاقة النووية

كما اتفق الطرفان على تعميق التعاون في إنشاء ممرات نقل مستقرة وفعالة، مع التركيز بشكل خاص على توسيع الروابط اللوجيستية لتحسين الترابط، وزيادة قدرة البنية التحتية، دعماً لتطوير «الممر النقل الدولي الشمال – الجنوب»، وممر تشيناي – فلاديفوستوك، والطريق البحري الشمالي. ورحّب الطرفان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن إعداد المتخصصين للعمل على السفن العاملة في المياه القطبية.

أشار الطرفان إلى التعاون المثمر بين إدارات السكك الحديدية في روسيا والهند، الهادف إلى إقامة شراكات في مجال تبادل التكنولوجيا المتبادل المنفعة.

وأكدا استعدادهما لتكثيف التعاون التجاري والاستثماري في منطقة الشرق الأقصى الروسي والمنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي. ويشكل «برنامج التعاون الروسي - الهندي في المجالات التجارية - الاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة 2024–2029»، فضلاً عن «مبادئ التعاون في المنطقة القطبية الشمالية للاتحاد الروسي»، الأساس الضروري لمزيد من التعاون بين الهند والأقاليم الروسية في الشرق الأقصى، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة واستغلال الثروات المعدنية واستخدام العمالة وتعدين الألماس ومعالجته والصناعات الدوائية والنقل البحري.

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

وأكد الطرفان عزمهما على توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك دورة الوقود النووي، وضمان دورة حياة تشغيل محطة الطاقة النووية «كودانكولام»، والتطبيقات غير الطاقوية للتكنولوجيا النووية، فضلاً عن بلورة جدول أعمال جديد للتعاون في المجالات المتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتكنولوجيات العالية المرتبطة بها.

وأشار الطرفان إلى أهمية التعاون في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية كجزء جوهري من الشراكة الاستراتيجية، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان خطط حكومة جمهورية الهند لزيادة توليد الطاقة النووية في البلاد إلى 100 غيغاواط بحلول عام 2047. ورحّب الطرفان بالتقدم المحرز في مشروع محطة «كودانكولام»، بما في ذلك بناء الوحدات المتبقية، واتفقا على الالتزام بجدول تسليم المعدات والوقود.

لاحظ الطرفان أهمية مواصلة النقاش حول تخصيص موقع ثانٍ في الهند لبناء محطة طاقة نووية.

وسوف يبذل الجانب الهندي كل الجهود لتخصيص الموقع رسمياً وفقاً للاتفاقيات الموقعة سابقاً. مع الإشارة إلى أهمية التعاون في الفضاء، رحّب الطرفان بتوسيع التعاون بين مؤسسة «روسكوسموس» الروسية ومنظمة الأبحاث الفضائية الهندية في استخدام الفضاء للأغراض السلمية، بما في ذلك برامج الفضاء المأهولة والملاحة الفضائية واستكشاف الكواكب. وأشار الطرفان إلى التقدم المحرز في التعاون المتبادل المنفعة في مجال تطوير وإنتاج وتشغيل محركات الصواريخ.

منظمة شنغهاي والنظام العالمي

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

في الشق السياسي، أشار الطرفان إلى الدور المتنامي لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشكيل النظام العالمي الجديد. وأكد دعم روسيا ترشيح الهند للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي الموسع. كما تم توقيع حزمة كبيرة من الاتفاقيات الحكومية والوزارية والتجارية. ويهدف العديد منها إلى توسيع التعاون الاقتصادي بين روسيا والهند.

وأعلن بوتين في ختام المحادثات أن روسيا سوف تظل مورداً موثوقاً به للطاقة لنيودلهي، مؤكداً أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للهند سوف تظل قائمة. من دون أن يتطرق إلى التهديدات الأميركية برفع التعرفقة الجمركية على الهند في حال واصلت مشتريات موارد الطاقة من روسيا.

وقال بوتين إن حجم التجارة الروسية الهندية بلغ هذا العام 64 مليار دولار، مشيراً إلى أن خريطة الطريق الجديدة لتعزيز التعاون سوف تسهم في رفع هذا الرقم إلى 100 مليار حتى حلول عام 2030.

ورأى بوتين أن العلاقات القوية بين قطاع الأعمال في البلدين تشكل أساساً متيناً لتطوير التعاون بين موسكو ونيودلهي. وزاد أن روسيا مستعدة لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً في الوقت نفسه إلى توجه لتعزيز التعاون الصناعي. وتحدث الرئيس الروسي عن تحديث البنية التحتية لطريق بحر الشمال ومشروع الممر الشمالي الجنوبي.

مؤكداً أن سهولة الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات اللوجيستية تحظى بأهمية خاصة، و«يجري العمل بالفعل على قدم وساق في هذا الاتجاه. ويجري العمل على مشروع إنشاء ممر بين الشمال والجنوب - من روسيا وبيلاروسيا إلى ساحل المحيط الهندي».

مودي، بدوره، تحدث عن شراكة مع الشركات الروسية في إنتاج المركبات الكهربائية ومكوناتها. وأعرب عن قناعة بأن التعاون في هذا المجال لن يلبي احتياجات البلدين فحسب، بل سيسهم أيضاً في تنمية دول الجنوب العالمي، كما اقترح تطوير علاجات جديدة للسرطان بشكل مشترك. وتطرق إلى إمدادات الطاقة، مؤكداً الاستعداد لضمان إمدادات الوقود دون انقطاع للاقتصاد الهندي سريع النمو.

وبات معلوماً أن الطرفين ناقشا خلال الزيارة توسيع التعاون في مجال الطاقة الذرية.

وقال مودي إن موسكو ونيودلهي تتجهان للتعاون في مجال بناء المفاعلات المعيارية الصغيرة ومحطات الطاقة النووية العائمة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية في الطب. وأكد أن محطة كودانكولام للطاقة النووية سوف تقدم مساهمة كبيرة في إمدادات الطاقة الهندية.

وأشاد مودي بالشراكة الاستراتيجية الممتدة على مدى ربع قرن مع روسيا، مؤكداً أنها صمدت وتعمقت رغم جميع التحديات والتغيرات العالمية. ووجَّه مودي الشكر للرئيس الروسي على صداقته وعمله المتفاني، مؤكداً أن «حكمة بوتين وخبرته كانتا حاسمتين في تعزيز هذه العلاقات».

وفي إطار التعاون المستقبلي، أشار مودي إلى أن الشراكة في منطقة القطب الشمالي ستحقق منفعة مشتركة، وستسهم في خلق فرص عمل للشباب الهندي.


أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
TT

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

لم تكن قضية الدفن في اليابان مطروحة على نحو واسع في السنوات الماضية، فالمجتمع الذي اعتاد منذ عقود طويلة على الحرق (الكريماتوريوم) بوصفه الطقس الجنائزي شبه الوحيد، لم يعرف تقليد الأرض، ولا القبور المفتوحة، ولا الأبنية الحجرية التي تتعانق فوقها شواهد الموتى. في بلد تشكّل الجبال ثلاثة أرباع مساحته، وتنافس المدن بضيق شوارعها على كل شبر من اليابسة، بدا الموت نفسه خاضعاً لحسابات المكان، مسيّجاً بقواعد عمرانية وثقافية صارمة، جعلت من الحرق خياراً إجبارياً لا يخطر ببال أحد تجاوزه.

هنا، تتغلب العقيدة على الجغرافيا، وتنتصر الضرورة على الطقوس؛ فالحرق هو الخاتمة الطبيعية لأغلب اليابانيين، بنسبة تتجاوز 99 في المائة. نهاية تتماهى مع الفلسفة البوذية والشينتو، لكنها أيضاً استجابة عملية لجغرافيا لا تسمح بترف المدافن، ولا بشواهد ممتدة على مدى البصر كما يعتاد الناس في بلدان أخرى، في حين يُعامل الدفن باعتباره استثناءً نادراً، لا سند له سوى حالات خاصة أو ظروف قاهرة. لكن هذا النظام، الذي ظلّ عقوداً بلا منازع، بدأ يواجه اختباراً جديداً مع اتساع الجالية المسلمة في البلاد، والتي تتراوح أعدادها وفق تقديرات متقاطعة بين 200 و350 ألف مسلم. هذه الجالية، التي تنمو في الجامعات والمصانع والبحث العلمي والتجارة، تحمل معها تقليداً جنائزياً لا يعرف المساومة: دفن الميت في الأرض، وفق شروط شرعية ثابتة، لا حرق فيها ولا تبديل.

كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟

بدأت أسئلة جديدة تُطرح حول كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟ فجاءت الإجابة مُربكة: مساحات قليلة ومتباعدة، بعضها في أطراف كوبي، وأخرى في ريف هوكايدو البعيد، في حين تُحرم مناطق واسعة من توهوكو شمالاً إلى كيوشو جنوباً من أي موطئ قدم لمدفن إسلامي، تاركة آلاف الأسر أمام خيارات قاسية لا تعرف سوى السفر أو الترحيل أو مواجهة فراغ تشريعي لا يعترف بالحاجة.

ومع أن مطالب الجالية المسلمة لم تكن كاسحة أو مُربكة للدولة؛ إذ اقتصر طلبهم على مساحات محدودة في ضواحي المدن تُدار وفق شروط صارمة تتوافق مع القوانين الصحية، فإن التجاوب الرسمي ظل باهتاً. برزت اعتراضات محلية تتحدث عن مخاوف بيئية من تلوث المياه الجوفية، رغم أن خبراء الصحة والبيئة لم يجدوا ما يدل على خطورة الدفن الإسلامي إذا نُظّم بطريقة مناسبة.

لحظة الانفجار البرلماني

وفي خضم هذا الجدل الصامت، انفجر الملف فجأة داخل البرلمان الياباني، حين وقفت النائبة أوميمورا ميزوهو العضوة البارزة في حزب سانسيتو المحافظ، لتعلن أن اليابان «لا تحتاج إلى أي مقابر جديدة»، وأن الحرق «هو النظام الطبيعي والمتوافق مع تركيبة هذا البلد».

ومضت خطوة أبعد من ذلك، بدعوة المسلمين إلى التفكير في «بدائل منطقية»، من بينها القبول بالحرق أو ترحيل الجثامين إلى الخارج، مستشهدة بتجارب أوروبية وأميركية، كما قالت، من دون أن تذكر أن هذه التجارب نفسها تواجه انتقادات واسعة عندما تتعارض مع حقوق الأقليات الدينية.

غضب في صفوف الجالية المسلمة

وقد جاء تصريحها كصاعقة في أوساط الجالية المسلمة، التي رأت فيه إشارة واضحة إلى توجّه رسمي نحو إغلاق الباب أمام أي توسع في المقابر الإسلامية، خصوصاً بعد أن حظي كلامها بتأييد عدد من النواب الذين تحدثوا عن «عجز اليابان عن تحمل أعباء ثقافية جديدة بسبب ضيق الأرض».

فجأة، تحولت القضية من نقاش بلدي إلى مشهد سياسي وطني واسع، وبات المسلمون يشعرون بأن حقهم في الدفن وفقاً لشريعتهم يُناقَش الآن في البرلمان باعتباره عبئاً، لا احتياجاً دينيّاً وإنسانياً مشروعاً.

وبين ضغط الجغرافيا اليابانية، وتمسّك المسلمين بواجباتهم الشرعية، ومواقف سياسية تزداد تصلباً، تبدو أزمة المقابر الإسلامية مرشحة لتتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة اليابان على مواكبة مجتمع أصبح أكثر تنوعاً مما كان عليه قبل عقد واحد فقط. وبينما تبقى القبور قليلة، يظل السؤال الأكبر معلّقاً فوق المشهد الياباني: هل ستتسع أرض اليابان للموتى المسلمين بعد أن ضاقت بحاجات الأحياء، أو أن رحلتهم الأخيرة ستظل تبدأ في اليابان... لكنها لا تنتهي فيها؟