مؤتمر نيويورك أطلق حراكاً سياسياً لإحياء «حل الدولتين»

وعود الاعترافات بدولة فلسطين تتوالى

وزيرا الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي جان نويل بارو خلال الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر حل الدولتين (أ.ف.ب)
وزيرا الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي جان نويل بارو خلال الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر حل الدولتين (أ.ف.ب)
TT

مؤتمر نيويورك أطلق حراكاً سياسياً لإحياء «حل الدولتين»

وزيرا الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي جان نويل بارو خلال الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر حل الدولتين (أ.ف.ب)
وزيرا الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي جان نويل بارو خلال الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر حل الدولتين (أ.ف.ب)

أطلق مؤتمر نيويورك، الذي انعقد في الأمم المتحدة برعاية المملكة العربية السعودية ومشاركة فرنسية، حراكاً سياسياً باتجاه «حل الدولتين»؛ وبرزت معه وعود جديدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، لحاقاً بإعلان باريس نيتها اتخاذ هذه الخطوة.

ففي بريطانيا، أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر، بعد اجتماع استثنائي للحكومة، عزمه على اللحاق بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل حال لم تتخذ إسرائيل خطوات لتحسين الوضع في قطاع غزة وإحلال السلام، وهو ما كرره وزير خارجيته ديفيد لامي أمام مؤتمر نيويورك.

ومع ازدياد الضغوط في الداخل، أعلن ستارمر أنه سيُقدم على هذه الخطوة ما لم توقف إسرائيل حربها على غزة، وتفتح المعابر أمام تدفق المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وتنخرط في محادثات سلمية جدية لوضع حد للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يلقي بياناً في لندن يوم الثلاثاء دعا فيه مجلس الوزراء إلى الانعقاد لبحث الوضع بغزة (رويترز)

ويبدو التجاوب الإسرائيلي مع هذه الشروط مستحيلاً، بالنظر إلى مواقف نتنياهو وفريقه الحكومي، كما يعني عملياً أن لندن -التي تتحمل مسؤولية تاريخية في قيام إسرائيل منذ «وعد بلفور» عام 1917- ستُقدم على هذا التحرك.

ولهذه الخطوة أهمية خاصة، إذ ستكون بريطانيا هي الدولة الثانية في «مجموعة السبع» التي تعترف بالدولة الفلسطينية، بعد فرنسا، والرابعة في مجلس الأمن من بين الدول الخمس دائمة العضوية. كما أن لها أهمية خاصة من حيث أنها تجعل الحراك الغربي «حراكاً جماعياً»، وهو ما كانت تراهن عليه باريس.

وجسَّد «نداء مؤتمر نيويورك» الداعي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية والصادر عن 15 دولة غربية ما يشبه «الزلزال الأرضي»، وفق تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إذ إنها المرة الأولى التي يُقدِم فيها الغربيون «جماعياً» على خطوة كهذه.

والدول الخمس عشرة هي: أستراليا، وكندا، وفنلندا، وفرنسا، والنرويج، وإسبانيا، والبرتغال، وآيرلندا، وسلوفينيا، ولوكسمبورغ، ومالطا، ونيوزيلندا، وآيسلندا، وسان مارينو، وأندورا.

ومن بين الدول المذكورة، أعلنت مالطا رسمياً أنها سوف تعترف بالدولة الفلسطينية؛ فيما تتأهب كندا لذلك، وكذلك فنلندا. وترى مصادر فرنسية أن البرتغال مهيَّأة بدورها لهذا الاعتراف.

وقد جاء في إحدى فقرات «النداء»: «لقد اعترفنا، أو عبَّرنا أو نعبّر عن استعداد بلداننا أو نظرتنا الإيجابية للاعتراف بدولة فلسطين، بوصفه خطوة أساسية نحو حل الدولتين؛ وندعو جميع الدول التي لم تقم بذلك بعد إلى الانضمام إلى هذا النداء».

كما ورد فيه: «نعرب عن عزمنا على العمل من أجل وضع هيكلية لليوم التالي في غزة، تضمن إعادة إعمار غزة، ونزع سلاح حركة (حماس)، واستبعادها من الحكم الفلسطيني».

العدوى الدبلوماسية

تنمّ صياغة الفقرة المذكورة عن رغبة جماعية في الإقدام وتشجيع آخرين على اللحاق بالركب. وتعترف بالدولة الفلسطينية، حتى اليوم، 149 دولة.

وتقول مصادر فرنسية إن إعلان ماكرون خطوة الاعتراف قبل أيام كان ذا هدف مزدوج: ممارسة ضغوط على الدول الأوروبية المترددة من جهة، وإعطائها الوقت الكافي حتى 21 سبتمبر، وهو الموعد المبدئي للقمة التي ستوَّجه الدعوة إليها في نيويورك حتى تبلور قرارها.

ونقلت وزارة الخارجية الفرنسية، الأربعاء، عن بارو قوله للأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن هذا الاعتراف «يندرج ضمن ديناميكية سياسية شاملة دعمها المؤتمر، وتهدف إلى تحقيق الاعتراف بدولة فلسطين، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ودمجها إقليمياً، وإصلاح الحوكمة الفلسطينية، ونزع سلاح حركة (حماس) واستبعادها بالكامل، وتنفيذ ضمانات أمنية جماعية».

الأمين العام للأمم المتحدة يصافح وزير الخارجية الفرنسي خلال مؤتمر «حل الدولتين» في نيويورك (أ.ف.ب)

ولعل الفقرة الأخيرة من خريطة الطريق تختصر الهدف الأسمى للمؤتمر: «إنها فرصة تاريخية. لقد حان وقت العمل الحاسم والجماعي لإنهاء الحرب، وتحقيق إقامة الدولة الفلسطينية، وضمان السلام والكرامة لكلا الشعبين».

رغم الضغوط والتحذيرات

حظي المؤتمر بحضور واسع، إذ شاركت فيه 125 دولة، وكثير من المنظمات الدولية والإقليمية؛ كالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وما لا يقل عن 40 وزيراً للخارجية، رغم الضغوط الإسرائيلية والأميركية.

وإلى جانب تلك الضغوط، حذرت حملة داخلية استهدفت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد إعلانه العزم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً في «أسبوع الرؤساء والقادة» في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر، من تنفيذ بادرة «لن يكون لها أي تأثير» على مسار الأحداث في الشرق الأوسط؛ كما نبّهته من «العزلة الدبلوماسية» التي سيقع فيها لأنه ليست هناك أي دولة أوروبية أو غربية سوف تنضم إليه.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

واستبعد «المشككون» انبعاث «ديناميكية دبلوماسية - سياسية» لصالح حل الدولتين الذي أصبح، وفق رؤيتهم، «جزءاً من الماضي»، ليس فقط بسبب التغيرات السياسية والميدانية، ولكن أيضاً بسبب رفض إسرائيل الجذري قيام دولة فلسطينية.

وصوَّت الكنيست العام الماضي على قرار يرفض قيام دولة فلسطينية، كما تبنى الأسبوع الماضي قراراً يدعو الحكومة إلى ضم الضفة الغربية بأغلبية 71 صوتاً. وباختصار، فإن المشككين رأوا في «مؤتمر الدولتين» ضرباً من «الأوهام».

ودأبت السردية الإسرائيلية على التنديد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرةً إياه «مكافأة لحماس وللإرهاب»، زاعمةً أنه سيؤول إلى «نسف مساعي الحل السلمي» و«الجهود المبذولة لوضع حد للحرب» في غزة.

لكن كل ما سبق لم يتحقق، بل حدث العكس تماماً.

فالرياض وباريس نجحتا في مسعيهما الهادف إلى إعادة إحياء «حل الدولتين» الذي غاب طويلاً.

وخلال يومين فقط، كان تركيز ثلثي بلدان العالم على «خريطة الطريق» التي تمت بلورتها طيلة أسابيع طويلة بفضل جهود ثماني مجموعات عمل مزدوجة الرئاسة، عربية ودولية، انكبَّت على صياغة مقترحات عامة وشاملة وعملية حول كيفية وضع حد للنزاع والذهاب نحو شرق أوسط مندمج أمنياً واقتصادياً وإنسانياً.

وبرز ذلك في «الوثيقة النهائية» المكونة من 7 صفحات والتي صدرت مع انتهاء أعمال المؤتمر، يوم الثلاثاء.

وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إن الوثيقة «تتضمن مقترحات شاملة للمحاور السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية والقانونية والسردية الاستراتيجية، وهي تشكل إطاراً متكاملاً وقابلاً للتنفيذ من أجل تطبيق حل الدولتين وتحقيق السلم والأمن للجميع».

ودعا الوزير السعودي إلى «تأييد الوثيقة الختامية» قبل اختتام الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة عن طريق إبلاغ البعثة السعودية أو الفرنسية في نيويورك بذلك.


مقالات ذات صلة

خطة ترمب لغزة تنال مباركة أممية واسعة تدفع مسار الدولة الفلسطينية

العالم العربي أعضاء مجلس الأمن يصوتون على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة لتفويض قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة (د.ب.أ)

خطة ترمب لغزة تنال مباركة أممية واسعة تدفع مسار الدولة الفلسطينية

وفّر مجلس الأمن غطاء دولياً واسعاً لخريطة الطريق الأميركية بشأن غزة، فيما يمثل اختراقاً مهماً يعطي بعداً قانونياً يتجاوز مجرد وقف النار وإطلاق الرهائن.

علي بردى (واشنطن)
العالم رجل يتحدث أثناء تجمع الناس دعماً للفلسطينيين بينما يرفرف العلم الفلسطيني في تورونتو بكندا 17 نوفمبر 2025 (رويترز)

للمرة الأولى... العلم الفلسطيني يرفرف على مبنى بلدية تورونتو الكندية

رُفع العلم الفلسطيني على مبنى بلدية تورونتو، الاثنين، للمرة الأولى منذ اعتراف الحكومة الفيدرالية بدولة فلسطين في سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (تورونتو)
تحليل إخباري جنود إسرائيليون أمام ناشطين إسرائيليين وفلسطينيين تجمعوا في بلدة بيت جالا بالضفة للاحتجاج على هجمات المستوطنين الجمعة (أ.ب) play-circle

تحليل إخباري إقناع الإسرائيليين بدولة فلسطينية ممكن... ولكن بشروط

اليمين الإسرائيلي يهبّ ضد قرار مجلس الأمن المستند إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ لأنه يتضمن مساراً لإحقاق حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز) play-circle

مجلس الأمن يصوت على «قوة غزة» غدا... ومواجهة أميركية - روسية في الأفق

يصوت مجلس الأمن بعد ظهر الاثنين على مشروع قرار أميركي بدعم دولي وإسلامي وعربي لتبني خطة الرئيس دونالد ترمب في شأن غزة، فيما ظهر شبح استخدام روسيا «الفيتو».

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي جلسة لأحد اجتماعات مجلس الأمن الدولي في نيويورك (أرشيفية) play-circle

إسرائيل تضغط بقوة لشطب «الدولة الفلسطينية» قبل تصويت مجلس الأمن

قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صدّ الهجوم عليه من حلفائه الذين اتهموه بالتراخي حيال المشروع الأميركي في مجلس الأمن حول غزة.

نظير مجلي (تل أبيب)

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم (الجمعة)، أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2026 قد حُددت عند 112 مليار شيقل (34.63 مليار دولار)، بزيادة على 90 مليار شيقل كانت مُدرجة في مسودة سابقة، وفقاً لوكالة «رويترز».

واتفق كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على إطار الإنفاق الدفاعي، حيث بدأ مجلس الوزراء مناقشة ميزانية العام المقبل، والتي تجب الموافقة عليها بحلول مارس (آذار)، وإلا قد تؤدي إلى انتخابات جديدة.

وبدأ الوزراء ما يُعرف بجلسة ماراثونية يوم الخميس قبل التصويت الذي قد يُجرى صباح الجمعة. وفي حال إقرارها، ستُعرض على البرلمان للتصويت الأولي.

وأكد كاتس أن الجيش سيواصل جهوده لتلبية احتياجات مقاتليه وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط.

ونقل مكتبه عنه قوله: «سنواصل العمل بحزم لتعزيز جيش الدفاع الإسرائيلي، وتلبية احتياجات المقاتلين بشكل كامل، وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط - من أجل ضمان أمن دولة إسرائيل على جميع الجبهات».

وكانت حرب غزة مكلفة لإسرائيل، التي أنفقت 31 مليار دولار في عام 2024 على صراعاتها العسكرية مع «حماس» و«حزب الله» في لبنان.

ومنذ ذلك الحين، أبرمت إسرائيل اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع الجماعتين المسلحتين. وصرح مكتب سموتريتش بأن ميزانية الدفاع لعام 2026، شهدت زيادة قدرها 47 مليار شيقل مقارنة بعام 2023 عشية الحرب. وقال سموتريتش، وفقاً لمكتبه: «نخصص ميزانية ضخمة لتعزيز الجيش هذا العام، ولكنها أيضاً ميزانية تسمح لنا بإعادة دولة إسرائيل إلى مسار النمو والراحة للمواطنين».


لجنة نزع أسلحة «الكردستاني» تنهي جلسات الاستماع حول عملية السلام

اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)
اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)
TT

لجنة نزع أسلحة «الكردستاني» تنهي جلسات الاستماع حول عملية السلام

اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)
اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)

اختتمت لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» البرلمانية المعنية بوضع الإطار القانوني لنزع أسلحة حزب العمال الكردستاني وعملية السلام في تركيا جلسات الاستماع الخاصة بالعملية.

وقال رئيس البرلمان التركي رئيس اللجنة، نعمان كورتولموش: «من الآن فصاعداً، سنُنجز أخيراً بعض واجباتنا الأساسية، وسنعرض النتائج التي حققناها على البرلمان»، مُعرباً عن أمله أن تثمر جهود اللجنة عن نتائج إيجابية. وأضاف كورتولموش، في مستهل أعمال الجلسة 19 للجنة التي عقدت بالبرلمان التركي، الخميس، أن عملية «تركيا خالية من الإرهاب» (الاسم الذي تستخدمه الحكومة التركية للإشارة إلى «عملية السلام والمجتمع الديمقراطي» كما يسميها الأكراد)، لا تقتصر على عمل اللجنة، لكنه جزء منها فقط.

رئيس البرلمان التركي نعمان كوتولموش (حساب البرلمان في إكس)

وأشار كورتولموش إلى أنه «بعد إعلان المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) قرارها بحلّ نفسها - في 12 مايو (أيار) الماضي - وبدء عملية تسليم أسلحتها بمراسم رمزية، تسارعت وتيرة هذه العملية»، وأن «اللجنة البرلمانية، المؤلفة من 11 حزباً بالبرلمان، أوفت بمسؤولياتها، حتى وصلت العملية إلى المرحلة الحالية».

مرحلة حساسة

وذكر كورتولموش أن اللجنة استمعت، منذ تأسيسها في 5 أغسطس (آب) حتى الآن، إلى 134 فرداً ومنظمة من المجتمع المدني.

وتابع كورتولموش: «من الواضح أننا دخلنا مرحلة تتطلب من الجميع توخي المزيد من الحذر والتصرف بحساسية أكبر من الآن فصاعداً، واختيار الكلمات والأسلوب بعناية، لأن أي كلمة ممكن أن تؤثر على هذه العملية سلباً أو إيجاباً».

وخلال الاجتماع، استمع أعضاء اللجنة، في الجلسة التي عقدت بشكل مغلق أمام الصحافة، إلى إحاطة من وفدها الذي زار زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

امرأة كردية ترفع صورة لأوجلان وهو يقرأ نداءه لحزب العمال الكردستاني في 27 فبراير الماضي خلال احتفالات عيد النوروز في تركيا في 21 مارس (رويترز)

وقال كورتولموش، خلال كلمته الافتتاحية، إنه «بهذه الزيارة، اختتمت لجنة التحقيق مرحلة الاستماع، وانتقلت إلى مرحلة إعداد التقارير»، مُعرباً عن أمله في إعداد تقرير نهائي يعكس رؤية اللجنة لتحقيق هدف «تركيا خالية من الإرهاب»، من خلال مراعاة الحساسيات والآراء المشتركة.

وأضاف أنه بإعداد هذا التقرير تكون هذه العملية «التاريخية» تجاوزت مرحلة حاسمة أخرى، وتكون اللجنة أوفت بمسؤولياتها، لافتاً إلى أنها «ليست عملية تفاوض، بل سياسة دولة».

موقف أوجلان

وفي تصريحات سبقت اجتماع اللجنة، قال كورتولموش إن اجتماع وفد اللجنة مع أوجلان كان قراراً اتخذ بالأغلبية المطلقة داخل اللجنة، ولن يبقى مضمونه سراً.

وأكّد كورتولموش ضرورة اختتام العملية بنجاح، نظراً للظروف الإيجابية في تركيا وسوريا والعراق. ولفت إلى أن أوجلان لم يتخل عن الإطار العام المتمثل في «تلبية مطالب مواطنينا الأكراد بمعايير ديمقراطية أكثر تقدماً»، لكنه لم يقدّم أيّ مطالباتٍ بفيدرالية أو كونفدرالية أو دولة مستقلة، أو مناقشة المواد الأربع الأولى من الدستور التركي، التي تحدد شكل الجمهورية وهويتها وعلمها ولغتها.

بروين بولدان ومدحدت سانجار عضوا وفد إيمرالي (حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب - إكس)

وعشية اجتماع اللجنة، أكّد أوجلان إرادته القوية وموقفه الحازم تجاه عملية السلام، رغم كل محاولات «الانقلاب» عليها، فيما يُعدّ رداً على إعلان قياديين في الحزب تجميد أي خطوات جديدة بإقرار قانون للمرحلة الانتقالية لـ«عملية السلام» التي بدأت في تركيا عقب دعوته لحل الحزب ونزع أسلحته.

وقال حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، في بيان حول زيارة وفده لأوجلان، الثلاثاء، إن الأخير أكد ضرورة وضع قانون انتقالي لعملية السلام. وطالب الرئيس المشارك للحزب، تونجر باكيرهان، ضرورة الكشف عن محاضر اجتماع وفد اللجنة مع أوجلان.

وزير العدل التركي يلماظ تونتش (من حسابه في إكس)

في السياق، حذر وزير العدل، يلماظ تونتش، من أنه «في هذه المرحلة، قد يكون هناك من يسعى لتخريب العملية، ومن لا يريدها أن تستمر، ومن يريد عودة الإرهاب كما حدث في الماضي، ومن يريد نصب الفخاخ لتركيا وشعبها»، مؤكداً أن الدولة ستواصل توخي اليقظة.


«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)
بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)
TT

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)
بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها. لكن ما لم يكن المواطنون يدركونه هو أنّ المسؤولين الحكوميين ومؤيدي النظام يستخدمون الموقع نفسه، رغم أنّه محظور داخل إيران.

وقد كُشف عن هذا الأمر بعد أن أطلقت منصة «إكس»، التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، تحديثاً يُظهر موقع كل مستخدم.

وفضح التحديث وزراء حكوميين، وشخصيات في وسائل الإعلام الرسمية، ومسؤولين سياسيين، وحسابات موالية للنظام، إذ ظهر أنهم يدخلون إلى المنصة المحظورة من داخل إيران باستخدام شرائح «وايت سيم» (الشرائح البيضاء) الخاصة.

كان من المفترض أن تساعد ميزة تحديد الموقع الجديدة على رصد الحسابات الوهمية، لكنها بدلاً من ذلك كشفت عن الفجوة الرقمية في إيران، التي تُعد إحدى أكثر دول العالم خضوعاً للرقابة، وفق ما ذكرت صحيفة «التلغراف» البريطانية.

ويصف منتقدو النظام هذه الفجوة بأنها نوع من «الفصل العنصري الرقمي»، حيث لا يستطيع الوصول الحر إلى الإنترنت إلا مجموعات معينة.

الإيرانيون العاديون

متسوقون في بازار بشمال طهران (أرشيفية - أ.ف.ب)

في المقابل، يضطر الإيرانيون العاديون إلى استخدام تطبيقات «في بي إن» (VPN) التي تُخفي موقعهم الحقيقي، لتجاوز الحظر. وإذا ضُبطوا وهم ينشرون على منصة «إكس» فإن السلطات الإيرانية تعاقبهم، وإن كانت منشوراتهم مناهضة لإيران أو مؤيدة لإسرائيل، فهم يواجهون الإعدام أو أحكاماً بالسجن.

أما الحسابات الحكومية والموالية للنظام فتستخدم شرائح الـ«وايت سيم» للحصول على دخول غير مقيّد إلى الإنترنت وتجاوز القيود التي يفرضونها هم أنفسهم.

أحمد بخشايش أردستاني، وهو سياسي إيراني وعضو في لجنة الأمن القومي، انتقد استخدام هذه الشرائح، قائلاً: «كثير من الناس يريدون استمرار الحجب لأنهم يريدون تطبيقات (في بي إن) والمتاجرة فيها».

وأضاف أن سوق هذه التطبيقات المستخدمة من قبل المواطنين العاديين «حجمها المالي كبير، وتتحكم به عصابات مافيا».

وعند الدخول إلى منصة «إكس» باستخدام تطبيقات «في بي إن»، يظهر الموقع الجغرافي للدولة التي يوجد فيها الخادم (Server) وليس الموقع الحقيقي للشخص المستخدم.

ومن المنصات المحظورة الأخرى في إيران: «فيسبوك»، و«يوتيوب»، و«تلغرام». وقال أحد المواطنين الإيرانيين لصحيفة البريطانية إن «هذا تمييز واضح في الحقوق العامة ويتعارض مع النص الصريح للدستور»، في إشارة إلى ضمان الدستور الإيراني للمساواة بين المواطنين.

وقال آخر: «عندما تستخدمون أنتم أنفسكم شرائح (وايت سيم) الخاصة، فكيف يمكن أن نتوقع منكم أن تفهموا معاناتنا مع الحجب؟ وكيف نتوقع منكم السعي لرفعه؟».

شخصيات وحسابات مستثناة

أرشيفية لوزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف خلال حضوره تأبيناً لدبلوماسيين إيرانيين (تسنيم)

وزير الاتصالات ستّار هاشمي، ووزير الخارجية السابق جواد ظريف، والمتحدثة الحكومية فاطمة مهاجراني، إضافة إلى عشرات الصحافيين العاملين في وسائل إعلام رسمية.

كما كُشف أيضاً عن شخصيات سياسية، ومنشدين دينيين يمدحون النظام الإيراني في المناسبات الرسمية، وحسابات ادّعت عبر الإنترنت أنها معارضة، بما في ذلك صفحات مَلَكية وانفصالية تعمل من داخل إيران على ما يبدو بموافقة رسمية.

ويقول محللون إن الهدف هو إبقاء أجزاء من الخطاب المعارض - الصفحات المَلَكية والانفصالية - تحت سيطرة المؤسسة الدينية الحاكمة. وكانت الفضيحة محرجة بشكل خاص للمسؤولين الذين سبق أن عارضوا علناً الامتيازات في الوصول إلى الإنترنت.

فقد ادّعت مهاجراني أنها تستخدم برامج «في بي إن»، مثلها مثل المواطنين العاديين، قائلة: «الإنترنت الطبقي لا أساس قانونياً له، ولن يكون أبداً على جدول أعمال الحكومة».

وقال مهدي طباطبائي، نائب وزير الاتصالات وله دور في متابعة رفع حجب الإنترنت، إن «تقسيم المجتمع إلى أبيض وأسود هو لعب في ملعب العدو». وشبّه الصحافي ياشار سلطاني الوضع برواية جورج أورويل «مزرعة الحيوان»، قائلاً: «عندما تُقنّن الحرية، فهي لم تعد حرية – إنها تمييز بنيوي».