«هدنة غزة»: الانسحابات «تشل مؤقتاً» المفاوضات... وترقب لجولة جديدة

مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: الانسحابات «تشل مؤقتاً» المفاوضات... وترقب لجولة جديدة

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

انسحابان غير متوقعين أحدهما من فريق الوسيط الأميركي والآخر لوفد إسرائيل التفاوضي، من مفاوضات بدأت قبل نحو شهر في الدوحة لبحث وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عقب تقديم حركة «حماس» ردها للوسطاء.

الانسحاب المتزامن فتح تساؤلات بشأن تعثر المفاوضات، غير أن مصدراً مصرياً أكد الجمعة، انعقاد جولة جديدة الأسبوع المقبل.

ويعتقد محلل مصري وآخر فلسطيني تحدثا لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الخطوة المتفق عليها أميركياً وإسرائيلياً «ستشل مؤقتاً» المفاوضات وستفرض بدائل محتملة صعبة أمام «حماس»، أحدها تصعيد مشترك من واشنطن وحكومة بنيامين نتنياهو تجاهها، والآخر التنازل والقبول بالمطروح بشأن عدم التوسع في طلب الانسحابات الإسرائيلية وعدم المطالبة بضمانات أكبر بشأن وقف الحرب.

وبخلاف السبب المعلن للانسحاب الأميركي - الإسرائيلي للتشاور، يرى المحللان أن تلك الخطوة تأتي بالتنسيق بين واشنطن ونتنياهو لمزيد من الضغط على «حماس» لعدم فرض أي تعديلات جديدة أو احتمال وجود معلومة استخباراتية بالتوصل لرهائن قد تؤخر المفاوضات قليلاً، وأكدا أنه حال عادت المفاوضات الأسبوع المقبل ستكون «الجولة صعبة للغاية» على الحركة الفلسطينية.

وأعلن المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، الخميس، في منشور على «إكس»: «قرّرنا إعادة فريقنا من الدوحة لإجراء مشاورات بعد ردّ (حماس)، الذي يُظهر بوضوح عدم رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة»، وذلك بعد وقت قصير من إعلان مكتب نتنياهو، في بيان الخميس، أنه «في ضوء رد حماس تقرر إعادة فريق التفاوض لإجراء مشاورات إضافية في إسرائيل».

فيما ردت «حماس»، في بيان، ليل الخميس - الجمعة بأنها «تستغرب تصريحات ويتكوف السلبية في وقت عبّر فيه الوسطاء عن ترحيبهم وارتياحهم للموقف البنّاء والإيجابي في الرد»، مؤكدة «حرصها على استكمال المفاوضات، والانخراط فيها بما يساهم في تذليل العقبات والتوصّل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار».

تصاعد الدخان في أعقاب غارة إسرائيلية على جباليا شمال قطاع غزة خلال وقت سابق (أ.ف.ب)

واتهم عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، باسم نعيم، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، ويتكوف بـ«مخالفة السياق الذي جرت فيه جولة المفاوضات الأخيرة»، مضيفاً: «هو يعلم ذلك تماماً، ولكنها تأتي في سياق خدمة الموقف الإسرائيلي».

والتغير في الموقف الأميركي الإسرائيلي يأتي بعد تسريبات إعلامية نقلها مسؤول إسرائيلي لموقع «أكسيوس» الأميركي، تفيد بأن «هناك تحسناً في رد حماس، الآن لدينا شيء للعمل عليه»، مشيراً إلى أن «الاستجابة الجديدة تفتح المجال أمام مواصلة المفاوضات»، بخلاف تأكيد الوسيط الأميركي، بشارة بحبح في منشور بحسابه على «فيسبوك»، الخميس، أن «رد حماس كان واقعياً وايجابياً وعلى إسرائيل الدخول في مفاوضات جدية وسريعة للتوصل إلى وقف إطلاق النار».

ورد «حماس» محل الجدل الحالي، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية ومصدر تحدث لـ«رويترز» الخميس، يتضمن اعتراضات على عمق الانسحاب الإسرائيلي ومطالبة الحركة بانسحاب أكبر والاعتراض على عدم وجود التزام قاطع بتثبيت الاتفاق واستمرار مفاوضات وقف الحرب.

مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، يعتقد أن تلك الانسحابات «تشل المفاوضات مؤقتاً»، موضحاً أن الموقف الأميركي - الإسرائيلي كان «مفاجئاً بعد تفاؤل حذر بإبرام اتفاق الأيام الماضية، وهو يستهدف مزيداً من الضغوط على حماس للقبول بما هو مطروح، لا سيما عدم التوسع في الانسحابات الإسرائيلية من القطاع وغياب ضمانات كاملة لوقف الحرب». ويرى أن المفاوضات ستدور في تلك الدائرة المفرغة حول معضلتي عدم الانسحاب الكامل وعدم الالتزام بضمانات، ومن ثمّ فالموقف الحالي بعد التفاؤل الحذر نحو إبرام اتفاق تغير فجأة إلى تجديد الصعوبات.

ويصف المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الانسحاب من الوسيط الأميركي بأنه «انقلاب على ملامح المقترح دعماً للموقف الإسرائيلي بشأن خرائط الانسحاب»، موضحاً أن هذا الموقف الأميركي يشير إلى اتفاق وتنسيق مع إسرائيل على خط فاصل أو أحمر على عدم قبول انسحابات جديدة تعطل إنشاء المدينة العازلة التي تستهدف تهجير الفلسطينيين. وتوقع الرقب أن يكون «هذا الانسحاب تكتيكياً وهو بمثابة شلل مؤقت دون عرقلة أو إفشال بهدف الضغط على (حماس) في أي جولة مقبلة»

وبالفعل لا يزال بين الخيارات والبدائل العودة للمفاوضات الأسبوع المقبل، ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الجمعة، عن مصدر مصري لم تكشف عن هويته، قوله إن «الوفد الإسرائيلي غادر (الدوحة) بعد تلقيه رد حماس، على أن تستأنف المفاوضات مرة أخرى خلال الأسبوع المقبل بعد دراسة عرض حماس».

رد فعل فلسطينية على مقُتل أحد أقاربها في غارات إسرائيلية قرب مستشفى الشفاء بغزة (أ.ف.ب)

بينما تتحدث واشنطن وإسرائيل عن بدائل بلهجة حادة، وقال نتنياهو، الجمعة، إن «إسرائيل تدرس الآن مع حليفتها الولايات المتحدة خيارات بديلة لإعادة الرهائن»، غداة إعلان ويتكوف أن واشنطن ستدرس «خيارات أخرى لإعادة الرهائن»

وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الجمعة، للصحافيين إن «(حماس) لا ترغب في إبرام اتفاق، وتريد أن تموت»، مضيفاً: «لقد وصلنا الآن إلى آخر الرهائن، وهم يعلمون ما سيحدث بعد استعادة آخر الرهائن. ولهذا السبب تحديداً، لم يرغبوا في عقد أي اتفاق»، بحسب ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ورغم لغة التهديد المسيطرة على خطاب نتنياهو وترمب، أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤول عسكري، قوله إن إسرائيل ستسمح للدول الأجنبية بإسقاط المساعدات بالمظلات إلى غزة ابتداء من الجمعة. وقال مسؤول إسرائيلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، إن «عمليات إلقاء المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ستستأنف في الأيام المقبلة، بالتنسيق مع الإمارات والأردن».

أكدت مصر وقطر، الجمعة، تواصل جهودهما الحثيثة في ملف الوساطة بقطاع غزة، بهدف التوصل إلى اتفاق يضع حداً للحرب، وينهي المعاناة الإنسانية في القطاع، ويضمن حماية المدنيين وتبادل المحتجزين والأسرى. وأشارت الدولتان إلى إحراز بعض التقدم في جولة المفاوضات المكثفة الأخيرة، التي استمرت لمدة ثلاثة أسابيع. كما أكدتا أن تعليق المفاوضات لعقد المشاورات قبل استئناف الحوار مرة أخرى «يعد أمراً طبيعياً في سياق هذه المفاوضات المعقدة».

ودعت الدولتان إلى عدم الانسياق وراء تسريبات تتداولها بعض وسائل الإعلام، التي وصفتاها بـ«محاولات للتقليل من هذه الجهود والتأثير على مسار العمل التفاوضي»، مشددتين على أن «هذه التسريبات لا تعكس الواقع وتصدر عن جهات غير مطلعة على سير المفاوضات».

كما دعت الدولتان وسائل الإعلام الدولية إلى «التحلي بالمسؤولية وأخلاقيات مهنة الصحافة، وتسليط الضوء على ما يجري في القطاع من معاناة غير مسبوقة، لا أن تلعب دوراً في تقويض الجهود التي تسعى لإنهاء الحرب على القطاع». وأكدت الدولتان، بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، التزامهما باستكمال الجهود وصولاً إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في القطاع.

ونقلت «رويترز» الجمعة، عن وزارة الصحة في غزة تقديرات بأن أكثر من 100 شخص لقوا حتفهم جوعاً في القطاع الفلسطيني منذ أن منعت إسرائيل وصول الإمدادات إليه في مارس (آذار) الماضي، وفي أول أسبوعين من يوليو (تموز) الحالي، عالجت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) 5000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في غزة.

ويرى الشوبكي أنه رغم هذا التصعيد «هناك فرصة» للعودة للمفاوضات الأسبوع المقبل، لكن مع اصطدام بمعضلتي الانسحاب وضمانات وقف الحرب واحتمال أن نرى جولة صعبة للغاية على «حماس»، مرجحاً أن يكون الحديث المتصاعد عن البدائل احتمال وجود معلومات استخبارية بالتوصل لرهائن كأحد الاحتمالات لهذا التغير المفاجئ في الموقف الأميركي الإسرائيلي بخلاف ممارسة الضغوط.

فيما يتوقع الرقب أن يعود جميع الأطراف للمفاوضات بشكل طبيعي وتحدث تغييرات دراماتيكية الأسبوع المقبل تقودنا لاتفاق رغم الصعوبات المحيطة بالمحادثات والتصعيد المحتمل من واشنطن ونتنياهو، الذي قد يكون من بين بنوك أهدافه عودة سياسة الاغتيالات لقادة «حماس».


مقالات ذات صلة

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

ندّدت 14 دولة من بينها فرنسا وبريطانيا، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلة داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز) play-circle

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان اليوم الأربعاء، إن السلطة ماضية في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تطوير وتحديث المنظومة القانونية والمؤسسية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي الآليات الإسرائيلية تقوم بهدم المبنى السكني في القدس الشرقية (رويترز)

إسرائيل تهدم مبنى سكنياً في القدس الشرقية... وتهجّر عشرات الفلسطينيين

شرعت آليات إسرائيلية، الاثنين، في هدم مبنى من 4 طوابق في القدس الشرقية يقطنه أكثر من 100 فلسطيني بحجة البناء دون ترخيص، في خطوة اعتبرها سكان «مأساة».

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

إسرائيل تقر إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة

وافق المجلس الأمني في إسرائيل، الأحد، على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، في خطوة قال وزير المال اليميني المتطرف إنها تهدف إلى منع إقامة دولة فلسطينية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

يشهد الصومال حالة من الزخم والترتيبات الواسعة استعداداً لأول انتخابات مباشرة منذ نحو ستة عقود، مع الاقتراع على أعضاء المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

تلك الترتيبات والمساعي المكثفة حكومياً يُنظر لها، بحسب خبير في الشؤون الصومالية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على أنها توجُّه من الحكومة لدعم أكبر مشاركة تُحقق صحة موقفها من الانتخابات المباشرة، خاصة أن الاقتراع يُعد اختباراً جديداً لإمكانية عقد الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2026، في ظل تحفظات المعارضة.

وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991، يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي.

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

وقد تأجلت الانتخابات التي ستُجرى، الخميس، بنظام «شخص واحد صوت واحد» ثلاث مرات هذا العام. ومن المتوقع تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل، مع انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

ولفتت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، الأربعاء، إلى أن انتخابات الخميس ستُجرى في المديريات الست عشرة بمحافظة بنادر، حيث يتوجه المواطنون إلى مراكز الاقتراع لاختيار من يمثلهم في المجالس المحلية لأول مرة منذ 1969.

«محطة مفصلية»

وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل مليون ناخب و20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

وأوضح متحدث اللجنة عبد الفتاح فيصل حسين، الأربعاء، أن التصويت سيجري في 16 دائرة انتخابية موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وأعلنت هيئة الطيران المدني، الأربعاء، أن جميع الرحلات الجوية من مقديشو وإليها ستُعلّق الخميس خلال فترة الانتخابات، تزامناً مع تنفيذ خطة واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو عشرة آلاف من عناصر الشرطة لتأمين الاقتراع، وفق ما أعلنه وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، الأحد.

تجمع جماهيري يقوده رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في مديرية كاران بمحافظة بنادر دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عبد الكريم حسن، الثلاثاء، أن اللجنة ستنشر نحو خمسة آلاف موظف في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي وصفها بأنها «محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال».

وقاد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري تجمعاً جماهيرياً، الاثنين، في مديرية كاران بمحافظة بنادر، دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشدداً على أهمية المشاركة الشعبية في تقرير المصير السياسي.

وكان قد تقرر تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو عن الموعد المقرر سابقاً في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لتوفير «وقت إضافي لإعداد مرشحيها، واستكمال الترتيبات اللوجستية» قبل التصويت لضمان مشاركة أكبر، وفق ما أعلنه وقتها عبد الكريم حسن.

موقف المعارضة

ويرى الخبير في الشؤون الصومالية، عبد الولي جامع بري، أن ترتيبات الحكومة بشأن الانتخابات لها تأثيرات مهمة على الحشد الشعبي والمشاركة بعد عقود من الغياب الديمقراطي، خاصة أنها تأتي وسط تحفظات المعارضة التي قررت عدم المشاركة فيها.

وأعلن «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو الأسبوع الماضي رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس الرئيس حسن شيخ محمود مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

موظفون حكوميون بالصومال خلال توزيع بطاقات الاقتراع (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقَّب الرئيس الصومالي، الثلاثاء، في فعالية انتخابية لحزب «العدالة والتضامن» الحاكم في مقديشو، قائلاً: «لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسمياً لهذا الطلب»، محذراً من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة.

«اختبار حقيقي»

يتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

ويرى خبير الشأن الصومالي جامع بري أن الانتخابات الحالية قد تفتح الطريق لتفاهمات حول الرئيس في المستقبل، لكن الواقع لا يزال معقداً، خاصة والمعارضة لديها تحفظات حقيقية.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة ترى في المسار الحالي انتخابات غير متوازنة، وربما غير دستورية أو غير شاملة كلياً، مما قد يحدّ من مشاركة شرائح واسعة من المواطنين إذا شعرت بأن العملية ليست عادلة أو أنها تمثيلية».

وهو يعتقد أن النظام يراهن على تحول سياسي حقيقي نحو الديمقراطية عبر الانتخابات المباشرة التي تعد اختباراً حقيقياً لرئاسيات 2026، لكن المعارضة ستبقى لديها تحفظات عميقة على طريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، وتبقى نتائج الحوار المنتظر هي الفيصل في تحديد المستقبل.


انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)
أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)
TT

انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)
أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)

تواصلت انتخابات مجلس النواب المصري، الأربعاء، ببدء جولة الإعادة بالخارج في 19 دائرة بالمرحلة الأولى، كانت الانتخابات قد أُلغيت فيها بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات الشهر الماضي، في حين يترقب مرشحون نتائج الطعون الجديدة.

وتحسم «المحكمة الإدارية العليا» مصير 48 طعناً على نتائج 30 دائرة أُلغيت قضائياً ضمن المرحلة الأولى، الأربعاء، وسط توقعات بأن يتقدم بعض المرشحين بطعون أخرى في أعقاب الإعلان عن نتيجة جولة إعادة المرحلة الأولى، وكذلك بعد الإعلان عن نتائج إعادة المرحلة الثانية والمقررة الخميس، حسب «هيئة الانتخابات».

وخلال الأسابيع الماضية قبلت «الإدارية العليا» عدداً من الطعون التي أسفرت عن إلغاء نتائج 30 دائرة بالمرحلة الأولى، كما رفضت أخرى تنوعت أسبابها بين «التشكيك في سلامة إجراءات الفرز والتجميع، والاعتراض على الأرقام المعلنة، والادعاء بوجود أخطاء في المحاضر أو تجاوزات خلال عملية الاقتراع».

وتأثرت انتخابات البرلمان المصري سلباً بطول جدول الاقتراع مع إلغاء دوائر انتخابية وإعادتها، وانعكس ذلك على مؤشرات المشاركة المتراجعة عند جولة الإعادة.

ودعا مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات المستشار أحمد بنداري خلال مؤتمر صحافي عقده، مساء الثلاثاء، قبل بدء التصويت في الخارج الذي يستمر ليومين، المواطنين «لاستكمال طريق العمل الجماعي من أجل تعزيز الديمقراطية عبر المشاركة في هذه المحطة الانتخابية».

المستقلون والحزبيون

تجري الإعادة في 19 دائرة انتخابية بين 70 مرشحاً يتنافسون على 35 مقعداً موزعة على سبع من محافظات المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، هي الجيزة وأسيوط وسوهاج وقنا والإسكندرية والبحيرة والفيوم، على أن تبدأ انتخابات الداخل السبت والأحد المقبلين، وفق «الهيئة الوطنية للانتخابات».

ويتفوق أعداد المستقلين المتنافسين في تلك الجولة على المرشحين الحزبيين، إذ يواجه 42 مستقلاً 28 مرشحاً حزبياً ينتمون إلى 9 أحزاب. ويعوّل المستقلون على تحقيق نتائج إيجابية أسوة بما أظهرته نتائج الحصر العددي للمرحلة الثانية بعد أن حصدوا 46 مقعداً من أصل 101 مقعد جرى التنافس عليها بنظام الفردي في 13 محافظة.

ناخبون يتوجهون للإدلاء بأصواتهم بجولة إعادة 19 دائرة ملغاة بالمرحلة الأولى من «النواب» بالسفارة المصرية في الرياض (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)

وقال المتحدث باسم حزب «حماة الوطن»، عمرو سليمان، إن حزبه نظم جولات دعم للمرشحين في المحافظات المختلفة قبل بدء جولة إعادة المرحلة الأولى، مشيراً إلى أن المنافسة مع المستقلين والأحزاب «صعبة».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الانتخابات شهدت تصويباً في مسارها... وهناك حرص على الالتزام بالمعايير الانتخابية».

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد حذَّر من الرشاوى الانتخابية، وما قد تؤدي إليه من تمكين «الجاهل أو الأحمق»، وذلك ضمن لقاء تفاعلي بأكاديمية الشرطة الشهر الماضي.

طول أمد الجدول الانتخابي

كان بنداري قد أعاد التأكيد خلال مؤتمر صحافي، الأسبوع الماضي، على «حرص هيئة الانتخابات على تلقي شكاوى وبلاغات جميع أطراف العملية الانتخابية إزاء أي مشكلة أو خروقات انتخابية قد تحدث، حتى يمكن التحقيق فيها والتعامل معها بصورة فورية وفق صحيح حكم القانون وإزالة أسبابها».

ونوَّه الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، بأن الخريطة الزمنية التي عدلتها «الهيئة الوطنية للانتخابات» تقضي بالإعلان النهائي عن النتائج في العاشر من يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن ثم فمن المتوقع أن تفصل محكمة القضاء الإداري في الطعون قبل هذا الموعد.

وأضاف أنه في حال إرجائها، فمن الممكن إحالة بعض الطعون إلى محكمة النقض التي تفصل فيها مع بدء انعقاد البرلمان خلال مدة 60 يوماً.

واستطرد قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن انتخابات مجلس النواب الحالية «قد تكون الأقل من حيث مشاركة الناخبين مع تأثرها ببطلان ما يقرب من 70 في المائة من دوائر المرحلة الأولى وطول أمد الجدول الانتخابي».

وعقب انتهاء إعادة الدوائر التسع عشرة، من المقرر أن تجري جولة الإعادة في الدوائر الثلاثين بالخارج يومي 31 ديسمبر (كانون الأول) و1 يناير، بينما تُعقد داخل مصر يومي 3 و4 يناير، على أن تُعلن النتائج النهائية في العاشر من الشهر.


مشاورات بين الدبيبة والمنفي لتعيين رئيس أركان جديد لجيش غرب ليبيا

من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)
من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)
TT

مشاورات بين الدبيبة والمنفي لتعيين رئيس أركان جديد لجيش غرب ليبيا

من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)
من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)

بدأ رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، مشاورات مكثفة لتعيين رئيس جديد لهيئة أركان قوات الجيش في غرب البلاد، عقب مصرع الفريق أول محمد الحداد في حادث تحطم طائرة مساء الثلاثاء، خلال رحلة عودته من تركيا، وفق ما أفاد به مصدر حكومي مطلع في العاصمة طرابلس.

وكان المنفي قد أصدر قراراً بتكليف الفريق صلاح النمروش، معاون رئيس الأركان العامة، بتولي مهام رئاسة الأركان بصفة مؤقتة، إلى حين تسمية خلف دائم للحداد. وقال مصدر حكومي في غرب ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن حادث تحطم طائرة الفريق الحداد «سيفتح الباب أمام تغيير مرتقب في هيكل قيادة المؤسسة العسكرية في الغرب»، مشيراً إلى أن «مشاورات مكثفة تجري حالياً بين المنفي والدبيبة للتوافق على اسم الرئيس الجديد للأركان».

آخر اجتماع رسمي حضره الحداد في طرابلس (الوحدة)

وأوضح المصدر، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن دائرة الترشيحات المحتملة لخلافة الحداد تضم كلاً من الفريق صلاح النمروش، وقائد المنطقة العسكرية بالجبل الغربي التابعة للمجلس الرئاسي اللواء أسامة الجويلي، إلى جانب اللواء محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى.

وكان المنفي قد قال في تصريحات بثتها قناة «ليبيا الأحرار» الثلاثاء، إن «النمروش سيتولى مهام رئاسة الأركان بشكل مؤقت، إلى حين تسمية رئيس جديد خلفاً للفريق أول محمد الحداد».

في السياق ذاته، نعى المجلس الرئاسي الليبي الفريق أول محمد الحداد، الذي لقي حتفه إثر تحطم طائرته قرب أنقرة، معلناً الحداد الرسمي في البلاد لمدة ثلاثة أيام، تُنكس خلالها الأعلام في جميع مؤسسات الدولة، وتُعلق المظاهر الاحتفالية والرسمية.

وعمّت مشاعر الصدمة الأوساط الليبية، رغم الانقسامين السياسي والعسكري بين شرق البلاد وغربها، إذ أعلن كل من حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب البلاد، والحكومة المكلفة من مجلس النواب (شرق البلاد) الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام في عموم البلاد. كما أعرب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن خالص تعازيه وصادق مواساته في وفاة الحداد والفيتوري ومرافقيهما، مؤكداً أن الحادث يمثل «خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية».

وجاء ذلك عقب نعي القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، للفريق أول محمد الحداد، واصفاً إياه بأنه «أحد رجالات المؤسسة العسكرية، الذين أدوا واجبهم العسكري بكل تفانٍ ومسؤولية، وتحملوا الأمانة في مراحل دقيقة من تاريخ الوطن، وأعلوا المصلحة الوطنية على أي اعتبارات أخرى».

عقيلة صالح أكد أن مقتل الحداد يمثل «خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية» (النواب)

في سياق ذلك، أعلنت وسائل إعلام محلية ليبية وصول وفد من حكومة «الوحدة الوطنية» إلى موقع تحطم الطائرة في منطقة هايمانا جنوب أنقرة، فيما أكدت السفارة الليبية في تركيا الاتفاق مع السلطات التركية على تحديد نقطة اتصال مباشرة لتنسيق العمل، ومباشرة التحقيقات فوراً من موقع الحادث.

من جانبه، أفاد وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا بوصول وفد ليبي يضم 22 شخصاً، من بينهم خمسة من ذوي ركاب الطائرة إلى أنقرة لمتابعة تطورات الحادث، بالتزامن مع إجراء التحاليل اللازمة للتثبت من هوية الضحايا، بعد العثور على الصندوق الأسود للطائرة.

وأوضح السفير الليبي لدى تركيا، مصطفى القليب، من موقع الحادث أن الطائرة سقطت في منطقة وعرة التضاريس وبعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن «حزنها العميق إزاء حادث تحطم الطائرة المأسوي، الذي أودى بحياة الفريق أول محمد الحداد وزملائه أثناء عودتهم من مهمة رسمية إلى أنقرة». كما نعت البعثة الفريق الفيتوري غريبيل، رئيس أركان القوات البرية وعضو اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5)، مشيرة إلى دوره المحوري في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، إلى جانب مرافقيه.

وأشادت البعثة الأممية بما وصفته «الخدمات المخلصة التي قدمها الحداد خلال فترة عمله»، مؤكدة أنه كان «مدافعاً قوياً عن توحيد المؤسسات العسكرية والمدنية، وعن السلام والاستقرار، واضعاً المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات»، واصفة إياه بأنه «ضابط مهني ووطني غيور على بلاده».

المشير خليفة حفتر وصف الراحل محمد الحداد بأنه أحد رجالات المؤسسة العسكرية الذين أدوا واجبهم العسكري بكل تفانٍ ومسؤولية (الجيش الوطني)

بدوره، أعرب سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن تضامنه مع عائلات الضحايا، مشيداً «بالخدمة الوطنية المخلصة التي قدمها الحداد ورفاقه»، فيما قال السفير البريطاني مارتن رينولدز إن «الحداد خدم بلاده بتفانٍ ورؤية ثاقبة»، مقدماً تعازيه للشعب الليبي باسم المملكة المتحدة.

ويُعد محمد الحداد من أبرز القادة العسكريين في مرحلة ما بعد الحرب على طرابلس (2019 - 2020)، حيث لعب دوراً محورياً في جهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية من خلال اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5).

وكان المجلس الرئاسي قد عيّن الحداد رئيساً لهيئة أركان الجيش الليبي، التابع لحكومة «الوحدة الوطنية»، بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول ركن، حيث تسلم مهامه رسمياً في 17 سبتمبر (أيلول) 2020، خلفاً للفريق ركن محمد الشريف.