الجزائر تهدد لأول مرة باللجوء إلى الأمم المتحدة في خلافها الحاد مع فرنسا

في ظل تواصل انحدار العلاقات بين البلدين

وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)
وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)
TT

الجزائر تهدد لأول مرة باللجوء إلى الأمم المتحدة في خلافها الحاد مع فرنسا

وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)
وزيرا خارجية الجزائر وفرنسا في 6 أبريل 2025 (الخارجية الجزائرية)

بين 14 و24 يوليو (تموز) 2025، تحوّلت الأزمة السياسية الحادّة بين الجزائر وباريس، في غضون عشرة أيام فقط، من مؤشرات تهدئة خجولة إلى موجة تصعيد جديدة تنذر بإحالتها إلى الأمم المتحدة، وهو ما دفع مراقبين إلى التساؤل: كيف وصلت العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة إلى هذا المستوى من التدهور، الذي اقترب في أكثر من مناسبة من حافة القطيعة؟

تفاقم التوترات

في 14 يوليو الحالي، احتفلت سفارة فرنسا في الجزائر بالعيد الوطني، في مقر إقامة السفير بأعالي العاصمة، وجرى ذلك في أجواء مشحونة، وأعصاب مشدودة نتيجة التوتر القائم بين البلدين وأمام جمهور غفير حضر المناسبة، من بينهم كاتب الدولة المكلّف الجالية الجزائرية في الخارج، سفيان شايب، وصحافيون وقادة أحزاب وناشطون سياسيون ومن المجتمع المدني، ألقى جيل بورباو، القائم بالأعمال في السفارة، كلمة نيابةً عن السفير ستيفان روماتيه، الذي سُحب إلى باريس قبل شهرين في سياق الأزمة.

القائم بالأعمال في سفارة فرنسا بالجزائر (السفارة)

ودعا بورباو إلى «تشارك الاقتناع بوجود طريق بديل عن الخلاف، وإلى الإيمان بأن هناك سبيلاً آخر غير المواجهة، ليس ممكناً فقط، بل ضروري». مؤكداً أن «إرادتنا في تجاوز الصعوبات لا تزال ثابتة، وحرصنا على استعادة مسار التهدئة ما زال كاملاً. نحن نُدرك أن هذا الطريق يتطلب الكثير، لكن ثقوا، أصدقائي الأعزاء، أننا عازمون على المضي فيه، لأن الروابط الإنسانية التي تجمعنا تفرض ذلك، ولأن اضطرابات العالم تُملي علينا أن نعمل معاً مجدداً لمواجهة تحديات الحاضر بشكل أفضل».

مسافرون جزائريون في «مطار شارل ديغول» أكدوا أنهم باتوا يتعرضون أكثر لمضايقات كثيرة (الوطن الجزائرية)

بعدها بعشرة أيام فقط، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية القائم بالأعمال الفرنسي، جيل بورباو، لإبلاغه احتجاجها على قرار اتخذه وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، يقضي بمنع دخول الموظفين المعتمدين في سفارة الجزائر بفرنسا إلى المناطق المخصصة في مطارات باريس لتسلم الحقائب الدبلوماسية، بحسب ما ورد في بيان للوزارة.

وأعربت الخارجية الجزائرية عن «دهشتها» مما حدث، وطالبت الدبلوماسي الفرنسي بتقديم توضيحات في هذا الشأن. وأوضح البيان أن القائم بالأعمال في سفارة الجزائر بفرنسا تواصل مع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية للحصول على تفسيرات.

يُشار إلى أن الجزائر كانت قد سحبت سفيرها من باريس منذ نهاية يوليو 2024، احتجاجاً على اعتراف الإليزيه بخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء. وكان هذا الحدث نقطة بداية التوتر.

وأوضح بيان الخارجية الجزائرية أن «الإجراءات المتخذة، سواء في الجزائر أو في باريس، بيّنت أن هذا القرار تم اتخاذه من قبل وزارة الداخلية الفرنسية، دون علم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية، وفي ظل غياب تام للشفافية، ومن دون أي إشعار رسمي، كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية الأساسية».

وعدّت الجزائر هذا الإجراء الجديد «مساساً خطيراً بحسن سير عمل البعثة الدبلوماسية الجزائرية في فرنسا، وانتهاكاً صريحاً لأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لا سيما المادة 27، والفقرة 7، التي تنص صراحةً على حق أي بعثة دبلوماسية في إرسال أحد أعضائها المعتمدين لتسلم الحقيبة الدبلوماسية مباشرة، وبحرية من قائد الطائرة».

وأضاف البيان بنبرة تحذير: «أمام هذا الوضع، قررت الجزائر تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بصرامة، ودون تأخير. كما تحتفظ لنفسها بالحق في اللجوء إلى جميع الوسائل القانونية المناسبة، بما في ذلك التوجه إلى الأمم المتحدة، من أجل الدفاع عن حقوقها، وضمان حماية بعثتها الدبلوماسية في فرنسا».

تحذير حاد اللهجة

لأول مرَة منذ اندلاع التوترات بين البلدين، قبل عام، يتم الحديث في الجزائر عن اللجوء إلى الأمم المتحدة في مؤشر لافت على بلوغ التوتر مداه.

وقد حرص كبار المسؤولين في الجزائر، في أثناء تعاملهم مع «الفعل ورد الفعل» خلال أطوار الأزمة الدبلوماسية الخطيرة الراهنة مع فرنسا، على التمييز بين وزير الداخلية برونو روتايو، الذي يُنظر إليه كرمز لـ«صقور» اليمين المعادي للجزائر، والرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يسعى إلى تهدئة التوترات بين البلدين، لا سيما بعد اتخاذه خطوات إيجابية في «ملف الذاكرة» خلال السنوات الأخيرة.

وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو (رويترز)

واشتدت الخصومة بين الحكومة الجزائرية وبرونو روتايو منذ نهاية عام 2024، بعد ثلاثة أشهر من توليه منصبه، عندما قرر ترحيل عشرات الجزائريين غير النظاميين المصنفين «خطراً على الأمن في فرنسا». لكن الجزائر رفضت استقبالهم في مرات عديدة، وأعادتهم على الطائرات نفسها التي قدموا بها من المطارات الفرنسية.

وتصاعدت الخلافات في مارس (آذار) 2025 إثر رفض شرطة الحدود بمطار شارل ديغول بباريس دخول زوجة سفير الجزائر بمالي، بأمر من روتايو، وهي خطوة اتخذت ضمن قرار الحكومة الفرنسية فرض تأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية والخدمية الجزائرية، مما يُعدّ خرقاً لاتفاق بين البلدين، أبرم عام 2013 يسمح لهؤلاء بالدخول دون تأشيرة.

وامتدت تداعيات الإخلال بهذا الاتفاق إلى تهديد الجانب الفرنسي بإلغاء «اتفاقية 1968»، التي تحدد الإطار العام لهجرة الجزائريين وإقامتهم في فرنسا، سواء للدراسة أو للعمل. وقد تصدّر برونو روتايو مرة أخرى خطاب اليمين الفرنسي، الداعي إلى فسخ هذا الرابط الإنساني المهم بين ضفتي المتوسط. وتعمّد المس بـ«العصب الحساس»، الذي يؤلم الجزائريين أكثر، في تقديره، والمتمثل في حرمانهم من السفر إلى فرنسا، من دون الحاجة إلى طلب تأشيرة. وطال هذا الإجراء أيضاً زوجاتهم وأبناءهم.

ومنذ أن أصبح رئيساً لحزب «الجمهوريون» (اليمين التقليدي) في الانتخابات، التي جرت في مايو (أيار) الماضي، تزايدت التوقعات بشأن احتمال ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2027، وحينها سيكون احتمال القطيعة مع الجزائر أقوى من أي وقت مضى.

اليوتيوبر المعارض أمير بوخرص (متداولة)

غير أن الحلقة الأكثر تأجيجاً للأزمة، التي صبّت مزيداً من الزيت على نار الخلاف، وأبعدت الحل إلى أجل غير معلوم، تمثّلت في سجن موظف واثنين من أعوان سفارة الجزائر، بتهمة اختطاف واحتجاز اليوتيوبر المعارض، أمير بوخرص. وقد أعقبت هذه الحادثة موجة من تبادل طرد الدبلوماسيين بين البلدين، في مشهد تصعيدي خطير وغير مسبوق.


مقالات ذات صلة

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

شمال افريقيا نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

خطت السلطات الجزائرية خطوة جديدة في صراعها مع التنظيم الانفصالي «حركة تقرير مصير القبائل»، من خلال تنظيم ظهور إعلامي في التلفزيون الحكومي لنجل فرحات مهني.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار» الفرنسي للجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

الجزائر: سباق مبكر بين المعسكر الرئاسي والتيار الديمقراطي على «استحقاقات 2026»

مع اقتراب موعد الانتخابات الجزائرية، المقررة في 2026، بدأت الساحة السياسية تستعيد بعض حيويتها، بعد فترة من الركود والجمود أعقبت توقيف الحراك الشعبي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، وقد استجابت جامعة الدول العربية لطلبه بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، اليوم.

وأكَّد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى الجامعة، علي عبدي أواري، لـ«الشرق الأوسط» أنَّ «بلاده تتحرَّك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل». وأشار إلى أنَّ «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية».

وحرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من السلطة الفلسطينية و«حماس» ومقديشو، من أنَّه يحمل احتمالاً لأن يكون هذا الإقليم موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت إليه إسرائيلُ منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأشار خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى مخاوفَ من أنَّ الخطوة الإسرائيلية ستُعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك، وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

وسط طوفان ردود فعل على الخطوة الإسرائيلية، وبخلاف الرفض العربي، جاء موقف لافت من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ طغى عليه «السخرية من ذلك الإقليم». فقد أعلن ترمب عن رفضه الاعترافَ باستقلال «أرض الصومال»، متسائلاً: «هل يعرف أحدٌ ما هي أرض الصومال، حقّاً؟».


بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

دخلت بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنَّ بعثة تقييم وصلت إلى مدينة الفاشر، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، مضيفاً أنَّ البعثة تضمُّ وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية.

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، وقال في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول جاء عبر مسار يسَّرتْه الولايات المتحدة.


بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
TT

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية. في غضون ذلك دانت قيادة الجيش التشادي، السبت، هجوماً شنَّته «قوات الدعم السريع» السودانية على بلدة حدودية داخل الأراضي التشادية؛ ما أسفر عن مقتل جنديَّين تشاديَّين وإصابة ثالث، ووصفت الهجوم بأنه «عدوان غير مُبرَّر» على سيادة تشاد.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أحكمت «قوات الدعم السريع» سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، بعد حصار استمرَّ لأكثر من 18 شهراً، تخللته معارك عنيفة، وسط تقارير وأدلة على وقوع عمليات قتل جماعي، واختطاف، واغتصاب بحق المدنيين.

وفي هذا السياق، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن بعثة تقييم أممية وصلت إلى مدينة الفاشر بعد مفاوضات إنسانية مطولة، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة التي عانت حصاراً خانقاً. وأوضح المكتب أن البعثة ضمَّت وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»؛ لتقييم الاحتياجات الغذائية العاجلة، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية؛ لتقييم الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية واحتياجاتها الطارئة، إضافة إلى فريق من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مختص بتقييم أوضاع الأطفال، والاحتياجات الإنسانية الملحّة.

ترحيب أميركي

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، عادّاً ذلك دليلاً على إسهام الدبلوماسية الأميركية في «إنقاذ الأرواح». وقال بولس، في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول الحاسم جاء بعد أشهر من المفاوضات عبر مسار يسَّرته الولايات المتحدة، وبجهود مشتركة مع «أوتشا»، وشركاء إنسانيين على الأرض.

مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)

ودعا بولس، الذي يشارك في جهود الوساطة الرامية إلى وقف الحرب في السودان، إلى إعلان هدنة إنسانية شاملة، مطالباً طرفَي النزاع بقبولها وتنفيذها فوراً «دون شروط»، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق السودان، كما حثّ المجتمع الدولي على زيادة التمويل لدعم استجابة «أوتشا». ويُعد وصول البعثة التقييمية الأممية إلى الفاشر أول دخول إنساني إلى المدينة منذ مايو (أيار) 2024.

وفي المقابل، أعلنت قوات «حكومة تأسيس» الموالية لـ«قوات الدعم السريع»، والتي تسيطر على إقليم دارفور، في بيان صدر أمس (السبت)، استعدادها الكامل لتأمين وتسهيل العمل الإنساني في إقليمَي دارفور وكردفان. وأفادت بأن زيارة وفد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ودائرة الأمم المتحدة للسلامة والأمن (UNDSS) شملت مراكز النزوح، والمقار الأممية، وعدداً من المرافق الحيوية داخل مدينة الفاشر.

ووفقاً لبيان «تأسيس»، أكملت البعثة الأممية زيارتها للفاشر، ووصلت بسلام إلى محلية طويلة، دون صدور أي تعليق رسمي من الجيش السوداني بشأن دخول البعثة.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

يُذكر أن الجيش السوداني ظل يرفض، لفترات طويلة، السماح بدخول المنظمات الإنسانية والمساعدات، عبر معبر إدري الحدودي مع تشاد، ما فاقم من الأزمة الإنسانية داخل المدينة، حيث واجه السكان نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والخدمات الصحية. وكانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد نقلت في وقت سابق عن مدير «برنامج الأغذية العالمي» أن الأمم المتحدة اضطرت إلى تقييد عمليات الإغاثة عبر تشاد باتجاه دارفور.

تهديد تشادي

في سياق ثانٍ، نفَّذت طائرة مسيّرة تابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي تخوض حرباً مفتوحة مع الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023، هجوماً استهدف بلدة الطينة الواقعة على الحدود التشادية. وقال ضابط رفيع في الجيش التشادي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن هذه الحادثة تمثل المرة الأولى التي يتكبَّد فيها الجيش التشادي خسائر بشرية مباشرة منذ اندلاع الحرب في السودان.

وعدّت هيئة الأركان العامة التشادية الهجوم «متعمَداً ومقصوداً»، ويمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، محذّرة جميع أطراف النزاع السوداني من أي تجاوز أو مساس بسيادة الأراضي التشادية. وأكد الجيش التشادي، في بيان رسمي، احتفاظه بـ«حق الرد بجميع الوسائل القانونية»، وبممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس في حال تكرار أي اعتداء، استناداً إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطق شمال وغرب إقليم دارفور، باستثناء جيوب محدودة تخضع لسيطرة جماعات قبلية محايدة. وكانت القوات قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتَي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور، وهما منطقتان تقعان على الطريق المؤدي إلى بلدة الطينة التشادية.