في محاولة لاحتواء التوترات المتراكمة، تواصل الرئاسة الصومالية جولات الحوار مع قوى المعارضة، في ظل تصاعد الضغوط لتهيئة الأجواء قبل الانتخابات المرتقبة العام المقبل.
ورغم غياب أطراف فاعلة من المعارضة، فإن خبيراً في الشؤون الصومالية خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» يرى هذه اللقاءات خطوة مهمة لـ«كسر الجمود السياسي وتجاوز الانقسام القائم»، غير أنه عدّ إمكانية الوصول لاتفاق شامل بين الطرفين «أمراً معقداً».
وعقد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، الأحد، جولة أخرى من المحادثات مع قيادة الملتقى الصومالي للإنقاذ (ائتلاف يضم قوى سياسية معارضة) برئاسة الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد.
ووفق إعلام محلي، فإن الاجتماع، الذي عُقد في القصر الرئاسي، ركز على «القضايا الوطنية الرئيسية، بما في ذلك الانتخابات المقبلة والتعديلات المقترحة على الدستور المؤقت». كما ناقش الجانبان «استمرار غياب ولايتي بونتلاند وغوبالاند الفيدراليتين عن اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني».

وعقد منتدى المشاورات الوطنية في العاصمة مقديشو في 16 يونيو (حزيران) الماضي لأيام عدة لمناقشة 4 قضايا، هي: تعزيز وحدة البلاد، واستكمال الدستور، والعملية الانتخابية، ومكافحة الإرهاب، وسط غياب للمعارضة ورئيسي إقليمي بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي، بينما أكد حسن شيخ محمود في افتتاحية المنتدى أن «القادة الذين لديهم مخاوف بشأن العملية الانتخابية سينخرط معهم في حوار للتوصل إلى حل مستدام وشامل».
وبعد نحو أسبوع، عقد حسن شيخ محمود، اجتماعاً تشاورياً مع قيادة الملتقى الصومالي للإنقاذ، في لقاء «جرى في أجواء إيجابية سادها التفاهم وتبادل الآراء»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية (صونا).
وانتهى الاجتماع بالاتفاق على «فتح حوار شامل حول أربع قضايا محورية، هي: تعزيز وحدة الدولة وسيادتها (ترسيخ النظام الفيدرالي)، وآلية مراجعة الدستور، والأمن ومكافحة الإرهاب والتطرف (في مواجهة حركة الشباب الإرهابية)، والتوافق على نظام انتخابي مشترك»، بخلاف «توسيع قاعدة المشاركة السياسية، والاتفاق على إشراك السياسيين الذين لم يشاركوا بعد في اللقاء، لضمان حوار وطني أكثر شمولاً وتمثيلاً لمختلف الأطراف، وتحديد الأسبوع الأول من يوليو (تموز) 2025 موعداً مبدئياً للجولة المقبلة من الحوار».
ومطلع يونيو (حزيران) الماضي، أكد الرئيس الصومالي أن انطلاق منتدى «المشاورات الوطنية» يهدف إلى مناقشة تلك القضايا الأربع. وكان الهدف من إعلان تدشين ذلك المنتدى في 29 مارس (آذار) الماضي - حسب إعلان حسن شيخ محمود وقتها - ضمان أن تكون آراء القادة وجهودهم جزءاً من الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب، وتعزيز بناء نظام ديمقراطي وفيدرالي في البلاد عبر الانتخابات المباشرة.
ويرى الأكاديمي الصومالي والخبير في الشؤون الأفريقية علي محمود كلني أن الساحة السياسية في الصومال تشهد تطورات ملحوظة، مع بدء جولة ثانية من المحادثات بين الرئاسة وقوى المعارضة، وعلى الرغم من أن هذه اللقاءات لا تزال في مراحلها الأولى، فإنها تمثل خطوة مهمة نحو محاولة تجاوز الانقسام السياسي القائم.
ورغم ما يبدو من بوادر تقارب أولية، فإن كثيراً من الملفات الحساسة لا تزال محل خلاف بين الأطراف، وفق كلني، وعلى رأسها كيفية التعامل مع مطالب ولايتي بونتلاند وغوبالاند، ومراجعة الأحكام الدستورية في البلاد وتحسينها، وكذلك تداعيات الاعتراف بإدارة ولاية خاتمة الجديدة.
وبينما أشار إلى أهمية الجولات وتوقيتها، فإنه أوضح أن الوصول إلى اتفاق شامل بين الطرفين «لا يزال أمراً معقداً» في ظل استمرار هذه الخلافات الجوهرية، ومع ذلك، توجد مساحات للتفاهم والعمل المشترك، لا سيما في ملفات محاربة «حركة الشباب» التي لا تزال تشكل تهديداً أمنياً كبيراً للبلاد وتنظيم الانتخابات الوطنية وفق آلية شاملة وشفافة، وتعزيز الأمن في العاصمة مقديشو وفي البلاد عموماً.
وسبق أن صرح وزير العدل في بونتلاند، محمد عبد الوهاب، بأن الولاية «لن تُجري أي محادثات مع الحكومة الفيدرالية إلا بعد تنفيذ شروط عدة؛ منها عودة الحكومة إلى الدستور المتفق عليه في أغسطس (آب) 2012، وإجراء انتخابات وطنية متفق عليها وشاملة».
وتلك الملفات الأربعة هي محل نقاشات مستمرة منذ سنوات، وخلاف مع المعارضين، وفي مقدمتها قضية استكمال الدستور المؤقت في 2012، قبل أن يوافق برلمان الصومال أواخر مارس 2024، على تعديلات دستورية تشمل تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، واعتماد نظام الاقتراع العام المباشر، وتمديد الفترة الرئاسية من 4 إلى 5 سنوات، ورفضت ذلك القرار ولايتا بونتلاند وغوبالاند.
ويشتد الجدل داخل البلاد بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة في البلاد عام 2026 بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000 التي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، في ولايات البلاد الخمس التي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية».
ويعد انفصال إقليم «أرض الصومال» والخلافات المتصاعدة مع رئيسَي بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي، أبرز تحديات الوحدة وترسيخ النظام الفيدرالي، بخلاف القضية الرابعة المتعلقة بـ«حركة الشباب» التي تصاعدت هجماتها في الأشهر الأخيرة، وأبرزها في 18 مارس، حين أعلنت مسؤوليتها عن تفجير قنبلة كادت تصيب موكب الرئيس. وفي مطلع أبريل (نيسان)، أطلقت قذائف عدة قرب مطار العاصمة، في حين تشن الحكومة حالياً حملة موسعة ضد عناصرها في الجنوب.
واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيس حسن شيخ محمود في 13 مايو (أيار) الماضي «حزب العدالة والتضامن» وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، برفقة قيادة الحكومة الفيدرالية، وقادة الولايات الإقليمية، باستثناء رئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي، اللذين غابا عن اجتماع المجلس الاستشاري للبلاد قبل تأسيس الحزب بأيام.
ولاقى الحزب الجديد رفضاً من ولايتَي بونتلاند وغوبالاند وقتها في مواقف رسمية منفصلة، تلاها إصدار 15 شخصية سياسية بارزة في الصومال بياناً دعوا خلاله إلى عقد مشاورات عاجلة لإنقاذ البلاد.
وباعتقاد كلني، فإنه «في ظل استمرار حالة الترقب، يبقى تقييم مصداقية هذه الحوارات رهناً بالأفعال على الأرض، ومدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات حقيقية تسهم في إنهاء الأزمة السياسية وتوحيد مسار البلاد».





