«هنا عمّيق أطفئ جهازك الخلوي واستمتع بالطبيعة». هكذا يستقبلك أهل بلدة عمّيق في البقاع الغربي. فهم يناشدونك الانفصال التام عن عالم المدينة. وبعد أن تجتاز الطرقات التي تؤدي إليها، وهي تستغرق نحو 65 دقيقة من العاصمة بيروت، لا بدّ أن تدرك مفعول النصيحة. فطبيعتها الخلّابة تؤلّف سجادات خضراء مطرّزة بسهول ومحميات ساحرة تحضّك على ترك كل شيء للاستمتاع بمناظرها الرائعة. وفي هذه البقعة الجميلة من لبنان يقع مطعم «طاولة عمّيق». وهو بمثابة قصة نجاح للتنمية البيئية والمحلية، بدأتها محمية أرز الشوف منذ نحو 6 سنوات. المبنى الأخضر الأول في لبنان تم إنشاؤه من خلال مشروع إقليمي بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية، بالتعاون مع مصلحة آل سكاف، والجمعية الملكية لحماية الطبيعة الأردنية. «طاولة عميق» يقدم الأكل التقليدي من صنع أيادي أمهاتنا في المنطقة بإدارة محترفة من سوق الطيب. ويسوّق للمنتجات المحلية. ويقدم معلومات عن حماية الطبيعة في مستنقع عميق ومحمية أرز الشوف.

جلسة في حضن الطبيعة
ما أن تصل «طاولة عمّيق» حتى تشعر بأنك على موعد مع جلسة لا تشبه غيرها.
فهنا لا أصوات صاخبة، ولا ضجيج سيارات. تطالعك مساحة خضراء شاسعة على مدّ عينك والنظر، فتختار ما يناسبك منها للاستقرار على واحدة من طاولات المطعم، أو تنتقي جلسة طبيعة بامتياز على سجادة العشب الأخضر. وهي مفروشة بالحصر والمقاعد الخشبية.
بإمكانك اصطحاب أطفالك والحيوانات الأليفة. فالطبيعة في «طاولة عمّيق» تفتح أبوابها للجميع. وقد خصّصت مساحة للألعاب والتسلية، بحيث يستطيع الأولاد ممارسة لعبة الكرة الطائرة وغيرها من الهوايات كالرسم والتلوين، فيستغنون عن الألعاب الإلكترونية والـ«آي باد» والخلوي، ويستعيضون عنها بمراقبة طيور الأوز والأغنام التي تسرح على مساحة قريبة من المطعم، فيستمتعون بمراقبتها من بعيد، أو التقاط صور فوتوغرافية معها. ويأتي الهواء العليل المشبّع بالأكسيجين ليرطّب الجلسة بنسمات ناعمة. فيقضي جميع أفراد العائلة لحظات جميلة في حضن طبيعة جميلة.
في المطعم: الأمهات بانتظاركقبل أن تلج أرض المطبخ تستقبلك عند مدخله إحدى المشرفات على تنظيم الجلسات، وتشير إليك بأنواع الجلسات المتاحة لك بين المطعم والطبيعة. ومن ثم تشرح لك عن أصناف الطعام الموجودة في «بوفيه» غني، وبينها أكلات ريفية وحلويات قروية.
أما المشروبات فتتألف من العصائر وتغيب عنها تلك الغازية. وذلك انطلاقاً من مبدأ عدم تناول مكونات اصطناعية. فكل ما تتناوله في «طاولة عميّق» هو مؤلّف من مكونات طبيعية فقط.
وعندما ترغب في إلقاء نظرة على الأطباق الموجودة تتوجه إلى المطبخ. هناك يصطف عدد من النسوة ربات المنازل، ويتوزعن حول الأطباق الساخنة والباردة، ويشرحن لك عن أسمائها ومكوناتها، فتبدأ رحلتك منذ هذه اللحظة مع نكهات طعام من الريف اللبناني العريق.

«حراق أصبعو» بدل «البرغر»
عند مدخل المطعم تتسلل إلى أنفك رائحة المناقيش المخبوزة على الصاج. مناقيش بالزعتر والجبن والكشك، وأخرى مدهونة بمكوّن الشوكولاتة الموقعة بأنامل سيدات يعملن في مطبخ «طاولة عمّيق». وفي الانتقال إلى لائحة الطعام، تجتمع فيها الأكلات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالريف اللبناني. فهنا لا أطباق سريعة تصادفها كالبرغر و«البيتزا». كل ما عليك القيام به هو انتقاء الأكلات التي تحنّ إليها من مطبخ جدتك. وكما الملوخية والمغربية والشاورما واللسانات المتبلة، كذلك تجد «حرّاق أصبعو» وسلطات الفتوش والتبولة والمتبل باذنجان والفريكة.
وفي جناح آخر تقدّم أصناف اللحوم المشوية «باربكيو» من لحوم وخضار. وفي قسم الحلويات تجد الفواكه الموسمية. وكذلك حلويات منوعة كالكنافة بالجبن والمفروكة والنمورة والكعك بالحليب. وفي ركن آخر يطالعك قسم خاص بالمثلجات المصنوعة من مكونات طبيعية كالحامض والتوت.
للذكرى: منتجات لبنانية تحملها معك
بعد أن تمضي يوماً كاملاً في أجواء مطعم «طاولة عمّيق» لا بد أن تحمل ذكرى منه. ويخصص لهذه الغاية قسم يتضمن الصابون البلدي والمونة اللبنانية. فدبس الرمان والمربيات والزيوت الطبيعية والطحينة وغيرها تؤلف محتواه، وتمتد لتشمل قوارير ماء الزهر وماء الورد ودبس الخروب والحصرم. وبذلك تختم جلسة من العمر في بلدة تمثّل نموذجاً حياً من لبنان الأخضر.










