هل تُفاقم توترات «سول وسناغ» الأزمة السياسية في الصومال؟

مقديشو تدعم إنشاء إدارة مستقلة بتلك المنطقة وسط اعتراض بونتلاند وهرجيسا

الرئيس الصومالي خلال استقبال زعيم ولاية خاتمة في القصر الرئاسي (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال استقبال زعيم ولاية خاتمة في القصر الرئاسي (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

هل تُفاقم توترات «سول وسناغ» الأزمة السياسية في الصومال؟

الرئيس الصومالي خلال استقبال زعيم ولاية خاتمة في القصر الرئاسي (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال استقبال زعيم ولاية خاتمة في القصر الرئاسي (وكالة الأنباء الصومالية)

أخذت أبعاد اعتراف الحكومة الفيدرالية الصومالية بولاية خاتمة قبل نحو شهرين، منحنى جديداً مع تبادل تحذيرات بين مقديشو وولاية بونتلاند وإقليم أرض الصومال الانفصالي (هرجيسا)، بعد أنباء عن تحرك عسكري بمنطقتيْ «سول وسناغ» المتنازع عليهما.

تلك التوترات بتلك المنطقتين، اللتين تتحركان مع مديرية «عين» لتأسيس ولاية خاتمة، لقيت تقارباً نادراً بين بونتلاند وإقليم أرض الصومال الانفصاليّ المتنازع عليهما منذ سنوات طويلة، في رفض تلك الخطوة.

وتشي تلك التطورات بتفاقم الأزمة السياسية الحالية، وفقاً لخبراء بالشؤون الصومالية والأفريقية تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»، مستبعدين مواجهات عسكرية مباشرة بين الحكومة والرافضين لتأسيس الولاية الجديدة، مع إقرار بأن المساعي السياسية لكسب العشائر وأصوات سكان المنطقتين هي الفيصل في هذه التوترات احتواء أو صداماً.

ويشهد الصومال أزمة سياسية، منذ شهور، بسبب رفض إجراء انتخابات مباشرة من سياسيين ومن ولايتين بالبلاد؛ بينهما بونتلاند التي تغيب عن معظم الفعاليات الرسمية للحكومة الفيدرالية، وأحدثُها، قبل شهرين، مؤتمر التشاور الوطني الذي أثمر عن الاعتراف بإدارة خاتمة، والتحرك لإنشاء تلك الإدارة في «سول وسناغ» المتنازع عليهما، بالإضافة لمديرية «عين».

ووسط رفض بونتلاند، والإقليم الانفصالي، سعى قادة خاتمة الدعوة إلى إشراك أوسع لسكان «سول وسناغ»، وعقد مؤتمر تشاوري رئيسي في لاسعانود، يوم 10 يوليو (تموز) الحالي، لمناقشة المستقبل السياسي، وهيكل الحكم لولاية خاتمة. وقال مصدر صومالي مطّلع، لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، إن ذلك المؤتمر تأجّل لأيام؛ لمزيد من إقناع زعماء وأعيان العشائر.

وبزيٍّ عسكري، قال رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، في كلمةٍ أمام جنود، قبل أيام: «إذا قررتم (قادة خاتمة) تشكيل إدارة منفصلة، فابقوا في أماكنكم. مصير سناغ بيد بونتلاند. كفوا عن استفزازاتكم، وإلا فستواجهون العواقب»، وفق ما ذكرته وسائل إعلام صومالية.

كذلك اتهم وزير الإعلام في أرض الصومال الانفصالي، أحمد ياسين، عبر تصريحات صحافية، الحكومة الفيدرالية بتأجيج حالة عدم الاستقرار في سناغ، محذراً من التدخل الفيدرالي.

ويشهد إقليم سناغ حالة من التوتر بسبب الصراع بين ولاية بونتلاند، التي تعد الإقليم جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وبين سياسيين محليين؛ منهم رئيس برلمان بونتلاند السابق عبد الرشيد يوسف جبريل، يسعون لضمّ الإقليم إلى إدارة خاتمة، التي اعترفت بها الحكومة الصومالية بصفتها ولاية عضو فيدرالية في مايو (أيار) الماضي، وفقاً لإعلام محلي.

رئيس الوزراء الصومالي خلال مشاركته في فعالية موسّعة بمشاركة كبار المسؤولين بمدينة لاسعانود حاضرة إقليم سول (وكالة الأنباء الصومالية)

من جانبها، نفت الحكومة الصومالية أي تحرك عسكري لدعم سناغ أو سول ضد أي توترات، ونفي وزير الدفاع أحمد معلم فقي، ووزير التجارة محمود آدم غيسود، قبل أيام، ذلك مؤكديْن أنها مزاعم باطلة وتكشف عن ارتباك سياسي وعجز عن مواجهة تطلعات سكان تلك المناطق الذين لهم الحق في تقرير مصيرهم بأنفسهم.

الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أنه «لا يوجد دور مؤثر لإدارتيْ بونتلاند وإقليم أرض الصومال، وسيُعقد مؤتمر تأسيس إقليم خاتمة، بعد إقناع بعض الأعيان والأطراف، وفي الوقت نفسه لا توجد أي موشرات لمواجهة عسكرية، بل هناك بوادر أزمة سياسية، وستحاول بونتلاند، بأي طريقة، إفشال تأسيس الإقليم سياسياً لا عسكرياً».

المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي بري جامع، أكد أن «التوترات ستتصاعد في منطقتي سول وسناغ، وستتفاقم الأزمة السياسية في الصومال»، مشيراً إلى أن «النزاع حول المنطقتين يُعدّ امتداداً لصراعٍ أوسع بين بونتلاند وأرض الصومال المتنازع عليهما منذ عقود، لكن دعم مقديشو إنشاء إدارة مستقلة في هذه المناطق يهدد بزيادة حدّة الاستقطاب السياسي بالبلاد».

ويعتقد أنه «من الصعب جداً أن تلجأ مقديشو إلى الخيار العسكري المباشر؛ نظراً لحساسيات الداخل وضعف القدرات اللوجستية بعيداً عن العاصمة، وكذلك أي تحرك عسكري مباشر ضد مقديشو بصفتها عاصمة، أمر غير متوقع»، مضيفاً: «لكن من المرجح جداً أن تتحرك بونتلاند وأرض الصومال عسكرياً في مناطق سول وسناغ نفسها، لمنع أي إدارة جديدة مدعومة من مقديشو من التمركز فعلياً على الأرض، وقد يؤدي ذلك إلى مواجهات محدودة أو مواجهات بالوكالة بين قوات محلية مُوالية لمقديشو وقوات موالية للإدارات الإقليمية».

وعلى مدار نحو 3 شهور، ظهر دعم لافت من الحكومة الفيدرالية تجاه إدارة خاتمة، وأكد رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، في أبريل (نيسان) الماضي، خلال زيارة لمنطقة لاسعانود، عاصمة سول، لإطلاق مشاريع تنموية، أن «تأسيس إدارة ولاية خاتمة جاء بناءً على رغبة أهالي المنطقة»، مضيفاً أنه، من الآن فصاعداً، ستتمتع إدارة خاتمة بحقوق الولايات الإقليمية نفسها القائمة في البلاد، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الصومالية» آنذاك.

ومع اختتام مجلس التشاور الوطني في 8 مايو الماضي بمقديشو، برئاسة رئيس البلاد حسن شيخ محمود، وحضور زعيم إدارة خاتمة عبد القادر علي، وغياب رئيس ولاية بونتلاند عن المشاركة، تقرَّر الاعتراف رسمياً بإدارة خاتمة عضواً في الحكومة الفيدرالية، والدعوة إلى عقد المؤتمر العام المتفَق عليه بشأنها، بالتعاون بين الحكومة المركزية والإدارة المحلية.

وعقب يومين من الاعتراف، استقبل شيخ محمود بالقصر الرئيس زعيم ولاية خاتمة، وبحثا أوضاع التنمية وبناء الدولة بالولاية، مجدِّداً دعمه لإنشاء ولايته.

وبعد أقل من شهر، قام وزير التجارة الصومالي، محمود آدم غيسود، في 6 يوليو الجاري، بزيارة إلى مدينة لاسعانود، مقر حكومة إقليم خاتمة؛ وذلك بهدف «المشاركة في جهود توحيد محافظتيْ سول وسناغ»، وفق «وكالة الأنباء الصومالية».

ويرى عبد الولي بري جامع أن «الأنسب لمقديشو هو استخدام الحوار السياسي لتقريب وجهات النظر مع بونتلاند وأرض الصومال، ووساطة شيوخ القبائل والمؤسسات التقليدية التي لها وزن كبير في المنطقة، وتقديم ضمانات سياسية وتنموية بأن الإدارة الجديدة لن تكون خصماً لأي طرف، بل ستكون أداة للتنمية وتحقيق الاستقرار».

ويعتقد أن الحل الوسط مع الاهتمام الصومالي الرسمي بالإدارة المنتظرة هو «التوافق على إدارة مؤقتة محلية تُعطى صلاحيات محدودة، بإشراف مشترك بين بونتلاند وأرض الصومال والحكومة الفيدرالية، والاتفاق على إجراء استفتاء محلي أو مشاورات شعبية واسعة ليقرر السكان مستقبل إدارتهم، والتركيز على تنمية اقتصادية وخدمات عامة في المنطقة، بدلاً من الخلافات السياسية».

ويستبعد عبد الله أحمد إبراهيم إمكانية التوصل لحل وسط، في الوقت الحالي، في ضوء أنه «لا توجد علاقة بين الحكومة الفيدرالية وإقليميْ بونتلاند وأرض الصومال، والحل سيكون عبر إقناع العشائر وكسب ولائهم فقط، ومَن يكسب تلك الجولة فسيحدد مسار الإدارة الجديدة، ولذا رأينا زيارة وزير التجارة الأخيرة، لدعم ذلك المسار في لاسعانود».


مقالات ذات صلة

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
العالم العربي رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري (وكالة الأنباء الصومالية)

ماذا وراء تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو؟

أجلّت السلطات الصومالية الانتخابات المحلية في مقديشو لنحو شهر؛ حيث تُجرى للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، بموازاة تطبيق نظام الاقتراع المباشر في الانتخابات.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أثناء مشاركته في القمة الأفريقية - الأوروبية (مجلس الوزراء المصري)

مصر ترسّخ حضورها في القرن الأفريقي بتوسيع التعاون مع جيبوتي

عززت مصر حضورها في منطقة «القرن الأفريقي» بتوسيع التعاون في مجالات مختلفة مع دولة جيبوتي، مع تأكيدها رفض «أي إجراءات أحادية» بتلك المنطقة أو في البحر الأحمر.

أحمد جمال (القاهرة)
أفريقيا «التحالف الإسلامي» يعد شريكاً قوياً لدول الساحل في مواجهة الإرهاب (التحالف الإسلامي)

«التحالف الإسلامي» يطلق برامج تدريبية في النيجر لمحاربة الإرهاب

أطلق التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الاثنين في النيجر، أعمال البرنامج الإعلامي الذي ينفذه التحالف في مواجهة الإرهاب

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر (يمين) والسياسي من ناميبيا أدولف هتلر أونونا (أرشيفية - أ.ف.ب - مجلس أوشانا الإقليمي)

«أدولف هتلر» يتجه للفوز بانتخابات محلية في ناميبيا

من المتوقع أن يفوز سياسي يُدعى أدولف هتلر في انتخابات محلية بناميبيا، لكنه زعم أن والده كان يجهل الزعيم النازي عندما سمى ابنه.

«الشرق الأوسط» (ويندهوك)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».


بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».