قافلة مهجّرين كبيرة تعود إلى غوطة دمشق الشرقية

إصرار سوري على طي «صفحة التهجير» والرجوع إلى الديار رغم الدمار

حشد المستقبِلين يحيط بحافلة تُقل عائدين في بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)
حشد المستقبِلين يحيط بحافلة تُقل عائدين في بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)
TT

قافلة مهجّرين كبيرة تعود إلى غوطة دمشق الشرقية

حشد المستقبِلين يحيط بحافلة تُقل عائدين في بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)
حشد المستقبِلين يحيط بحافلة تُقل عائدين في بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)

عادت دفعة ضخمة من المهجَّرين ضمّت نحو 650 شخصاً إلى بلدتهم جسرين، في غوطة دمشق الشرقية، ضمن قافلةٍ أُطلق عليها «جسور العودة»، قادمين من مدينة عفرين بريف محافظة حلب، شمال سوريا، وذلك بعد تهجيرٍ قسري استمر أكثر من سبع سنوات فرَضه عليهم نظام بشار الأسد السابق.

ويعكس مشهد عودة القافلة، مساء الخميس، والتي تُعدّ الأولى من نوعها بهذا الحجم، إلى الغوطة الشرقية، بعد سقوط الأسد، إصرار المهجّرين على العودة إلى مدنهم ومنازلهم، وطي «صفحة التهجير»، رغم الدمار الذي لحق منازلهم والفقر الذي يعانونه.

وبعد عبور القافلة، التي تألفت من 5 حافلات نقل كبيرة أقلّت المهجّرين العائدين، وأكثر من 50 شاحنة كبيرة حملت أمتعتهم وأثاث منازلهم، جسر البلدة، تابعت طريقها إلى مدخلها، حيث كان بانتظار القادمين استقبال شعبي حاشد نظّمه أهالي البلدة وفريق «ملهم» التطوعي.

مستقبِلون أمام حافلة تُقل عائدين في بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)

ومع وصولها إلى قوس جسرين، عَلَت هتافات المشاركين في الاستقبال المرحِّبة بالعائدين، بينما كانت أفراد فرقة متخصصة بتنفيذ «العراضة الشامية» يرقصون وسط الحشد ويعزفون الموسيقى، ويرددون هتافات الترحيب ابتهاجاً بعودتهم، في وقتٍ كان البعض يوزّع قِطع الحلوى على القادمين والمشاركين في الاستقبال.

وبينما كان المشاركون يرفعون العَلَم الوطني الجديد، ويتقدمون إلى وسط البلدة وهم يرددون هتافات الترحيب، وآخرون يعبرون عن فرحة الانتصار وإسقاط نظام الأسد، كانت حافلات النقل تسير وراءهم، وسط انتشارٍ لعناصر قوى الأمن الداخلي على الطريق، ولُوحظ أن بعضهم وضعوا وروداً حمراء في فوّهات بنادقهم؛ تعبيراً عن الفرحة بعودة المهجّرين.

ومِن شدة الفرحة بالعودة لم ينتظر المهجّرون الوصول إلى وسط البلدة للنزول من الحافلات، وقام أغلبيتهم بذلك والحافلات لا تزال تسير على الطريق، لتطغى على المشهد صورةٌ إنسانية مؤثرة للغاية، إذ كان المشاركون بالاستقبال، وكذلك القادمون، يسارعون لعناق وتقبيل بعضهم البعض، وقد حدثت عمليات تدافع للوصول إلى بعضهم البعض مع انهمار دموع الفرح على وجوه كثيرين.

الورد الأحمر في فوهة بندقية رجل أمن خلال استقبال العائدين ببلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)

وأدى الانتشار الكبير للمشاركين والقادمين في الطريق إلى تعذر رؤية بعض المشاركين ذويهم وأقاربهم، ما دفع بعض المشاركين للسؤال عن ذويهم وأقاربهم القادمين، مع الاستمرار في البحث عنهم حتى رؤيتهم.

ولفت الانتباهَ أن أغلبية المهجّرين العائدين هم من النساء والأطفال، مع وجود أعداد قليلة من كبار السن والشباب.

الشاب ملهم فايز درويش، وهو من بين أفراد القافلة، وصف فرحته بالعودة، بعد تهجير في الشمال السوري استمر أكثر من 7 سنوات، بأنها «كبيرة جداً ولا توصَف». وقال، لـ«الشرق الأوسط»، وهو يحمل ابنه الصغير وزوجته إلى جانبه: «الحمد لله الذي أكرمنا بالعودة ونحن مرفوعو الرأس».

وشرح درويش صعوبة المعاناة التي عاشها وهو مهجّر، ومرارة النزوح، قائلاً: «تنقّلنا في عدد كبير من البيوت والخيام (بسبب القصف الذي كان ينفّذه نظام الأسد)، وقد أكرمنا الله هناك بأشخاص طيبين».

حشد المستقبِلين يحيط بحافلة تُقل عائدين في بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية (الشرق الأوسط)

درويش وعائلته سيقيمون حالياً في منزل جده بجسرين، ريثما يتمكن من تأمين تكلفة ترميم منزله الذي طاله دمار وتخريب وجرى «تعفيشه». وقال: «لا أملك تكلفة إصلاح المنزل، لكن كما أكرمنا الله بالنصر والعودة، سيكرمنا بتأمين تكاليف الترميم».

وفي تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، ذكرت عدة مصادر محلية في جسرين أن أغلبية العائلات العائدة؛ منازلُها إما مدمَّرة أو تحتاج إلى ترميم، وتعاني سوء الأحوال المادية.

وقال أحد المصادر: «أغلبيتهم فقراء، لذلك تكفّل فريق (ملهم) التطوعي بأجور نقلهم، وسيقيم بعضهم عند أقاربهم، وآخرون في شقق على العظم (غير مكسية) في منطقة المشروع بالبلدة».

وتضاربت الأنباء حول العدد الدقيق للمهجّرين العائدين ضمن هذه الدفعة، فبينما ذكر رئيس مجلس بلدة جسرين، أنس درويش، لـ«الشرق الأوسط»، أن القافلة أقلّت 132 عائلة تضم نحو 650 شخصاً، أوضح مدير مكتب فريق «ملهم» التطوعي بدمشق، أحمد أبو شعر، في وقت لاحق، أن عدد العائلات بلغ 104، مشيراً إلى أن فريقه «تكفَّل بأجور النقل، وهي إهداء منه إلى أهالي البلدة». وشدد على أن «هذا واجب علينا تجاههم، وما قدّمناه بسيط جداً، بعد أن عاشوا معاناة كبيرة، خلال سنوات تهجيرهم».

وبعد أن أبدى أبو شعر سروره برؤية البلادة محرَّرة على أيدي فصائل الثورة وبدماء الشهداء، وعودة المهجّرين إلى مُدنهم وقراهم «معزّزين مكرّمين منصورين»، أوضح أن عودة هذه القافلة تأتي في إطار «طيّ صفحة التهجير» الذي تعرّض له كثيرون من الشعب السوري.

ووفق مصادر محلية، فإن نظام الأسد هجَّر، في عام 2018، نحو 460 عائلة من جسرين، عاد منها بعد إسقاطه، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، ما يقارب 200 عائلة.

ولفتت المصادر إلى أن كثيراً من العائلات المهجّرة المقتدرة تعود إلى البلدة بشكل إفرادي، في حين جرى، قبل عودة هذه القافلة، «إعادة قافلة ضمّت 40 عائلة على نفقة أهل الخير».

يُذكر أن مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية القريبة الملاصقة للعاصمة السورية، كانت من أوائل المدن والبلدات التي انضمّت إلى الحراك السلمي ضد نظام الأسد، في مارس (آذار) 2011، وتشكلت فيها كثير من فصائل المعارضة المسلَّحة؛ أبرزها «جيش الإسلام»، و«هيئة تحرير الشام»، وذلك بعد عسكرة الأسد للحراك وتحويله إلى حرب طاحنة استمرت نحو 14 عاماً.

وقد خرجت أغلبية مدن وبلدات الغوطة الشرقية عن سيطرة نظام الأسد، في السنة الثانية للثورة، وفرض عليها جيش النظام وحلفاؤه حصاراً خانقاً، تَرافق مع شنّهم عليها هجمات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها السلاح الكيميائي وقتل الآلاف من أبنائها، إلى أن سيطروا عليها في أبريل (نيسان) عام 2018، وهجَّروا أعداداً كبيرة من سكانها.


مقالات ذات صلة

كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي (رويترز)

كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب

قالت الحكومة الكندية، اليوم (الجمعة)، إنها رفعت اسم سوريا من قائمة الدول الأجنبية الراعية للإرهاب وحذفت «هيئة تحرير الشام» من قائمة الكيانات الإرهابية.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

فرنسا تنظر بإيجابية إلى التحولات الجارية في سوريا

بعد عام على سقوط بشار الأسد، تنظر فرنسا بإيجابية للتطورات الحاصلة في دمشق، وتعتبر أن سوريا مستقرة ضرورة للتوازن الإقليمي والدولي.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر في مقر الفرقة الرابعة بدمشق يناير الماضي (رويترز)

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

كشف تحقيق عن أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرَّا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

قالت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الجمعة)، إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي توغلت في ريف القنيطرة بجنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

مصر ترحب بموافقة «الأمم المتحدة» على تمديد ولاية «الأونروا» 3 سنوات

طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني نازح ينظر من خلال غطاء مصنوع من البطانيات أثناء لجوئه إلى مدرسة تديرها «الأونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية اليوم (السبت)، إن مصر ترحب بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمدة 3 سنوات.

وأضافت «الخارجية» المصرية في بيان نشرته في صفحتها على «فيسبوك»، إن مصر تشدد على أن دور وكالة الأونروا محوري، ولا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله.

ودعت المجتمع الدولي إلى توفير التمويل المستدام لوكالة «الأونروا»، لضمان «استمرار خدماتها الحيوية».

وأشارت إلى أن وجود «الأونروا» يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر قضية اللاجئين ذاتها، وبالمسؤولية الدولية تجاه إيجاد حل دائم لها، وفق قرارات الشرعية الدولية.


احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
TT

احتفالات بذكرى سقوط الأسد... وأنصاره يخططون لـ«انتفاضتين»

حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)
حشد كبير في ساحة العاصي بحماة أمس احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام بشار الأسد أمس (إ.ب.أ)

في موازاة احتفالات مستمرة في سوريا بمرور قرابة سنة على إسقاط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، تسربت معلومات أمس عن خطط يقف وراءها رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد لإطلاق انتفاضتين في الساحل السوري ضد حكم الرئيس أحمد الشرع.

وجاءت هذه المعلومات، في وقت شهدت ساحة العاصي بمدينة حماة، الجمعة، فعالية حاشدة بمناسبة مرور عام على تحريرها من قوات الأسد. ورفع مشاركون في الفعالية علماً سوريّاً بطول 500 متر، وعرض 4 أمتار، وسط الساحة «في مشهد رمزي يؤكد وحدة الأرض والشعب»، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة «سانا» الرسمية.

تزامناً مع هذه الاحتفالات، نشرت «رويترز» تحقيقاً ذكرت فيه أن اللواء كمال حسن المسؤول السابق في المخابرات السورية، وابن خال الأسد الملياردير، رامي مخلوف، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين؛ أملاً في إشعال انتفاضتين ضد الحكومة الجديدة.

وقال 4 أشخاص مقربين من العائلة إن الأسد، الذي فرّ إلى روسيا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش في المنفى بموسكو.


قاسم يؤيد «الدبلوماسية» ويتمسك بسلاح «حزب الله»

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم يؤيد «الدبلوماسية» ويتمسك بسلاح «حزب الله»

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، أمس، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب قاسم عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار». وأضاف: «نحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».