فوجئ سكان مدينة القاهرة ومحافظات الدلتا (الثلاثاء) بسقوط أمطار غزيرة، وبشكل مفاجئ وغير معتاد في فصل الصيف، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، في ظاهرة مناخية غير مألوفة، ما سبب حالة من الارتباك، وأثار الكثير من الجدل حول كيفية الوصول إلى تفسير علمي مقبول لما حدث، ومعرفة أسبابه الحقيقية، وكيف يمكن التعاطي معه بما يضمن تقليل الأضرار التي تترتب على هذه الحوادث المناخية المفاجئة، والمتطرفة.
وفي حين وجه البعض النقد للهيئة العامة للأرصاد الجوية، مطالبين بمراجعة شاملة لأدائها، وضرورة تطوير قدراتها، حذر آخرون من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى كوارث يصعب مواجهتها في المستقبل، مرجعين ذلك إلى التحولات المناخية التي يمر بها كوكب الأرض منذ عدة عقود، ومشيرين إلى أن العالم دخل بالفعل مرحلة جديدة من «التطرف المناخي»، وأن علينا الاستعداد لتلك الظواهر المناخية الحادة، وغير المألوفة.
يصف الدكتور محمد السيد شلتوت، أستاذ علوم البحار الفيزيائية والتغيرات المناخية في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية في مصر، سقوط الأمطار الغزيرة بالأمس، بأنه من الأحداث المناخية النادرة، قائلاً إننا لا نستطيع وضع توصيف علمي دقيق لأسباب وقوعها، وعلاقة ذلك بالتغيرات المناخية، إلا أنه مع تكرار الأمر وخضوعه للدراسة والبحث والتحليل نستطيع معرفة أسبابه.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: من المحتمل أن تكون هناك علاقة لما حدث بالتغيرات المناخية، مفسراً ما جرى بأنه كان نتيجة وجود كتلة هوائية مشبعة ببخار الماء كونت منطقة ضغط منخفض، ما أدى إلى سقوط الأمطار وبكميات غزيرة في بعض المناطق.
وأوصى شلتوت بأن يتم تطبيق ما يعرف بـ«تقنيات النمذجة العددية»، على أن تطبق على نماذج وبيانات مستخلصة من ظروف وتغيرات الطقس المصرية، وليست من تلك المستمدة من حالات الطقس العالمية العامة. وأَضاف أنه ينبغي أن يجري تحديث هذه البيانات كل ساعة، وأن تكون القياسات على ارتفاعات كبيرة جداً من سطح الأرض لضمان دقتها.

وفيما يتعلق بالتغيرات التى طرأت على مياه البحر الأبيض المتوسط، قال إن درجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط تزداد سنوياً بمعدل 0.03 سيلزيوس، ورغم أن هذا المعدل ليس كبيراً، فإنه ذو تأثير ملموس، أضف إلى ذلك أن الموجة الحرارية في الصيف أصبحت أطول.
وتوقع أن يكون لتلك التغيرات مردود سلبي على الوضع الاقتصادي، إذ قد تؤدي هذه التغيرات إلى هجرة كثير من الأسماك، كما أن هذا الوضع قد يقلل كثيراً من العوائد المالية الآتية من السياحة، حيث ستفقد الكثير من المنتجعات الشاطئية جاذبيتها للسياح القادمين من الخارج، والذين يبحثون في العادة عن شواطئ مشمسة ذات درجات حرارة ومعدلات رطوبة معتدلة.
عالم الفضاء المصري بوكالة «ناسا»، الدكتور عصام حجي، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن نتائج أحد أبحاثه التي جرى نشرها مؤخراً أشارت إلى أن تلك الظواهر المناخية المتطرفة لم تعد مجرد ظواهر لحظية طارئة، وأنه من المتوقع ارتفاع وتيرة حدوثها في مصر والمنطقة العربية خلال السنوات القادمة.

وأضاف أنه لا يمكن تقديم مقترحات للحلول دون فهم أسبابها، مشدداً على ضرورة ترميم الشريط الساحلي في مصر وتوسعته وإعادة تدعيمه بالرمال، رافضاً الميل إلى نشر رسائل الطمأنة بين الناس قبل القيام بما يجب علينا القيام به من خطوات وتدابير ضرورية.
وكان بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد شاركوا بعض الفيديوهات التى يظهر فيها ارتفاع مستويات موج البحر، إذ عبر البعض عن قلقه من حالة البحر غير المعتادة في مثل هذه الأوقات من كل عام، حيث اعتاد المصريون الاستمتاع بمياه البحر وأجواء الشاطئ، وهو ما فسره حجي بأنه نوع من العواصف البحرية التى تحدث داخل البحر دون أن تمتد إلى خارجه، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع متوسط درجات حرارة مياه البحر المتوسط، نافياً أن تكون لذلك علاقة باحتمالات وقوع موجات التسونامي كما يدعي البعض.
وسائل الإنذار المبكر
ولم تتوقع الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية في بيانها الصادر الاثنين سقوط أمطار في يوم الثلاثاء، إذ قالت إن البلاد ستشهد طقساً شديد الحرارة ورطباً نهاراً في أغلب الأنحاء، وحاراً رطباً على السواحل الشمالية، فيما تبلغ درجة الحرارة العظمى في القاهرة الكبرى في الظل 37 درجة مئوية.
ويمكن لعمليات الرصد والإنذار المبكر والتخطيط السليم أن تقلل كثيراً من الأضرار المحتملة، بل وتمنع آثارها من أن تصبح حالات طوارئ خطرة واسعة النطاق.
ومن جانبه، يشدد حجي على أن ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات وكذلك زيادة معدلات الخسائر لا يكونان مرتبطين بشدة الأحداث المناخية المتطرفة فقط، وإنما أيضاً بمستوى وعي المواطنين وجاهزيتهم، ومدى استعدادهم، وكيفية تعاطيهم مع تلك الأحداث، منوهاً إلى ضرورة أن تكون هناك منظومة للإبلاغ المبكر، وأن تكون لدى المواطنين التعليمات الكافية للتعامل مع تلك الأحداث.
وتوقع أن تكون هناك أحداث أخرى أكثر شدة وتطرفاً في المستقبل، واصفاً «عدم الاستعداد لتلك الأحداث بأنه بمثابة الانتحار الذاتي».

ويستخدم علماء الأرصاد الجوية بيانات الطقس -مثل ضغط الهواء وسرعة الرياح ودرجة الحرارة- للتنبؤ بأنظمة الطقس. كما يمكن التنبؤ بالعواصف الرعدية الشديدة التي لديها القدرة على إنتاج الأعاصير، مما يسمح للناس بالاستعداد لإعصار متوقع، وبالتالي الحصول على الإمدادات اللازمة، والاحتماء في الأماكن الآمنة. إلا أنه لا يزال مستوى نشر نظم الإنذار المبكر ضعيفاً حتى الآن لدى غالبية الدول، خصوصاً النامية منها.

كما لا يجري استغلال التقدم في تكنولوجيات الاتصالات استغلالاً كاملاً للوصول إلى الأشخاص المعرضين للخطر. ولا توجد قدرة كافية على نطاق العالم لترجمة الإنذارات المبكرة إلى إجراءات مبكرة، وفق تقرير حالة الخدمات المناخية لعام 2020.
وفي هذا الإطار، يقترح حجي الاستفادة من بلدان الاتحاد الأوروبي التي تطل على حوض البحر الأبيض المتوسط، فبفضل أنظمة الإنذار المبكر والمعلومات الموجودة لديها، أصبح لدى الدول الأعضاء أنظمة أكثر كفاءة ومرونة للاستجابة لحالات الطوارئ.






