جدل أميركي حول من يتحمل مسؤولية الأزمة الأوكرانية

خصوم أوباما يتهمونه بانتهاج سياسة خارجية ضعيفة أطلقت يد بوتين

جدل أميركي حول من يتحمل مسؤولية الأزمة الأوكرانية
TT

جدل أميركي حول من يتحمل مسؤولية الأزمة الأوكرانية

جدل أميركي حول من يتحمل مسؤولية الأزمة الأوكرانية

كان دائما ما يطرح في موسكو، لا سيما خلال الفترة السيئة التي شهدتها البلاد، السؤال التالي «على من يقع اللوم؟». والآن تجد العاصمة الأميركية نفسها منغمسة في لغط الإجابة عن نفس السؤال منذ دخول قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أوكرانيا.
يقول كثيرون من اليمين السياسي إن خطأ الرئيس باراك أوباما في انتهاج سياسة خارجية الضعيف هو السبب وراء استيلاء موسكو على جزء من الأراضي الأوكرانية، بينما يقول البعض الآخر من اليسار إنه خطأ الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي أمر بغزو العراق، ووفر بالتالي سابقة يمكن اتخاذها ذريعة من قبل القوى الأخرى. وتتناثر عبر ألوان الطيف السياسي اتهامات هنا وهناك بأن اللوم يقع على أجهزة الاستخبارات الأميركية لفشلها في توقع إرسال روسيا قواتها إلى شبه جزيرة القرم.
ويستدعي الجدل الدائر حاليا حول الجهة التي تقع عليها مسؤولية خسارة أوكرانيا بشكل مخيف تلك الاتهامات، التي كانت شائعة خلال فترة الحرب الباردة، والتي كان أبرزها التساؤل عن المسؤول عن فقدان الصين بعد أن وصل الشيوعيون إلى السلطة في بكين عام 1949. غير أن هذه المرة تزداد حدة تلك الاتهامات بسبب تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، كما تضيف إليها طريقة ممارسة السياسة في هذا القرن نكهة مختلفة. وعلى موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وفي البرامج الحوارية التلفزيونية، وكذلك الخطب والأعمدة الصحافية وجلسات الاستماع في الكونغرس، سارع كثيرون لمحاولة تصوير الأزمة في أوروبا الشرقية على أنها لائحة اتهامات جديدة ضد خصومهم السياسيين.
وبصفته رئيسا للولايات المتحدة، استوعب أوباما بشكل طبيعي غالبية تلك الانتقادات التي اتهمته بالتساهل في تعامله، ليس فقط مع بوتين، بل أيضا مع الأوضاع في سوريا وإيران واللاعبين المارقين الآخرين على الساحة العالمية. كما أعطى توقيت اقتراح أوباما بخفض حجم الجيش الأميركي إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، فرصة جيدة للصقور لمواصلة الهجوم عليه. كما سعى البعض لوضع وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في مجال الانتقادات، مستبقين بذلك حملتها الرئاسية المحتملة في عام 2016.
وخلال اجتماع لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية، قال السيناتور جون ماكين، العضو الجمهوري عن ولاية أريزونا: «هذه هي النتيجة النهائية لسياسة خارجية عاجزة». بينما قال السيناتور ميتش ماكونيل، العضو الجمهوري عن ولاية كنتاكي، في مجلس الشيوخ «لقد تآكلت مصداقية الرئيس الأميركي في العالم». وجاءت الانتقادات الأكثر استفزازا، من السيناتور ليندسي غراهام، العضو الجمهوري عن ولاية كارولينا الشمالية، الذي ربط بين أزمة أوكرانيا والهجوم الذي حدث عام 2012 على السفارة الأميركية في مدينة بنغازي الليبية، والذي قتل فيه السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة دبلوماسيين أميركيين آخرين.
يقول غراهام على تويتر «لقد بدأت الأزمة مع هجوم بنغازي. فعندما يقتل الأميركيون ولا يدفع أحد الثمن، فيمكن للمرء أن يتوقع تكرار حدوث مثل هذا النوع من العدوان». وأضاف غراهام في تغريدة أخرى «لقد توصل بوتين إلى استنتاج بعد بنغازي وسوريا ومصر وكل قضية تصدى لها أوباما: إنه رئيس ضعيف وغير حاسم».
ورد البيت الأبيض على تلك الانتقادات عندما قال دان فايفر، كبير مستشاري الرئيس، على تويتر بأن «انتقادات الحزب الجمهوري للرئيس أوباما تعدت الحدود عندما قيل بأن (هجوم) بنغازي هو أحد أسباب ما يحدث في شبه جزيرة القرم».
وقد بدأت تلك الانتقادات في إزعاج الرئيس بشكل واضح. ومن دون انتظار لكثير من الوقت، دحض الرئيس فكرة أن لبوتين اليد العليا في الأزمة الأوكرانية عندما قال الثلاثاء «أود أن أشير إلى ما قيل عن أن الإجراءات الروسية كانت ذكية على المستوى الاستراتيجي. في الواقع، أنا أعتقد أن هذا لم يكن دليلا على القوة، بل هو انعكاس لمخاوف عميقة من جانب البلدان المجاورة لروسيا حول هذا النوع من التدخل».
وتشير تلك الانتقادات الموجهة لأوباما أن الأمر ليس جديدا، بل تعود جذوره لسنوات عدة، حيث يتهمه منتقدوه بأنه رضخ لروسيا حينما جمد خططه للدفاع الصاروخي في أوروبا، وصب مزيدا من التركيز على محاولة إصلاح العلاقات مع موسكو. ويشير هؤلاء إلى مسألة سوريا، لا سيما «الخط الأحمر» الذي حذر أوباما الرئيس السوري بشار الأسد من تخطيه من خلال استخدام الأسلحة الكيماوية، وكذلك فشل أوباما في الرد على تخطي ذلك الخط الأحمر من خلال توجيه ضربة لقوات بشار الأسد.
وبالنسبة للمسؤولين في البيت الأبيض، تبدو قصة ضعف الرئيس مجرد اتهام أجوف ضد الرئيس الذي ضاعف عدد القوات الأميركية في أفغانستان ثلاث مرات، وزاد هجمات الطائرات من دون طيار في باكستان واليمن وأماكن أخرى، وأصدر أوامره بتنفيذ الهجوم الذي قُتل فيه أسامة بن لادن. كما يضيف المدافعون عن أوباما أن بوتين لم يتردد في شن حرب ضد جورجيا عندما كان بوش رئيسا للولايات المتحدة.
لكن بوش لم يخرج من اللغط الحالي سالما، حيث قال بعض الليبراليين بأن غزوه للعراق جعل من الصعب على الولايات المتحدة إبداء اعتراضها على قيام روسيا بغزو بلد آخر.
ففي برنامجها على محطة إم إس إن بي سي (MSNBC)، قالت راشيل مادو «هناك بعض الحماقة التي تظهر في توجهات حكومة الولايات المتحدة، حيث تحاول قيادة رد فعل دولي ضد الانتهاكات (التي تقوم بها دول أخرى) في حين أننا نقف على بعد عامين فقط من حربنا في العراق التي استمرت قرابة عقد من الزمان، والتي كانت حربا جرى إشعالها، بطبيعة الحال، على أساس ذريعة كاذبة ملفقة».
وردد كريس ماثيوز، مذيع آخر على محطة MSNBC، نفس ما قالته مادو. يقول ماثيوز «نفس الأشخاص، الذين نفخوا لنا في أبواق الحرب لغزو ذلك البلد، العراق، ينفخون الآن في نفس الأبواق لأن بلدا آخر، روسيا، فعلت تقريبا نفس الشيء» مضيفا: «لكن الفارق الكبير (بين الحالتين) هو عشرات الآلاف من الجثث التي خلفتها الحشود التي وقفت وراء بوش وتشيني».
ويرى بعض الجمهوريين أن حزبهم ذهب بعيدا في اتهاماته للرئيس أوباما. حيث قال جون يوليوت، مساعد سابق في مجلس الشيوخ، بأنه يبدو من الخديعة أن نقول: إن ضعف أوباما هو الذي شجع روسيا على ما فعلته في أوكرانيا. يقول يوليوت «بوتين يقدم على فعل أي شيء حينما يشعر بالحاجة إلى ذلك، بغض النظر عن الشخص الذي يقيم في البيت الأبيض».
وحرص جمهوريون آخرون على تعديل نوعية انتقاداتهم من خلال عدم إغفال دور روسيا. ففي حديثه إلى CNN، أعاد السيناتور بول ريان، العضو الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، ترديد رأي حزبه بأن «الضعف المتوقع» من جانب أوباما هو الذي «يغري بالعدوان». ويضيف ريان «لكن، دعونا نكون واضحين حقا عمن هو المسؤول عن ذلك، إنه فلاديمير بوتين ولا شك».
* خدمة «نيويورك تايمز»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.