رغم استعانة كثيرٍ من المصريين بمواقع التواصل الاجتماعي الحديثة للتعبير عن فرحتهم بأدائهم أو أداء ذويهم فريضة الحج، فإن طقس رسم الكعبة والطائرات والبواخر على وجهات بيوت الحجيج بالأرياف والمناطق الشعبية في المدن بات طقساً راسخاً وموروثاً شعبياً يُعبر عن بهجة الحج والعمرة.
يتفنن الرسامون المحترفون والهواة في رسم صورة الكعبة المشرفة بشكل بارز على واجهات بيوت الحجاج، بوصفها رمزاً لأداء الفريضة، إلى جانب تصوير وسائل النقل التقليدية منها الطائرات والبواخر، مع كتابة عبارات التلبية وتهنئة الحجاج، وتدوين أسمائهم إلى جانب الجملة الأيقونية: «حج مبرور وذنب مغفور».

وتعبر الرسومات والمناظر حسب رأي الفنانة الدكتورة حنان سمير الأستاذة في كلية الفنون الجميلة عن المنطقة التي ينتمي لها الحجاج، كما أنها تختلف من فنان إلى آخر، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «هناك رسامين على درجة كبيرة من الكفاءة يبدعون في الرسم على الحوائط، حتى إن بيوت الحجاج تتحول بفعل رسوماتهم إلى جداريات ذات قيمة فنية وأبعاد متعددة، يظهر في خلفيتها الآيات القرآنية، ثم تأتي بعدها صورة الكعبة، والوسيلة التي استقلها الحاج في الوصول إلى مكة».
وتتميز الصور والأشكال بالواقعية، حيث يراعي الرسام الشكل الطبيعي للجمل والسفينة والطائرة، والكعبة، وكما أنه لا يغفل المساحات التي يعمل عليها، ويعطي الشرفات والأبواب، حسب كلام سمير، دلالة، ويدمجها في الرسم الذي يُشكِّله على الحوائط بحيث تكون جزءاً من المنظر.
وهناك بعض الجداريات لا يرسم فيها الفنان أي نوع من الصور، ويكتفي فقط بالآيات القرآنية، وهذا الفنان، وفق قول سمير، يكون على درجة كبيرة من إتقان الخط بأنواعه، ويقوم في الغالب بكتابة الآيات التي تتحدث عن الحج، ووجوبه ومناسكه.
وترى الباحثة في التراث الشعبي الكاتبة صفاء عبد المنعم أن هناك جذوراً بالتأكيد لفكرة الرسوم على حوائط منازل الحجاج، وأساسها توثيق الرحلة، والإعلان عنها، وهذه العادات تنتشر في الريف والمدن الصغيرة أكثر من المناطق الراقية، وربما السبب هو أن معظم البيوت التي يلجأ أصحابها للرسم على جدرانها تكون ملكية خاصة، وهي ميزة قد لا تتوفر للسكان في المنازل التي تتشكل منها المناطق الجديدة، وربما يكون هذا هو سبب ندرتها هناك.

استقبال الحجيج وعودتهم من الأراضي المقدسة في رأي صفاء يشبه إلى حد كبير الأفراح، ففي بيت جدها حين أدى فريضة الحج، أقاموا ولائم للمهنئين والضيوف في الدار، وجاء منشد لقراءة التواشيح وكانت هناك زينة إلى جانب الرسومات تشبه إضاءة حفلات الزفاف.
وتشكل الرسومات على جدران البيوت وتزيينها بالآيات القرآنية والصور بحسب أمين محمد من سكان الجيزة نوعاً من الفرحة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نشعر بالسعادة بعد أداء الفريضة، كما أنها نوع من الإشهار بأن أبي زار الكعبة والمدينة المنورة».

ويشير الدكتور مسعود شومان الباحث في التراث والفنون الشعبية إلى أن تسجيل الرحلات فكرة قديمة عند المصريين، وهناك مظاهر كثيرة لذلك على المعابد، ويقول شومان لـ«الشرق الأوسط»: «الحج شعيرة يوثقها المصريون منذ القدم بالرسومات، وهذا مرتبط بالزمن، فوسيلة السفر تطورت بالطبع بفعل التقدم، وكانت في البداية بالجمل عن طريق الصحراء، ثم السفن والمراكب، وبعد ذلك ظهرت على البيوت صور الطائرات وإلى جوارها الكعبة».
ولفت شومان إلى أن فكرة التوثيق بالرسم ظهرت مع الإنسان منذ أن كان يعيش في الكهوف، وكان يرصد رحلته في الصيد والبحث عن الغذاء، وعند القدماء المصريين هناك رحلة تقديس إيزيس وأوزوريس على جدران معبد أبيدوس، هناك أيضاً توثيق لرحلات الموتى، وهي موجودة في مقابر «الهو» في محافظة قنا جنوب مصر، وهي آثار تشهد على قِدم فكرة تسجيل الرحلة، وقد حدّثها المصريون، واستخدموها في إشهار رحلة الحج وأداء الفريضة.


