ماتيلدا فرج الله لـ«الشرق الأوسط»: علينا الاعتذار من أولادنا في حال أخطأنا تجاههم

في «اعترافات» تسير عكس التيار وتُقدّم مادة إعلامية مختلفة

ماتيلدا فرج الله في «اعترافات» تسير عكس التيار (صور الإعلامية)
ماتيلدا فرج الله في «اعترافات» تسير عكس التيار (صور الإعلامية)
TT

ماتيلدا فرج الله لـ«الشرق الأوسط»: علينا الاعتذار من أولادنا في حال أخطأنا تجاههم

ماتيلدا فرج الله في «اعترافات» تسير عكس التيار (صور الإعلامية)
ماتيلدا فرج الله في «اعترافات» تسير عكس التيار (صور الإعلامية)

تملك اللبنانية ماتيلدا فرج الله خبرة لا يُستهان بها في العمل الإعلامي، إذ راكمت على امتداد مسيرتها المهنية تجارب متنوّعة، بفضل مجموعة برامج تلفزيونية قدَّمتها على محطات محلّية وعربية، من بينها «عالمكشوف»، و«بتجرّد»، و«جريء جداً»، و«التاريخ يشهد»، وغيرها.

تعترف فرج الله بأنّ العمل الإعلامي خذلها، ما أسهم في تكسُّر أحلامها، إذ تشعر بخيبة مما آل إليه هذا القطاع اليوم. كما عانت التنقُّل المستمر بين مؤسّسات إعلامية من دون أن تستقر في صرح واحد، الأمر الذي أجبرها على مضاعفة جهودها للبحث عن بيئة مهنية سليمة.

ابتعادها عن الشاشة الصغيرة في السنوات الأخيرة دفعها إلى البحث عن فكرة جديدة تطلّ من خلالها. فلطالما اشتهرت بتقديم محتوى مختلف يليق بمسيرتها، ولم تشأ أن تكرّر نفسها أو أن تنخرط في موجة ما يُروَّج له اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا وُلدت فكرة برنامج رقمي بعنوان «اعترافات»، تشارك فيه ابنتها ليا حوارات صريحة بين الأم وابنتها، واستطاع أن يخطف انتباه المُشاهد العربي عبر عرض تبنّته شركة «ووركيننغ تايتل» الإماراتية.

تقول فرج الله لـ«الشرق الأوسط»: «طرقت أبواباً عدّة بحثاً عن جهة تتبنّى البرنامج، لكن لم يملك أحد الجرأة لاتخاذ هذا القرار. فالبرنامج يُعدّ الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، ويتناول علاقة الأم بابنتها من خلال نقاش صريح يتبادل فيه الطرفان المشاعر بكل شفافية».

تُطالب الأهل بالاعتذار من أولادهم عن أخطاء ارتكبوها تجاههم (صور الإعلامية)

اليوم، يحقّق «اعترافات» نسب مشاهدة مرتفعة، وولّدت الموضوعات التي يطرحها نقاشات بين الأهل وأولادهم. وتلقّت فرج الله سيلاً من التعليقات المتنوّعة، بين مشيد بفكرتها وناقد لها بحدّة، ما جعل من الصعب عليها إرضاء جميع متابعيها بمادّة إعلامية جديدة وجريئة. وبفضل مديرة الشركة المنتجة، سالي والي، استطاعت إيصال فكرتها إلى النور. وتضيف: «غالبية الإعلاميات يظهرن على الشاشة لتلميع صورتهن، أما أنا ففعلت العكس، وضعت أخطائي على الطاولة وناقشتها مع ابنتي ليا من زوايا متعدّدة. تجرّأت على مواجهة الجرح. وهو أمر نادر في هذا الوسط، إذ كسرت القاعدة وسلكت طريقاً شاقاً لكنه يوصل رسائل مباشرة إلى الأهل حول أهمية الحوار مع أولادهم».

وضعت ماتيلدا هذا الصراع الصامت الذي عاشته مع ابنتها تحت المجهر، وشرَّحت خفاياه، مُحللةً أثره فيهما، فكان بمثابة علاج نفسي كتبته لنفسها لتتحرّر منه.

تقول إنها عاشت طويلاً تحت صورة «الأم الضحية»، متأثرةً بأداء والدتها التي أمضت حياتها في انتظار أولادها وزوجها، دون أن تمتلك حياة خاصة بها. هذا الشعور بالتقصير تجاه والدتها دفع ماتيلدا إلى تبنّي نموذج مغاير، لتُظهر لأولادها صورة الأم القوية والصلبة: «نحن في النهاية انعكاس لتصرّفات أهلنا وصورتهم التي رسموها لنا».

يتألَّف «اعترافات» من 14 حلقة، وتقول فرج الله إنّ الحلقة الثامنة، وعنوانها «من شو منخاف»، ستجعل المجتمع بأكمله يشعر بأنها تتحدَّث بلسانه.

يتألف برنامج «اعترافات» الرقمي من 14 حلقة (صور الإعلامية)

في الحلقات الأربع التي بُثّت حتى الآن، نشهد لحظات مصارحة وعتاب، إذ تعترف الأم بأنها تشتاق إلى ابنتها التي بالكاد تجد وقتاً للإجابة على مكالمة منها؛ في حين تصارحها ليا بأنها في عمر الثامنة عانت أنانية والدتها، إذ كانت منشغلة بمهنتها الإعلامية وغافلة عن تفاصيل صغيرة كانت بحاجة إلى مَن يلتفت لها. كتمت مشاعرها ولم تستطع البوح بها حينها. وتُعلّق فرج الله: «ليا وأنا لا نُحضّر لمحتوى الحلقات. ندخل الاستوديو متفقتين فقط على العنوان، ونترك الحديث يأخذنا حيث يشاء. دموعي، عفويتي، وأحاسيسي كلها تخرج تلقائياً، مثل ردّ فعل على النقاش. فالتجربة الإنسانية الحقيقية لا بد أن تولد من رحم الواقع والحقيقة».

وتعترف بأنها فوجئت مرّات بكلام وجّهته ليا إليها خلال التصوير، إذ إنّ البرنامج بأكمله بعيد عن أي افتعال أو فبركة.

تُطالب الأهل بالاعتذار من أولادهم عن أخطاء ارتكبوها تجاههم (صور الإعلامية)

وعما إذا كانت تندم اليوم على تقصير تجاه ابنتها، تُجيب: «طبعاً، هناك تفاصيل كثيرة فاتتني. ولو عاد بي الزمن، لتنبّهت لها وتعاملت معها بوعي أكبر، ولكن من دون أن أتخلّى عن أحلامي. فأحلامي هي التي أوصلتني إلى هنا، وقدَّمتُ من خلالها لأولادي صورة الأم القوية».

وتعترف ليا، في إحدى الحلقات، بأنها حين كبرت، تفهَّمت مشاغل والدتها، وهي تقدّر قوتها التي انتقلت إليها بشكل غير مباشر. وتضيف: «أعتقد أنه إذا تزوجت، سأسير على طريقتها، لكنني سأتنبّه لتفاصيل صغيرة مع أولادي كانت قد أهملتها».

يتأثر المُتابع لحلقات «اعترافات» لاشعورياً بهذه المواجهات بين الأم وابنتها. يتعاطف مع الأم التي لم تتخلَّ عن أحلامها، وفي الوقت عينه يُقدّر شخصيات أولادها التي بنتها على مبادئ إنسانية. كما يُدهَش من جرأة الابنة التي تتحدَّث بلسان بنات جيلها، وتُكثّف جرعات العتاب لتوصيل حقيقة مشاعرها. هكذا تفتح الباب أمام جيل الشباب لمصارحة أهله وتقليص المسافات معهم قبل فوات الأوان.

وتقول فرج الله إنها لاحظت في الفترة الأخيرة تراجعاً في علاقتها مع ابنتها، إذ أصبحت تميل أكثر إلى السطحية. وتتابع: «لم أكن أُفصح لها عن ذلك، لكني شعرت ببُعدٍ بينها وبيني، فهي كبرت ولم تعد تحتاج إليّ. افتقدت تفاصيل صغيرة تحوّلت مع الوقت إلى شوق وحنين».

«أولادكم ليسوا لكم»، كما قال جبران خليل جبران. وماتيلدا تدرك هذه الحقيقة، لكنها أرادت أيضاً أن تُتيح لابنتها مساحة للتعبير. «إنها رسالة أُوجّهها إلى المجتمع العربي بأكمله. علينا أن نعتذر من أولادنا إن أخطأنا بحقهم. فهذا ليس ضعفاً، وإنما قوة تكسر الحواجز بيننا وبينهم. فالمصارحة ضرورية لبناء مجتمع سليم. أولادنا يختلفون تماماً عنّا. يتصرَّفون كأنهم أكثر ذكاء ومعرفة. علينا أن نستوعبهم ونواجههم في الوقت عينه. ولا يجب أن نتخلّى عن أنفسنا بوصفنا أمهات لننجح في تربيتهم».


مقالات ذات صلة

مدرّبو «ذا فويس»: الموسم السادس يحمل مواهب استثنائية

«ذا فويس 6» والمدرّبون ناصيف زيتون وأحمد سعد ورحمة رياض (إنستغرام)

مدرّبو «ذا فويس»: الموسم السادس يحمل مواهب استثنائية

كانت لـ«الشرق الأوسط» لقاءات مع المدرّبين الثلاثة خلال تسجيل إحدى حلقات الموسم السادس، فأبدوا رأيهم في التجربة التي يخوضونها...

فيفيان حداد (بيروت)
أوروبا شعار هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية (متداولة)

هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية توقف النشر على منصة «إكس» جرّاء «معلومات مضللة»

قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية (إن أو إس)، الثلاثاء، إنها توقفت عن النشر على منصة «إكس» بسبب نشر المنصة معلومات مضللة.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
يوميات الشرق بيونة (أرشيفية - أ.ف.ب)

غياب بيونة... الفنانة الجزائرية الشاملة

توفيت في الجزائر العاصمة، اليوم (الثلاثاء)، الممثلة القديرة بيونة عن عمر ناهز 73 عاماً، إثر معاناة مع المرض، وفق ما أعلن التلفزيون الحكومي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
يوميات الشرق بسمة وهبة مقدمة برنامج «90 دقيقة» (صفحتها على «فيسبوك»)

منع بسمة وهبة وياسمين الخطيب من الظهور على الشاشة لمدة 3 أشهر

قرر «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في مصر، الخميس، منع ظهور بسمة وهبة المذيعة بقناة «المحور»، وياسمين الخطيب المذيعة بقناة «الشمس»، إعلامياً، لمدة 3 أشهر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق صورة جماعية من برنامج «دولة التلاوة» (فيسبوك)

«دولة التلاوة» يخطف الأنظار ويعيد برامج المسابقات للواجهة في مصر

خطفت الحلقة الأولى من برنامج «دولة التلاوة»، والتي ضمت تلاوات قرآنية لعدد من المتنافسين على جوائز مليونية، وعرضت على منصات مصرية، الجمعة، الأنظار.

داليا ماهر (القاهرة)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.