تفتقد فاطمة خراز الحماس المعتاد الذي يصاحب عادة أجواء عيد الأضحى، بعد دعوة العاهل المغربي محمد السادس إلى الامتناع عن ذبح الأغنام هذا العام، بسبب جفاف متواصل أدّى إلى تراجع عدد قطعان الأغنام. في سوق أسبوعية بمدينة الخميسات بضواحي العاصمة الرباط، يمكن رؤية أبقار وعجول وخيول وحمير، بينما غابت الأغنام، في مشهد استثنائي في هذه السوق، التي يقصدها عادة زبائن من المدن والقرى المجاورة لاقتناء أضحية العيد.

في 26 من فبراير (شباط) الماضي، دعا الملك محمد السادس إلى «عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة»، بسبب «ما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية». وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتخّذ فيها المغرب، حيث يحتكر الملك القرار في الشؤون الدينية، هذه المبادرة منذ عام 1996 للسبب نفسه آنذاك. وعلى الرغم من أن ذبح الأضحية ليس فرضاً دينياً، فإنه مناسبة دينية تحظى بإقبال كبير في المغرب، خصوصاً لدى الأوساط الشعبية. ويقدّر عدد الأغنام التي تذبح يوم العيد بنحو خمسة إلى ستة ملايين رأس لنحو 37 مليون نسمة.
حماس مفقود
تقول فاطمة خراز (52 عاما)، التي جاءت من ضواحي الخميسات لشراء الخضراوات والفواكه من سوق الثلاثاء: «لا نشعر بالحماس المعتاد لأجواء العيد... كأنه غير موجود». ثم تستدرك بالقول: «كان الثمن مرتفعاً العام الماضي، وهذا العام أغلى (...) وما كنا لنقدر عليه». وتوافقها منى حجام (28 عاماً) قائلة: «من الطبيعي أن نحسّ بالنقص من دون أجواء الشواء... لكنني أؤيد هذا القرار». مضيفة أن بعض الأسر «تضطر للاقتراض من أجل شراء الأضحية... هكذا أفضل»، قبل أن تنصرف مع عائلتها للتسوّق في صباح يوم غائم.

ويشهد المغرب جفافاً متواصلاً للعام السابع، من بين تداعياته تراجع رؤوس قطعان الأغنام والماعز «بنسبة 38 في المائة»، مقارنة مع آخر إحصاء في عام 2016، وفق وزارة الزراعة. وتقلصت المراعي عاماً بعد آخر، وهي التي يعتمد عليها «نحو 70 في المائة من المربين»، بحسب رئيس الجمعية الوطنية لتربية الأغنام والماعز، عبد الرحمن مجدوبي، الذي أوضح في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن أسعار الأعلاف ارتفعت حتى عجز الكثيرون عن تحمّل التكاليف. ولمواجهة الأزمة في عيد الأضحى الماضي، أقرّت الحكومة دعماً مالياً لمستوردي الأغنام، لكن من دون أن تتراجع الأسعار، وهو ما أثار انتقادات حادة حول استفادة مستوردين ووسطاء دون المستهلكين. وهذا العام، بادر الملك محمد السادس إلى الدعوة للامتناع عن الذبح تماماً؛ «أخذاً بالاعتبار أنّ الذبح في عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، وأنّ القيام بذلك في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود». وفي مارس (آذار) الماضي، أُعلن عن منع ذبح إناث الأغنام والماعز لتوفير ثمانية ملايين رأس منها في أفق مايو (أيار) المقبل.
«ثمن خيالي»
متكئاً على سور يحيط برواق الأغنام الفارغ في سوق الثلاثاء، يعرض المزارع مروان حيزون (24 عاماً) بقرتين للبيع، تاركاً خرفانه في مزرعة العائلة بضواحي الخميسات. ويقول: «لو بقي العيد (الذبح) هذا العام، لكان الثمن خيالياً». من جهته، يقول مربي الخيول والأغنام، مصطفى مستور (52 عاماً): «ربما كانت أسعار الأضاحي ستصل إلى ستة أو سبعة آلاف درهم (نحو 600 إلى 700 دولار)»، وهو مبلغ مرتفع جدّاً بالنسبة إلى الأسر المتواضعة والمتوسطة، حيث لا يتعدّى الحدّ الأدنى للأجور 300 دولار.

في المقابل، لجأ كثيرون إلى شراء كميات أقل من اللحوم وكبد الأغنام، التي تشكل أطباقاً تقليدية في أيام العيد. وفي هذا السياق يقول رئيس الفيدرالية المغربية للفاعلين بقطاع المواشي، محمد جبلي: «سجّلنا ارتفاعاً في الطلب، لكنه لن يؤثر على العملية»، التي تستهدف إعادة تشكيل القطيع. مضيفاً: «سمعنا عن إغلاق بعض أسواق الأغنام، بينما بقيت أخرى مفتوحة». وإذا كان حيزون ومستور متفقين على صوابية التخلّي عن الذبح، فإنهما يلحان على تعميم الدعم على المزارعين الصغار. في 22 مايو الماضي، أعلنت الحكومة خطة دعم بنحو 6.2 مليون درهم (نحو 620 مليون دولار) على مدى عام، تشمل على الخصوص دعم أسعار الأعلاف، وإلغاء جزئياً لديون المربين، وحملات لحماية 17 مليون رأس من أمراض يسببها الجفاف، مع تعميم تقنيات تخصيب اصطناعي.



