قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت باريس قلب عالم الفنون؛ فلطالما جذبت صالوناتها ومدارسها ومقاهيها فنانين من جميع أنحاء العالم، وكان كل من بابلو بيكاسو، ومارك شاغال، وبيت موندريان، وسلفادور دالي، من بين كثيرين توافدوا إلى العاصمة الفرنسية خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، حسب «سي إن إن» الأميركية.
مع ذلك واجه الفنانون القادمون من آسيا مجموعة مختلفة تماماً من التوقعات مقارنة بنظرائهم الأوروبيين. ورغم أن باريس كانت بوتقة تنصهر فيها الثقافات الأجنبية (حسب معايير تلك الحقبة على الأقل)، كانت أيضاً قلب إمبراطورية استعمارية مهووسة بكل ما هو «غريب».
كتب الناقد الفني الفرنسي هنري لورميان، في عام 1933، باستخفاف واستهانة عن الرسامين الفيتناميين الذين شاركوا في معرض للفن الحديث في باريس يقول: «يبدو أن الزيت مادة ثقيلة جداً على أيديهم»، وأضاف أن هؤلاء الرسامين «معتادون على ضربات الفرشاة الخفيفة»، معلقاً: «إن ذكريات فنون الشرق الأقصى هي ما يجذب أكثر بكثير من تقنية غربية مكتسبة بجهد وجد».
بمعنى آخر، لم تكن أعمالهم «آسيوية» الطابع بدرجة كافية، وكذلك لم تكن محاولاتهم لتبني الفن الأوروبي جيدة بما يكفي لإرضائه.
ورغم التهميش وعدم الاكتراث، فإن جيلاً من الفنانين المغمورين من اليابان والصين والهند، الصينية - الفرنسية، (أراضٍ مستعمرة من فرنسا في جنوب شرقي آسيا)، ومناطق آسيوية أخرى، تركوا بصمتهم في باريس خلال فترة ما بين الحربين. واضطر كثيرون منهم إلى الوصول إلى توازن بين تأثير محيطهم العالمي والأذواق الغريبة للعملاء المحتملين.
واليوم، بعد مرور قرن، بدأ بعض رواد تلك الحقبة -بمساعدة القوة الشرائية المتزايدة لجامعي التحف الآسيويين- ينالون تقدير وشهرة جاءت متأخرة مُنحت من قَبل إلى نظرائهم الغربيين.
إلى ذلك، بدأت تجربة الفنانين الآسيويين في أوروبا تجذب اهتماماً أكاديمياً متجدداً، وذلك جزئياً بفضل معرض جديد في متحف سنغافورة الوطني.
يحمل هذا المعرض، الذي استغرق تحضيره نحو عشر سنوات، عنوان «مدينة الآخر: الفنانون الآسيويون في باريس بين عشرينات وأربعينات القرن العشرين»، ويضم أكثر من 200 عمل فني يعود إلى تلك الفترة، الكثير منها مُعار من مؤسسات فرنسية ومجموعات آسيوية خاصة.



