صرّح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يوم الخميس بأن محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين «متعثرة بعض الشيء»، وأن التوصل إلى اتفاق سيتطلب على الأرجح مشاركة مباشرة من الرئيس دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ.
وبعد أسبوعين من المفاوضات الاختراقية التي قادها بيسنت، والتي أسفرت عن هدنة مؤقتة في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، صرّح بيسنت لشبكة «فوكس نيوز» بأن التقدم منذ ذلك الحين كان بطيئاً، لكنه قال إنه يتوقع المزيد من المحادثات في الأسابيع القليلة المقبلة.
وقال بيسنت: «أعتقد أننا قد نجري في وقت ما مكالمة هاتفية بين الرئيس ترمب والرئيس شي»، وتابع: «بالنظر إلى حجم المحادثات وتعقيدها... سيتطلب هذا من الزعيمين مناقشة الأمر مع بعضهما البعض». تربطهما علاقة جيدة، وأنا واثق من أن الصينيين سيجلسون إلى طاولة المفاوضات عندما يُعلن الرئيس ترمب عن تفضيلاته.
وأدى الاتفاق الأميركي الصيني لخفض الرسوم الجمركية الثلاثية الأرقام لمدة 90 يوماً إلى ارتفاع كبير في أسواق الأسهم العالمية. لكنه لم يُعالج الأسباب الكامنة وراء فرض ترمب رسوماً جمركية على السلع الصينية، والتي تتمثل في شكاوى أميركية قديمة من النموذج الاقتصادي الصيني الذي تُهيمن عليه الدولة ويعتمد على التصدير، تاركاً هذه القضايا لمحادثات مستقبلية.
ومنذ اتفاق منتصف مايو (أيار)، ركزت إدارة ترمب على مفاوضات الرسوم الجمركية مع شركاء تجاريين رئيسيين آخرين، بما في ذلك الهند واليابان والاتحاد الأوروبي. وهدد ترمب الأسبوع الماضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على سلع الاتحاد الأوروبي، لكنه أرجأ هذا التهديد.
وقضت محكمة تجارية أميركية يوم الأربعاء بأن ترمب تجاوز سلطته بفرض الجزء الأكبر من رسومه الجمركية على الواردات من الصين ودول أخرى بموجب قانون صلاحيات الطوارئ. ولكن بعد أقل من 24 ساعة، أعادت محكمة استئناف فيدرالية فرض الرسوم الجمركية، قائلة إنها ستُعلق قرار محكمة التجارة مؤقتاً للنظر في استئناف الحكومة. وأمرت محكمة الاستئناف المدعين بالرد بحلول 5 يونيو (حزيران) المقبل، والإدارة بالرد بحلول 9 يونيو. وصرح بيسنت سابقاً بأن بعض الشركاء التجاريين، ومنهم اليابان، يتفاوضون بحسن نية، وأنه لم يلاحظ أي تغيير في مواقفهم نتيجة لقرار المحكمة التجارية. وقال بيسنت إنه سيلتقي بوفد ياباني يوم الجمعة في واشنطن.
وفي سياق مستقل، قالت الصين إنها لا تزال ملتزمة بالحفاظ على استقرار سلاسل التصنيع والإمداد العالمية، وإنها مستعدة لتعزيز الحوار والتعاون بشأن ضوابطها على تصدير المعادن الأرضية النادرة. وعند سؤال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان عن تدابير الرقابة على تلك الصادرات، قال إن القيود التي تفرضها بكين تتوافق مع الممارسات الدولية الشائعة.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت في وقت سابق من هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة علقت بعض مبيعات التكنولوجيا المهمة إلى الصين، ردا على القيود التي فرضتها الصين في الآونة الأخيرة على صادرات معادن مهمة إلى الولايات المتحدة.
وفي غضون ذلك، ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» يوم الخميس أن كبرى شركات التكنولوجيا في الصين بدأت عملية للتحول إلى الرقائق المصنعة محليا في ظل تناقص المخزون من معالجات «إنفيديا» وتشديد قيود التصدير الأميركية.
ونقل التقرير عن مسؤولين تنفيذيين في القطاع أن شركات «علي بابا» و«تنسنت» و«بايدو» من بين الشركات التي بدأت اختبار أشباه موصلات بديلة لتلبية تنامي الطلب المحلي على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
ومن جهة أخرى، أفادت رسالة داخلية اطلعت عليها «رويترز» بأن شركة «سينوبسيس»، المتخصصة في برمجيات تصميم أشباه الموصلات، طلبت من موظفيها في الصين وقف خدماتها ومبيعاتها في البلاد والتوقف عن تلقي طلبات جديدة امتثالاً لقيود التصدير الأميركية الجديدة.
وأفادت «رويترز» يوم الأربعاء، نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن الولايات المتحدة أمرت مجموعة واسعة من الشركات بالتوقف عن شحن البضائع إلى الصين دون ترخيص، وألغت التراخيص الممنوحة بالفعل لبعض الموردين. وأضافت أن المنتجات المتأثرة تشمل برمجيات التصميم والمواد الكيميائية لأشباه الموصلات.
وعلّقت «سينوبسيس» يوم الخميس توقعاتها السنوية والربع سنوية بعد أن تلقت خطاباً من مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية، يُبلغها بقيود التصدير الجديدة المتعلقة بالصين. وجاء في الرسالة الداخلية المرسلة إلى الموظفين في الصين يوم الجمعة: «بناءً على تفسيرنا الأولي، تحظر هذه القيود الجديدة على نطاق واسع مبيعات منتجاتنا وخدماتنا في الصين، وهي سارية المفعول اعتباراً من 29 مايو 2025».
ولضمان الامتثال، أعلنت شركة «سينوبسيس» أنها ستمنع المبيعات وتنفيذ الطلبات في الصين، وتوقف الطلبات الجديدة حتى تتلقى توضيحات إضافية. وأضافت الرسالة أن هذه الإجراءات تؤثر على جميع العملاء في الصين، بمن فيهم موظفو العملاء العالميون العاملون في مواقع في الصين، والمستخدمون العسكريون الصينيون أينما كانوا.
وإلى جانب شركتي «كادينس» و«سيمنس إي دي إيه»، تُعد «سينوبسيس» من بين أكبر ثلاث شركات تُهيمن على برمجيات أتمتة التصميم الإلكتروني (EDA) التي يمكن لصانعي الرقائق استخدامها لتصميم أشباه الموصلات المستخدمة في كل شيء، من الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر والسيارات. ويشكل تقييد وصول الشركات الصينية إلى تلك الأدوات ضربة موجعة للقطاع، حيث يعتمد عملاء تصميم الرقائق الصينيون بشكل كبير على أفضل البرمجيات الأميركية.
ولا يتوقف الأمر عند حدود التكنولوجيا، إذ تواجه مشتريات الصين من الإيثان الأميركي، وهو مادة خام رئيسية في صناعة البتروكيماويات، حالة من عدم اليقين بعد أن طلبت وزارة التجارة من المصدرين الحصول على تراخيص للتصدير إلى الصين، وفقاً لمصادر تجارية وبيانات شحن.
وأفادت «رويترز» يوم الأربعاء بأن واشنطن أمرت مجموعة واسعة من الشركات بوقف شحن البضائع، بما في ذلك الإيثان والبيوتان، إلى الصين دون ترخيص، وألغت تراخيص مُنحت بالفعل لبعض الموردين. وتُعدّ هذه الخطوة أحدثَ خللٍ في مشتريات الصين من الإيثان الأميركي، والتي بلغت رقماً قياسياً بلغ 492 ألف برميل يومياً في عام 2024، أي ما يُقارب نصف الصادرات الأميركية، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وأظهرت بيانات «كبلر» أن ناقلتي غاز كبيرتين على الأقل كانتا تنتظران في المواني الأميركية لتحميل الإيثان هذا الأسبوع، بينما تتجه 15 ناقلة أخرى إلى ساحل الخليج الأميركي، أو تنتظر انطلاقاً منه، لتحميل حوالي 284 ألف برميل يومياً من الإيثان في يونيو.
وقال متعاملون إن التأثير على الشركات الصينية قد يكون محدوداً على المدى القريب، نظراً لامتلاكها مخزونات كافية.
