وصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مسقط، الثلاثاء، في زيارة رسمية تستمر يومين، وسط أجواء ترقب للمحادثات التي ترعاها سلطنة عمان بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي.
واستقبل سلطان عمان هيثم بن طارق، الرئيس الإيراني في قصر العلم بمسقط، بمراسم استقبال رسمية، تلتها جلسات مشتركة لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها في مختلف المجالات.
وقالت وكالة الأنباء العمانية إنه جرى خلال الجلسة «استعراض عمق العلاقة التاريخية التي تجمع البلدين الصديقين، وتبادل وجهات النظر حول المستجدات الراهنة في المنطقة، والسعي في تعزيز الشراكة العُمانية - الإيرانية لا سيما في مجالات الصناعة والتجارة والتعليم»، إضافة إلى «تعزيز التعاون في الأنشطة اللوجيستية والصحية».
وأفاد بيان للرئاسة الإيرانية بأن بزشكيان أشار إلى الدور «الفعال والبنّاء» لسلطنة عمان في مسار المفاوضات غير المباشرة.
ونقل البيان عن بزشكيان قوله: «نقدر جهود البلد الصديق والأخ عمان في مسار الوساطة في موضوع المفاوضات، ونتمنى أن تؤدي هذه الجهود إلى نتائج جيدة».
وقال بزشكيان إن عُمان «تحظى بمكانة استراتيجية في السياسة الخارجية الإيرانية»، وأضاف: «الجمهورية الإسلامية لديها ثقة كاملة بعمان، وهذه الثقة تزيد من مسؤولية الطرفين في تعزيز العلاقات ومتابعة تفاهمات أعمق وأقوى».
وكان في استقبال بزشكيان على مدرج مطار مسقط كلٌّ من شهاب بن طارق آل سعيد، نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع، ووزير الخارجية بدر البوسعيدي.

وقبيل مغادرته إلى مسقط تلبيةً لدعوة من السلطان هيثم بن طارق، قال بزشكيان إن زيارته إلى مسقط تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
وأوضح بزشكيان أن الزيارة تأتي «في إطار السياسات العامة التي حددها المرشد (علي خامنئي)، وبهدف إقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار».
وتؤدي عمان دور الوسيط في المحادثات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، التي انطلقت في 12 أبريل (نيسان). واستضافت مسقط ثلاث جولات من أصل خمس جولات، كما احتضنت سفارتها في العاصمة الإيطالية روما، جولتين.
وقال بزشكيان: «سنتعاون مع سلطنة عمان في جميع المجالات الممكنة، كما سنناقش القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة»، حسبما أوردت وكالة «إيسنا» الحكومية.
وشدد بزشكيان على أهمية تنسيق المواقف الإقليمية، قائلاً: «يجب أن نصل إلى لغة ورؤية مشتركتين بين دول المنطقة؛ لمواجهة ما يجري في غزة من جرائم، لا يمكن لأي صاحب ضمير أن يقبل بها. وسنعبّر عن احتجاجنا في المحافل الدولية».
وفيما يخص العلاقات الاقتصادية، أشار بزشكيان إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران وعمان يبلغ نحو 2.3 مليار دولار، وهو في تصاعد مستمر.
وأضاف: «سنتابع خلال الزيارة ملفات النقل البري والبحري، والتجارة والصناعة، والعلم والتكنولوجيا، والاتصالات، إلى جانب التعاون بين المحافظات والاستثمارات».
وقال بزشكيان للصحافيين: «يرافقنا رئيس غرفة التجارة، فيما وصلت فرق أخرى إلى عمان قبلنا، ونأمل أن تسفر هذه الجهود والتنسيق المسبق عن نتائج ملموسة تسهم في تطوير علاقات أكثر دفئاً وفاعلية بين البلدين».
ووقع البلدان 5 اتفاقيات تعاون، و10 مذكرات تفاهم، و3 برامج تنفيذية، إضافة إلى تدشين طابع بريدي مشترك. وشملت الاتفاقيات الموقّعة التعاون القضائي والقانوني، والتعاون السياسي، وتشجيع وحماية الاستثمارات، والمساعدة الجمركية، إلى جانب اتفاقية للأفضليات التجارية.
كما تم توقيع مذكرات تفاهم في مجالات أمن الطيران، والصحة، والاتصالات، والإعلام، والتعاون المتحفي، وقطاعات أخرى.

مبادرة الوسيط العماني
وتحظى الزيارة بأهمية بالغة نظراً للدور الدبلوماسي الذي تلعبه مسقط في الوساطة بين إدارة الرئيس دونالد ترمب، وحكومة مسعود بزشكيان.
وقبل ساعات من وصول بزشكيان إلى مسقط، نقلت وسائل إعلام حكومية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قوله إن طهران «لن تتخلى عن حقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم».
ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن بقائي قوله لشبكة «سي إن إن»، إن الوصول إلى اتفاق ممكن إذا كان الهدف منع التسلح النووي، لكنه حذّر من أن محاولة حرمان إيران من حقوقها ستكون «شديدة الإشكالية»، وقد تقوّض العملية التفاوضية.
وأضاف أن إيران ملتزمة بالحفاظ على سلمية برنامجها النووي، مشدداً على أن الإيرانيين «لا يستسلمون للضغط أو التهديد»، وأن طهران ستدافع عن أمنها القومي في مواجهة أي تهديدات عسكرية.
كان بقائي قد أشار، الاثنين، إلى تواصل الفريق التفاوضي الإيراني مع الوسيط العماني؛ لتحديد وقت ومكان الجولة المقبلة من المفاوضات غير المباشرة. وأضاف: «سيعلن الجانب العماني عن هذا الأمر بعد التشاور مع الطرفين (إيران وأميركا)، بمجرد الوصول إلى توافق في هذا الصدد».
ونفى بقائي ما تردد عن احتمال عقد مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة خلال زيارة الرئيس الإيراني عُمان، مؤكداً أنه «لا مفاوضات مقررة بين الجانبين على هامش الزيارة»، ووصف ما نُشر في هذا السياق بأنه «غير دقيق».
وأوضح بقائي أن زيارة الرئيس إلى عُمان، المقررة يومي الثلاثاء والأربعاء، تأتي تلبيةً لدعوة من سلطان عُمان، واستكمالاً لزيارته الأخيرة إلى طهران.
وقال بقائي إن «زيارة بزشكيان عُمان كان مُخططاً لها منذ وقت طويل»، لافتاً إلى أن «الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون بين البلدين». وأوضح أنه «من الطبيعي أن تتناول المباحثات تطورات المنطقة والملف النووي، بما في ذلك مفاوضات إيران وأميركا، لكن ذلك لا يعني وجود مفاوضات مباشرة بين الجانبين خلال هذه الزيارة».
ونفى بقائي صحة تقارير أشارت إلى موافقة إيرانية على مقترح عُماني بشأن وقف تخصيب اليورانيوم لمدة 3 سنوات. وقال: «هذا الكلام غير صحيح».
وبشأن ما إذا كان الطرفان قد ناقشا خلال الجولة الخامسة من المفاوضات إمكانية إبرام اتفاق مؤقت، أجاب بقائي: «الاتفاق المؤقت لم يكن حتى الآن على جدول أعمالنا، ومن الطبيعي ألا يكون هذا الموضوع قد نوقش في هذا الاجتماع».
وأضاف المتحدث، رداً على سؤال عن مبادرة عُمانية لإزالة العقبات من أمام الجولة الخامسة: «من الطبيعي أن تطرح عُمان، بصفتها ميسّرة لهذه العملية، آراءها عندما ترى أنها قادرة على المساعدة، كما أنها تنسق مع طرفي المفاوضات».
وقال وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، عقب انتهاء الجولة الأخيرة، إنها أحرزت «بعض التقدم غير الحاسم»، وأضاف: «نأمل توضيح المسائل المتبقية خلال الأيام المقبلة لنتمكن من المضي قدماً نحو الهدف المشترك».
كان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قد قال عقب انتهاء الجولة الأخيرة إن نظيره العماني «قدّم بعض الأفكار، وقرّرنا إجراء مزيد من المراجعات الفنية اللازمة عليها في العواصم».
وأوضح عراقجي أن «هذه الحلول قد تكون مفتاحاً للتقدم»، مبدياً ارتياحه، دون أن يقدم تفاصيل.
وقال بقائي، الاثنين، إن هذه الأفكار تأتي «بناءً على مناقشات الطرفين»، وإنها ليست حصرية من الجانب العُماني، وإنما مقدمة من مختلف الأطراف. وقال إن «أي مبادرة يجب أن تأخذ في الحسبان خط إيران الأحمر الواضح في موضوع التخصيب».
ونفت طهران، الأسبوع الماضي، تقريراً من صحيفة «الغارديان» البريطانية عن ضغوط إقليمية واقتراح «تخصيب صفري» لمدة 3 سنوات. وقال مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني: «لم يُطرَح مثل هذا الأمر، ولن نتنازل عن حقنا في التخصيب مطلقاً».
وقال بقائي: «الأمر الواضح تماماً هو أن مسألة التخصيب جزء لا يتجزأ من حق إيران في امتلاك طاقة نووية سلمية، ولسنا مطلقاً مخوّلين بإظهار أدنى مرونة في هذا الشأن».
وأفادت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، الثلاثاء، عن مسؤول إيراني بارز في الفريق المفاوض النووي، بأن مقترح سلطنة عمان لم يتضمن وقفاً مؤقتاً لعملية تخصيب اليورانيوم. ونفى المسؤول الذي لم تذكر الوكالة اسمه، «ما أشيع بشأن تضمن المقترح العماني بنداً ينص على التوقف المؤقت لمدة 6 أشهر عن التخصيب». وقال: «لن يتوقف التخصيب تحت أي ظرف من الظروف، كما أن المقترح العماني يتضمن الاعتراف بحق إيران في التخصيب».
أتى ذلك رداً على ما قاله النائب أحمد بخشايش أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، عن رفض طهران مقترحاً عمانياً يقضي بوقف تخصيب اليورانيوم لمدة 6 أشهر. وأضاف، في حديث لموقع «إيران أوبزرفر» الإخباري: «قال لنا العُمانيون: أوقفوا التخصيب مؤقتاً لمدة ستة أشهر، ثم يمكنكم استئنافه لاحقاً، لكن إيران لم تقبل هذا الاقتراح العماني؛ لأنه، استناداً إلى التجارب السابقة، هناك احتمال أن يطالب الطرف المقابل بمزيد من التنازلات».
وتابع: «لقد بلغنا مرحلة نمتلك فيها كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة تكفي لصنع عدة قنابل نووية. فمخزون إيران البالغ 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة يمكن أن يُنتج ما يصل إلى 10 قنابل نووية. وإذا استمرت تهديدات إسرائيل، فلدينا القدرة على رفع مستوى التخصيب إلى ما هو أبعد من ذلك».
ومع ذلك، احتجت صحيفة «جوان»، الناطقة باسم «الحرس الثوري»، على ما تسرب في صحف غربية بشأن ما وصفته بـ«مقترح وسط» قدمته عُمان لأطراف المفاوضات، للتوصل إلى «اتفاق سياسي» للخروج من المأزق التفاوضي، وهو «تعليق التخصيب حتى نهاية مدة ترمب الرئاسية».
وقالت جوان، الاثنين: «إذا كان الأمر كذلك، أو أي مقترح آخر لا يضمن استمرار دورة الوقود والتخصيب بنسبة 20 في المائة وبقاء المواد المخصبة في إيران، فهذا مقترح من طرف واحد، وليس (حلاً وسطاً)».
تعاون اقتصادي
وقال السفير الإيراني لدى سلطنة عمان، موسى فرهنك، إن بزشكيان والسلطان هيثم بن طارق، سيوقّعان وثيقة لتعاون طويل المدى، حسب وكالة «إيسنا» الحكومية.
وأشار السفير إلى توقيع ما لا يقل عن 14 وثيقة تعاون في مجالات سياسية واقتصادية وثقافية خلال زيارة بزشكيان التي تستغرق يومين، من بينها وثيقة إطار التعاون السياسي طويل الأمد التي تحدد آفاق التعاون في المستقبل.
ومن المتوقع توقيع 4 إلى 5 اتفاقيات تعاون مهمة بالإضافة إلى 10 مذكرات تفاهم وتنفيذية بين طهران ومسقط.
وحسب فرهنك، يعيش حالياً نحو 25 ألف إيراني في عمان، وهناك مئات الشركات الإيرانية المسجلة والفاعلة هناك، لافتاً إلى أن حجم العلاقات التجارية بين إيران وعمان ارتفع من 200 مليون دولار قبل نحو 10 سنوات إلى 2.5 مليار دولار حالياً، معتبراً أن هذا النمو يمثل «مساراً ثابتاً» رغم المنافسة الاقتصادية في المنطقة.
وأشار إلى أن العلاقات السياسية القائمة تسهل توسيع التعاون التجاري، مما يمهد الطريق لاتخاذ خطوات أكبر في المستقبل.
وأجرى قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة، مباحثات مع محمد فرزين، محافظ البنك المركزي الإيراني، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والمالية بين البلدين، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية.
وتم خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات التجارة والاستثمار، ومناقشة سبل تسهيل التحويلات المالية وإجراءات التبادل التجاري بين الجانبين. وكان فرزين قد وصل، الأحد، إلى سلطنة عمان، للقاء نظيره العماني ومناقشة سبل تعزيز التعاون النقدي والمصرفي بين البلدين.
وعشية الزيارة، توجه وفد تجاري يضم 85 عضواً من القطاع الخاص الإيراني إلى مسقط، وفقاً للإعلام الرسمي الإيراني.








