محادثات السلام في إسطنبول تكشف الهوة بين أوكرانيا وروسيا

فريقا التفاوض الروسي (يمين) والأوكراني (يسار) وفي المنتصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال محادثات في إسطنبول 16 مايور 2025 (سبوتنيك - أ.ب)
فريقا التفاوض الروسي (يمين) والأوكراني (يسار) وفي المنتصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال محادثات في إسطنبول 16 مايور 2025 (سبوتنيك - أ.ب)
TT

محادثات السلام في إسطنبول تكشف الهوة بين أوكرانيا وروسيا

فريقا التفاوض الروسي (يمين) والأوكراني (يسار) وفي المنتصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال محادثات في إسطنبول 16 مايور 2025 (سبوتنيك - أ.ب)
فريقا التفاوض الروسي (يمين) والأوكراني (يسار) وفي المنتصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال محادثات في إسطنبول 16 مايور 2025 (سبوتنيك - أ.ب)

أظهرت أول محادثات رفيعة المستوى بين روسيا وأوكرانيا منذ الأشهر الأولى من غزو موسكو لكييف عام 2022 أنهما بعيدتان كل البُعد عن الاتفاق على الخطوات اللازمة لوقف إطلاق النار، على الرغم من وعدهما بإجراء تبادل كبيرة لأسرى الحرب.

ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة لمزيد من التحرك الدبلوماسي، في ضوء تصريح وزير الخارجية التركي بأن الطرفين وافقا من حيث المبدأ على إجراء محادثات إضافية، وهي خطوة تُعدّ حاسمة بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يسعى إلى تحقيق سلام سريع.

قال بيتر سليزكين، وهو زميل كبير ومدير برنامج روسيا في مركز ستيمسون، إن وعود المفاوضين بالإفراج عن 1000 أسير حرب والاجتماع مرة أخرى لإجراء محادثات وتقديم رؤيتهم لوقف إطلاق النار كانت «خطوات جوهرية».

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»، «أعتقد أنها بادرة تبعث على الأمل، لأن دخول الطرفين في اتصال مباشر تطور مهم».

ودعت أوكرانيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى وقف إطلاق النار 30 يوماً، دون شروط مسبقة للسماح بإجراء محادثات سلام.

ولم تُظهر روسيا، التي تسيطر على خُمس أوكرانيا تقريباً، رغبة كبيرة في تقديم تنازلات، مكررة مطالبها الكبيرة، ومنها انسحاب أوكرانيا من 4 مناطق أوكرانية، والاعتراف بالسيطرة الروسية عليها، التي يدعي الكرملين الآن من جانب واحد أنها تابعة له، ولكنه لا يسيطر عليها بالكامل.

ولم تُسهم اللهجة المتزنة في تصريحات الجانبين عقب المحادثات في تضييق الهوة بينهما أو تحقيق تقدم يُذكر.

وقال مصدر دبلوماسي أوكراني، لوكالة «رويترز»، إن روسيا قدّمت مطالب في المحادثات «منفصلة عن الواقع، وتتجاوز بكثير أي شيء خضع للنقاش من قبل».

وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسية المحادثات، إنها تضمنت إنذارات بانسحاب القوات الأوكرانية من بعض أراضيها و«شروطاً أخرى غير بنّاءة».

وأشار كبير مفاوضي الكرملين، فلاديمير ميدينسكي، بعد المفاوضات، إلى أن روسيا يمكن أن تستمر في القتال ما دامت تحتاج إلى ذلك لتحقق أهدافها. وقال، مستشهداً بالانتصارات العسكرية في الحرب التي استمرت 21 عاماً ضد السويد في القرن الثامن عشر إبان حكم القياصرة، إن كييف تُعزز فقط من أسباب زوالها بمقاومتها مطالب السلام الروسية.

بداية الرحلة

وتُمثل مقترحات طرحتها الولايات المتحدة وأخرى مضادة اقترحتها أوروبا وأوكرانيا في محادثات الشهر الماضي، وحصلت وكالة «رويترز» عليها، أقرب ما يكون إلى مخطط اتفاق سلام.

وقال مصدر حكومي أوكراني كبير، اليوم، إن أحدث المطالب الروسية في إسطنبول تضمنت تخلي كييف عن رغبتها في الحصول على تعويضات، والاعتراف الدولي بخمس مناطق من أوكرانيا على أنها روسية، وأن تصبح أوكرانيا دولة محايدة. وتجاوزت المطالب الروسية ما ورد في المقترحات الأميركية أو الأوكرانية والأوروبية.

ورأى أحد كبار المسؤولين الأوكرانيين الذين شاركوا في المحادثات مع روسيا عام 2022، التي فشلت في وقف الحرب الشاملة، لوكالة «رويترز»، أن نتيجة استئناف الحوار مع روسيا في إسطنبول جاءت مثلما كان متوقعاً تماماً.

وأضاف المصدر: «كل رحلة تبدأ بخطوة واحدة، وهذه هي بداية الرحلة. دائماً ما تشهد بداية أي مفاوضات مبالغة في المطالب، وهذا أمر تقليدي».

انتكاسة لمساعي العقوبات

أدت النتائج الهشّة التي تمخضت عن المحادثات إلى إعادة الكرة مجدداً إلى ملعب ترمب، الذي غيّر موقفه فجأة يوم الخميس، أي قبل يوم واحد فقط من بدء المفاوضات، حين قال إنه بحاجة للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين حتى تتحقق انفراجة.

ويُبدد هذا التصريح، في الوقت الراهن، آمال أوروبا في دفع واشنطن لفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا.

وفي حالة فرض عقوبات، فستكون هذه لحظة فارقة في رئاسة ترمب التي أبدى خلالها حتى الآن تعاطفاً تجاه روسيا، وتراجع عن سياسات سلفه جو بايدن المؤيدة لأوكرانيا.

وتوجه قادة 4 قوى أوروبية كبرى إلى كييف الأسبوع الماضي، وهددوا بفرض مزيد من العقوبات على روسيا إن لم توافق على وقف لإطلاق النار 30 يوماً، بدءاً من 12 مايو (أيار)، وهي خطوة قالوا إن الولايات المتحدة تدعمها.

لكن عندما اقترح بوتين إجراء محادثات بدلاً من وقف إطلاق النار، كتب ترمب منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي حثّ فيه زيلينسكي على الموافقة فوراً، دون أن يذكر العقوبات المنتظرة على روسيا، رغم أنه لمّح على مدار أسابيع إلى استيائه مما وصفه بتباطؤ بوتين.

واقترح زيلينسكي إجراء محادثات مباشرة مع بوتين؛ انطلاقاً من حرصه على عدم إغضاب ترمب، لكن بوتين لم يرد إلا في اللحظات الأخيرة عندما اختار وفداً لم يشمله ولا أياً من وزرائه الأساسيين.

وفي تعليق له على اختيار ميدينسكي رئيساً للوفد، قال المحلل السياسي الروسي فلاديمير باستوخوف: «لا أحد يرسل متعهدي الدفن إلى حفل زفاف»، في إشارة إلى دوره في محادثات 2022 التي لم يُكتب لها النجاح.

وبعد استئناف المفاوضات في إسطنبول، عاد قادة القوى الأوروبية الأربع وزيلينسكي للتواصل هاتفياً مع ترمب لمناقشة سير المحادثات.

كما جدّد الفريق الأوكراني علناً الدعوة لإجراء محادثات مباشرة بين زيلينسكي وبوتين، قائلاً إن الرئيس الروسي وحده هو مَن يملك التفويض لاتخاذ قرارات بشأن عدد كبير من الملفات المطروحة.

وفي مقابلة مع «فوكس نيوز»، قال ترمب إنه يعتقد أنه يستطيع التوصل إلى «اتفاق» مع بوتين، لكنه سيفرض عقوبات على روسيا إذا «لم نتوصل إلى اتفاق».


مقالات ذات صلة

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

أوروبا الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب) play-circle

روسيا تتحدث عن «تقدم بطيء» في المفاوضات بشأن أوكرانيا

سجلت موسكو تقدماً «بطيئاً» في المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، ونددت بمحاولات «خبيثة» لإفشالها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا السيارة التي قتل فيها الجنرال فانيل سارفاروف (56 عاماً) وسط منطقة سكنية في موسكو الاثنين (رويترز)

مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة في موسكو

قُتل جنرال في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي في انفجار سيارة في جنوب موسكو، وذلك بعد ساعات فقط من إجراء مندوبين روس وأوكرانيين محادثات منفصلة في ميامي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

كشف تحقيق جديد عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر قمة المجلس الاقتصادي الأوراسي الأعلى في سانت بطرسبرغ الأحد (أ.ب)

الكرملين ينفي سعي بوتين للسيطرة على أوكرانيا بالكامل

نفي الكرملين تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للسيطرة على أوكرانيا بالكامل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)

قالت الشرطة إن سيارة اندفعت نحو حشد من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون مشاهدة عرض في مدينة بشرق هولندا، مساء اليوم الاثنين، ما أسفر عن إصابة تسعة أشخاص، ثلاثة منهم على الأقل إصاباتهم خطيرة.

وأوضحت شرطة جيلدرلاند، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحادث لا يبدو متعمداً في الوقت الحالي، لكنها فتحت تحقيقاً.

وكان الناس ينتظرون مشاهدة عرض لمركبات مزينة بأضواء عيد الميلاد في مدينة نونسبيت، الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً شرق أمستردام.

وقالت بلدية إلبورج المجاورة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن العرض توقف بعد الحادث.

وقال رئيس البلدية يان ناثان روزندال في بيان: «ما كان ينبغي أن يكون لحظة تضامن انتهى بقلق وحزن كبيرين».

وأضافت الشرطة أن السائقة، وهي امرأة (56 عاماً) من نونسبيت، أصيبت بجروح طفيفة، وتم توقيفها «كما هو معتاد في حوادث المرور الخطيرة»، دون تقديم مزيد من التفاصيل.


أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

ونشر اللواء الهجومي 92 التابع للجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، مقطع فيديو يظهر على ما يبدو عدداً من الجنود الروس يتنقلون على ظهور الخيل أو البغال، ويتعرضون لهجمات بطائرات مسيرة صغيرة، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال اللواء 92، في منشور عبر تطبيق «تلغرام»، «يخسر المحتلون الروس معداتهم بسرعة كبيرة في هجماتهم المباشرة التي لا توفر سوى فرص ضئيلة للنجاة، إلى درجة أنهم باتوا مضطرين للتحرك على ظهور الخيل».

لقطة من فيديو نشرته القوات الأوكرانية تظهر ما يبدو وكأنه جندي روسي يمتطي جواداً ويحاول عبور منطقة مفتوحة قبل أن تصيبه طائرة مسيرة

وقال محللون إنه من المرجح أنه تم تصوير مقطع الفيديو في منطقة دنيبروبيتروفسك جنوبي البلاد، على الرغم من عدم إمكانية التحقق من الموقع بشكل مستقل.

وبحسب ما يظهر في اللقطات، كان الجنود الروس يحاولون عبور حقل واسع ومفتوح بأسرع ما يمكن.

وتعتمد القوات الروسية بشكل متزايد على مجموعات هجومية صغيرة للتقدم بسرعة نحو المواقع الأوكرانية ثم محاولة التحصن فيها. وأظهرت مقاطع فيديو سابقة جنوداً روساً يستخدمون دراجات نارية مخصصة للطرق الوعرة، ودراجات رباعية الدفع، ودراجات كهربائية كوسيلة للتنقل.

كما شوهد جنود أوكرانيون يستخدمون الدراجات الجبلية الكهربائية والدراجات النارية للتنقل بسرعة عبر ساحة المعركة.


شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)
TT

شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)

كشفت وثائق حكومية بريطانية رُفعت عنها السرّية مؤخراً، أن كورت هان، مؤسس مدرسة «غوردونستون» الشهيرة التي تلقّى فيها الملك تشارلز تعليمه في شبابه، خضع لمراقبة دقيقة من جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5)، على خلفية تقارير وُصفت آنذاك بـ«المقلقة»، شككت في ولائه لبريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفقاً لصحيفة «التايمز».

وتُظهر الملفات، التي كان مقرراً الإبقاء عليها سرية حتى عام 2046، أن هان أُجبر فعلياً على مغادرة اسكوتلندا عام 1940، بعد اتهامات رسمية بأنه قد يكون «جاسوساً ألمانياً خطيراً»، في واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ التعليم البريطاني الحديث.

وكان هان، المولود في ألمانيا، يُشاد به بوصفه مربياً رائداً وصاحب رؤية تربوية ثورية، إذ أسس مدرسة «غوردونستون» عام 1934 في مقاطعة موراي شمال شرقي اسكوتلندا، بعدما اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب انتقاداته العلنية لهتلر. ولاحقاً، استضافت المدرسة ثلاثة أجيال من العائلة المالكة البريطانية، من بينهم الأمير فيليب، دوق إدنبرة، والملك تشارلز.

غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أعاد فتح ملف ولاء هان، وسط تصاعد المخاوف من غزو نازي محتمل للسواحل الاسكوتلندية. وتكشف مراسلات رسمية أن الدعوة إلى التحقيق معه، قادها توماس كوبر، المدعي العام الاسكوتلندي آنذاك، إلى جانب جيمس ستيوارت، نائب كبير منسقي الانضباط الحزبي لرئيس الوزراء ونستون تشرشل.

وفي رسالة بعث بها كوبر إلى وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) 1940، قال إن «الملف المُعد ضد هان، ربما يكون أخطر من أي ملف آخر»، مضيفاً أن جهاز «MI5»؛ «يعرف كل شيء عن هذا الرجل»، وأنه «إما جاسوس خطير أو عميل بريطاني».

واتهم كوبر مدرسة «غوردونستون» بأنها تشكّل موقعاً مثالياً للتجسس، نظراً لموقعها المشرف على خليج موراي، وقربها من مطارات ومحطة لاسلكية، فضلاً عن امتلاكها تجهيزات اتصالات مكثفة وعدداً كبيراً من أجهزة الاستقبال اللاسلكي. كما أشار إلى وجود عدد كبير من الألمان ضمن طاقم المدرسة، بعضهم ضباط سابقون في الجيش الألماني.

وأضاف أن مراقبة هواتف المدرسة خلال شتاء 1939 - 1940 كشفت عن مكالمات بعيدة المدى تتناول موضوعات تبدو «تافهة» عن الزراعة والماشية، لكنها، بحسب تقديره، كانت رسائل «مشفّرة».

وفي السياق نفسه، بعث جيمس ستيوارت برسالة إلى وزير الأمن الداخلي، السير جون أندرسون، متسائلاً عن إمكانية نقل المدرسة إلى «منطقة أقل حساسية». وجاء الرد أن هان يعتزم نقل المؤسسة إلى ويلز، وهو ما تم بالفعل في يوليو (تموز) 1940، «لتهدئة المخاوف المحلية»، وفق تعبير الوزارة.

وتضم الملفات أيضاً رسالة من مدير مدرسة مجاورة، اتهم فيها هان باستقبال نازي ألماني كان يتردد ليلاً على المدرسة، ويقوم بجولات تصوير للساحل الاسكوتلندي ومنشآت حيوية قريبة.

وعلى الرغم من كل تلك الشبهات، تُظهر السجلات الأمنية اللاحقة أن أجهزة الاستخبارات لم تعثر على أي دليل يثبت تورط هان في نشاط معادٍ لبريطانيا. وخلص تقرير رسمي لوزارة الداخلية إلى أنه «لا يوجد ما يبرر القلق»، مؤكداً أن هان «معجب بالمؤسسات البريطانية» ولا يكنّ أي عداء للبلاد.

كما تكشف الوثائق أن هان كان يزوّد مكتب الدعاية البريطاني بمعلومات بشكل غير رسمي، من دون علم وزارة الداخلية أو جهاز «MI5»، ما يرجّح أنه كان أقرب إلى متعاون غير معلن منه إلى مشتبه به حقيقي.

وإلى جانب الجدل الأمني، تسلّط الوثائق الضوء على فلسفة هان التربوية المثيرة للجدل، التي قامت على ما وصفه بـ«مختبر تربوي» قاسٍ، شمل تعريض التلاميذ لظروف بدنية شديدة؛ مثل الجري حفاة في الثلج، والاستحمام بالماء البارد، والتدريب البدني الصارم، في إطار إيمانه بأن «قوة الطفولة الروحية» يمكن الحفاظ عليها ومنع «تشوّه المراهقة».

وكان الأمير فيليب من أبرز المدافعين عن هان، واستلهم لاحقاً أفكاره في تأسيس «جائزة دوق إدنبرة». في المقابل، لم يُخفِ الملك تشارلز استياءه من سنوات دراسته في «غوردونستون»، واصفاً إياها لاحقاً بأنها «سجن بلباس اسكوتلندي».

وتوفي كورت هان عام 1974 عن عمر ناهز 88 عاماً في ألمانيا، بينما لا تزال مدرسته تواجه إرثاً مثقلاً بالانتقادات؛ ففي العام الماضي، قدمت «غوردونستون» اعتذاراً رسمياً بعد تحقيق اسكوتلندي خلص إلى وجود «ثقافة مروّعة من الإساءة والعنف» داخل المدرسة قبل عام 1990.