منذ أقدمت الحكومة على تعديل مشروع قانون «الإيجار القديم»، استجابةً لحكم المحكمة الدستورية، تعيش عزة مصطفى (69 عاماً) في قلق مستمر، وتقول لـ«الشرق الأوسط»، باستنكار: «بعد 42 عاماً قضيتها في منزلي، أدخلت فيه كل الخدمات، وتحملت مصاريف صيانته وتجديده، أُطرد منه بعد 5 سنوات من الآن».
وينص مشروع القانون الذي يخضع للنقاش في مجلس النواب (البرلمان) حالياً، على زيادة القيمة الإيجارية لوحدات الإيجار القديم (السكنية) 20 ضعفاً عن قيمتها الحالية، بحد أدنى 1000 جنيه (الدولار 50.70 جنيه) في المدن و500 جنيه في القرى، على أن تزيد قيمة الإيجار 15 في المائة كل عام، طيلة 5 سنوات، بعدها تتحرر العلاقة بين المالك والمستأجر، وفي حال رفض المستأجر تسليم الشقة للمالك، من حق الأخير اللجوء إلى القوة التنفيذية «الأمن» لإخلاء الشقة.
ويوجد في مصر نحو مليون و800 ألف وحدة بنظام الإيجار القديم، وفق إحصاء للجهاز المركزي في عام 2017، يدفعون أسعار إيجار زهيدة.
وتتمركز 84 في المائة من هذه الوحدات في محافظات «القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية»، بحسب رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب محمد عطية الفيومي.
...لا صوت يعلو فوق صوت مشروع قانون الايجار القديم وهو أخطر قانون يتم مناقشتة حاليا فى لجان البرلمان ، وللأسف لا توجد بيانات متطابقة لدى الحكومة أو الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء والبرلمان ، وهذا ما ظهر فى مناقشات لجنة الاسكان بالبرلمان من تضارب فى الارقام ، فالجهاز المركزى...
— أحمد موسى - Ahmed Mousa (@ahmeda_mousa) May 6, 2025
وتدور اعتراضات رافضي المشروع الحكومي سواء من المستأجرين أو النواب حول إجبار المستأجرين على إغلاء الشقق بعد مدة 5 سنوات، بينما يعترض البعض على القيمة الإيجارية على أساس أن الألف جنيه تفوق قدرة كثير من الأسر على تحمُّلها، خصوصاً أن كثيراً من قاطني هذه الشقق محالون للمعاش.

تسكن عزة في منطقة سيدي بشر بمحافظة الإسكندرية، ليس لديها دخل سوى معاشها الذي «تنفق منه على علاجها وعلاج نجلها المصاب بمرض مزمن، ولا يقوى على العمل، إلى جانب مصاريف الحياة اليومية».
وأقرت مصطفى بأن «قيمة الإيجار الحالية التي تدفعها، وهي 16 جنيهاً فقط زهيدة، وبها ظلم لصاحب العقار، لكنها طالبت ألا يتعرضون هم للظلم في المقابل». وترى أن المشروع «يظلم المستأجر الذي دفع من قبل خلواً للشقة بمبالغ كبيرة آنذاك، ويعاني غلاء معيشة حالياً، خصوصاً أن مشروع القانون يخالف ما نصت عليه المحكمة الدستورية العليا، من تعديل القيمة الإيجارية وليس طرد المستأجرين».
وقضت المحكمة الدستورية في نوفمبر (تشرين الأول) الماضي، ببطلان مادتين في قانون الإيجار القديم، فيما ضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى، معتبرة أن ثبات القيمة الإيجارية مع مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه بمثابة «عدوان على قيمة العدل، وإهدار لحقِّ الملكية».
ولا يحظى مشروع القانون على سخط المستأجرين فقط، إذ لم ينل حتى رضا أصحاب الأملاك، فرأى بعضهم أن القيمة الإيجارية المنصوص عليها فيه لا تتناسب مع أسعار الإيجارات في السوق.
عمرو أديب: لا أشك أن الرئيس السيسي سيطمئن البرلمان بشأن قانون الايجار القديمبرنامج #الحكاية يعرض الآن على #MBCMASRالجمعة - الأثنين الساعة 10:00 مساءً بتوقيت القاهرةمجاناً على شاهدhttps://t.co/uwHwlsCISw pic.twitter.com/SdrNALmej5
— الحكاية (@Elhekayashow) May 5, 2025
وشهدت أسعار الإيجارات ارتفاعات كبيرة في مصر، خصوصاً مع توافد الآلاف من السودانيين بعد اندلاع الحرب، ما ضاعف أسعارها في بعض المناطق.
ورأى عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أيمن زُهري، أن «مشروع القانون بشكله الحالي يعرِّض آلاف الأسر للتشريد»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «إذا أرادت الدولة أن تزيد من قيمة الإيجار فيجب أن يتم ذلك بدراسة كل الحالات، على أن تتكفل بفارق الإيجار بين الحالي وما ينص عليه المشروع».
الأمر نفسه أكده تقرير صادر عن «مرصد العمران»، حول تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في الإيجار القديم في ضوء تجارب سابقة ومنها تجربة الأراضي الزراعية. وانتهت الورقة الصادرة في 29 أبريل (نيسان) الماضي، إلى أنه «بالاعتراف بضرورة إصلاح ضوابط تحديد الإيجارات، يجب ضمان ألا يأتي هذا الإصلاح بإخلاءات واسعة النطاق، وتعميق التفاوتات الاجتماعية المُجحفة».

سكن بديل بغير شعبية
في ضاحية شعبية بمنطقة المعادي (تبعد نحو 13 كيلومتراً عن وسط القاهرة) تقطن سعدية الشافعي مع زوجها على المعاش، في شقة صغيرة، حيث تزوجت وأنجبت بها 4 أبناء، قبل أكثر من 40 عاماً، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كيف نخرج الآن بعدما هرمنا في السن، إذا كانوا يرغبون في زيادة الإيجار فلا مانع لدينا».
وكان وزير الإسكان، شريف الشربيني، تعهد خلال جلسة الاستماع التي نظمها البرلمان، الأحد، ألا يتم إخلاء أي شقة دون توفير بديل.
وتنص المادة السابعة من مشروع القانون على أنه «يُمنح المستأجرون أو من امتدت إليهم عقود الإيجار؛ بحسب الأحوال، الذين تنتهي عقود إيجارها طبقاً لأحكام هذا القانون أولوية في الحصول على وحدات سكنية وغير سكنية إيجاراً أو تمليكاً من الوحدات المتاحة لدى الدولة، وفق القواعد والشروط والإجراءات التي يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء؛ بناءً على عرض الوزير المختص بشؤون الإسكان؛ خلال شهر من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون؛ وذلك مع مراعاة الفئات الأكثر احتياجاً منهم».
وتطرح الحكومة شققاً لمحدودي الدخل يتم الحصول عليها بنظام القُرعة، بمقدم 50 ألف جنيه (الدولار 50.70 جنيه) وفائدة 8 في المائة، على أن يتم تقسيط قيمة الشقة على أكثر من 50 عاماً.

وترفض كل من سعدية وعزة مقترح توفير «سكن بديل»، وقالت الأولى: «هل نترك أولادنا الذين حرصوا على السكن في منازل إلى جوارنا ليراعونا، ثم ننتقل إلى إحدى المدن الجديدة»، بينما قالت الأخرى إن «السكن البديل في محافظة الإسكندرية يقع في مناطق نائية، ولا توجد بها خدمات، ولا تستطيع السكن فيها»، مضيفة: «هذا المقترح غير قابل للتطبيق حتى من الناحية المادية، ليست كل الأسر تستطيع تحمُّل تكلفة المقدم، خصوصاً أن كثيرين ممن يعيشون في إيجار قديم هم من الفقراء المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة».
ووصفت النائبة مرثا محروس، الأحد، مشروع القانون بـ«غير المتزن»، مشيرة إلى «تمييزه في القيمة الإيجارية بين المدن والقرى؛ ما يمثل إخلالاً بمبدأ المساواة بين المواطنين، ويظهر القانون بشكل منحاز لفئة على حساب أخرى»، بالإضافة إلى تهديده بـ«إخلاء السكان».
ورداً على الانتقادات، أكد وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي، محمود فوزي، خلال جلسة، الأحد، أن «المشروع المقدم قابل للتعديل، وسيتم إقرار ما يراه البرلمان بوصفه الممثل عن الشعب».









