مع بداية فصل الربيع، ترتدي جبال الطائف أبهى حللها، وترسل من سهولها أزكى روائح عطر وردها الطائفي، الذي أصبح رمزاً للعطر العربي الأصيل.
وبمجرد حلول هذا الموسم، يمتزج عبق الطبيعة مع جهد الإنسان، معلناً انطلاق موسم إنتاج «تولة» دهن الورد، الذي ينتظره بفارغ الصبر عشرات المزارعين وأصحاب المعامل والمصانع المتخصصة، لبدء رحلة تحدٍ لإدخال ملايين من تلك الزهور إلى جوف زجاجة عطرية ثمينة.
لإتمام هذه العملية، يتنافس أكثر من 60 مصنعاً ومعملاً لتقطير وتصنيع أكثر من 80 منتجاً عطرياً من مشتقات الورد الطائفي، التي تنتج منه مزارع الطائف أكثر من 550 مليون وردة كل عام، تساهم كل واحدة منها في منح «تولة الورد» طابعاً فريداً أوصلها إلى العالمية.

عن تفاصيل هذه الصناعة العريقة، يكشف عواض الطلحي، أحد ملاك مزارع ومعامل الورد الطائفي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التولة» هي زجاجة صغيرة بسعة تقدر ما بين 10 إلى 12 مليلتر تُملأ بالعطر، مضيفاً في معرض حديثه أن موسم إنتاج الورد يستمر ما بين 40 و45 يوماً، تبدأ غالباً في منتصف شهر مارس (آذار) وتستمر حتى نهاية شهر أبريل (نيسان). إلا أن اختلاف التضاريس ودرجات الحرارة في محافظة الطائف يؤدي إلى تفاوت تلك المواعيد، إذ قد يبدأ الموسم في بعض المناطق المرتفعة متأخراً بشكل نسبي عن باقي المناطق، ولكن وجود الورد فيها قد يستمر لما يقرب من 80 يوماً.

ويضيف الطلحي: «يوجد في الطائف ما بين 60 إلى 70 معملاً ومصنعاً لتقطير الورد. بعضها منشآت كبيرة، والبعض الآخر عبارة عن معامل تقليدية، لكنها جميعاً تشارك في عملية إنتاج العطر».
وفيما يتعلق بمراحل التصنيع، يكشف الطلحي أن العملية تبدأ بقطف الورد في الصباح الباكر، ومن ثم وضعه في أكياس خيش مبللة للمحافظة على رطوبته، بعدها تُوزن وتنقل مباشرة إلى قدور نحاسية خاصة مملؤة بـ90 إلى 100 لتر من الماء، لها القدرة على استيعاب ما بين 12000 إلى 15000 زهرة حسب حجم الزهرة.
وأضاف عواض أن عملية التقطير قد تستغرق من 6 إلى 8 ساعات، ويرجع هذا إلى درجة حرارة الجو وكمية المياه الموجودة في خزانات التبريد، وتنتج هذه العملية نوعين من المنتجات، هي دهن الورد وماء الورد، الذي يتفرع إلى نوعين أيضاً، هما ماء ورد «العروس» والماء العادي.
ويؤكد الطلحي أن الورد المستخدم في هذه الصناعة هو الورد الطائفي فقط، النوع النادر والمميز والأغلى والأجود عالمياً، ويختلف تماماً عن الأنواع الأخرى مثل «الورد الجوري».
وأضاف أن الجودة تتأثر بعوامل عدة، أبرزها الموقع الجغرافي، «فكلما ارتفع الموقع، كانت جودته أفضل. وتعرف مناطق مثل الشفا والهدى بأنها تنتج أجود أنواع الورد الطائفي».
يشار إلى أن الطلحي أوضح في ختام حديثه إلى أن الطلب على دهن الورد الطائفي يتزايد عالمياً، خاصة من دول الخليج والأردن وفرنسا، التي بدأت مؤخراً التواصل مع الأسواق السعودية لاستيراد الورد الطائفي وإدخاله في صناعة العطور العالمية.