كشفت دراسة جديدة نُشرت في دورية «نيتشر»، الأربعاء، عن أن الصحراء القاحلة الواقعة حالياً بين قارة أفريقيا والمملكة العربية السعودية كانت في يوم من الأيام، وعلى مدى 8 ملايين عام، منطقة جغرافية خصبة وخضراء، ومليئة بالأنهار والبحيرات، مما سمح باستقرار الحيوانات والبشر الأوائل وتنقلهم فيها، وكذلك بينها وبين المناطق الجغرافية المجاورة لها.
وأبرزت نتائج الدراسة، التي قادها فريق دولي من الباحثين بدعم من هيئة التراث السعودي بالمملكة، ضمن ما يعرف بـ«مشروع الجزيرة العربية الخضراء»، أن هذا التقاطع المهم وفَّر فرصاً للتبادل الجغرافي الحيوي في الماضي بين أفريقيا وأوراسيا – الكتلة الأرضية التى تربط قارتي آسيا وأوربا.
ويعد «مشروع الجزيرة العربية الخضراء»، مبادرة علمية سعودية تستكشف، مع شركاء دوليين من جامعات ومراكز أبحاث دولية وبالتعاون مع الجامعات السعودية، انتشار الإنسان في منطقة شبه الجزيرة العربية خلال العصور القديمة. كما يركز المشروع على استكشاف ودراسة الأحافير القديمة في تلك المنطقة.
وتسعى هيئة التراث السعودية إلى توسيع التعاون الدولي في مجال دراسة التراث الطبيعي وتعزيز البحث العلمي في هذا الإطار. مع إلقاء مزيد من الضوء على الأبعاد البيئية والتاريخية للمملكة.
أدلة أحفورية
وعلى الرغم من أن أبحاثاً حديثة كانت قد أشارت إلى أن الصحراء العربية كانت موجودة منذ 11 مليون عام على الأقل، فإن البروفسور مايكل بيتراجليا، مدير المركز الأسترالي لأبحاث التطور البشري بجامعة غريفيث الأسترالية، والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة، صرّح في بيان نُشِر، الأربعاء، بأن الأدلة الأحفورية من أواخر العصر الميوسيني، الذي اتسم بارتفاع درجات الحرارة العالمية، والعصر البليستوسيني، الذي شهد عصوراً جليدية متعددة، تُشير إلى وجود متقطع للحيوانات المعتمدة على الماء داخل الصحراء العربية.
ويُرجّح بيتراجليا أن حيوانات مثل التماسيح والخيول وأفراس النهر كانت تعيش على الأنهار والبحيرات في تلك المنطقة، والتي غابت إلى حد كبير عن مشاهد الصحراء القاحلة اليوم.
وأوضح: «من المرجح أن هذه الظروف الرطبة سهّلت انتشار الثدييات بين أفريقيا وأوراسيا، حيث كانت شبه الجزيرة العربية بمثابة مفترق طرق رئيسي للتبادلات الجغرافية الحيوية على نطاق القارات القديمة».
كانت الأعمال البحثية الجديدة التي أجرتها الدكتورة مونيكا ماركوسكا، من جامعة «نورثمبريا» بالمملكة المتحدة، والدكتور هوبرت فونهوف، من معهد «ماكس بلانك» للكيمياء بألمانيا، التي أُجريت على رواسب الكهوف (الرواسب المعدنية مثل الصواعد والهوابط)، قد كشفت أيضاً عن وجود كثير من المراحل الرطبة في شبه الجزيرة العربية خلال الثمانية ملايين سنة الماضية.
من جانبها، أوضحت الدكتورة ماركوسكا، المؤلفة الرئيسية للدراسة، أنه لم يكن معروفاً الكثير عن مناخ شبه الجزيرة العربية القديم قبل ذلك الوقت، مشيرةً إلى أن النتائج «أبرزت أن هطول الأمطار خلال الفترات الرطبة انخفض وأصبح أكثر تقلباً مع مرور الوقت، مع ضَعف تأثير الرياح الموسمية، وبالتزامن مع زيادة الغطاء الجليدي القطبي في نصف الكرة الشمالي خلال العصر البليستوسيني».
ويشار دائماً إلى الصحراء العربية على أنها أحد أكبر الحواجز الجغرافية الحيوية على وجه الأرض، وهو ما أسهم في الحدّ من انتشار البشر الأوائل والحيوانات بين أفريقيا وأوراسيا.
وهو ما علق عليه الدكتور فيصل الجبرين، كبير علماء الآثار السعوديين في هيئة التراث: «لطالما كان يجري تجاهل شبه الجزيرة العربية في إبراز فترات الانتشار بين أفريقيا وأوراسيا، لكن نتائج دراسات مثل دراستنا هذه تكشف بوضوح عن مكانتها المركزية في تاريخ الهجرات القديمة للثدييات والبشر».


