باريس تواصل تراجعاتها التدريجية إزاء الأزمة السورية

بسبب إعادة ترتيب أولوياتها ومحاربة الإرهاب.. قررت القبول بالأسد في المرحلة الانتقالية

وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس (رويترز)
TT

باريس تواصل تراجعاتها التدريجية إزاء الأزمة السورية

وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس (رويترز)

المعادلة العسكرية السياسية الصعبة التي يسعى الغربيون لحلها في سوريا لخصها وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل يومين كالتالي «الجميع يعرف أننا إذا لم ننجح في إيجاد قوات أرضية مستعدة لمحاربة (داعش) ميدانيًا، فإننا لن نستطيع أن نكسب هذه الحرب تماما من خلال الضربات الجوية وحدها».
وبما أن الغربيين وعلى رأسهم الطرف الأقوى «الولايات المتحدة الأميركية» الذي يتمتع بإمكانيات لا تضاهى غير مستعد بتاتًا على عتبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية لإرسال قوات أرضية إلى العراق وسوريا باستثناء بضع مئات من الخبراء وقوات الكوماندوز للعمليات الخاصة، فإن البحث جار لإيجاد حل لهذه المعادلة. ولخص كيري رؤيته الخميس الماضي بالقول إن الطريق إلى ذلك يمر من خلال «قيام الجيش السوري (الرسمي) والمعارضة بالعمل معا وكذلك الولايات المتحدة وروسيا وآخرين بمحاربة (داعش)». لكنه أضاف أن أمرا كهذا لا يمكن أن يتحقق من غير عملية انتقال سياسية.
الكل يحاول، ومن بينهم وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، الذي تجد بلاده نفسها في المواقع الأولى بعد العمليات الإرهابية التي ضربتها في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) والتي أوقعت، في قلب باريس 130 قتيلا و350 جريحا. وبما أن الرئيس فرنسوا هولاند أعلن في السادس عشر من الشهر نفسه أن «(داعش) عدو فرنسا» وأن بلاده «عازمة على تدميره»، فإن باريس اضطرت لإعادة ترتيب أولوياتها. وما التصريحات المتلاحقة للوزير فابيوس عن «داعش» والنظام وإمكانيات العمل معه وعن مصير الرئيس السوري إلا «تنويعات» ومحاولات لإظهار أشكال التعاون الممكنة مع النظام وقواته مع الإيحاء بأن باريس ما زالت على مواقفها.
آخر ما جاء به الوزير الفرنسي ورد في مقابلة صحافية مع جريدة «لو بروغريه» (التقدم) الصادرة في مدينة ليون. إذ أعلن فابيوس أن «التجربة تظهر أكان ذلك في أفغانستان أو العراق، أن وجود قوات غربية يجعلها تظهر على أنها قوات احتلال. لذا، فإن العمليات (الأرضية) يجب أن تقوم بها قوات محلية من المعارضة السورية المعتدلة والعرب والأكراد وذلك بالتعاون مع الجيش السوري»، قبل أن يستدرك الوزير فيقول: «لكن هذا سيكون مستحيلا من غير عملية انتقال سياسية». هذا، وسبق لفابيوس أن أعلن الخميس الماضي أن هذا النوع من التعاون «لن يكون ممكنا طالما بقي الأسد من يقود القوات السورية».
الحقيقة، أن الجميع متفق بخصوص الحاجة لقيام عملية انتقال سياسية منذ خريطة الطريق الصادرة في جنيف نهاية يونيو (حزيران) 2012، لكن السؤال الذي أجهض مفاوضات «جنيف 2» وكاد يودي بمفاوضات فيينا الشهر الماضي هو موقع الأسد خلال المرحلة الانتقالية وزمن خروجه من الصورة.
من هنا، فإن ما قاله فابيوس أمس يبين المسار التنازلي والتدريجي الذي سلكته باريس خلال الأشهر الأخيرة. فبعدما كانت تصرّ، كما المعارضة السورية ممثلة بـ«الائتلاف الوطني، على خروج الأسد من الصورة كشرط للولوج إلى العملية السياسية، فإن فابيوس يقول اليوم إن المحافظة على سوريا الموحدة يفترض عملية سياسية، ولكن هذا لا يعني أنه يتعين على بشار الأسد أن يرحل قبل بدء العملية ولكن يتعين توافر ضمانات للمستقبل».
«ترجمة» كلام الوزير الفرنسي تعني القبول ببقاء الأسد طوال المرحلة الانتقالية مع توفير وعود روسية بالدرجة الأولى، وربما أيضًا إيرانية، تضمن خروجه من السلطة «في وقت ما» لا أحد قادر اليوم على تحديده. وواضح أن باريس التي كانت تفرض «روزنامة محددة» لخروج الأسد تراجعت أيضًا بالنسبة للجانب الزمني بفعل أربعة عوامل فصلتها مصادر دبلوماسية أوروبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» في باريس أمس وهي كالتالي:
العامل الأول، سعي فرنسا لتسريع التقارب مع موسكو التي ترفض حتى الآن أي حديث علني عن رحيل الأسد وتجعل مصيره رهنا بما يقرره السوريون أنفسهم خلال انتخابات يفترض أن تجري، بحسب ورقة الطريق الصادرة عن اجتماع فيينا الدولي الشهر الماضي بعد 18 شهرا.
والعامل الثاني، الاستماع لدعوات «وضغوط» المعارضة الفرنسية التي تدفع للتقارب مع النظام السوري وتعتبر أن السياسة الفرنسية السابقة قادت الحكومة إلى طريق مسدود.
أما العامل الثالث فيتمثل في حاجة فرنسا لتكريس جهودها لمحاربة إرهاب الداخل، مما يفترض التعاون بين الأجهزة المختصة في كل من باريس ودمشق وبالتالي الانفتاح على النظام السوري.
وأخيرًا، العامل الرابع، «التناغم» مع التحولات التي تعرفها المواقف الأميركية والغربية من النظام ومن سوريا، حيث أخذ الغربيون «يكتفون» بخروج لاحق للأسد ويتحلون بـ«الليونة»، وفق تعبير الوزير كيري، في تحديد زمن رحيله عن السلطة.
الصدفة شاءت أن تتزامن تصريحات فابيوس أمس مع تصريحات مماثلة لجون كيري الذي أعلن أول من أمس أنه «من الصعب أن تتعاون المعارضة مع النظام ميدانيا ضد (داعش) من غير مؤشر بأن تسوية أو حلا يلوح في الأفق». أما معرفة متى «يلوح الحل» فإنه يدخل في علم الغيب، وهو شبيه بقول أصبح مأثورا للدبلوماسية الفرنسية بأن الرئيس الأسد «لا يمكن أن يكون مستقبل سوريا».
يرى محللون مرموقون في باريس بينهم فرنسوا هيسبورغ أن باريس لن تلاقي النجاح في مسعيين أساسيين تريد تحقيقهما: الأول، إيجاد تحالف عريض أو موحد يضم التحالفين المتنافسين حاليًا، أولهما الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ويضم نحو ستين دولة وثانيهما بقيادة روسية ويضم، إليها، إيران والعراق والنظام السوري. والهدف الثاني جعل قوات المعارضة والنظام تعمل معا لمحاربة «داعش». وحجة هؤلاء أن أربع سنوات من الحرب الشرسة التي سقط فيها مئات الآلاف من الضحايا وأدت إلى تدمير مناطق كاملة وحصول فظاعات لا يمكن أن تنسى بسرعة، خصوصًا في حال غياب أفق سياسي محدد.
ربما أفضل دليل على إخفاق مساع من هذا النوع التجربة الأميركية التي فشلت في تجنيد وتدريب آلاف المعارضين لأنها فرضت عليهم التوقيع على تعهد بمحاربة «داعش» فقط وليس النظام. والثابت أنه من الصعب الفصل بين الأسد ونظامه وبين القوات المسلحة، سيما إذا لم تكف يد الأسد عن التحكم بالقوات المسلحة التي تأتمر بأوامره مباشرة وعبر قيادة وفية له تمام الوفاء. والوزير فابيوس واع لهذه الصعوبة لأنه أعلن الأسبوع الماضي أنه «من الصعب أن تعمل (المعارضة) مع الجيش السوري طالما بقي الأسد على رأسه.. الأمر الذي يحيلنا إلى المسألة المركزية وهي صلاحيات الحكومة الانتقالية ودور الأسد فيها سياسيا وعسكريا. وكل ذلك، سيكون موضع تفاوض مجددا في نيويورك في الثامن عشر من الشهر الحالي بمناسبة الاجتماع الذي دعا إليه الأمين العام للأمم المتحدة في المدينة الأميركية بدلاً من فيينا». ويريد بان كي مون إطلاق المفاوضات السياسية بين المعارضة والنظام وتحقيق وقف شامل لإطلاق النار على كل الأراضي السورية فيما تسعى موسكو وواشنطن للترويج لمشروعي قرار لخنق «داعش» ماليا.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.