الرسوم الجمركية الأميركية «المتبادلة» تثير استياءً واسعاً... ودعوات للمفاوضات

المفوضية الأوروبية وصفتها بأنها «ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي»

الرئيس الأميركي أثناء توقيعه أمراً تنفيذياً لفرض رسوم جمركية جديدة (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي أثناء توقيعه أمراً تنفيذياً لفرض رسوم جمركية جديدة (إ.ب.أ)
TT
20

الرسوم الجمركية الأميركية «المتبادلة» تثير استياءً واسعاً... ودعوات للمفاوضات

الرئيس الأميركي أثناء توقيعه أمراً تنفيذياً لفرض رسوم جمركية جديدة (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي أثناء توقيعه أمراً تنفيذياً لفرض رسوم جمركية جديدة (إ.ب.أ)

أثارت الرسوم الجمركية الجديدة الشاملة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الأربعاء استياءً وتهديدات باتخاذ تدابير مضادة ودعوات لإجراء مزيد من المفاوضات لجعل قواعد التجارة أكثر عدلاً.

لكن الردود كانت مدروسة، مما يسلط الضوء على عدم وجود شهية بين الشركاء التجاريين الرئيسيين لحرب تجارية صريحة مع أكبر اقتصاد في العالم.

وقال ترمب إن ضرائب الاستيراد، التي تتراوح نسبتها بين 10 في المائة و49 في المائة، ستفعل بشركاء الولايات المتحدة التجاريين ما فعلوه بالولايات المتحدة منذ فترة طويلة، مؤكداً أنها ستجذب المصانع والوظائف إلى الولايات المتحدة.

وقال: «لقد تم سرقة دافعي الضرائب لأكثر من 50 عاماً. ولكن هذا لن يحدث بعد الآن».

وقد أثار إعلان ترمب عن فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 20 في المائة على الاتحاد الأوروبي انتقاداً حاداً من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي قالت إنها «ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحافي في سمرقند (أ.ف.ب)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحافي في سمرقند (أ.ف.ب)

وقالت فون دير لاين: «ستكون العواقب وخيمة على ملايين الأشخاص حول العالم». أضافت أثناء زيارتها لأوزبكستان أن تكلفة البقالة والنقل والأدوية سترتفع، «وهذا يضر، على وجه الخصوص، بالمواطنين الأكثر ضعفاً».

وأقرت فون دير لاين بأن النظام التجاري العالمي يعاني من «أوجه قصور خطيرة»، وقالت إن الاتحاد الأوروبي مستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة، ولكنه مستعد أيضاً للرد بإجراءات مضادة.

«لا أحد يريد حرباً تجارية»

قالت الحكومة البريطانية إن الولايات المتحدة لا تزال «أقرب حليف للمملكة المتحدة»، وقال وزير الأعمال جوناثان رينولدز إن المملكة المتحدة تأمل في التوصل إلى اتفاق تجاري «لتخفيف تأثير» الرسوم الجمركية البالغة 10 في المائة على البضائع البريطانية.

وقال رينولدز: «لا أحد يريد حرباً تجارية ولا تزال نيتنا هي التوصل إلى اتفاق. لكن ليس هناك شيء مطروح على الطاولة، والحكومة ستفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة.»

وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، يوشيماسا هاياشي، إن اليابان، أقرب حلفاء أميركا في آسيا، تخطط لتحليل الرسوم الجمركية الأميركية وتأثيرها من كثب، بينما امتنع عن الحديث عن الانتقام. لكنه قال إن هذه التحركات سيكون لها تأثير كبير على العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية المحافظة جيورجيا ميلوني إن الرسوم الجمركية المرتفعة لن تفيد أياً من الجانبين.

أضافت ميلوني في منشور على فيسبوك: «سنبذل كل ما في وسعنا للعمل من أجل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، بهدف تجنب حرب تجارية من شأنها أن تضعف الغرب حتماً لصالح لاعبين عالميين آخرين».

وقالت البرازيل، التي تضررت من فرض تعريفة جمركية بنسبة 10 في المائة، إنها تفكر في اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية. وقد أقر الكونغرس البرازيلي بالإجماع مشروع قانون يسمح بالرد على أي رسوم جمركية على السلع البرازيلية.

ضربة للاقتصاد العالمي

واهتزت الأسواق المالية، حيث انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأميركية بما يصل إلى 3 في المائة في وقت مبكر من يوم الخميس، وتراجع مؤشر طوكيو القياسي بنسبة 3.1 في المائة ليقود الخسائر في آسيا. وانخفضت أسعار النفط لفترة وجيزة بأكثر من دولارين للبرميل.

رجل يمر أمام شاشة تعرض تحركات الأسهم في مكتب أوراق مالية ببكين (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام شاشة تعرض تحركات الأسهم في مكتب أوراق مالية ببكين (أ.ف.ب)

وقال ستيفن إينيس من شركة «إس بي آي آسيت مانجمنت» في تعليق له: «لم يكن حجم الطرح - من حيث الحجم والسرعة - عدوانياً فحسب؛ بل كان اضطراباً كلياً كاملاً».

في حين أن التداعيات طويلة الأجل قد تشمل تفكيك سلاسل التوريد التي تراكمت على مدى عقود، فإن القلق الأكثر إلحاحاً هو ارتفاع مخاطر الركود.

وقال أولو سونولا، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية الأميركية في وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، في تقرير له: «يبلغ (متوسط) معدل التعريفة الجمركية الأميركية على جميع الواردات الآن نحو 22 في المائة، بعد أن كان 2.5 في المائة في عام 2024 كان هذا المعدل آخر مرة شوهد فيها نحو عام 1910. هذا سيغير قواعد اللعبة، ليس فقط بالنسبة للاقتصاد الأميركي ولكن بالنسبة للاقتصاد العالمي. من المرجح أن ينتهي الأمر بالعديد من البلدان إلى الركود. يمكنك التخلص من معظم التوقعات إذا استمر معدل التعريفة الجمركية هذا لفترة طويلة من الزمن».

ويقع العبء الأكبر على عاتق دول آسيا والمحيط الهادئ، حيث تبلغ أعلى التعريفات الجمركية على الدول الفقيرة وغير المستقرة مالياً مثل لاوس بنسبة 48 في المائة، وكمبوديا بنسبة 49 في المائة وميانمار بنسبة 44 في المائة.

تقليل الضرر

تعهدت الدول الآسيوية التي تعد من بين أكبر المصدرين إلى الولايات المتحدة بالتحرك سريعاً لدعم شركات صناعة السيارات وغيرها من الشركات التي من المحتمل أن تتأثر.

وقالت وزارة التجارة الكورية الجنوبية إن رئيس الوزراء الكوري الجنوبي هان داك سو طلب من المسؤولين العمل مع مجموعات الأعمال لتحليل تأثير التعريفة الجمركية الجديدة بنسبة 25 في المائة «لتقليل الضرر».

وقالت وزارة التجارة الصينية إن بكين «ستتخذ بحزم تدابير مضادة لحماية حقوقها ومصالحها»، دون أن تذكر بالضبط ما قد تفعله. مع الجولات السابقة من الرسوم الجمركية ردت الصين بفرض رسوم أعلى على صادرات الولايات المتحدة من المنتجات الزراعية، مع الحد من صادرات المعادن المستخدمة في الصناعات عالية التقنية مثل السيارات الكهربائية.

حاويات في محطات الميناء في كواي تشونغ في هونغ كونغ الصين (رويترز)
حاويات في محطات الميناء في كواي تشونغ في هونغ كونغ الصين (رويترز)

وجاء في البيان: «تحث الصين الولايات المتحدة على إلغاء إجراءاتها الجمركية الأحادية الجانب على الفور وحل الخلافات مع شركائها التجاريين بشكل صحيح من خلال الحوار المتكافئ».

وقالت الرئيسة المكسيكية إنها ستنتظر لترى كيف سيؤثر إعلان ترمب على المكسيك، التي تم إعفاؤها مثل كندا من الرسوم الجمركية على السلع المؤهلة بالفعل بموجب اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن الرسوم الجمركية التي أُعلن عنها سابقاً بنسبة 25 في المائة على واردات السيارات دخلت حيز التنفيذ يوم الخميس.

وقالت صباح يوم الأربعاء: «المسألة ليست مسألة إذا فرضتم رسوماً جمركية عليّ، فسأفرض عليكم رسوماً جمركية. مصلحتنا هي في تعزيز الاقتصاد المكسيكي.»

وكانت كندا قد فرضت رسوماً جمركية انتقامية رداً على الرسوم الجمركية بنسبة 25 في المائة التي ربطها ترمب بتهريب الفنتانيل. ورداً على الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم، فرض الاتحاد الأوروبي ضرائب على ما قيمته 26 مليار يورو (28 مليار دولار) من السلع الأميركية، بما في ذلك البوربون، مما دفع ترمب إلى التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 200 في المائة على الكحول الأوروبي.

لا أساس في المنطق

اعترضت بعض الدول على حسابات البيت الأبيض. وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز إن الرسوم الجمركية غير مبررة على الإطلاق، لكن أستراليا لن ترد بالمثل. وقال: «أشار الرئيس ترمب إلى الرسوم الجمركية المتبادلة. والتعريفة الجمركية المتبادلة ستكون صفراً وليس 10 في المائة». وترتبط الولايات المتحدة وأستراليا باتفاقية تجارة حرة، وتحقق الولايات المتحدة فائضاً تجارياً مع أستراليا بنسبة 2 إلى 1 دولار. أضاف: «هذا ليس فعل صديق».

وقال ترمب إن الولايات المتحدة اشترت 3 مليارات دولار من لحوم الأبقار الأسترالية العام الماضي، لكن أستراليا لن تقبل واردات لحوم الأبقار الأميركية. وقال ألبانيز إن الحظر المفروض على لحوم الأبقار الأميركية الخام كان لأسباب تتعلق بالأمن البيولوجي.

وجاء فرض تعريفة جمركية بنسبة 29 في المائة على جزيرة نورفولك الصغيرة الواقعة جنوب المحيط الهادئ بمثابة صدمة. يبلغ عدد سكان الإقليم الأسترالي نحو 2000 نسمة ويتمحور الاقتصاد حول السياحة.

وقال مدير جزيرة نورفولك جورج بلانت، ممثل الحكومة الأسترالية في الجزيرة، لوكالة «أسوشييتد برس» يوم الخميس: «على حد علمي، نحن لا نصدر أي شيء إلى الولايات المتحدة. نحن لا نفرض رسوماً جمركية على أي شيء. لا يمكنني التفكير في أي حواجز غير جمركية قد تكون موجودة أيضاً، لذلك نحن في حيرة من أمرنا هنا.»

من جانبه، قال وزير التجارة النيوزيلندي تود ماكلاي: «ليس لدينا تعريفة جمركية بنسبة 20 في المائة». لكنه قال إن نيوزيلندا لا تنوي الانتقام. وقال: «من شأن ذلك أن يرفع الأسعار على المستهلكين النيوزيلنديين وسيكون ذلك بمثابة تضخم».

امرأة تبيع التوابل والخضراوات في إحدى أسواق هانوي فيتنام (إ.ب.أ)
امرأة تبيع التوابل والخضراوات في إحدى أسواق هانوي فيتنام (إ.ب.أ)

مكاسب قليلة

بينما كان ترمب يقرأ قائمة الدول التي سيتم استهدافها يوم الأربعاء، قال مراراً وتكراراً إنه لا يلومها على الحواجز التجارية التي فرضتها لحماية أعمالها. وقال: «لكننا نفعل الشيء نفسه الآن».

وقال ترمب: «في مواجهة الحرب الاقتصادية التي لا هوادة فيها، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الاستمرار في سياسة الاستسلام الاقتصادي الأحادي الجانب».

وفي حديثه من منتدى أعمال في الهند، حذر الرئيس التشيلي غابرييل بوريك من أن مثل هذه الإجراءات تتحدى «المبادئ التي تحكم التجارة الدولية».

أما الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي اشتبك مع ترمب من قبل، فقال عبر «إكس» إن الرسوم الجمركية تمثل علامة فارقة: «لقد ماتت اليوم الليبرالية الجديدة التي أعلنت سياسات التجارة الحرة في جميع أنحاء العالم».

يقول المحللون إن هناك القليل من المكاسب التي يمكن تحقيقها من حرب تجارية شاملة، سواء في الولايات المتحدة أو في البلدان الأخرى.

يقول ماتيو فيلا، وهو محلل بارز في معهد الدراسات السياسية الدولية في إيطاليا: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية عالية بالفعل، فسيتعين على أوروبا أن ترد، ولكن المفارقة هي أن الاتحاد الأوروبي سيكون أفضل حالاً من عدم القيام بأي شيء».

وقال فيلا: «من ناحية أخرى، يبدو أن ترمب لا يفهم سوى لغة القوة، وهذا يشير إلى الحاجة إلى رد قوي وفوري. ربما الأمل، في بروكسل، هو أن يكون الرد قوياً بما فيه الكفاية لحث ترمب على التفاوض، وقريباً على التراجع».


مقالات ذات صلة

ترمب يشير إلى تقدم في «محادثات غزة»

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز) play-circle

ترمب يشير إلى تقدم في «محادثات غزة»

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم الخميس، إن تقدماً يتحقق فيما يتعلق بإعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وإن واشنطن تتواصل مع إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شاشة إلكترونية تعرض معلومات مالية في بورصة نيويورك (أ.ب)

بعد تجميد الرسوم... مليارات لأباطرة التكنولوجيا وارتياح للجمهوريين بشأن الانتخابات

قال الخبراء إن الأسواق تنفَّست الصعداء بعد قرار ترمب بتعليق الرسوم لمدة 90 يوماً، الذي اعتبر بمثابة اعتراف من الرئيس بأن سياسته الاقتصادية لم تكن مثمرة.

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد عرض سبائك الذهب في قبو الاحتياطي الذي تديره شركة «سيلفر بوليون بي تي إي» المحدودة في سنغافورة (رويترز)

سعر الذهب الفوري يقفز إلى مستوى قياسي جديد عند 3175 دولاراً

قفز سعر الذهب الفوري إلى مستوى قياسي جديد عند 3175 دولاراً للأونصة بدعم الطلب عليه كملاذ آمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص ما جيان نائب السفير الصيني في مؤتمره الصحافي بمقر السفارة بالرياض (الشرق الأوسط)

خاص مسؤول صيني: لن نخضع للغة التهديد والوعيد الأميركية

شدد مسؤول صيني على أن بلاده لن تخضع للغة التهديد والوعيد الأميركية مؤكداً أن بكين لا تبالي بالخوض في حرب تجارية إلى نهايتها مع واشنطن

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الاقتصاد مبنى بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

نائبة محافظ بنك إنجلترا: تأثير رسوم ترمب على التضخم والفائدة غير واضح

قالت نائبة محافظ بنك إنجلترا، سارة برييدن، إن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم وأسعار الفائدة في المملكة المتحدة لا يزال غير واضح.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بعد تجميد الرسوم... مليارات لأباطرة التكنولوجيا وارتياح للجمهوريين بشأن الانتخابات

شاشة إلكترونية تعرض معلومات مالية في بورصة نيويورك (أ.ب)
شاشة إلكترونية تعرض معلومات مالية في بورصة نيويورك (أ.ب)
TT
20

بعد تجميد الرسوم... مليارات لأباطرة التكنولوجيا وارتياح للجمهوريين بشأن الانتخابات

شاشة إلكترونية تعرض معلومات مالية في بورصة نيويورك (أ.ب)
شاشة إلكترونية تعرض معلومات مالية في بورصة نيويورك (أ.ب)

مثلما أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي فَرْض الرسوم الجمركية على قائمة من 180 دولة، وأطلق على يوم 2 أبريل (نيسان) «يوم التحرير»، الكثير من الجدل والمخاوف بشأن حرب تجارية واسعة النطاق، فإن قراره بالتراجع وتعليق فرض الرسوم لمدة 90 يوماً أثار أيضاً تساؤلات بشأن التكلفة الاقتصادية التي تكبَّدتها الولايات المتحدة، خلال أيام قليلة من سريان تلك الرسوم، التي قُدرت بما يقرب من 10 تريليونات دولار، بالإضافة إلى الآثار السياسية التي كادت تعصف بقاعدة ترمب العريضة من المانحين وكبار المليارديرات والناخبين، وقاعدة «ماغا» (MAGA) الواسعة من مناصريه، وكذلك تأثيرها على الحزب الجمهوري الذي كان أعضاؤه يتحسسون العقبات التي قد تعرقل نجاحهم بين الناخبين، خلال الانتخابات التشريعية النصفية، العام المقبل.

واتفق الجميع على أن الولايات المتحدة كانت تواجه خسائر فادحة في الاستثمار والنمو والاستهلاك الحقيقي، بالإضافة إلى تدني مستويات المعيشة للأسر الأميركية.

وكانت التقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 2.6 في المائة، والتوظيف بنسبة 2.7 في المائة، والاستثمار الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة. كما ارتبطت تقلبات الأسواق بسوق السندات الذي شهد عمليات بيع مكثفة في سندات الخزانة الأميركية، مما أدى إلى ارتفاع هائل في عوائد سندات الخزانة. وتشكل سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 29 تريليون دولار الأساس للنظام المالي العالمي، وتعتمد عليها البنوك والمستثمرون والشركات للحصول على التمويل والوصول إلى أصول منخفضة المخاطر.

قال الخبراء إن الأسواق تنفست الصعداء بعد قرار ترمب بتعليق الرسوم لمدة 90 يوماً، الذي اعتبر بمثابة اعتراف من الرئيس بأن سياسته الاقتصادية لم تكن مثمرة، وأنها كادت تؤدي إلى انخفاض دائم في القوة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة، مما أحدَثَ اضطراباً في الأسواق المالية مع التوقعات بفرض دول أخرى رسوماً انتقامية مماثلة، مما كان من شأنه أن يسبب أضراراً أكبر للاقتصاد الأميركي.

فرحة وانتعاش وتفاؤل

جاء رد فعل السوق على قرار ترمب بتعليق الرسوم سريعاً ومبتهجاً؛ حيث قفزت الأسهم بأكثر من 7 في المائة في غضون دقائق من الإعلان، وأغلقت على ارتفاع يزيد على 9 في المائة. كما تراجعت عوائد السندات التي كانت ترتفع وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي، وارتفعت أسعار النفط التي كانت تشهد انخفاضاً طفيفاً. وأظهرت مؤشرات أخرى، مثل العملات المشفرة، علامات إيجابية، بينما ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا بشكل كبير، بعد ارتفاع مؤشر «ناسداك» الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا بنسبة 12.2 في المائة.

متداول يعمل في قاعة بورصة نيويورك (أ.ب)
متداول يعمل في قاعة بورصة نيويورك (أ.ب)

وتراجع بنك «غولدمان ساكس» عن توقعاته للركود بعد قرار الرئيس، لكنه ظل متمسكاً بتوقعات نمو بنسبة 0.5 في المائة للاقتصاد الأميركي. وبرر وزير الخزانة سكوت بيسنت، وهو مدير سابق لصندوق تحوط، التراجع عن فرض الرسوم وتأجيلها بأنه يهدف لإفساح المجال للمفاوضات، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستتفاوض بحسن نية. بينما تفاخر البيت الأبيض باستراتيجية الرئيس وبراعته في إبرام الصفقات؛ حيث وجهت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، اللوم لوسائل الإعلام في فهم توجهات الرئيس ترمب في عقد الصفقات، قائلة: «من الواضح أنكم فشلتم في رؤية ما يفعله الرئيس ترمب هنا».

احتفاء المليارديرات

أثار القرار فرحة كبيرة لدى المليارديرات الأميركيين الذين لطالما ساندوا الرئيس ترمب؛ حيث شهد أغنى 10 مليارديرات في العالم زيادة صافية في أرباحهم بلغت 135 مليار دولار، وفقاً لوكالة «بلومبرغ». وقاد الملياردير إيلون ماسك هذه الارتفاعات بمكاسب بلغت 35.9 مليار دولار ليصبح صافي ثروته 326 مليار دولار، بينما سجل سهم شركة «تسلا»، التي يملكها ماسك، ثاني أفضل مكسب يومي خلال 15 عاماً؛ حيث ارتفعت حصة الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية بأكثر من 22 في المائة.

بعد ماسك، جاء في المركز الثاني مؤسس «فيسبوك»، مارك زوكربيرغ، بأرباح بلغت 25.8 مليار دولار في صافي ثروته، يليه مؤسس «أمازون»، جيف بيزوس، ثم مؤسس «أوراكل»، لاري إليسون، بزيادة قدرها 18.5 مليار دولار و15.5 مليار دولار على التوالي. وارتفعت ثروة جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «إنيفيديا»، بمقدار 15.5 مليار دولار، مما ساعده على دخول قائمة أغنى 15 شخص في العالم لأول مرة.

وقد شهدت شركات «ميتا» (مملوكة لمارك زوكربيرغ)، و«أبل» (مملوكة لتيم كوك)، و«غوغل» (مملوكة لسوندار بيتشاي)، و«تسلا» (مملوكة لإيلون ماسك)، و«أمازون» (مملوكة لجيف بيزوس) انخفاضاً كبيراً في قيمتها الإجمالية؛ حيث تراجعت قيمتها بنحو 1.8 تريليون دولار منذ بداية عام 2025.

الجمهوريون حائرون

وأبدى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون قلقهم بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب الأسبوع الماضي، وسعوا لإقناعه بأن الرسوم تسحق الاقتصاد وتقوّض شعار «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى»، وتُبعِد عنهم المانحين والناخبين، وتُهدِّد بخسارتهم في الانتخابات التشريعية النصفية، نوفمبر (تشرين الثاني) العام المقبل، إذا استمرت سياسات الحرب التجارية وفرض الرسوم الجمركية.

وأعرب بعض كبار الجمهوريين علناً عن مخاوفهم. وصرّح السيناتور الجمهوري تيد كروز بأن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى «حمام دم» سياسي للجمهوريين، مؤكداً أن الحرب التجارية ستدمر الوظائف، وستلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد الأميركي، وستكون كارثة سياسية إذا تحول مجلس النواب والشيوخ إلى أغلبية ديمقراطية. وتحدث السيناتور الجمهوري راند بول أيضاً، داعياً الرئيس ترمب إلى إسقاط التعريفات الجمركية وطالب باستقالة وزير الخزانة سكوت بيسانت.

وسعى المشرعون الجمهوريون إلى صياغة مشروع قانون للحد من قدرة الإدارة على فرض الرسوم الجمركية دون موافقة الكونغرس، لكنهم تراجعوا بعد أن هدد البيت الأبيض باستخدام حق النقض ضد أي مشروع قانون من هذا القبيل.

وكانت القاعدة الجماهيرية المؤيدة لترمب من أتباع «ماغا» ليست سعيدة بتراجع مدخرات الأميركيين في صناديق التقاعد خطط «401 (ك)». وانخفض معدل تأييد ترمب إلى منطقة سلبية لأول مرة بين مؤيديه، مما أثار مخاوف داخل الحزب الجمهوري بشأن كيفية التعامل مع التحديات السياسية المقبلة.

وتنفس أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون الصعداء بعد قرار ترمب تجميد فرض الرسوم الجمركية وأعرب العديد منهم عن أنهم كانوا يستمعون إلى شكاوى من المزارعين وأصحاب الأعمال الصغيرة والناخبين الذين كانوا مذعورين من هبوط قيمة مدخراتهم في حسابات التقاعد.

الديمقراطيون يتساءلون

وتساءل البعض عمن استفاد من انخفاض أسعار الأسهم خلال الفترة الماضية، ودعا السيناتور الديمقراطي آدم شيف الكونغرس إلى التحقيق فيما إذا كان الرئيس ترمب متورطاً في التلاعب بالسوق حينما أوقف فجأة مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، وهي الخطوة التي أدَّت إلى ارتفاع أسعار الأسهم بشكل صاروخي، وما إذا كانت عائلة ترمب قد استفادت من هذا القرار. وكان ترمب قد نشر على موقع «تروث سوشيال»، صباح الأربعاء، بعد دقائق من افتتاح السوق قائلاً: «إن هذا هو الوقت المناسب للشراء» إلى جانب الأحرف «DJT» التي ترمز للأحرف الأولى من اسمه ورمز شركته الإعلامية.

وانضمت السيناتور إليزابيث وارن إلى الدعوة لإجراء تحقيق رسمي فيما إذا كان ترمب قد تلاعب بسوق الأوراق المالية لصالح مانحيه في «وول ستريت».

وانضم إليهم السيناتور الديمقراطي تيم كين في تبني نظرية المؤامرة حول انحدار الرئيس ترمب، وقال لمجلة «تايم»: «عندما يسأل الناس عما إذا كان دونالد ترمب يبيع على المكشوف، أو يفعل هذا لمحاولة كسب المال لنفسه، فهذا يدل على أن الكثير من الناس متشككون بشأن ما يحدث». ودعت الممثلة الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز أعضاء الكونغرس الذين اشتروا أسماءهم خلال اليومين الماضيين إلى الاعتراف. ودعا النائب الديمقراطي ستيفن هورسفورد من ولاية نيفادا إلى تعويض الأميركيين الذين فقدوا جزءاً كبيراً من مدخراتهم التقاعدية.

دونالد ترمب يتحدث أثناء توقيعه على أوامر تنفيذية وإعلانات في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (رويترز)
دونالد ترمب يتحدث أثناء توقيعه على أوامر تنفيذية وإعلانات في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (رويترز)

غضب وتخوف وتشاؤم

تبنى بعض المحللين نظرة تشاؤمية؛ فرغم إلغاء الرئيس ترمب للرسوم الجمركية، فإن التكاليف والتداعيات ستبقى قائمة. لا تُمثل إجراءات ترمب تحولاً في الاستراتيجية، بل تراجعاً تكتيكياً بتركيز الرسوم الجمركية المرتفعة على الصين، وهي مصدر قلق استراتيجي، وتجنب ردود الفعل السلبية غير الضرورية من الحلفاء والشركاء التجاريين. لذا، فإن هذا النهج الضيق لا يعني نهاية المعاناة الاقتصادية، بل تأجيلها.

وقد أشار البعض إلى أنه في حين أن تعليق ترمب للرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً قد يكون بمثابة تراجع استراتيجي، فإنه يقوض أسس الديمقراطية من خلال احتجاز سوق السندات رهينة لأهواء الرئيس ورغباته.

وأشار المحللون إلى أن حالة عدم اليقين بشأن اتجاه السياسة التجارية الأميركية من المرجح أن تستمر، لأن الغموض قد يكون له تأثير تآكلي على الثقة في الولايات المتحدة كبطلة للتعاون الاقتصادي العالمي. وقالت هيذر هيلبروت، المساعدة السابقة للممثلة التجارية الأميركية كاثرين كاي في عهد الرئيس بايدن، إنه على الرغم من التعليق المؤقت للرسوم الجمركية، فإن قرار ترمب بفرضها خلق صدمة طويلة الأمد لفكرة أن الولايات المتحدة تدعم نظاماً قائماً على القواعد للتجارة العالمية، ويخلق شعوراً مستمراً بالمخاطرة بين الشركاء التجاريين، ويقدم عنصراً من عدم الاستقرار.

وقالت ريبيكا باترسون، الخبيرة في «جيه بي مورغان تشيس»، إن الأسواق تفاعلت بسرعة مع قرار ترمب تعليق الرسوم الجمركية، لكن التساؤلات ستظل قائمة بشأن حالة عدم اليقين بشأن النمو والتضخم. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، إن الصدمة التي أصابت الثقة قد يكون لها تأثير أكبر على الاقتصاد من الرسوم الجمركية، لأن الناس والشركات عندما يفقدون الثقة، فإنهم يميلون إلى التوقف عن الإنفاق والاستثمار.