جاهدة وهبه تضيء ليل المدينة... على مقام الطرب والحب

المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)
المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)
TT

جاهدة وهبه تضيء ليل المدينة... على مقام الطرب والحب

المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)
المطربة والمؤلفة الموسيقية اللبنانية جاهدة وهبة (إدارة أعمال الفنانة)

ليل المدينة حالك، ومعظم الطرق مطفأةٌ مصابيحُها، لكنّ صوت جاهدة وهبة قنديلٌ للعتمة. تقتبس من سعد الله ونّوس لتعلن: «نحن محكومون بالأمل»، ولا تودّع جمهورها المحتشد في مسرح «كركلّا» من دون أن تصدح «لا تلتفت إلى الوراء» من شعر غونتر غراس.

«الوراء» هو تلك السنوات الكئيبة والمخيفة التي عبرت على لبنان. تريد الفنانة أن تمحوها بتعويذة صوتها. ترنو إلى «وطنٍ كان وما زال منارة الثقافة والفن»، وفق ما تقول لـ«الشرق الأوسط». لذلك، فهي تكثّف حفلاتها منذ بزغ نور أملٍ صغير على بلاد الأرز.

احتضن الحفل مسرحُ كركلّا في العاصمة اللبنانية بيروت (إدارة أعمال الفنانة)

بعد حفلٍ حاشد في «كازينو لبنان»، مطلع مارس (آذار)، بمناسبة يوم المرأة، اعتلت جاهدة وهبة الخشبة من جديد ضمن أمسية حملت عنوان «في رحاب القصيدة والمقام»، وتزامنت مع احتفاليات عيد الفطر في بيروت. المقاعد ممتلئة ومنهم مَن لا يمانعون الإصغاء إليها وقوفاً. جاء المحبّون من أماكن بعيدة ومن أجيال متعددة.

ضمّت المطربة اللبنانية صوتها إلى نغمات المعهد الوطني العالي للموسيقى، «الصرح الذي أعدّه بيتي الثاني والمكان الذي تشكّلت فيه معرفتي وذائقتي الموسيقية»، وإلى الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق – عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج. الفرقة مكتملة النصاب: جوقة المعهد وعازفو الأوركسترا بآلاتهم الكثيرة، تتوسّطهم وهبة وبين حبالها الصوتيّة أوركسترا موازية، تتنقّل بين الطرب والكلاسيكيات والأناشيد والأغاني العاطفية والقصائد الصوفيّة.

اختارت للبداية إحدى أصعب ثنائيّات القصيدة والمقام، فافتتحت الحفل بأغنية «سكن الليل» للسيّدة فيروز من شعر جبران خليل جبران، وألحان محمد عبد الوهاب. تتراوح القدرات الصوتيّة بين أقصى الطبقات وأقصى الإحساس. لا تستنسخ وهبة الأغنية كما قدّمها مغنّيها الأصليّ، بل تضيف إليها وتثريها بأدائها.

وكلّما استحضرت أحد عظماء الموسيقى العربية، مثل وديع الصافي في «رح حلّفك بالغصن يا عصفور»، أو أسمهان في «يا حبيبي تعالى الحقني»، سكبت المطربة اللبنانية الكثير من هويّتها الخاصة. كأنّ كلاسيكيات الأغنية تنبعث من صوتها تُحَفاً جديدة.

قاد الأوركسترا الوطنية الشرق عربية المايسترو أندريه الحاج (إدارة أعمال الفنانة)

تأخذ وهبة استراحةً قصيرة من الموسيقى لترحّب بالجمهور من رسميين وإعلاميين ومُحبّين. وبحِرص مَن تريد الأفضل لوطنها تقول: «أنا مستعدّة لمدّ يد العون إلى كل المؤسسات التي تُعنى بالثقافة في لبنان. الثقافة تحمينا من الغوغائية والهمجية». تعيد تأكيد ذلك في حديثها السريع مع «الشرق الأوسط» بعد الحفل: «في زمن التحدّيات الكثيرة، يبقى صوت الفن أعلى من الضجيج، ومساحة مضيئة في وجه العتمة والعنف». تدعو زملاءها الفنانين والمثقفين إلى التعاضد من أجل إعلاء شأن الثقافة في لبنان، «مهد الجمال والحرية والإبداع».

ومن حب الوطن إلى الحب المطلق مع شعرِ ابن الفارض... «زدني بفرط الحب فيك تحيّرا»، يخرج الصوت ابتهالاً، زاهداً ومرصّعاً في آن. تُلحق وهبة تلك الوقفة المتصوّفة بقصيدة طلال حيدر «يا ريت فيّي إنهدى». هنا تتّسع مساحات الدلال واللعب على الطبقات، ويتلاقى ذلك مع اللعب على الكلام الذي يحترفه الشاعر.

جاهدة وهبة: «الثقافة تحمينا من الغوغائية والهمجية»... (إدارة أعمال الفنانة)

ليست جاهدة وهبة مطربة فحسب، بل إنها تؤلّف معظم أغنياتها وتلحّنها. وقد خُصّص الجزء الأكبر من حفل «القصيدة والمقام» للأعمال التي لحّنتها بنفسها. أهدت بيروت إحدى أجمل القصائد التي نُظمت في حب تلك المدينة، بحِبر الشاعرة لميعة عباس عمارة... «يا بنتَ سبعة آلافٍ وما برحت صبيّةً تشتهي الدنيا مقبّلَها». ولم يكد التصفيق يهدأ في القاعة، حتى اشتعل من جديد عندما صدحت «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» لأبي قاسم الشابّي. كأنها باختيار هذا النشيد، تحثّ أبناء بلدها على الابتسام للقدر بعد انجلاء الليل.

لا الأناشيد تعصى على وهبة ولا التهويدات. وعندما يحين موعد العشق مع «أرض الغجر» من شعر ماجدة داغر وألحان شربل روحانا، يستحيل الفراقُ أملاً، واللوعةُ شمعةً.

ساعة ونصف الساعة من الغناء المتواصل لم تقاطعها سوى آهات الجمهور وتصفيقهم وبعض الدموع. وكلّما علا التصفيق انخفض رأس وهبة باحترامٍ وخفَر، كسنبلةٍ مكتنزةٍ بالألحان وأبيات الشعر. بينها وبين قائد الأوركسترا والعازفين ومغنّي الكورس، التناغم جليّ. لا تنسى أن تحيّيهم بين أغنيةٍ وأخرى.

ولأنّ الغناء ألوان وحنجرة جاهدة وهبة تحمل قوسَ قزحٍ منها، وقفةٌ مع الأغنية الفرنسية ورائعة إديث بياف «Non je ne regrette rien» ونسختها المعرّبة «ما بندم ع شي». تدعو الحاضرين لمرافقتها غناءً، تمازحهم، ثم تنفصل عن الواقع لتتجلّى على سجيّتها.

ويتواصل الصعود على نغمات «ما طلبت من الله»، وهي من شعر أحلام مستغانمي وألحانها... «ما طلبتُ من الله في ليلة القدْرِ سوى أن تكون قدَري وسِتري، سقفي وجدران عمري وحلالي ساعة الحشرِ».

تتّسع المساحة المفردة للأنثى في أعمال جاهدة وهبة، من الشاعرات اللواتي تعاونت معهنّ، مروراً بالأيقونات اللواتي أعادت أغانيهنّ، وليس انتهاءً بأنها فرضت نفسها ملحّنة، في زمنٍ وبقعةٍ جغرافية غالباً ما يقتصر فيهما التلحين على الذكور. من ألحانها وشعر سعاد الصباح غنّت «قل لي»، قبل أن تودّع الجمهور بإحدى أجمل أغاني أرشيفها «لا تلتفت إلى الوراء».

وهبة متوسطةً رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى هبة القواس ومنسقة قسم الغناء الشرقي في المعهد عايدة شلهوب (إدارة أعمال الفنانة)

وعندما وقف الجمهور مطالباً بالمزيد، عادت وهبة إلى الخشبة لتختم الأمسية باستعادة لـ«هذه ليلتي» لأم كلثوم من شعر جورج جرداق وألحان محمد عبد الوهاب.

تَعِد بأنّ المواعيد مع الطرب والشعر ستتجدّد لتضيء ليل المدينة: «قدرُنا أن نواصل الحلم، فالحلم لا يُقهر وأن نواجه الظلام بالحب، وبالمعرفة، وبالفن».


مقالات ذات صلة

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

يوميات الشرق محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

امتدَّت الأمسية نحو 4 ساعات، استمرَّ خلالها الفنان في نثر إبداعاته وسط استمتاع الحضور...

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)

«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء الجمعة بالمغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي وقال إن لديه «صوت ملاك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

يُقدّم برنامج «صدى الوادي» سلسلة من الحفلات التي تستضيف أبرز الفنانين في العالم العربي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز) play-circle

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق أيقونة الهيب هوب كوين لطيفة ترتدي البشت السعودي (تصوير: إيمان الخطاف)

كوين لطيفة ترتدي البشت السعودي وتستعيد رحلتها الفنّية في «البحر الأحمر»

منذ اللحظة الأولى، تعاملت كوين لطيفة مع المسرح والجمهور بحميمية أثارت إعجاب الحاضرين...

إيمان الخطاف (جدة)

جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
TT

جورج كلوني: «أسافر دوماً بالقطار»

النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)
النجم الأميركي جورج كلوني (رويترز)

عزز الممثل الأميركي جورج كلوني من صورته فيما يتعلق بالبيئة عن طريق السفر بالقطار، سواء كان ذلك أسفل القنال الإنجليزي إلى لندن أو بين باريس وقصره جنوب فرنسا.

وقال النجم السينمائي (64 عاماً) لنسخة نهاية الأسبوع من صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ» الألمانية: «غالباً ما أستقل القطار بين لندن وباريس، وأسافر بالقطار قطعاً بين إكس-أون- بروفانس وباريس كل أسبوعين».

وأوضح كلوني، الذي أبدى من قبل انحيازه لحماية البيئة: «أسافر دائماً بالقطار».

ويعيش كلوني، الحاصل على جائزتي أوسكار والعديد من الجوائز الأخرى، مع زوجته المحامية الحقوقية أمل كلوني، وابناهما التوأمان إيلا وألكسندر في مزرعة في بروفانس.

وصدر فيلمه «جاي كيلي» على منصة «نتفليكس» الجمعة. ومن بين أشهر أفلامه «أوشنز إليفن» و«سيريانا».


رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
TT

رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)

استخلص باحثون في جامعة ماريلاند الأميركية بمقاطعة بالتيمور (UMBC) العناصر الأساسية لإيماءات اليد الدقيقة التي يستخدمها الراقصون في رقصة «بهاراتاناتيام» الهندية الكلاسيكية، ووجدوا «أبجدية» للحركة أغنى وأكثر ثراء مقارنةً بمسكات اليد الطبيعية.

ووفق دراستهم المنشورة في مجلة «ساينتفيك ريبورتس» (Scientific Reports)، يمكن لهذا العمل أن يُحسّن كيفية تعليم الروبوتات حركات اليد المعقدة، وأن يُوفر للبشر أدوات أفضل للعلاج الطبيعي.

ركّز رامانا فينجاموري، الأستاذ في جامعة ماريلاند بمقاطعة بالتيمور والباحث الرئيسي في هذا العمل، مختبره على فهم كيفية تحكم الدماغ في حركات اليد المعقدة.

ابتكر فينجاموري نهجاً جديداً لاستخلاص العناصر الأساسية من مجموعة واسعة من إيماءات اليد الدقيقة، المسماة «مودرا»، المستخدمة في الرقص الكلاسيكي الهندي لتعزيز عنصر سرد القصص في هذا الإطار الفني.

ويُطور الفريق البحثي حالياً تقنيات «لتعليم» الأيدي الروبوتية أبجديات الحركات وكيفية دمجها لإنشاء إيماءات يد جديدة، وهو ما يُمثل انحرافاً عن الأساليب التقليدية لتعليم الروبوتات تقليد إيماءات اليد، ويتجه نحو أسلوب جديد لكيفية عمل جسم الإنسان ودماغه معاً.

ويختبر الباحثون هذه التقنيات على يد روبوتية مستقلة وروبوت بشري، يعمل كل منهما بطريقة مختلفة ويتطلَّب نهجاً فريداً لترجمة التمثيلات الرياضية للتآزر إلى حركات جسدية.

يقول فينجاموري: «الأبجدية المُشتقة من مودرا أفضل بالتأكيد من أبجدية الفهم الطبيعي لأنها تُظهر قدراً أعلى من البراعة والمرونة».

وأضاف في بيان نُشر الخميس: «عندما بدأنا هذا النوع من الأبحاث قبل أكثر من 15 عاماً، تساءلنا: هل يُمكننا إيجاد أبجدية ذهبية يُمكن استخدامها لإعادة بناء أي شيء؟».

ووفق نتائج الدراسة يمكن استخدام هذا المفهوم لتفكيك تنوع مذهل من الحركات إلى عدد محدود من الوحدات الأساسية.

بحث الفريق عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها (ساينتفيك ريبورتس)

وقبل أكثر من عقد من الزمان، بحث فينجاموري وشركاؤه عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها، بالاعتماد على مفهوم يُسمى التآزر الحركي، إذ يُنسّق الدماغ حركات مفاصل متعددة باليد في آنٍ واحد لتبسيط الحركات المعقدة.

بدأ فينجاموري وطلابه بتحليل مجموعة بيانات تضم 30 مسكة يد طبيعية، تُستخدم لالتقاط أشياء تتراوح أحجامها بين زجاجات المياه الكبيرة وحبات الخرز الصغير.

اختبر الفريق بعد ذلك مدى قدرة التآزرات المستمدة من الإمساك الطبيعي على الجمع لإنشاء حركات يد غير مرتبطة مقارنةً بالتآزرات المستمدة من المودرا. وقد تفوقت التآزرات المستمدة من المودرا بشكل ملحوظ على تآزرات الإمساك الطبيعي باليد، وفق نتائج الدراسة.

يقول بارثان أوليكال، العضو المخضرم في مختبر فينجاموري الذي يسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب: «عندما تعرَّفت على مفهوم التآزر، أصبح لدي فضول كبير لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا استخدامه لجعل اليد الروبوتية تستجيب وتعمل بطريقة اليد البشرية نفسها».

ويضيف: «لقد كان من دواعي سروري أن أُضيف عملي الخاص إلى جهود البحث، وأن أرى النتائج».

يستخدم الفريق كاميرا بسيطة ونظاماً برمجياً للتعرُّف على الحركات وتسجيلها وتحليلها، وهو ما يُسهم بشكل كبير في تطوير تقنيات فعالة من حيث التكلفة يمكن للناس استخدامها في منازلهم.

في نهاية المطاف، يتصوَّر فينجاموري ابتكار مكتبات من الأبجديات المُخصصة لمهام روبوتية مُحددة، يُمكن استخدامها حسب الاحتياجات، سواءَ كان ذلك إنجاز الأعمال المنزلية اليومية من بينها الطهي أو طيّ الملابس، أو أي شيء أكثر تعقيداً ودقة، مثل العزف على آلة موسيقية.


تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
TT

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك برعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» (الألكسو)، حيث اختيرت مصر ضيف شرف المهرجان بوصفها صاحبة أقدم دار أوبرا في العالم العربي.

وتنطلق الدورة الأولى للمهرجان بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) خلال الفترة من 8 حتى 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقد تقرَّر تكريم عمر خيرت «تقديراً لعطائه وعرفاناً بدوره الرائد في إثراء ساحة الإبداع العربي»، وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية. ويقدِّم «أوركسترا القاهرة السيمفوني» بقيادة المايسترو أحمد عاطف حفلاً يتضمن مجموعة من المؤلفات المصرية لكل من علي إسماعيل، وفؤاد الظاهري، ويوسف شوقي، وعمار الشريعي، وحسن أبو السعود، وعمر خيرت، وأندريا رايدر.

وعدَّ الدكتور علاء عبد السلام، رئيس «دار الأوبرا المصرية»، اختيار الأوبرا المصرية ضيف شرف الدورة الأولى «تأكيداً لأعرقيَّتها عربياً»، مشيراً إلى أن ذلك «يُبرز عمق العلاقات بين الأشقاء ويعكس التطلعات إلى مستقبل أكثر إشراقاً للفنون في المنطقة». وأضاف أن «احتضان دولة قطر للمهرجان خطوة ثقافية رائدة تعكس تقديرها للمسار الفني العربي، وتُبرز أهمية تلاقي التجارب والمؤسسات الفنية في فضاء واحد تُصاغ فيه مشروعات جديدة وتُفتح آفاق رحبة للتعاون والإبداع».

«دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف «مهرجان الأوبرا» بقطر (وزارة الثقافة المصرية)

وقال الناقد الفني المصري أحمد السماحي إن «عمر خيرت يستحق هذا التكريم عن جدارة؛ فهو منذ بداياته يقدِّم نغمة مختلفة ومتجددة، وعمل على تطوير الموسيقى المصرية من خلال توزيعاته أولاً ثم من خلال مؤلفاته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «خيرت من أوائل من ساهموا في تطوير التوزيع الموسيقي في الوطن العربي، ونجح في جذب أجيال واسعة، خصوصاً من الشباب، إلى الموسيقى، وقدّم ألبومات موسيقية خالصة بأسلوب متفرد حظيت بنجاح وانتشار كبيرين».

وقدّم عمر خيرت عدداً كبيراً من الألبومات والمقطوعات التي ارتبطت بالدراما والسينما، وغنَّى من أعماله نجوم الطرب في مصر والعالم العربي، مثل علي الحجار، ومحمد الحلو، ومدحت صالح، وحنان ماضي، ولطيفة. ومن أشهر مقطوعاته السينمائية «قضية عم أحمد»، و«إعدام ميت»، و«ليلة القبض على فاطمة»، و«عفواً أيها القانون»، ومن موسيقاه في الدراما «ضمير أبلة حكمت»، و«البخيل وأنا»، و«غوايش».

وكان مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية، الذي عقد دورته الـ24 في الرباط (المغرب)، قد أقر إقامة «مهرجان الأوبرا العربية» في قطر، واختيرت «دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف دورته الأولى بالنظر إلى أسبقيتها التاريخية، إذ أسَّست مصر أول دار أوبرا في الوطن العربي، وفق بيان وزارة الثقافة.

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «تكريم عمر خيرت في (مهرجان الأوبرا العربية) الأول يعكس القيمة الكبيرة التي يُمثِّلها في الموسيقى العربية، وليس المصرية فقط»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الاختيار موفَّق جداً، سواء في تكريم خيرت أو في اختيار (دار الأوبرا المصرية) ضيفَ شرفٍ بوصفها الأقدم عربياً».

أُنشئت «دار الأوبرا المصرية» عام 1869 على يد الخديو إسماعيل ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس. وبعد أكثر من قرن كانت فيه الأوبرا الخديوية المنارة الثقافية الأبرز في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ احترق مبناها في أكتوبر (تشرين الأول) 1971. ومن ثَمَّ اختيرت أرض الجزيرة مقراً للمبنى الجديد بالتنسيق مع هيئة التعاون الدولية اليابانية (JICA) والاتفاق على تصميم معماري إسلامي حديث، ليُفتتح المبنى الجديد في 10 أكتوبر 1988.