مصادر: «حماس» أعدمت «جواسيس» بعد تكرار اغتيال قياداتها

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن عروض تسليم الأسرى كانت ثغرة أمنية استغلتها إسرائيل

الرهينة الإسرائيلي أفيرا منغستو الذي دخل غزة قبل نحو عقد من الزمان على منصة التسليم في إطار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاقية تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل في رفح (رويترز)
الرهينة الإسرائيلي أفيرا منغستو الذي دخل غزة قبل نحو عقد من الزمان على منصة التسليم في إطار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاقية تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل في رفح (رويترز)
TT
20

مصادر: «حماس» أعدمت «جواسيس» بعد تكرار اغتيال قياداتها

الرهينة الإسرائيلي أفيرا منغستو الذي دخل غزة قبل نحو عقد من الزمان على منصة التسليم في إطار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاقية تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل في رفح (رويترز)
الرهينة الإسرائيلي أفيرا منغستو الذي دخل غزة قبل نحو عقد من الزمان على منصة التسليم في إطار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاقية تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل في رفح (رويترز)

تلقت حركة «حماس» منذ استئناف إسرائيل للحرب في قطاع غزة، في 18 من مارس (آذار) الحالي، ضربات كبيرة تمثلت في اغتيال قيادات من مستويات مختلفة.

وأفادت مصادر من الحركة تحدثت إلى «الشرق الأوسط» شريطة عدم ذكر اسمها، أن «حماس» عقدت ما وصفته بـ«محاكم ثورية» لبعض من اعتقلتهم من مناطق تعرضت فيها قيادات الحركة وفصائل أخرى للقصف والاغتيال، كاشفة عن أنه «تم فعلياً إعدام بعض من ثبت بحقهم تهم الجاسوسية، في حين لا يزال التحقيق يجري مع آخرين».

ولم تكشف المصادر عن عدد من طالتهم عمليات الإعدام، لكنها أكدت أن «حماس» تأثرت بالاغتيالات «على مستويات سياسية وعسكرية وحكومية، ومنذ تصاعد الاستهدافات تم اتخاذ إجراءات أمنية أكثر تشدداً».

قيادات متنوعة

ولم تتوقف الضربات الإسرائيلية المركزة حتى فجر الخميس؛ إذ لا تزال تركز بشكل أساسي على أسماء بارزة، وكان أحدث أهدافها الناطق باسم «حماس»، عبد اللطيف القانوع، والذي اغتيل بصاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية على خيمته داخل مركز إيواء بمنطقة أرض حلاوة في جباليا شمال قطاع غزة.

المتحدث باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع (أرشيفية)
المتحدث باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع (أرشيفية)

وبالتزامن، اغتالت إسرائيل أشرف الغرباوي، أحد قادة جهاز الاستخبارات التابع لـ«كتائب القسام» الجناح المسلح لحركة «حماس»، في ضربة استهدفته وعائلته في شقة سكنية بمنطقة أرض الشنطي شمال مدينة غزة، كما تؤكد مصادر لـ«الشرق الأوسط».

وبحسب المصادر ذاتها، فإن إسرائيل اغتالت، فجر الخميس، أحمد الكيالي، المسؤول عن تنسيق عمل جهاز الاستخبارات في «القسام» وجهاز الأمن الداخلي الحكومي لحكومة «حماس» بغزة، وذلك بضربة استهدفته في شقة سكنية بحي النصر بمدينة غزة.

ومنذ استئناف إسرائيل لهجماتها، لم تتوقف الهجمات المركزة التي اغتيل خلالها 5 أعضاء من المكتب السياسي للحركة، هم: محمد الجماصي، وياسر حرب، وعصام الدعاليس، (اغتيلوا في عمليات منفصلة في الليلة الأولى لاستئناف الحرب)، وصلاح البردويل، وإسماعيل برهوم، (اغتيلا في عمليتين منفصلتين)، فيما اغتيل في الليلة الأولى أيضاً، أحمد شمالي، نائب قائد لواء غزة في «القسام»، وأسامة طبش أحد أبرز قادة الاستخبارات في الكتائب، إلى جانب جميل الوادية، قائد كتيبة الشجاعية، وقيادات ميدانية، وشخصيات حكومية أخرى.

سهولة الوصول

وأثار الوصول لعدد كبير من الشخصيات في حركة «حماس» الكثير من التساؤلات عن تحديث المعلومات الإسرائيلية بعد معاناة واجهتها طوال الجولة الأولى من الحرب في الوصول لمثل هذا العدد بوقت قياسي.

وقدّرت مصادر ميدانية في قطاع غزة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «استغلت العديد من العوامل خلال فترة وقف إطلاق النار الهش التي امتدت لـ58 يوماً، ونجحت استخباراتياً في تحديث بنك أهدافها للوصول لهذه الأهداف، وخاصةً القيادات الميدانية التي نجا بعضها عدة مرات من محاولات اغتيال خلال الحرب».

وبحسب المصادر، فإن «إسرائيل كثفت من جهدها الاستخباراتي خلال وقف إطلاق النار، وسيرت طائرات تجسسية تعمل بأنظمة الذكاء الاصطناعي وغيرها لتتبع المطلوبين، والتنصت على المكالمات في نطاقات محددة لحصر المناطق والأصوات التي تصدر منها، ومحاولة مقارنتها بتسجيلات تم التنصت عليها في سنوات سبقت لمعرفة الشخص الذي يوجد بتلك المناطق».

وبينت أن ما ساعد إسرائيل على عمليات الاغتيال إلقاء طائرات مسيرة لأجهزة تجسس مختلفة صغيرة، وكذلك زرع القوات البرية الإسرائيلية خلال اقتحام مناطق متفرقة من القطاع خلال الحرب، العديد من أجهزة التجسس والكاميرات التي لم تكتشف بعد.

«ثغرة عروض التسليم»

ولفتت المصادر إلى أن «العروض العسكرية خلال تسليم الأسرى الإسرائيليين كانت بمثابة ثغرة أمنية استغلتها إسرائيل لتتبع المقاومين وقيادات ميدانية من الفصائل الفلسطينية».

وقالت المصادر إن «إسرائيل لاحقت المركبات التي شاركت في العروض وهاجمتها بكثافة في الأيام الأخيرة».

وتقدر مصادر إسرائيلية أن أكثر من 100 مركبة شاركت في عروض «حماس» وكذلك بعضها قد يكون شارك في هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قد تمت مهاجمتها.

وتؤكد المصادر من «حماس» وقائع الاستهداف لبعض القيادات الميدانية من «كتائب القسام» ممن شاركوا في عملية تسليم الأسرى، مستشهدة بمقتل جميل الوادية، قائد كتيبة الشجاعية في الكتائب.

الأسرى الثلاثة على منصة التسليم وسط مقاتلي «القسام» (أ.ف.ب)
الأسرى الثلاثة على منصة التسليم وسط مقاتلي «القسام» (أ.ف.ب)

وتوضح المصادر أن «بعض الشخصيات العسكرية رُصدت أيضاً خلال تحركاتها في إطار محاولتها إعادة ترتيب الصفوف استعداداً للمرحلة المقبلة، في حين أن قيادات المكتب السياسي وشخصيات أخرى اغتيلت بعد أن رصدت لها نشاطات مكثفة».

خيارات معدومة

وتشير المصادر إلى أنه رغم إصدار تعليمات أمنية خلال وقف إطلاق النار من كثافة الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي؛ فإن «التحذيرات على ما يبدو لم تكن كافية».

وتقر المصادر بأن أحد أسباب عدم جدوى التحذيرات «واقع الظروف في قطاع غزة، وفقدان قيادات (حماس) والفصائل الفلسطينية لأماكن حقيقية لتكون بمثابة مخبأ لهم بعيداً عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية».

وتُذكّر المصادر بأن «بعض قيادات (حماس) و(القسام)، اغتيل داخل خيام يقطنون بها في مناطق نزوح، ما يشير إلى انعدام الخيارات أمامهم، بينما عادت عناصر إلى منزلها حيث تم استهدافها مع عائلاتها، في حين أن آخرين استشهدوا مع عائلاتهم بعدما لجأوا إلى شقق سكنية ليست ملكاً لهم».

وتؤكد المصادر أن «الفصائل الفلسطينية فقدت أجزاء كبيرة من أنفاقها التي كانت مخصصة للسيطرة والتحكم، والتي كانت بمثابة مكان للقيادات لإدارة أي معركة».


مقالات ذات صلة

المحكمة الجنائية الدولية تُحقق مع المجر لعدم اعتقال نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

المحكمة الجنائية الدولية تُحقق مع المجر لعدم اعتقال نتنياهو

طالب قضاة المحكمة الجنائية الدولية المجر بتوضيح لسبب عدم اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته بودابست، في وقت سابق من هذا الشهر.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
تحليل إخباري مخيمات النازحين في خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم الخميس (رويترز)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: 4 سيناريوهات لتفادي عقبات الاتفاق المرحلي المنتظر

يزداد مصير استئناف اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة غموضاً، مع تمسك «حماس» برفض نزع سلاحها أو إبرام صفقة جزئية دون ضمانات بإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي مستشفى ميداني للصليب الأحمر الدولي في منطقة المواصي في رفح جنوب قطاع غزة 16 مايو 2024 (رويترز)

«الصليب الأحمر» يدين تعرّض أحد مقراته في غزة لإصابة بجسم متفجر

أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر اليوم الخميس عن غضبها الشديد بسبب تعرض أحد مقراتها في قطاع غزة للإصابة «بجسم متفجر».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية يمكن للجيش تحديد موقع إطلاق الصواريخ قبل إطلاق صفارات الإنذار بوقت طويل (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يصدر نظام تنبيه جديداً للمواطنين قبل إطلاق صواريخ من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي إنه سيشرع، ابتداء من اليوم الخميس، في إصدار تعليمات مسبقة قبل تفعيل الإنذار من إطلاق صواريخ من اليمن؛ لإتاحة وقت للمواطنين للاستعداد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون نزحوا جراء الهجوم العسكري الإسرائيلي في مخيم بخان يونس جنوب قطاع غزة 17 أبريل 2025 (رويترز)

منظمات غير حكومية: نظام المساعدات الإنسانية في غزة «مهدد بالانهيار التام»

حذّرت اثنتا عشرة منظمة غير حكومية رئيسية في بيان مشترك، الخميس، من أن نظام المساعدات الإنسانية المخصص لغزة «مهدد بالانهيار التام» بسبب الحصار.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«الإخوان» وحكومات الأردن... من الاحتواء إلى الخصومة

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)
جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)
TT
20

«الإخوان» وحكومات الأردن... من الاحتواء إلى الخصومة

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)
جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الأردني (الموقع الرسمي للمجلس)

يُذكّر قياديون في الحركة الإسلامية بجناحيها: «جماعة الإخوان» غير المرخصة، وحزب «جبهة العمل الإسلامي» دوماً بمواقف سابقة دعمت فيها استقرار الأردن خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. لكن، وإذا كان حديث تلك القيادات صحيحاً خلال عقود مضت؛ فقد تبعته سنوات من المواجهة مع السلطات عند بدء الانقسامات التي شهدتها الحركة خلال العقود الثلاثة الماضية.

وتمثل مرحلة ما بعد كشف السلطات الأردنية عن خلايا اتهمتها بالتخطيط لـ«إثارة الفوضى» وحيازة «مواد متفجرة» محطة مفصلية للحركة الإسلامية في البلاد، خصوصاً بعدما أظهرت تسجيلات لموقوفين في القضية علاقتهم بـ«جماعة الإخوان» غير المرخصة في البلاد.

وتحدثت مصادر سياسية أردنية رفيعة لـ«الشرق الأوسط»، خلال اليومين الماضيين، عن «رسالة واضحة للجماعة بضرورة فك الارتباط مع الحزب»، مؤكدة أن «أي تصعيد لا يهدد فقط بحل (جماعة الإخوان) وعدَّها محظورة، بل قد يطول مصير حزب (جبهة العمل الإسلامي)».

المصادر شددت كذلك على أن «(المرونة) التي تعاملت بها السلطات الأردنية مع الجماعة غير المرخَّصة كانت فرصة لتنظيم الصفوف، واختصار النشاط، عبر ذراعها السياسية (حزب جبهة العمل) المرخَّص والممثل في البرلمان المنعقد حالياً؛ لكنها أساءت التصرف ولم تقابل المرونة الرسمية بضرورة وضع حد لتصرفات بعض قياداتها وأعضائها».

من المرونة إلى الخصومة

خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي ظلت «جماعة الإخوان المسلمين» حليفاً للحكومات، وقد تدرج قياديون منها في مواقع رسمية متقدمة، تمكنوا عبرها من تعريض قواعدهم الشعبية، ونشر خطابهم في المجتمع الأردني، بعد احتكارهم خطاباً دينياً جاذباً لمجتمع محافظ تاريخياً.

تأسست «جماعة الإخوان المسلمين» في الأردن عام 1946، بصفتها جمعيّة دعوية تنشط في تقديم المساعدات من خلال جمع التبرعات. واستقطب نشاطها شباباً تأثروا بدعوات الجماعة ومسلكيات قياداتها في العمل العام.

وكان للمعلمين المنتسبين للجماعة في تلك الفترة الأثر على طلاب المدارس، وقد تم الدفع بهؤلاء الطلبة إلى الاعتصامات في مواجهة القوى السياسية المضادة لهم، وبالأخص الحزب الشيوعي وقتذاك وحزب البعث قبل انقسامه. ووقعت مواجهات بين تلك القوى في وسط العاصمة عمان ومراكز المدن الرئيسية في عدد من مناطق المملكة.

وزارتان في قبضة «الإخوان»

خلال حقبة السبعينات تطورت العلاقة بين الجماعة والحكومات على أرضية الشراكة والتحالف، وتحديداً خلال الحكومة الأخيرة لرئيس الوزراء الراحل وصفي التل، الذي عيّن القيادي الإسلامي البارز الدكتور إسحاق الفرحان وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للأوقاف في فترتين منفصلتين.

وأُسندت للفرحان مهمة تطوير مناهج التربية والتعليم، والذي كان قد أنهى دراساته العليا في هذا المجال من الخارج. ويُعتقد أن برنامج «الإخوان» الدعوي دخل ضمن الكتب المدرسية، خلال تلك الفترة.

لكن تعديل الفرحان للمناهج ليس وحده، فقد كان في الأثناء مبتعثون على حساب الحكومات الأردنية من الجماعة يتلقون دراساتهم المتقدمة في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد عودتهم تسلموا مواقع متقدمة في وزارة التربية والتعليم، كان من أبرزهم القيادي عبد اللطيف عربيات الذي ظل وكيلاً عاماً للوزارة نحو عقد من الزمان، وهذا الموقع ضمِنَ للرجل الثاني في الوزارة استكمال أخونة المناهج.

عبد اللطيف عربيات (بترا)
عبد اللطيف عربيات (بترا)

وبعد نجاح «الثورة الإيرانية» عام 1979، بدأ الإسلام السياسي في البلاد يستلهم من التجربة فرصة لصدارة المشهد السياسي محمولاً على أكتاف قواعده الموزعة على مناطق المملكة، وتحديداً مراكز المدن الرئيسية الثلاث عمّان، والزرقاء، وإربد.

هدف سهل

على خط موازٍ لوزارة التعليم، كانت وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية هدفاً سهلاً للحركة، وتمكنت من التسلل إلى منابر المساجد من خلال الأئمة، ومن هناك كانت المساجد عبارة عن مقار للعمل التنظيمي للجماعة في إطار دعوي قبل أن يتطور إلى عمل سياسي يستقطب مريديه عبر حلقات الذكر والدروس التي كانت الجماعة تنظمها بعد صلاة العشاء.

ثنائية الجماعة والحزب

بعد أحداث «هبة نيسان» من عام 1989 وإقالة الحكومة وقرار العودة للحياة الديمقراطية بعد عقود من الأحكام العرفية، ترشحت الجماعة في انتخابات مجلس النواب الحادي عشر (1989 - 1993) وشكلت كتلة وازنة في ذلك المجلس الذي حظي بثقة شعبية واسعة. مع ذلك المجلس انتهت حقبة الأحكام العرفية وبدء العمل على إقرار قوانين سياسية كان في مقدمتها قانون الأحزاب.

ذهبت الجماعة في ذلك المجلس إلى منح الثقة لأول مرة والمشاركة في حكومة رئيس الوزراء مضر بدران، وكان ذلك تحت شعار دعم الأردن للعراق في مواجهة عدوان قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

مضر بدران (بترا)
مضر بدران (بترا)

وكان لذلك المجلس أن منح رئاسته لثلاث دورات برلمانية إلى القيادي عبد اللطيف عربيات، بعد أن جرى الحديث عن تحالف الجماعة والحكومة من أجل ذلك الموقع المهم في المؤسسات الدستورية في البلاد.

حزب «جبهة العمل»

في عام 1992 تأسس حزب «جبهة العمل الإسلامي»، وأصبح الذراع السياسية لـ«جماعة الإخوان المسلمين» الدعوية. ومن هناك بدأ الحديث عن تبعية الحزب للجماعة، وليس فك الارتباط بين العمل الدعوي والعمل السياسي.

لكن الانقلاب في العلاقة بين الجماعة والحكومات بدأ منذ إعلان الحكومة التي تلت حكومة بدران برئاسة طاهر المصري قرارها المشاركة في «المؤتمر الدولي للسلام» الذي انعقدت أولى جلساته في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1992، وتوقيعهم مذكرة نيابية تدعو لطرح الثقة بحكومة المصري، قبل أن يستقيل المصري بإرادته.

جانب من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 (غيتي)
جانب من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 (غيتي)

بعد تلك الأزمة، أُجريت انتخابات مجلس النواب الثاني عشر (1993 - 1997)، وبدأ الحديث عن مستويات من الانقلاب على التحالفات ضمن مستوى الجماعة والحكومات، وكذلك انقسامات وانشقاقات على مستوى الحزب والجماعة نفسيهما.

وبعد إقرار قانون معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية عام 1994 بعد مقاطعة نواب حزب «جبهة العمل الإسلامي» جلسة التصويت، كان لعلاقة «الإخوان المسلمين» مع الدولة ومع منتسبيها كذلك شكل مختلف.

من التحالف إلى الصدام

بعد إقرار قانون معاهدة السلام، ابتعدت الجماعة الإسلامية وحزبها عن تحالفاتهم الرسمية، وبدأت الحركة بتوسيع قواعد رفضها للسلام مع إسرائيل والتطبيع الرسمي معها.

في تلك الفترة قاطعت الجماعة والحزب انتخابات مجلس النواب الثالث عشر الذي جرت عام 1997. ذلك القرار تبعته انشقاقات في صفوف الحركة وخروج قياديين منها احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. ليذهب بعض القياديين المنشقين إلى تأسيس حزب «الوسط الإسلامي» بقيادة عبد الرحيم العكور.

وقتها سيطر على العلاقة بين الجماعة والحكومة غياب الثقة، ودخلت الجماعة والحزب في حالة سكون خلال فترة مرض الراحل الملك الحسين، وتسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية.

أحد مقار حزب «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن (الموقع الرسمي للحزب)
أحد مقار حزب «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن (الموقع الرسمي للحزب)

قرر حزب «جبهة العمل» المشاركة في انتخابات مجلس النواب الرابع عشر عام 2003 بعد تعطيل الحياة البرلمانية لمدة عامين بسبب أحداث الانتفاضة الثانية. وفعلاً، فقد فاز 16 نائباً يمثلون كتلة «جبهة العمل الإسلامي».

مد وجزر

استمرت علاقات المد والجزر بين الحركة والمؤسسات الرسمية، وبعد الدعوة لانتخابات مجلس النواب الخامس عشر عام 2007 ومشاركة الجماعة والحزب بعد إبرام صفقات مع حكومة معروف البخيت، وهي الانتخابات التي شهدت تجاوزات خطيرة عبر تزوير النتائج؛ ما عدَّها الحزب انقلاباً على ما تم الاتفاق عليه بعد فوز 6 نواب فقط منهم في ذلك المجلس.

شهدت تلك الفترة أصعب الانقسامات داخل الحركة وتحرر تيار الصقور من سطوة تيار الحمائم، وانقلب على قيادات الجماعة والحزب عبر الانتخابات الداخلية وتم إقصاء قيادات تيار الحمائم التاريخية وتصدر المتشددون.

انتهت الأزمة بانشقاق قيادات سابقة اتهمت قيادات فاعلة باختطاف الجماعة والحزب من قِبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وسيطرتها على هوية الجماعة والحزب بعد السعي للانقلاب على أدبيات الحركة وثوابتها.

ونتج عند ذلك انشقاق القيادي البارز رحيل غرايبة الذي أسس «حزب المبادرة الوطنية» (زمزم)، والقيادي سالم الفلاحات الذي أسس «حزب الشراكة والإنقاذ».

كانت تلك الانشقاقات بدأت مع رياح الربيع الأردني خلال سنوات (2010 - 2013)، وبعد اتهام الجماعة الأردنية والحزب بالتبعية لجماعات إخوانية في الخارج، وعلى وجه التحديد في تركيا والقاهرة وغزة، خصوصاً بعد تسلم «الإخوان المسلمين» الحكم في مصر، انتهى مشروع إعادة بناء الثقة بين الجماعة والحكومات.

مظاهرات حاشدة في مصر عام 2013 ضد حكم الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مظاهرات حاشدة في مصر عام 2013 ضد حكم الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ساهم التيار الصقوري المتشدد الذي سيطر على قيادة الجماعة والحزب في البلاد، إلى استعداء المؤسسات الرسمية والأمنية في المملكة، وانقطعت شعرة الثقة بينهما. إلى أن قررت حكومة عبد الله النسور (2012 - 2016) قبول طلب تأسيس «جمعية الإخوان المسلمين» خلفاً لـ«جماعة الإخوان المسلمين» القائمة، وإلغاء ترخيص الجماعة الأم في العام 2015. ليبقى حزب «جبهة العمل الإسلامي» هو الواجه السياسية للتنظيم. لكن الجماعة غير المرخصة ظلت ناشطة، وذلك على مرأى ومسمع حكومات سابقة.