السعودية تحوّل قصورها ومقراتها التاريخية إلى فنادق راقية بمعايير عالمية

الرئيس التنفيذي لـ«بوتيك»: هناك فجوة في الضيافة الفاخرة نسدّها بتجارب ملكية

TT

السعودية تحوّل قصورها ومقراتها التاريخية إلى فنادق راقية بمعايير عالمية

القصر الأحمر في العاصمة الرياض (مجموعة بوتيك)
القصر الأحمر في العاصمة الرياض (مجموعة بوتيك)

على مر العقود، شكلت القصور التاريخية في السعودية مسرحاً لأحداث كبرى، واستضافت زعماء وقادة عالميين، مما جعلها جزءاً لا يتجزأ من الإرث السياسي والثقافي للمملكة.

ففي قصر الحمراء في جدة مثلاً، عُقدت محادثات مفصلية حول الغزو العراقي للكويت، حيث التقى الرئيس الأميركي جورج بوش وأمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح لمناقشة أزمة غيرت ملامح المنطقة.

وفي القصر ذاته، قبلها بسنوات، حظيت الأميرة البريطانية ديانا باستقبال يعكس مكانة السعودية في المشهد الدولي.

أما القصر الأحمر في الرياض، فشهد قرار وقف تصدير النفط عام 1956، وكان مجلساً للوزراء في عهد الملك فيصل والملك خالد وسنوات من عهد الملك فهد.

اليوم، تستعيد هذه القصور مجدها، ليس فقط بوصفها رموزاً تاريخية، بل كونها وجهات ضيافة فاخرة تقدم تجربة ملكية أصيلة من خلال مجموعة «بوتيك»، المملوكة لـ«صندوق الاستثمارات العامة».

ويشهد قطاع الضيافة العالمي تحولات كبيرة، فلم يعد المسافرون يبحثون فقط عن الإقامة الفاخرة، بل عن تجارب متكاملة تمزج بين الفخامة والثقافة، بحسب ما ذكره الرئيس التنفيذي لمجموعة «بوتيك» كريستوف ماريس لـ«الشرق الأوسط».

القصور التاريخية تتحول إلى فنادق فاخرة

شارك ماريس رؤيته حول مستقبل الضيافة في السعودية، والتحديات التي تواجه القطاع، والفرص الاستثمارية المتاحة. وأكد أن «بوتيك» تقدم تجارب غير مسبوقة من خلال تحويل القصور التاريخية إلى فنادق فاخرة، مما يمنح الزوار فرصة العيش في أماكن ذات طابع ملكي أصيل.

وتعمل «بوتيك» حالياً على تطوير ثلاثة قصور تاريخية:

*القصر الأحمر في الرياض هو أول قصر خرساني في العاصمة، وشكّل معلماً تاريخياً استضاف على مدار عقود شخصيات بارزة من مختلف أنحاء العالم، وكان شاهداً على لقاءات ملوك ورؤساء الدول والحكومات. من أبرز زواره في ذلك الوقت، الرئيسان المصريان جمال عبد الناصر وأنور السادات، وملك الأردن طلال بن عبد الله، والرئيس السوري شكري القوتلي، وثاني رئيس للبنان بعد الاستقلال كميل شمعون، ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو.

  • صورة تجمع الملك سعود بن عبد العزيز ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو في القصر الأحمر في الرياض (مؤلف كتاب القصر الأحمر)

    *لاحقاً، أصبح القصر مقراً لمجلس الوزراء لأكثر من ثلاثة عقود حتى 1988، قبل أن يتحول إلى ديوان المظالم حتى عام 1997، وفق ما أكده المؤلف عبد الله بن ناصر اليامي في كتابه «القصر الأحمر».

  • وقال اليامي في حوار مع «الشرق الأوسط» إن القصر بني عام 1942 بأمر من الملك عبد العزيز لابنه الملك سعود حين كان ولياً للعهد آنذاك، وذلك بعد احتراق قصره. ويقع القصر على مساحة 38139 متراً مربعاً، ويمتاز بتصميم معماري فريد يضم مصاعد كهربائية وسلالم تصل إلى بقية الأدوار، فضلاً عن أعمال الديكور الداخلي والنقوش الخارجية المتميزة. وتحيط به شرفات تمتد في جميع أجزائه، تطل على حدائق غنّاء موزعة بين مقدمة القصر وباحته الخلفية، مما يضفي عليه طابعاً فخماً يجمع بين العراقة والجمال.

القصر الأحمر في العاصمة الرياض (مجموعة بوتيك)

  • قصر طويق في الرياض: جوهرة معمارية في حي السفارات، بتصميمه المتناغم مع الطبيعة، وقد حاز على جائزة آغا خان العالمية للعمارة. ويحتل القصر موقعاً متميزاً على هضبة صخرية في الطرف الشمالي الغربي لحي السفارات، ممتداً على مساحة 77 ألف متر مربع، ويطل على وادي حنيفة، حيث يحيط به فرعان صغيران من الوادي. ويتميز موقعه بالطبيعة الصحراوية، بينما تزخر حديقته الداخلية بالأشجار الكثيفة التي تضفي عليه لمسة من الخضرة والحيوية.

قصر طويق في حي السفارات (مجموعة بوتيك)

  • قصر الحمراء في جدة: مطل على الكورنيش، وكان مقراً لاستضافة الشخصيات العالمية منذ عام 1971 من ضمنها الأميرة ديانا. ويتميز بتصميمه الإسلامي التقليدي.

قصر الحمراء في جدة (مجموعة بوتيك)

الثقافة جوهر التجربة السياحية

يرى الرئيس التنفيذي لمجموعة «بوتيك» كريستوف ماريس أن الثقافة السعودية ليست مجرد عنصر جانبي، بل هي جوهر الضيافة. وقال: «المملكة تشهد انفتاحاً مذهلاً، مما يزيد من اهتمام المسافرين باكتشافها. وتستغل (بوتيك) هذه الفرصة لتقديم ضيافة راقية تعكس أصالة التراث السعودي».

وفيما يخص تطوير الكوادر الوطنية، قال: «أبناء وبنات المملكة هم أفضل سفراء لضيافتها... ومن واجبنا تمكينهم ليكونوا قادة الضيافة في المستقبل ونعمل على ذلك من خلال التدريب والشراكات العالمية. وهذه أولوية ليس فقط لمجموعة (بوتيك)، بل للقطاع بأكمله، إذ إن تنمية الكفاءات المحلية ستترك أثراً إيجابياً كبيراً على مستقبل السياحة في المملكة».

تطور توقعات المسافرين

بحسب ماريس، فإن قطاع الضيافة يتغير بسرعة، ولم يعد كافياً تقديم غرف فندقية فاخرة فقط. فقد «سئم المسافرون اليوم من الوجهات التقليدية... ويبحثون عن شيء جديد كلياً». وبالنسبة لهم، تمثل السعودية حدوداً جديدة، وأرضاً غنية بالثقافة والتراث وتحمل شيئاً من الغموض لمن لم تتح لهم فرصة زيارتها من قبل.

ويضيف هنا أن المسافرين يبحثون عن نافذة حقيقية على الثقافة السعودية، فهم يريدون اكتشاف هذا البلد الواسع من خلال تجارب ضيافة شاملة. وهذا يعني أن الإقامة، والأنشطة، والطعام، والأشخاص الذين يلتقون بهم يجب أن يعكسوا الهوية الحقيقية للمملكة.

وشرح «أن النموذج التقليدي الموحد الذي تتبعه السلاسل الدولية لم يعد يجذب المسافرين المعاصرين. إذ يجب على هذه العلامات التجارية التفكير في كيفية تقديم تجارب فريدة تتناسب مع مواقعها الخاصة. وفي الوقت ذاته، يجب على المشغّلين المحليين الذين يقدمون عروضاً فريدة بالفعل أن يضمنوا توافقها مع المعايير العالمية المتوقعة. ومن لا يتكيف مع هذا التوجه سيجد نفسه متأخراً عن الركب... لذلك جاءت (بوتيك) لتلبي تحديات هذا المشهد من خلال تقديم تجارب تعكس التراث والثقافة السعودية».

سد الفجوات وخلق فرص جديدة

يشير ماريس إلى فجوة في قطاع الضيافة الفاخرة، إذ لم يتم استغلال التراث المعماري والثقافي بالكامل بعد. ويضيف: «قصورنا ليست في أماكن بعيدة، بل في قلب المدن الرئيسية، مما يجعلها نقطة انطلاق لاكتشاف الثقافة السعودية بأسلوب راقٍ. ومن خلال الطهي الفاخر والتجارب الأخرى، نعيد تعريف الضيافة في المملكة».

طفرة سياحية

وتشهد السعودية ازدهاراً في قطاع الضيافة بفضل الاستثمارات الضخمة. ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات في السياحة والسفر بحلول 2030 إلى 6 تريليونات دولار، مع إضافة 320 ألف غرفة فندقية جديدة، وذلك بهدف المساهمة في 10 في المائة من الناتج المحلي بحلول نهاية العقد الحالي، بحسب ماريس. وقال: «بفضل هذا النمو، نشهد توسعاً غير مسبوق في عدد الرحلات الجوية المباشرة إلى الرياض من عدة أسواق رئيسية مثل آسيا وأوروبا وأفريقيا، مما يجعل المملكة أكثر سهولة للوصول من قبل المسافرين الدوليين، ويساهم في تحول قطاع السياحة».

رسالة إلى المستثمرين

يؤكد ماريس أن السعودية أصبحت وجهة جذابة للاستثمارات الفاخرة، قائلاً: «القطاع في مرحلة نمو متسارع، وهناك فرص غير مستغلة كبيرة للمستثمرين المحليين والدوليين».

ويختتم حديثه بالتأكيد على أن «السعودية تتغير بسرعة غير مسبوقة، ومع انفتاحها على العالم، سيكون قطاع الضيافة في طليعة هذا التحول... هذه لحظة تاريخية للاستثمار في واحدة من أكثر الوجهات السياحية الواعدة عالمياً».


مقالات ذات صلة

«سبيس إكس» تطرح أسهماً داخلية بتقييم تاريخي يقترب من 800 مليار دولار

الاقتصاد إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركات «سبيس إكس» و«تويتر» وصانع السيارات الكهربائية «تسلا» (أ.ف.ب)

«سبيس إكس» تطرح أسهماً داخلية بتقييم تاريخي يقترب من 800 مليار دولار

تستعد شركة «سبيس إكس»، عملاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية المملوكة لإيلون ماسك، لإجراء صفقة داخلية لبيع حصص من أسهمها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد إعلان شركة «نتفليكس» إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على «وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجلس، نيويورك )
الاقتصاد علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس» أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
الاقتصاد انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ، مومباي )
الاقتصاد رسم بياني لمؤشر أسعار الأسهم الألماني داكس في بورصة فرانكفورت (رويترز)

استقرار الأسهم الأوروبية بعد 3 أيام من المكاسب

استقرت الأسهم الأوروبية يوم الجمعة بعد ثلاث جلسات متتالية من المكاسب، ما وضع المؤشرات على مسار تحقيق ارتفاع أسبوعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.