تحتفل الجزائر، الأربعاء، بمرور 63 سنة على بدء تنفيذ «اتفاقيات إيفيان» (منطقة في فرنسا قرب الحدود السويسرية)، التي أنهت 132 عاماً من الاحتلال، في وقت تمر فيه العلاقات مع مستعمر الأمس بامتحان غاية في التعقيد، أثبت صعوبة بالغة في تجاوز آلام الماضي، وكان سبباً في فشل محاولات بناء روابط طبيعية طوال الستين سنة الماضية.

جرت مراسيم التوقيع في 18 مارس (آذار) 1962 بين ممثلين عن الحكومة المؤقتة الجزائرية والحكومة الفرنسية، وأُعلن عن وقف إطلاق النار في اليوم التالي (19 مارس) الذي يُسمى في التداول الرسمي في الجزائر «عيد النصر». جاء الاتفاق بعد حرب ضروس بين «جيش التحرير الوطني» والجيش الاستعماري، دامت أكثر من 7 سنوات (1954-1962)، أسفرت عن مليون ونصف مليون شهيد جزائري، وآلاف القتلى بين المدنيين والعسكريين من الجانب الفرنسي. كما خلفت الحرب جرحاً عميقاً اتضح مع الوقت استحالة التئامه، ما يثبت خطورة التوترات الحالية بين البلدين.

تتضمن أبرز بنود الاتفاقات، إضافة إلى وقف إطلاق النار، تنظيم المرحلة الانتقالية لنقل السيادة من فرنسا إلى الجزائر، وتحديد العلاقات المستقبلية بين البلدين. ومن أهم النقاط أيضاً أنها وضعت شروطاً لنقل السلطة إلى الحكومة الجزائرية بعد الاستقلال، كما تناولت إجراء استفتاء شعبي في الجزائر لتأكيد استقلالها الكامل، الذي تم تنظيمه في 1 يوليو (تموز) 1962، وأُعلنت نتائجه في الخامس من الشهر نفسه، حيث اختار الجزائريون بنسبة تفوق 99 في المائة الانفصال عن فرنسا»، في مقابل خيار البقاء جزءاً منها.

ومن النقاط المهمة في الاتفاقات أيضاً «حرية التنقل بين الجزائر وفرنسا»، وهو البند الذي أصبح اليوم إحدى أبرز حلقات الأزمة بين البلدين، ويعد من أكثر الأزمات خطورة في علاقاتهما، التي لم تكن قط عادية.
اندلع التوتر بين فرنسا والجزائر بشكل أكثر حدة بعد احتجاج الجزائر على انحياز فرنسا للطرح المغربي لحل مشكلة الصحراء في الصيف الماضي، وتبع ذلك مشكلات ثنائية أخرى، كانت تنتظر شرارة لتنفجر منها على وجه الخصوص الهجرة الاعتيادية، في إطار ما يعرف بـ«اتفاق 1968»، الذي يطالب بعض الفرنسيين بمراجعته على أساس أنه «تفضيلي للجزائريين مقارنة ببقية الجنسيات الأخرى»، والهجرة غير النظامية، حيث تطالب فرنسا الجزائر بتسليم رعاياها الموجودين فوق أراضيها بشكل غير قانوني. كما امتدت المشكلات إلى «اتفاق 2007»، الذي يعفي فئة من «المحظوظين» من الوجهاء والمسؤولين من طلب تأشيرة الدخول إلى فرنسا، والعكس صحيح بالنسبة للجانب المقابل.

وقد خلا خطاب مكتوب للرئيس عبد المجيد تبون بالمناسبة من أي إشارة إلى هذه الأزمة، وركز على «الإنجازات» في قطاعات الاقتصاد، التي انعكست إيجاباً، حسب قوله، على المعيشة.
وأكد تبون في خطابه، الذي نشرته الرئاسة، الثلاثاء، أن السياسة التي ينتهجها «مستقطبة للاستثمارات والثروة»، مشيداً بـ«البنى التحتية الداعمة لحركية التنمية»، و«بما تحقق للشباب من إنجازات ونجاحات، من خلال التجارب الرائدة في مجال الاستثمار، ضمن استراتيجية قائمة على تثمين المقدرات الوطنية، وتسخيرها للتنمية المستدامة وللترقية الاجتماعية المستمرة، لضمان عيش كريم لجميع المواطنين». كما أكد أن الدولة «تواصل حشد الطاقات لتأمين المصالح الوطنية العليا للبلاد، وتقوية الجبهة الداخلية بوعي وطني هو مدعاة لفخر الجزائريين».
وبحسب الرئيس، فقد «ورث الجزائريون مجداً حافظوا عليه، وهم اليوم يبنون بلدهم بنفس الروح والعزيمة وبذات المبادئ والقيم، لا يساومون بها ولا يتاجرون على حسابه، تحركهم إرادة البناء والإعمار وإرساء أسس الدولة الحديثة». كما تحدث عن «إرادة سياسية مستشرفة (يتم اتباعها من طرفه)، يقظة تجاه تعقيدات الأوضاع في المنطقة وتداعياتها المحتملة، وساهرة في الظروف الراهنة على مواكبة التحولات، التي تشهدها العلاقات الدولية، بما تقتضيه مكانة الجزائر ودورها وثقلها الجيوستراتيجي، وينسجم مع مثل ومبادئ ثورة التحرير العظيمة».