تساؤلات حول نشر قوة سلام في حال إبرام هدنة بأوكرانيا

موسكو ترفض ودول أوروبية مترددة و«قواعد اشتباك» غير معروفة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حضوره اجتماعاً مع قادة أركان جيوش الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في باريس في 11 مارس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حضوره اجتماعاً مع قادة أركان جيوش الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في باريس في 11 مارس (أ.ف.ب)
TT
20

تساؤلات حول نشر قوة سلام في حال إبرام هدنة بأوكرانيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حضوره اجتماعاً مع قادة أركان جيوش الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في باريس في 11 مارس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حضوره اجتماعاً مع قادة أركان جيوش الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في باريس في 11 مارس (أ.ف.ب)

تتقاسم باريس ولندن الدور الريادي لجهة الدفع باتجاه تشكيل قوة مشتركة يمكن أن تنضم إليها دول أخرى مثل كندا وأستراليا للإشراف على هدنة محتملة في الحرب بين روسيا وأوكرانيا أو لضمان اتفاق سلام قد يتوصل إليه الطرفان.

وتعمل العاصمتان الأوروبيتان بالتناوب؛ فبعد أسبوع شهد اجتماعاً موسعاً لقادة أركان 37 بلداً أوروبياً وغير أوروبي (ضم كندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا وضباطاً من الحلف الأطلسي)، في باريس بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون، ها هو اجتماع مماثل سيُعقد في لندن، الخميس المقبل، بدعوة من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وكان الأخير قد أدار، السبت الماضي، «قمة» عن بُعد لقادة أوروبيين وغير أوروبيين مقتدياً بما فعله ماكرون يوم 17 فبراير (شباط) الماضي. وبعيداً عن التسابق بين لندن وباريس، فإن الطرفين يعملان يداً بيد من أجل ولادة القوة المشتركة؛ فماكرون حث قادة الأركان الذين حضروا إلى باريس في 11 من الشهر الحالي للانتقال إلى «المرحلة العملية» لتشكيل القوة المذكورة. والسبت الماضي، قال ستارمر، في معرض تقديمه لخلاصات «القمة» غير الرسمية، إن اجتماع الخميس المقبل سيكون لـ«مناقشة المرحلة العملانية»؛ أي تشكيل القوة الموعودة وتعيين الدول التي ستوفر وحدات من جنودها وعديدها، ولكن قبل ذلك تحديد مهماتها غير الواضحة حتى اليوم. وأشار ناطق باسم ستارمر إلى أن «قدرات المساهمين في قوة «تحالف الراغبين» سوف «تتباين، ولكن القوة ستكون كبيرة مع وجود عدد كبير من الدول الراغبة في المشاركة».

حتى اليوم، هناك أمر محسوم وقوامه أن العمود الفقري لهذه القوة سيتشكل من البريطانيين والفرنسيين. وسبق للجانب البريطاني أن أشار إلى قوة من 20 إلى 30 ألف رجل. وتضمنت تصريحات ماكرون لمجموعة من الصحف الصادرة في الأقاليم الفرنسية ونُشرت، السبت، بعض التفاصيل، ومنها أن القوة المشتركة لن تُنشر على خط وقف إطلاق النار، بل في عدد من «النقاط الرئيسية» الحساسة على الأراضي الأوكرانية. وترى مصادر معنية في باريس أن الغرض هو «تجنُّب الاحتكاك» مع القوات الروسية، وأنه في حال التوصل إلى اتفاق سلام، فإن مهمة القوة، بحسب الرئيس الفرنسي، ستكون «توفير الضمانات الأمنية» التي تطالب بها أوكرانيا حتى لا تتعرض أراضيها لاحقاً لاستهداف روسي.

صورة نشرها الجيش الأوكراني الاثنين تظهر بعض جنوده يطلقون قذيفة «هاون» باتجاه مواقع روسية في موقع غير مُعلن في دونيتسك (أ.ف.ب)
صورة نشرها الجيش الأوكراني الاثنين تظهر بعض جنوده يطلقون قذيفة «هاون» باتجاه مواقع روسية في موقع غير مُعلن في دونيتسك (أ.ف.ب)

عقبات ومحاذير

رغم ما تؤكده لندن وباريس من أن «دولاً كثيرة» منها غير أوروبية مثل كندا واليابان وتركيا، مستعدة للمشاركة في «تحالف الراغبين» ميدانيا، فإن دولاً أوروبية رئيسية كألمانيا وبولندا وإيطاليا غير متحمسة لإرسال جنودها إلى أوكرانيا ولو من أجل مهمات غير قتالية. ووفق تصريحات ماكرون المشار إليها، فإن مهمة القوة الموعودة يمكن أن تشمل عمليات تدريب القوات الأوكرانية، ودعم دفاعات البلاد وغيرها من المهام المتصلة.

بيد أن هناك عقبات يصعب تخطيها من شأنها أن تحول دون نشر هذه القوة على الأراضي الأوكرانية. وأولى العقبات الرفض الروسي الجذري لها والذي عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف أكثر من مرة وتناوله، الأحد، ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي المعروف بتصريحاته النارية. ووصف الأخير ما يقوم به ماكرون وستارمر بأنهما «يلعبان لعبة غبية». وإذ ذكر أن موسكو حذرت مراراً من أن «قوات حفظ السلام يجب أن تكون من دول لا تنتمي إلى الحلف الأطلسي» توجه مباشرة إلى ماكرون وستارمر قائلاً: «أنتما تريدان تقديم المساعدة العسكرية للنازيين الجدد في كييف. هذا يعني الحرب مع الأطلسي. استشيرا ترمب، أيها الوغدان». بيد أن الرئيس الفرنسي قلل من أهمية ما تقوله موسكو؛ إذ أكد، في المقابلة نفسها، أن موافقة موسكو على نشر هذه القوة ليست ضرورية، وأن أوكرانيا «دولة ذات سيادة، وإذا طلبت أن تكون قوات الحلفاء على أراضيها فالأمر ليس متروكاً لروسيا لقبوله أو عدم قبوله».

ليس معروفاً ما إذا كانت دول «تحالف الراغبين» تتبنى كلها الموقف الفرنسي خصوصاً أن العديد منها، بما فيها بريطانيا، يربط مشاركته بـ«توافر الضمانات» الأميركية لدعم ومساندة القوة المشتركة. والحال أن الطرف الأميركي، بلسان الجنرال كيث كيلوغ الذي ثبَّته الرئيس ترمب، نهاية الأسبوع، «مبعوثاً خاصاً» إلى أوكرانيا، أكد مسبقاً ومراراً بمناسبة «مؤتمر الأمن» في ميونيخ، الشهر الماضي، أن واشنطن «لن توفر ضمانات أمنية» من جهة ومن جهة أخرى، أن القوة الأوروبية «لن تكون تحت الراية الأطلسية»، بل تقع مسؤوليتها على الدولة التي ترسلها. ووفق مصدر أوروبي في باريس، فإن المحادثات الأميركية ــ الروسية قائمة؛ وبالتالي فإن مصير القوة المشتركة مرهون، إلى حد كبير، بما يمكن أن تفضي إليه هذه التفاهمات. والمستبعد أن تصر لندن وباريس على إرسال قوة عسكرية إلى أوكرانيا «من دون ضوء أخضر من واشنطن». وفي أي حال، فإن أطرافاً أوروبية، كألمانيا، ترى أن البحث في إرسال قوة إلى أوكرانيا «مبكر» وبالتالي يتعين ترقب المسار الذي ستسلكه الاتصالات القائمة والتي يلعب الأميركيون فيها الدور المركزي.

قواعد الاشتباك

ثمة أسئلة رئيسية تُطرح منذ اليوم، وتفتقر لإجابات واضحة، أولها يتناول ما يسمى «قواعد الاشتباك» التي تعني طبيعة تصرف القوة الموعودة في حال تعرُّض مواقعها أو مواقع أوكرانية لهجمات روسية. والسؤال هو: هل تكتفي بتسجيل الانتهاكات الروسية أم أنها مخولة بالرد عليها؟ وفي حال الرد والرد المضاد، ألن يفضي ذلك إلى اشتباكات واسعة وحتى إلى مواجهة مباشرة بين ثاني أكبر قوة نووية في العالم ومع قوة مشتركة عمادها قوتان نوويتان أوروبيتان (فرنسا وبريطانيا)؟ وفي أي حال، يتعين تذكُّر أن ترمب أخذ على الرئيس زيلينسكي في الاجتماع الشهير في المكتب البيضاوي أن ما يطلبه من ضمانات أمنية يمكن أن يفضي إلى حرب نووية، في إشارة إلى سيناريو مواجهة أميركية ــ روسية.

حتى اليوم، لم تشر أية جهة مسؤولة إلى المدة الزمنية التي سيستغرقها نشر القوة المشتركة، ولا إلى كيفية تنظيمها وتمويلها وسلسلة القيادة التي ستتولى إدارتها. وإذا كان التصور المتعارف عليه أنها ستنتشر في «نقاط رئيسية»، فليس من المعروف طبيعة هذه النقاط: أهي العاصمة والمدن الكبرى أم المواقع الحساسة مثل المراكز الصناعية أو الدفاعية الاستراتيجية؟

الواضح حتى اليوم أنه «لا توجد خريطة طريق» واضحة لما ينوي «تحالف الراغبين» القيام به، ولا ترجمة مفصلة للأهداف المرتقبة، ولا لكيفية تحقيقها، ومن ثم فإن ما يدعو إليه ماكرون وستارمر للانخراط في «المرحلة العملانية» الذي يعني الدخول في تفاصيل المهمة يبدو أمراً ملحاً. والصعوبة أن الاتفاق على العناوين دائماً ما يكون أكثر سهولة من الاتفاق على الجزئيات التي منها تنبت الصعوبات.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: روسيا لا تريد السلام وتضع شروطاً غير ضرورية

أوروبا صورة ملتقطة في 15 فبراير 2025 في ميونيخ بألمانيا تظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مؤتمر صحافي على هامش مؤتمر ميونيخ الأمني ​​(د.ب.أ)

زيلينسكي: روسيا لا تريد السلام وتضع شروطاً غير ضرورية

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الاثنين)، روسيا بأنها لا تريد السلام، وقال إنها تضع شروطاً غير ضرورية لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا امرأة من منطقة غونتشاروفكا على مشارف سودجا (يمين) تتفاعل خلال لقاء قريبة لها في نقطة إغاثة تابعة لوزارة الطوارئ الروسية غرب كورسك الاثنين (أ.ف.ب)

كيف انهار الجيب الأوكراني في كورسك الروسية؟

انسحبت القوات الأوكرانية على نحو شبه كامل من منطقة كورسك الروسية، لتنهي بذلك هجوماً فاجأ الكرملين الصيف الماضي بسرعته وجسارته.

الولايات المتحدة​ الرئيس ترمب وبوتين سيعقدان محادثة هاتفية الثلاثاء لمناقشة الحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)

 ترمب وبوتين يناقشان «تبادل أراضٍ» لإنهاء حرب أوكرانيا

من المقرر أن يجري الرئيس الأميركي دونالد ترمب، محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء، تتطرق إلى سبل إنهاء حرب أوكرانيا.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع افتراضي مع زعماء دوليين بشأن دعم أوكرانيا في لندن 15 مارس 2025 (إ.ب.أ)

استعداد «عدد كبير» من الدول لإرسال جنود لضمان وقف النار في أوكرانيا

أعلنت الحكومة البريطانية، الاثنين، أن «عدداً كبيراً» من البلدان أعرب عن استعداده لإرسال قوّات بغية ضمان وقف محتمل لإطلاق النار في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ ترمب متحدثاً للصحافيين على متن طائرة الرئاسة خلال رحلة متأخرة عائداً إلى واشنطن من فلوريدا (رويترز) play-circle

ترمب يتحدث إلى بوتين الثلاثاء... ويلمِّح إلى «تقاسم» أراضٍ مع أوكرانيا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يعتزم التحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين غداً (الثلاثاء) ومناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ميرتس: زيادة الإنفاق الدفاعي ضروري لمواجهة «حرب» بوتين «ضد أوروبا»

المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس (د.ب.أ)
المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس (د.ب.أ)
TT
20

ميرتس: زيادة الإنفاق الدفاعي ضروري لمواجهة «حرب» بوتين «ضد أوروبا»

المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس (د.ب.أ)
المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس (د.ب.أ)

أكد المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس، الثلاثاء، أن مقترحه لزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير ضروري نظراً لـ«الحرب العدوانية» التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «ضد أوروبا».

وقال ميرتس للبرلمان الألماني قبيل التصويت على الخطة التي تشمل أيضاً تمويلاً ضخماً للبنى التحتية: «إنها حرب ضد أوروبا وليست مجرّد حرب ضد سلامة الأراضي الأوكرانية»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي سياق متصل، دعت كييف، الثلاثاء، موسكو للموافقة بشكل «غير مشروط» على المقترح الأميركي بهدنة مدتها 30 يوماً في أوكرانيا، قبيل اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وقال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا: «حان الوقت لتظهر روسيا ما إذا كانت تريد السلام فعلاً. أوكرانيا دعمت المقترح الأميركي لوقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 30 يوماً. نتوقع من الجانب الروسي أن يوافق بشكل غير مشروط على هذا المقترح».

وكانت كييف قد وافقت على الشروط التي حددتها واشنطن لوقف إطلاق نار كامل مع موسكو يستمر 30 يوماً، عقب المحادثات التي جرت برعاية سعودية في مدينة جدة، الثلاثاء الماضي، لكن منذ موافقة كييف على الشروط، اشتعل القتال على امتداد خطوط المواجهة في شرق أوكرانيا، وفي منطقة كورسك الغربية الروسية.