مصر تعزز «استيعابها للاجئين» في مشروع قانون العمل

الحكومة ترفض تقييد نسبة الاستعانة بالأجانب

وزير الشؤون النيابية والقانونية يراجع مسودة مشروع قانون العمل وإلى جواره وزير العمل (مجلس الوزراء المصري)
وزير الشؤون النيابية والقانونية يراجع مسودة مشروع قانون العمل وإلى جواره وزير العمل (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تعزز «استيعابها للاجئين» في مشروع قانون العمل

وزير الشؤون النيابية والقانونية يراجع مسودة مشروع قانون العمل وإلى جواره وزير العمل (مجلس الوزراء المصري)
وزير الشؤون النيابية والقانونية يراجع مسودة مشروع قانون العمل وإلى جواره وزير العمل (مجلس الوزراء المصري)

عززت الحكومة المصرية من توجهها لـ«استيعاب اللاجئين»، وذلك ضمن مشروع قانون العمل الجديد، الذي تجري مناقشته داخل مجلس النواب (البرلمان)، حين رفضت تقييد نسبة عمل الأجانب داخل المؤسسات المختلفة.

ويجري مجلس النواب المصري، منذ نهاية الشهر الماضي، مناقشة مشروع قانون العمل الجديد تفصيلياً، بعد الموافقة عليه من حيث المبدأ، تمهيداً لإقراره بشكل نهائي.

وخلال جلسة الأحد، اقترح رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي، إيهاب منصور، وضع حد أقصى لعمل الأجانب داخل المنشأة، بما لا يزيد عن 10 في المائة، معرباً عن قلقه من «زيادة البطالة في المجتمع المصري بسبب الأجانب»، وهو ما رفضه ممثل الحكومة الوزير محمود فوزي، قائلاً: «لا نريد إيصال رسالة سلبية للمجتمع الدولي، لا سيما أن مصر دولة ترحب بالجميع».

وأرجع منصور مقترحه إلى استقبال مصر ملايين اللاجئين والمهاجرين جراء التوترات الإقليمية والسياسية في دول الجوار، معرباً عن تخوفه من «إقبال رعايا تلك الدول على العمل في السوق المصرية مقابل أجر أقل من الحد الأدنى للأجور، ما يؤدي بدوره إلى بطالة في سوق العمل المصرية».

وتواجه مصر تدفقات مستمرة من مهاجرين اضطروا إلى ترك بلادهم؛ بسبب الصراعات، خصوصاً من دول الجوار العربي والأفريقي، منها سوريا، واليمن، والسودان وفلسطين. وتقدّر بيانات مصرية رسمية أعداد الأجانب الموجودين في البلاد بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7 في المائة من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة.

في وقت تسجل مصر معدل بطالة 6.4 في المائة، وفق آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء خلال الربع الأخير من عام 2024.

سائق سوادني يعمل على ميكروباص في القاهرة (الشرق الأوسط)

ونظم مشروع «قانون العمل» الجديد عمل الأجانب في فصل خاص؛ نص على أن يخضع لأحكامه الأجانب العاملون في «عمل تابع أو حر أو لحساب النفس أو العمل في أي مهنة أو صنعة أو حرفة بما في ذلك العمل في الخدمة المنزلية».

ووفق المادة «70» من المشروع يُحدد الوزير المختص النسبة القصوى لتشغيل الأجانب في المنشآت والجهات، وحالات الاستثناء من تلك النسبة، والمهن والحروف التي يحظر على الأجانب الاشتغال بها، كما يجوز للوزير المختص إعفاء الأجانب من شرط المعاملة بالمثل.

وقال وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المصري، المستشار محمود فوزي، خلال الجلسة: «لا نريد إيصال رسالة سلبية للمجتمع الدولي، لا سيما وأن مصر دولة ترحب بالجميع».

وعدَّ المستشار فوزي فرض قيود إضافية على المادة 70 بتحديد نسبة ثابتة، قد يكون «غير مجدٍ»، كما أنه «قد يبعث برسالة سلبية». وأضاف: «الدولة المصرية ترحب بالجميع، وسبق أن أصدرت قانوناً لتنظيم لجوء الأجانب، مما يعكس قدرتها على إدارة وتنظيم العمالة الأجنبية بكفاءة».

وأصدرت مصر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قانوناً ينظم أوضاع اللاجئين، نص على «إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين»، لا سيما للفصل في طلبات اللجوء، وتقديم الدعم والخدمات والرعاية لهم، والتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وأثار ازدياد أعداد الأجانب في مصر انتقادات لإعلاميين ونشطاء، عبروا عن شكواهم من ازدياد الأعباء على المواطنين المصريين، خصوصاً ما يتعلق بزيادة إيجارات الشقق، والضغط على المواصلات، وغيرها من الخدمات العامة.

وتقول مصر إنها تتحمل نحو 10 مليارات دولار سنوياً، جراء تكلفة استيعاب الوافدين، وفق تقديرات رسمية. وشكا وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في يناير (كانون الثاني) الماضي، من «تواضع الدعم الدولي للاجئين والوافدين الذين تتزايد أعباؤهم على مصر».

ويرى المنسق العام لـ«دار الخدمات النقابية والعمالية»، كمال عباس، أن دعم الوافدين لا يجب أن يأتي على حساب العامل المصري وسوق العمل، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «المستثمرين الأجانب، خصوصاً من تركيا والهند، يفضلون تعيين رؤساء الأقسام والملاحظين من بلدانهم، ما يؤثر على فرص المصريين في هذه المنشآت في الترقي».

وأضاف: «مع وجود أعداد كبيرة من اللاجئين في مصر حالياً، يفضل أصحاب الأعمال المختلفة تشغيلهم بدلاً من المصريين، وهو أمر منتشر نلاحظه بكثرة خصوصاً في المحال التجارية»، متسائلاً: «ما الضرر من تحديد النسبة بالقانون لحماية سوق العمل المصرية مثلما نحمي بضائعنا بفرض الجمارك على البضائع المستوردة؟».

لكن في المقابل، يرى خبير السكان ودراسات الهجرة، الدكتور أيمن زهري، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن مشروع قانون العمل بشكله الحالي «يضفي مرونة على عمل الأجانب، حيث يحدد الوزير حجم مشاركتهم بقرارات طبقاً للحاجة».

وتطلق مصر لقب «الضيوف» على الوافدين، وتركز التصريحات الرسمية على معاملتهم معاملة المصريين، حيث تترك لهم حرية الحركة والعمل والاندماج بشكل طبيعي داخل المجتمع، «ولا تضعهم في معسكرات لجوء».

وثمَّن مدير عام مؤسسة «سوريا الغد» والناشط السوري في مصر، ملهم الخن، التوجه المصري في دعم اللاجئين، الذي ظهر خلال السنوات الماضية في «غض الطرف» عنهم، وتركهم يعملون في مختلف المجالات «مثلهم مثل المصريين»، والآن تُنظم شؤونهم تحت مظلة القانون، سواء في «قانون اللجوء» أو مؤخراً «قانون العمل».


مقالات ذات صلة

مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

شمال افريقيا وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)

مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

سادت حالة من الارتياح في مصر، الأربعاء، بعد إحالة أوراق المتهم في «واقعة تحرش مدرسة الإسكندرية» إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه.

أحمد جمال (القاهرة )
شمال افريقيا مصريون أمام أحد المراكز الاقتراع في الانتخابات البرلمانية (حزب حماة الوطن)

مخاوف من «تجاوزات» في انتخابات الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

تجدّدت المخاوف من حدوث «تجاوزات» انتخابية في مصر، مع انطلاق التصويت في انتخابات الإعادة داخل 30 دائرة سبق أن أُلغيت نتائجها بقرار من المحكمة الإدارية العليا.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيرة التركي في القاهرة فبراير 2024 (الرئاسة المصرية)

التعاون الدفاعي المصري - التركي «يربك موازين القوى الإقليمية»

حذر إعلام عبري من «التعاون العسكري بين مصر وتركيا في مجال تصنيع الطائرة الشبحية KAAN»، مما يهدد «التفوق الجوي الإسرائيلي مستقبلاً».

هشام المياني (القاهرة )
شمال افريقيا القائد العام للقوات المسلحة المصرية يلتقي عدداً من قوات حرس الحدود (المتحدث العسكري المصري)

وزير الدفاع المصري يطالب الجيش بـ«الاستعداد الدائم» لمواجهة «التحديات المحتملة»

طالب القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، قوات الجيش بـ«الاستعداد الدائم لمواجهة التحديات المحتملة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق صورة لملصق دعائي لطبق الكشري كما أعلنت عنه وزارة الثقافة المصرية

الكشري المصري يدخل القائمة التمثيلية للتراث غير المادي لـ«اليونيسكو»

أعلنت وزارة الثقافة المصرية أنها نجحت في إدراج أكلة الكشري في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية لمنظمة «اليونيسكو».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تخوفات للوسطاء من «تغييرات ديموغرافية» تهدد «اتفاق غزة»

أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)
أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)
TT

تخوفات للوسطاء من «تغييرات ديموغرافية» تهدد «اتفاق غزة»

أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)
أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)

أثارت تحركات إسرائيل في مناطق سيطرتها في قطاع غزة، تحذيرات متكررة من الوسطاء، لا سيما المصريين، من رفض تقسيم القطاع أو تغيير جغرافيته أو ديموغرافيته.

تلك التحذيرات المتكررة، تشي بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بوجود تخوفات جادة وحقيقية لدى الوسطاء من تحركات إسرائيل على الأرض ترسخ لعدم انسحابها وتعطيل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وصولاً لانهيارها.

وأبلغ وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، وفداً أوروبياً برئاسة المبعوث الأوروبي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، كريستوف بيجو، «رفض مصر القاطع لأي دعوات تستهدف تهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضعية الجغرافية والديموغرافية للقطاع».

ذلك الرفض الذي نقلته وزارة «الخارجية المصرية»، مساء الثلاثاء، سبقه تشديد عبد العاطي، في كلمة بـ«منتدى الدوحة»، السبت الماضي، على أنه «لا يمكن القبول بتقسيم قطاع غزة».

وبالمنتدى ذاته، قال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: «نحن الآن في اللحظة الحاسمة... لا يمكننا أن نعدّ أن هناك وقفاً لإطلاق النار، وقف إطلاق النار لا يكتمل إلا بانسحاب إسرائيلي كامل وعودة الاستقرار إلى غزة».

ووسط تلك المخاوف، جرى اتصال هاتفي بين عبد العاطي، ووزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مساء الثلاثاء، وبحث الجانبان «الجهود الجارية لتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترمب وتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، وأهمية الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن هناك تخوفات واضحة ومتكررة وجدية من الوسطاء إزاء هندسة إسرائيل ديموغرافيا جديدة على الأرض - خاصة مع تجريف مساحات واسعة تتم على الأرض - ابتلعت كثيراً من الأراضي، بخلاف تصريحات إسرائيلية تعزز ذلك، مشيراً إلى أن هذا يهدد الاتفاق برمته.

وأظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة، سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الخط الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة «حماس» (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في الفصائل الفلسطينية في غزة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن «إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عبر تثبيت حقائق ميدانية جديدة على الأرض عبر نسف المنازل وتسوية الأراضي بما يسمح لها بكشف المنطقة التي تريد أن تصبح منطقة عازلة جديدة في القطاع».

نقل معدات ثقيلة تابعة للجنة مصرية برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر للبحث عن رفات الرهينة الإسرائيلي الأخير بحي الزيتون (أ.ف.ب)

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم».

ورفض عضو المكتب السياسي في حركة «حماس»، حسام بدران، حينها، تصريحات زامير، وقال إنها «تكشف بوضوح عن تنصّل الاحتلال من بنود الاتفاق، ومحاولته فرض وقائع جديدة على الأرض»، مشدداً على أن «أي بحث في ترتيبات المرحلة الثانية مرهون أولاً بضغط واضح من الوسطاء والولايات المتحدة وكل الأطراف المعنية لإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود المرحلة الأولى كاملة».

استغلال للثغرات

وتلك التحركات الإسرائيلية يراها الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، محاولة فرض أمر واقع بعدم الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستغلال لثغرات في خطة ترمب، مؤكداً أن خطة ترمب للسلام في خطر كبير في ضوء ما تفعله إسرائيل على أرض الواقع. وبحسب تقارير أميركية سابقة يُفترض أن يُعلن ترمب انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية قبل عيد الميلاد.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من المواقع التي ما زال يوجد بها في قطاع غزة، والتي تشكل نحو 53 في المائة من مساحة القطاع، ونشر قوة دولية للاستقرار، وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذي يتضمن «مجلس السلام» بقيادة ترمب.

ووسط تلك المخاوف، يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفق ما ذكرته المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان في مؤتمر صحافي، الاثنين.

ويتوقع عكاشة أن يتحرك ترمب في تقييد بعض خطوات نتنياهو، من دون أن يكون هناك تقييد كامل وهو ما سيجعل الاتفاق أمام تهديدات عديدة، كما رجح أن تزداد تحركات الوسطاء، لا سيما المصري والقطري، لتعزيز فرص صموده والمضي في المرحلة الثانية.

فيما أكد نزال أن إسرائيل تحاول «هندسة المرحلة الثانية ونحن على أبوابها وفق ما تريد، وفرض الأمر الواقع»، مشيراً إلى أن الدور الأميركي عليه أن يتحرك لإنهاء عدم الثقة المتصاعدة في صمود الاتفاق، ويضع حداً لذلك خلال زيارة نتنياهو للبيت الأبيض أواخر الشهر الحالي.


خسارة هجليج النفطية... هل تعيد رسم أسس الدولة السودانية

أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)
أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)
TT

خسارة هجليج النفطية... هل تعيد رسم أسس الدولة السودانية

أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)
أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)

مع سقوط هجليج وبابنوسة، وكامل ولاية غرب كردفان بيد "قوات الدعم السريع"، فإن خريطة الحرب في السودان تتجه لترسم الأوضاع الميدانية العسكرية والجيوسياسية من جديد، سيما وأن ما حدث هجليج قد قطع شريان النفط، وأدى لانهيار خطوط دفاع الجيش هناك. ما يدفع بالتوقعات لاعتبار ما حدث هو إعادة لترتيب مناطق النفوذ، ويفتح الباب أمام تموضع جديد للقوى، يميل لصالح الدعم السريع، في حال لم تعد الحكومة في بورتسودان حساباتها العسكرية والسياسية، وتفلح في تحويله إلى تطور مؤقت.

ويرجح الخبراء احتمالات تطور المواجهات بين الطرفين، ويرون أنها قد تعكس واقعا عسكريا جديدا، من أقصى دارفور إلى كردفان الكبرى التي تضم ثلاث ولايات استراتيجية، ويتوقعون أن تكون الخطوة التالية للدعم السريع هي التقدم تجاه مدن جنوب كردفان "العاصمة كادوقلي، ومدن الدلنج، وأبو جبيهة"، وربما استهداف مدينة "الأُبيِّض" حاضرة ولاية شمال كردفان، وأم روابة والرهد، لتتم سيطرة قوات الدعم السريع الكاملة على إقليمي كردفان ودارفور، ويشكلان أكثر من 46% من مساحة السودان.

خسارة النفط هل تغير المشهد

وتفتح سيطرة قوات الدعم السريع على بابنوسة وحقل هجليج، وكامل جنوب كردفان، شهيته ليس فقط بتقدمه بل بإعادة رسم أسس الدولة وحدودها ومستقبل مركزها وأطرافها، فالنفط الذي كان يمثل آخر ركيزة مالية متبقية لحكومة بورتسودان، يتقاطع اليوم مع خطوط النار في كردفان ودارفور.

يختصر الخبير العسكري اللواء (متقاعد) كمال إسماعيل المشهد العسكري الراهن بوصف قاس لوضع الجيش، وانعكاس الحرب على المجتمع السوداني بقوله لـ"الشرق الأوسط": "هذه الحرب لا منتصر فيها، ولن يستطيع طرف حسمها، والمهزوم هو الشعب السوداني وحده".

ويصف انسحابات الجيش من "الفاشر، بابنوسة، وهلجيج" بأنها ليست الانسحاب الذي تعرفه الجيوش، بقوله: "الذي يحدث ليس انسحابا، بل هروبا واضحا، أو انسحاب غير منظم على أفضل الأحوال، فإن يضع كل جندي بندقيته ويهرب ليس انسحابا".

سقوط الحاميات كارثة

اللواء إسماعيل يرى فيما حدث إضعافا للروح المعنوية للجيش، ويقول: "ليس هناك قيادة أو سيطرة، لأن الموجودين هم مستنفرين أو كتائب البراءة، وجزء من الجيش"، لا يوجد بينها تنسيق عملياتي، و"لذلك تضعف الروح المعنوية للضباط والصف والجنود، وتنهار تماما"، ويتابع: "أظن الوضع يسير نحو الانهيار، فكل يوم تسقط حاميات، وهذه كارثة كبيرة جدا".

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

إفادة إسماعيل لا تتوقف عند ما وصفه بالانهيار العسكري، بل تربط بينه وبين خطر التقسيم ومناطق النفوذ، وتضع على المدنيين المسؤولية في محاولة كبح جماح مسار التقسيم.

واقع سياسي جديد

على المستوى السياسي، يرى المحلل السياسي حاتم الياس، أن الأوضاع تتجاوز كونها مجرد تغير في موازين القوى داخل الدولة الواحدة بقوله: "في الواقع هذا ليس تغير في موازين القوى، فنحن أمام عتبة انفصال للدولة السودانية، أو على الأقل يمكن ما نسميه واقع سياسي جديد، أو شبه دولة".

ولم يستبعد الياس أن يضطر المحيط الإقليمي والدولي للتعامل مع "حكومة تأسيس"، وتنشأ بذلك حكومتين متوازيتين، بقوله: "العالم يخاف الفراغ، لأنه لا يستطيع التنبؤ بمن يملأه، في ظل استمرار تأثير الحركات الجهادية المتطرفة، الأقرب لملأ هذا الفراغ". ورأي الياس في إفادته لـ"الشرق الأوسط" أن الجيش وحلفائه، يعيشون انهاكا وضعفا هو "أقرب للانهيار"، ويضيف: "سيطرة الحركة الشعبية والدعم السريع على جنوب كردفان ومدنها، مسألة وقت ليس طويلا". ويستطرد: "العالم يتحدث عن وحدة السودان تحت سلطة مركزية، لكن الواقع والتحولات قد تجبره للاعتراف بواقع سياسي وعسكري جديد في طور التشكل".

مخاوف من الاجتياح

في قلب هذه التحولات، تتحول جنوب كردفان إلى مسرح مركزي، فالجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، الحليف لقوات الدعم السريع ضمن تحالف "السودان التأسيسي"، يعلن صراحة أن "تحرير كادوقلي والدلنج مسألة وقت".

ويقول في بيان حصلت عليه "الشرق الأوسط": "تحرير كادوقلي والدلنج، مسألة وقت، ومن الأفضل تسليم المدينتين، حقنا لدماء المواطنين العزل، وحفاظا على المدينتين من الخراب".

ودعا بيان الحركة المدعومة من الدعم السريع، من أطلق عليهم "الشرفاء والعقلاء" من منسوبي القوات المسلحة السودانية وحلفائها، للانسحاب العاجل والتسليم دون خسائر، وفتح ممرات آمنة لخروج المواطنين، لحفظ أرواحهم. وبهذا يضع بيان الجيش الشعبي التابع للحركة، مدينتي كادوقلي والدلنج عملياً تحت التهديد المباشر، ويطالب بخروج القوات النظامية وفتح ممرات آمنة للمدنيين، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجارب مدن سودانية أخرى سبقت إلى هذا المصير.

المسرح بعد هجليج

ضمن قراءة ميدانية لمسار العمليات المتوقع بعد السيطرة على هجليج وبابنوسة، يقدم الناشط السياسي محمد خليفة تصورا تفصيليا للخطوة المقبلة، ويقول في تسجيل صوتي يتابعه مئات الآلاف، إن خطوة الدعم السريع الثانية ستكون تجاه جنوب كردفان، ومدنها "كادوقلي، الدلنج، أبو جبيهة".

ويستبعد أن تكون الخطوة التالية هي مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان بحسب ما هو متوقع، يقول: "حسب متابعاتي، فإن خطوة الدعم السريع بعد هجليج، الاتجاه نحو جنوب كردفان، لدعم حليفته الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تسيطر على بلدة كاودا".

ووفقا لخليفة فإن استراتيجية الدعم السريع الحربية، تقوم على وضع مناطق سيطرة الجيش في "حزر معزولة"، ويقول: "هو يحاصر كادوقلي، الدلنج، الأبيض، وحسب ما أرى أن خطوته المقبلة، فلن يبدأ بالأبيض كما يتصور الناس".

صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان

قطع خليفة بأن قوات الدعم السريع نفذت الجزء الأول من استراتيجيتها العسكرية، وأعدت المسرح العسكري لإتمام الجزء الثاني منها، بالاستيلاء على بابنوسة وهجليج وحصار كادوقلي والدلنج.

ورأى أن الدعم السريع يستخدم "هجليج" منطقة ثقل لوجستي وتجميع وإمداد، خاصة وأن الطريق مفتوحة بينها وبين مواقع سيطرته الأخرى، ويتابع: "سيكثف حصاره على مدن كادوقلي والدلنج، التي تعاني أصلا من تدهور الأوضاع الإنسانية".

وأشار خليفة إلى تخوفات بين مواطني مدينة كادوقلي، دفعت بعضهم لمحاولة الخروج من المدينة، بيد أن السلطات العسكرية تمنعهم الخروج، ويقول: "هذه جريمة كبيرة، وتمهيدا لاستخدام المواطنين دروعا بشرية في أي معركة في كادوقلي المرتقبة".

خليفة ناشد السلطات بالسماح للمواطنين بالخروج من المدينة، وحذر من استخدامهم وتوظيف وجودهم كدروع بشرية لتوظيف ما قد تحدث من انتهاكات في حربهم الإعلامية الموجهة للخارج.

وتربط إفادة خليفة بين هجليج كثقل لوجستي، يسمح بتشديد الحصار على كادوقلي والدلنج، وبين إشارة إلى بوادر كارثة إنسانية يعيشها الناس في المدينتين، ومنع المدنيين من الخروج، وجعل المدينة ساحة قتال مغلقة، يقع الناس فيها بين تقاطعات البنادق.

ماذا بعد؟

بين تحذيرات اللواء كمال إسماعيل من "انهيار كامل للجيش، وخطر تقسيم السودان، ورؤية حاتم الياس لـ"شبه دولة"، ترتسم ملامح وضع عسكري معتم، ومسار جديد لعمليات عسكرية تتجه جنوبا، لتبدو الحرب أبعد ما تكون عن مجرد حرب على السلطة أو تغيير حكومة.

التطور الحادث، أعاد رسم الخرائط الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ووضع المدن المأهولة في خط النار، ومع ذلك يبقى السؤال معلقا: "هل ينجح الصوت المدني، المطالب بوقف الحرب، ويفرض نفسه على هدير السلاح وحسابات القوى المتصارعة، أم يمضي السودان نحو التفكك إلى جزر متناحرة، تحكمها الحرب واقتصادها، أم يفلح منطقة الدولة والقانون؟


مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)
وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)
وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)

سادت حالة من الارتياح في مصر، الأربعاء، بعد إحالة أوراق المتهم في «واقعة تحرش مدرسة الإسكندرية» إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه، وسط ترحيب واسع لتحقيق «العدالة الناجزة»، بما يردع مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تكررت بحق عدد من أطفال المدارس الخاصة والدولية أخيراً.

وأصدرت محكمة جنايات الإسكندرية (شمالاً) حكمها، الثلاثاء، بإحالة أوراق عامل بمدرسة دولية في الإسكندرية إلى المفتي «لمعاقبته عن جرائم الخطف المقترن بجنايات هتك العرض»، بعد بلاغات جرى تقديمها في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وتستمر التحقيقات في قضية «التحرش»، المتهم فيها سبعة أشخاص بحق عدد من طلاب إحدى المدارس الدولية بالقاهرة، بعد بلاغات قدمها الضحايا في 20 نوفمبر الماضي، وتدخلت «النيابة العسكرية» أخيراً على خط القضية.

وقال بيان النيابة العامة، الثلاثاء، إنها باشرت التحقيقات في «بلاغ ورد من أولياء أمور عدد من الأطفال بإحدى المدارس الخاصة بمحافظة الإسكندرية، تضرروا فيه من اعتداء عامل بالمدرسة جنسياً على الأطفال داخل غرف منفصلة». وأضافت النيابة أنها استمعت إلى أقوال الأطفال وذويهم وشهود الواقعة، وعاينت الغرف المُشار إليها، ثم عرضت الأطفال على مصلحة الطب الشرعي، «فثبت ما لحق بهم من إصابات تتفق مع مضمون أقوالهم في التحقيقات».

وأحالت النيابة المتهم إلى محكمة الجنايات «لمعاقبته على جرائم الخطف المقترن بجنايات هتك العرض»، وطلبت توقيع أقصى عقوبة مقررة قانوناً. وقالت بهذا الخصوص: «تحقيقاً للردع العام فإن مباشرة التحقيقات في تلك القضية، وصدور الحكم فيها بالإعدام، لم يستغرقا سوى عشرة أيام، في رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل تلك الفعلة الشنعاء».

وأشاد «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف» بالحكم القضائي، وثمن سرعة موقف النيابة العامة، مؤكداً أنه يعزز الثقة في فاعلية المنظومة القضائية في صون وحماية الأطفال.

واعتبر محامي هيئة الدفاع عن المجني عليهم، طارق العوضي، في تصريحات إعلامية أن «قرار المحكمة بمثابة رسالة طمأنينة لكل أطفالنا، وكل الأمهات والآباء، وما دام لدينا هذا القضاء الذي يستشعر هذا النوع من الخطورة من القضايا، ويصدر الأحكام لردع كل من تسول له نفسه أن يمس براءة أطفالنا، فالمجتمع سيظل آمناً».

وأضاف العوضي موضحاً أن «النيابة العامة قدمت نموذجاً احترافياً يجب أن يدرس لأنها تعاملت بشكل إنساني وقانوني، وحققت للمتهم كل الضمانات العادلة أثناء المحاكمة أمام قاضيه».

من جهته، أكد رئيس «شبكة الدفاع عن الأطفال» (حقوقي)، أحمد مصيلحي، أن تعديلات القانون المصري في عام 2018، التي شددت عقوبات «الخطف» بحيث تصل إلى الإعدام في حال اقترنت «بهتك العرض»، قادت لاتخاذ الحكم القضائي الصادر أخيراً بعد توافر أدلة الاتهام، مشيراً إلى أن الحكم يحقق «العدالة الناجزة» المطلوبة لحماية حقوق الأطفال، ورسالة ردع لعدم الاقتراب منهم وتوفير الحماية لهم. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المهم أن تأخذ كافة القضايا المرتبطة بالاعتداءات على الأطفال هذه المسارات للتعامل مع بعض حالات العنف المنتشرة».

ورحب متابعون على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، الأربعاء، بإحالة أوراق المتهم إلى مفتي مصر، وأشار بعضهم إلى أن «سرعة الحكم مهمة ورادعة لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة»، وأنه يمكن الحد من هذه الجرائم في غضون عام.

وقال أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق، إن أحكام الإعدام دائماً ما يتم الطعن عليها وتبقى أحكاماً أولية، لكنها في الوقت ذاته مهمة كونها تأتي سريعة، ويمكن أن تحقق الردع المجتمعي بتطبيق أقصى عقوبة، خاصة أن جرائم التحرش أثارت حالة من القلق المجتمعي، وأثارت الشكوك حول حماية الطلاب داخل المدارس.

وأوضح صادق لـ«الشرق الأوسط» أن ارتكاب جرائم التحرش بحق أطفال في مدارس حكومية ودولية يجعل هناك غموضاً حول إمكانية وجود أطراف أخرى متورطة، ما يتطلب ردعاً قضائياً، مبرزاً أن «ظهور مثل هذه القضايا على السطح بشكل كبير يرجع لفداحة الجريمة والتغطية الإعلامية، والتفاعل مع الوقائع عبر مواقع التواصل الاجتماعي».

وأثارت قضايا «التحرش» التي وقعت أخيراً جدلاً مجتمعياً واسعاً في مصر، وسط مطالبات باتخاذ أقصى عقوبة لردع المتهمين. وقبل نحو 6 أشهر شهدت إحدى المدارس الخاصة حادثة مشابهة، وأصدر القضاء المصري حكماً بالإعدام بحق مدير مالي بالمدرسة، بعد إدانته بالاعتداء على طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، قبل أن يخفف الحكم إلى السجن 10 سنوات.

وأشارت النيابة المصرية، في أعقاب حكم الإعدام الأخير، إلى أنها تباشر حالياً تحقيقاً موازياً لتحديد المسؤول عن التقصير في الرقابة داخل إدارة المدرسة.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى بلاغات تقدّم بها أولياء أمور أربعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات، ذكروا فيها أن أبناءهم تعرّضوا لانتهاكات متكررة على يد المتهم داخل مبنى المدرسة، وفي أوقات متفرقة خلال اليوم الدراسي.