«لا أرض أخرى» يجدد الجدل حول «التطبيع الفني»

بعد أن حصدت شراكة فلسطينية - إسرائيلية «الأوسكار»

باسل ويوفال في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)
باسل ويوفال في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)
TT
20

«لا أرض أخرى» يجدد الجدل حول «التطبيع الفني»

باسل ويوفال في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)
باسل ويوفال في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)

جدد فوز الفيلم الوثائقي الفلسطيني «لا أرض أخرى» بجائزة «الأوسكار» لأفضل فيلم وثائقي طويل الجدل حول «التطبيع الفني»، كون الفيلم بشراكة فلسطينية - نرويجية، وتولى مهمة إخراجه الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام.

وعُرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان «برلين السينمائي»، العام الماضي، وحصد جائزة «أفضل فيلم وثائقي» بالمهرجان، إلى جانب «جائزة الجمهور» في برنامج «البانوراما» كـ«أفضل فيلم وثائقي»، في وقتٍ لم يُعرض الفيلم في المهرجانات السينمائية العربية البارزة التي تحظر غالبيتها «التطبيع الفني» مع إسرائيل وتمنع عرض أفلام يشارك فيها صُنّاع سينما إسرائيليون.

ومنذ عام 1981، يحظر «اتحاد النقابات الفنية» في مصر كافة أشكال «التطبيع»، بما في ذلك منع التعامل بأي شكل من الأشكال مع إسرائيل، ويعاقب أعضاء النقابات الفنية (التمثيلية، السينمائية، والموسيقية) المخالفين للقرار بالفصل.

باسل عدرا في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)
باسل عدرا في مشهد من الفيلم (مهرجان برلين)

الفيلم الفائز بجائزة «الأوسكار» يوثق رحلة صنّاعه الناشطين الفلسطيني والإسرائيلي في معاناة أهالي «مسافر يطا» مع الاحتلال الإسرائيلي، الساعي لإخراجهم من منازلهم المتواضعة التي لا تتوافر بها أبسط أساسيات الحياة، مع توثيق الانتهاكات الإسرائيلية على مدار عقود، فيما استغرق العمل على الفيلم 5 سنوات.

وفي مناسبات عدة، كان آخرها خلال تسلمه جائزة «الأوسكار»، مساء (الأحد)، انتقد المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام سياسات بلاده، ووصف ما حدث في غزة بـ«الدمار الوحشي»، متطرقاً إلى القانون العسكري الذي يخضع له زميله في صناعة الفيلم، باسل عدرا، الذي يعيش في الضفة الغربية.

وسبق أن تعرض المخرج الإسرائيلي لتهديدات عدة بسبب مشاركته في توثيق جرائم المستوطنين وقوات الاحتلال، فيما انتقد وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار منح الفيلم «الأوسكار»، مؤكداً في تدوينة عبر حسابه على «إكس» أن فوز الفيلم «يعد لحظةً حزينةً لعالم السينما»، ومعتبراً أن الفيلم يصدر صورة سيئة عن إسرائيل.

ويصف الناقد الفني المصري عصام زكريا مسألة «التطبيع الفني» بـ«الموضوع الشائك»، خصوصاً أن الفيلم داعمٌ للقضية الفلسطينية بشكل كبير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، «ضرورة إدراك الفارق بين مقاطعة فيلم يتضامن مع إسرائيل، وبين عمل يرصد الانتهاكات ويتضامن مع القضية الفلسطينية بشكل واضح»، ولافتاً إلى أن «مفهوم التطبيع ظهر اعتراضاً على اتفاقية كامب ديفيد كمفهوم سياسي، ويجب إعادة النظر في ما يجب مقاطعته وما يجب السماح بعرضه ومشاهدته، بحكم تغير الظروف».

ويشير الناقد الفني المصري رامي عبد الرازق إلى النظرة القديمة التي تقتصر على اعتبار التطبيع مجرد وجود أي مشارك إسرائيلي في صناعة الفيلم، بالتالي يُمنع عرضه في أي فعالية سينمائية، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «التغيرات التي حدثت في السنوات الماضية تفرض ضرورة إعادة صياغة المفهوم، انطلاقاً من وجود الكثير من الأصوات داخل إسرائيل المناهضة لسياسات الحكومة والتي تدعم الموقف الفلسطيني بوضوح».

صناع الفيلم خلال عرضه الأول في برلين العام الماضي (مهرجان برلين)
صناع الفيلم خلال عرضه الأول في برلين العام الماضي (مهرجان برلين)

وأضاف أن «هناك أعمالاً جيدة للغاية لصُنّاع سينما يحملون الجنسية الإسرائيلية، ثم حصلوا لاحقاً على جنسيات أوروبية، لكن أعمالهم تُمنع أيضاً، رغم دعمهم للمواقف الفلسطينية، على غرار المخرج إيال سيفان، الذي قدّم أعمالاً داعمة للفلسطينيين».

ويعتبر رامي عبد الرازق أن فوز «لا أرض أخرى» بـ«الأوسكار» أمر يستحق أن يعيد إحياء النقاش حول هذه النوعية من الأفلام، والدعوة إلى تحديث المصطلحات، بدلاً من اقتصارها على نظرة «ضيقة»، وفق قوله.

فيما يؤكد عصام زكريا تفهمه مخاوف المتمسكين بقرار رفض التطبيع الفني، باعتبار أن «إعادة النظر في القرار ستفتح الباب أمام وجود (درجات رمادية) يمكن استغلالها مستقبلاً، ولكن الأمر يتطلب إعادة نظر من (النقابات الفنية) في القرار».


مقالات ذات صلة

أنجي عبيد تُصالح المسافات.... من «يلّا بابا» إلى الذات

يوميات الشرق سمحت الرحلة لهما بالتعرّف إلى بعضهما البعض عن قرب (أنجي عبيد)

أنجي عبيد تُصالح المسافات.... من «يلّا بابا» إلى الذات

صوّرت أنجي الفيلم عام 2022، واستغرق نحو 3 أشهر، قطعت خلالها نحو 4 آلاف كيلومتر بالسيارة. ويتحدث العمل عن تغيّرات تسببت بها الحروب منذ 40 عاماً.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة المصرية ريهام حجاج (صفحتها على «فيسبوك»)

ريهام حجاج: انشغالي بالدراما أبعدني عن السينما

أعلنت الفنانة المصرية ريهام حجاج أنها ستخوض تجربة سينمائية جديدة قريباً؛ تعكف على قراءة السيناريو والتحضير لها، مؤكدة أن الدراما شغلتها وأبعدتها عن السينما.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق عرض أكثر من 18 فيلماً سعودياً خلال عام واحد (هيئة الأفلام)

شباك التذاكر السعودي: أكثر من 845 مليون ريال في عام واحد

نمو استثنائي كشفت عنه الأرقام الرسمية لأداء شباك التذاكر في السعودية لعام 2024.

يوميات الشرق فيلم «استنساخ» تناول تجربة حب بالذكاء الاصطناعي (الشركة المنتجة)

«استنساخ»… فيلم مصري يتناول قصة حب بالذكاء الاصطناعي

انطلاقاً من رؤية مستقبلية للذكاء الاصطناعي وتحكمه بأمور حياتية كثيرة، تدور أحداث الفيلم المصري «استنساخ» الذي يُعيد بطله سامح حسين إلى صالات العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة اللبنانية الكويتية فرح الهاشم (الشرق الأوسط)

مخرجة لبنانية تعبّر عن حبها لمصر بـ«هرتلة في القاهرة»

في خامس أفلامها الطويلة «هرتلة في القاهرة» تخوض المخرجة اللبنانية - الكويتية فرح الهاشم تجربة مختلفة.

انتصار دردير (القاهرة )

حملة موسعة من «الموسيقيين» المصرية ضد «تجاوزات» أغاني المهرجانات

عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)
عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)
TT
20

حملة موسعة من «الموسيقيين» المصرية ضد «تجاوزات» أغاني المهرجانات

عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)
عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)

قامت «نقابة الموسيقيين» المصرية خلال الأيام القليلة الماضية بحملة موسعة ضد «تجاوزات» أغنيات المهرجانات بالحفلات والإصدارات الخاصة، خصوصاً بعد رصد ومتابعة عدد منها، وبدأت الحملة بمؤدي المهرجانات حمو بيكا، بعد تداول فيديو منسوب له عبر مواقع «سوشيالية»، وهو يغني كلمات اعتبرها البعض غير لائقة، بل وتسيء لإحدى مؤسسات الدولة.

ووفق بيان لـ«نقابة الموسيقيين»، فإن بيكا الذي يمارس نشاطه الفني كأحد حاملي تصريح شعبة «الأداء الصوتي»، تم إيقاف تصريحه وتحويله للشؤون القانونية للتحقيق العاجل، وذلك على خلفية ظهوره بإحدى الحفلات وغنائه كلمات لا تليق، كما شددت النقابة في بيانها على أنها لن تتهاون تجاه أي تجاوز أو إساءة، لا سيما فيما يتعلق بالثوابت المجتمعية أو مؤسسات الدولة.

ولم يتوقف الأمر عند بيكا، الذي دافع عن نفسه عبر حسابه الرسمي بموقع «فيسبوك»، عقب قرار إيقافه، متذرعاً بأن الأغنية موال قديم، وأنه لم يقصد الإساءة، وأوضح خلال منشوره أن «الكثير من المطربين يقومون بغناء هذه الأغنية في حفلاتهم»، واستشهد بفيديوهات لبعض منهم، من بينهم المطرب الشعبي رضا البحراوي.

بدورها أعلنت النقابة، في بيان رسمي، التحقيق مع المطرب الشعبي رضا البحراوي بعد الاطلاع على الفيديو المنسوب إليه أثناء غنائه الكلمات نفسها التي قدمها بيكا في إحدى حفلاته، حيث أكد الدكتور محمد عبد الله، المتحدث الإعلامي لـ«نقابة الموسيقيين»، بأن النقابة لن تتهاون مع أي تجاوز.

حمو بيكا (حسابه بموقع فيسبوك)
حمو بيكا (حسابه بموقع فيسبوك)

وأوضح عبد الله، في بيان، أن عدم إيقاف البحراوي عن العمل أسوة بإيقاف حمو بيكا، يعود لكون الإيقاف عقوبة في حد ذاته، ولا يجوز توقيع عقوبة من دون تحقيق، طبقاً لنص المادة 12 من اللائحة التنفيذية لقانون النقابات الفنية الثلاث، الذي ينص على أنه يحق لمجلس النقابة إيقاف عضوية المنتسب في أي وقت، بينما لم تنص على إحالته للتحقيق، لكن في حالة العضو العامل فالقانون يشترط إحالته للتحقيق أولاً.

وبجانب بيكا والبحراوي، أعلنت «نقابة الموسيقيين»، مؤخراً التحقيق مع مؤدي المهرجانات عصام صاصا، بعد انتقادات واسعة طالت بعض أعماله الأخيرة، ورصد تجاوزات في كلمات أغنياته، ومن بينها أغنية «محكمة ودخلنا على المفرمة»، التي طرحها صاصا عبر قناته الرسمية بموقع «يوتيوب»، وحققت أكثر من 12 مليون مشاهدة خلال أسبوعين.

من جانبه، قال الناقد الفني المصري طارق الشناوي، تعليقاً على تجاوزات بعض مؤدي المهرجانات: «لا يمكن لأحد الدفاع عن الخطأ بأي شكل من الأشكال، ومن أخطأ فعليه تحمل نتيجة ذلك»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «التعميم بارتكاب إساءات أو تجاوزات على كل مطربي المهرجانات لا يجوز، خصوصاً أن ثقافة البعض منهم محدودة، ولا يعلمون جيداً خطورة ما يقدمون، وبرغم ذلك فإن الجهل بالشيء لا يمنع من العقوبة».

رضا البحراوي (حسابه بموقع فيسبوك)
رضا البحراوي (حسابه بموقع فيسبوك)

وتطرق الشناوي إلى وقائع قديمة، قائلاً: «إن محمد عبد الوهاب وأم كلثوم تعرضا لاتهامات من إحدى المؤسسات الدينية بسبب كلمات أغنياتهم؛ لذلك فإن الخطأ لا يقتصر على مؤدي المهرجانات أو المطربين الشعبيين فقط، لكن ربما يكون هناك غيرهم؛ لذلك فمن يتجاوز في أعماله يجب محاسبته ومعاقبته، من دون وصم فئة بعينها».

وبعيداً عن الغناء، تحفظت الأجهزة الأمنية بمصر على حمو بيكا قبل أشهر عدة؛ بتهمة «حيازة سلاح أبيض»، و«الهروب من تنفيذ أحكام قضائية»، إلا أنه خرج بعد قضاء العقوبة في فبراير (شباط) الماضي، بينما قضى عصام صاصا فترة حبسه 6 أشهر مع الشغل في واقعة قيادة سيارة تحت تأثير المخدرات.