الجزائر تجدد مطالب «تجريم الاستعمار» الفرنسي بعد دفن رفات ضحايا

باريس توعدت بـ«إجراءات انتقامية» ردّاً على هجوم إرهابي ارتكبه جزائري

الهجوم الإرهابي الذي أوقع في مدينة مولوز السبت قتيلاً و5 جرحى (إ.ب.أ)
الهجوم الإرهابي الذي أوقع في مدينة مولوز السبت قتيلاً و5 جرحى (إ.ب.أ)
TT
20

الجزائر تجدد مطالب «تجريم الاستعمار» الفرنسي بعد دفن رفات ضحايا

الهجوم الإرهابي الذي أوقع في مدينة مولوز السبت قتيلاً و5 جرحى (إ.ب.أ)
الهجوم الإرهابي الذي أوقع في مدينة مولوز السبت قتيلاً و5 جرحى (إ.ب.أ)

جرت مطلع هذا الأسبوع مراسم رسمية وشعبية لإعادة دفن ضحايا معركة دامية، خاضتها المقاومة الشعبية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي قبل أكثر من 70 عاماً.

وعُثر على رفات 12 ضحية في منطقة جبلية، بعد 7 عقود من مقتلهم في معركة بو هلال، التي خاضتها المقاومة الجزائرية ضد الجيش الفرنسي في قرية شرابة ببلدية بغلية في ديسمبر (كانون الأول) 1954، بعد 52 يوماً فقط من اندلاع الثورة ضد الاحتلال، وجرت المراسم التي حضرها مسؤولون محليون في ولاية بومرداس. وحمل جنود جزائريون رفات المقاتلين الاثني عشر، أو المجاهدين كما يُعرفون في الجزائر، خلال مراسم بومرداس، الواقعة على بعد نحو 50 كيلومتراً من العاصمة، بحضور ذوي الضحايا.

الرئيسان الجزائري والفرنسي في لقاء سابق قبل توتر العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في لقاء سابق قبل توتر العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

وثقت السجلات الرسمية إفادات شهود على معركة بو هلال، حيث استمر القتال 11 ساعة، وانتهى بمقتل 31 عسكرياً فرنسياً بينهم ضابطان، إضافة إلى جرح 80 آخرين، بخلاف خسائر كبيرة في السلاح والعتاد. أما في صفوف المقاومة، فقد قُتل 5 بينهم قائد المعركة أمحمد القالمي، وأُسر 3 آخرون.

وجددت المراسم الرسمية لدفن ضحايا بو هلال مطالبات رسمية وشعبية بأن تقدم فرنسا تعويضات لشعوب الدول التي احتلتها في أفريقيا، والعمل على تطبيق مبادرة أفريقية لتجريم الاستعمار، والمطالبة بالتعويضات العادلة عن تلك الحقب من تاريخ أفريقيا.

وزير المجاهدين في جانب من الاحتفالات بثورة الاستقلال (وزارة المجاهدين)
وزير المجاهدين في جانب من الاحتفالات بثورة الاستقلال (وزارة المجاهدين)

كانت وزارة الخارجية الجزائرية قد أعلنت خلال القمة الأفريقية هذا الشهر في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا عن تكليف الجزائر، وجنوب أفريقيا وتوغو وغانا، ضمان تنفيذ القرار المتعلق بتصنيف الرق والترحيل والاستعمار، بوصفها «جرائم حرب ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية ارتُكبت في حق الشعوب الأفريقية».

وجدد رئيس مجلس الأمة الجزائري، صالح قوجيل، الانتقاد لممارسات فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية، ووصف الاحتلال الفرنسي للجزائر بأنه «استعمار استيطاني». مضيفاً خلال مراسم جرت في العاصمة الجزائرية، الاثنين: «في هذه المرحلة التاريخية، وفي ظل هذه الحملة الشرسة المسلطة على الجزائر، سيما عندما نتابع شاشات التلفزيون ووسائل الإعلان بفرنسا... الاستعمار الذي كان في الجزائر ليس نفسه الذي كان في كل البلدان؛ لأن الاستعمار الفرنسي في الجزائر هو استعمار استيطاني».

واحتلت فرنسا الجزائر 132 عاماً، قُتل خلالها مليون ونصف المليون شخص، وفقاً لإحصاءات رسمية جزائرية، قبل أن تنال استقلالها في 1962 بعد سنوات طويلة من النضال.

تزامنت هذه التصريحات مع تحذير باريس، الاثنين، الجزائر من أنّ رفضها استعادة مواطنيها المرحّلين من فرنسا هو أمر «غير مقبول»، متوعدة بإجراءات انتقامية تشمل خصوصاً التأشيرات؛ وذلك ردّاً على مقتل شخص في شرق فرنسا في هجوم إرهابي ارتكبه جزائري، كانت بلاده قد رفضت استعادته.

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)
صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وقال رئيس الوزراء الفرنسي، فرنسوا بايرو، إنّ الهجوم الإرهابي الذي أوقع في مدينة مولوز (شرق) السبت قتيلاً وخمسة جرحى «نفّذه بواسطة سكّين مهاجر غير نظامي جزائري، كانت باريس قد طلبت مراراً من بلاده استعادته، لكنّ طلبها كان يقابل في كلّ مرة بالرفض».

وأضاف بايرو: «لقد تمّ عرضه على السلطات الجزائرية عشر مرات لكي يوافق وطنه الأصلي على أن نعيده إليه، لكن في كلّ مرة من هذه المرات العشر كانت الإجابة تأتي بالنفي». مشدّداً على أنّ هذا الموقف «غير مقبول».

وخلال الأسابيع الأخيرة لم تنفكّ التوترات بين الجزائر وفرنسا تتفاقم. غير أن هجوم مولوز أدّى إلى زيادة التوترات بين البلدين.

وبحسب وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، فإنّ المتّهم الجزائري، البالغ من العمر 37 عاماً «وصل بطريقة غير شرعية» إلى فرنسا في 2014، وقضى مؤخراً عقوبة بالسجن بتهمة تمجيد الإرهاب. مشدداً على أنه حان الوقت الآن «لإعداد واتّخاذ القرارات حتى تعي الحكومة والسلطات العامّة الجزائرية تصميم فرنسا».

وزير الداخلية برونو روتايو (رويترز)
وزير الداخلية برونو روتايو (رويترز)

ومن المقرّر أن يلتئم المجلس الوزاري لمراقبة الهجرة، الأربعاء، في اجتماع كان مقرّراً قبل هجوم مولوز، لكن يتوقع أن يصبح الملف الجزائري الآن قضيته المركزية.

من جهتها، قالت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريما، إنّ باريس تدرس اتّخاذ «تدابير انتقامية» ضدّ الجزائر، من بينها خصوصاً فرض قيود على التأشيرات. وقالت لقناة «آر تي إل» الإذاعية إنّ باريس قد تعمد إلى «استهداف عدد معيّن من الأشخاص المهمّين في العلاقات (الفرنسية - الجزائرية)، والتوقف عن منحهم تأشيرات».


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية المصري يسلّم الرئيس الجزائري رسالة خطية من السيسي

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (رويترز)

وزير الخارجية المصري يسلّم الرئيس الجزائري رسالة خطية من السيسي

سلّم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي رسالة خطية من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع في الجزائر العاصمة اليوم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا 
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الداخلية (وزير العدل حالياً) ورئيسة الوزراء الفرنسيين في الجزائر نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

فرنسا تطرد 12 موظفاً دبلوماسياً جزائرياً

أعلنت الرئاسة الفرنسية أمس (الثلاثاء) أنها ستطرد 12 دبلوماسياً وموظفاً يعملون في السفارة الجزائرية في باريس وفي قنصليات المناطق، وذلك رداً على إجراء مماثل.

ميشال أبونجم (باريس ) «الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صوفيا بن لمان مع المحامي فريدريك ليلارد (أ.ف.ب)

السجن مع وقف التنفيذ لمؤثرة فرنسية-جزائرية

حُكم على مؤثرة فرنسية-جزائرية في مدينة ليون (وسط شرقي فرنسا) بالسجن 9 أشهر مع وقف التنفيذ، بتهمة توجيه تهديدات بالقتل لمعارضين للنظام الجزائري.

«الشرق الأوسط» (ليون (فرنسا))
شمال افريقيا الرئيس ماكرون قرر استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر بسبب تفاقم الأزمة بين البلدين (أ.ف.ب)

باريس تطرد 12 موظفاً من الشبكة القنصلية والدبلوماسية رداً على إجراءات الجزائر

توترت العلاقات أكثر فأكثر بين فرنسا والجزائر بعد قرار الأخيرة طرد 12 دبلوماسياً وموظفاً فرنسياً في السفارة الفرنسية بالعاصمة الجزائرية والمدن الكبرى.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في لقاء سابق مع وزير خارجية روسيا بالجزائر (الرئاسة)

الجزائر وروسيا تبحثان التعاون العسكري

استقبل محمد الصالح بن بيشة، الأمين العام لوزارة الدفاع الجزائرية يوري فاليائيف، نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية، ورئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT
20

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

قُتل عشرات المدنيين في مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان، وفق ما أفاد مصدر طبي ونشطاء محليون، الخميس، في ظل تصاعد الاشتباكات، ووسط مخاوف من اقتحام «قوات الدعم السريع» للمدينة.

وأوضحت «لجان المقاومة في الفاشر» أن المدنيين قُتلوا الأربعاء في اشتباكات وقصف نفذته «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش منذ أبريل (نيسان) 2023.

ووقعت أعمال العنف بعد أيام من مقتل أكثر من 400 شخص في هجمات لـ«الدعم السريع» على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ومخيمات نازحين قريبة، وفقاً للأمم المتحدة.

وقدّر الجيش السوداني عدد القتلى الأربعاء بـ62 شخصاً، بينهم 15 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ثلاث وعشر سنوات، فضلاً عن إصابة العشرات.

صورة قمر اصطناعي تُظهر نيراناً مشتعلة في مخيم «زمزم» للاجئين (أرشيفية - رويترز)
صورة قمر اصطناعي تُظهر نيراناً مشتعلة في مخيم «زمزم» للاجئين (أرشيفية - رويترز)

وقال الجيش في بيان إنه صد «الهجوم الشرس» على شرق المدينة، في رد منسق مع «القوة المشتركة من حركات الكفاح المسلح، والمخابرات، والشرطة، والمستنفرين، والمقاومة الشعبية». وأضاف أن «قوات الدعم السريع» قد «قامت بقصف عشوائي للمدينة خلال فترات متقطعة».

وتدافع عن الفاشر مجموعات مسلحة متحالفة مع الجيش تُعرف باسم «القوات المشتركة»، وقامت في الأشهر الماضية بقطع خط إمدادات «الدعم السريع» مراراً.

ويصف خبراء معركة الفاشر بـ«الحيوية» بالنسبة للجيش السوداني وحلفائه.

وتحاصر «الدعم السريع» الفاشر منذ أشهر في محاولة للسيطرة عليها، حيث تظل آخر مدينة رئيسية في دارفور تحت سيطرة الجيش، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الإقليم ذي المساحة الشاسعة غرب السودان.

مائة قذيفة يومياً

بحسب محمد، أحد المتطوعين النازحين من مخيم «زمزم» إلى الفاشر، لم يتوقف القصف على الفاشر خلال الأيام الماضية.

وقال محمد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه أصيب بطلق ناري أثناء الهجوم على «زمزم» الأسبوع الجاري. ولعدم وجود منشآت طبية، تلقى محمد ومئات المصابين علاجاً أولياً في أحد منازل المخيم، إلى أن نزح محمولاً إلى داخل مدينة الفاشر.

وأشار محمد إلى نفاد الأدوية من الفاشر التي لم يعد فيها «مسكنات آلام أو مواد حيوية... ونستخدم الكي بالنار لتضميد الجروح وتطهيرها».

ويتلقى وسط الفاشر «مائة قذيفة يومياً»، بحسب محمد الذي طلب عدم نشر اسم عائلته حفاظاً على أمنه، بلا ملاجئ للمدنيين.

وحذرت الأمم المتحدة من توابع وخيمة في حال اقتحام «الدعم السريع» للمدينة التي تعاني انعداماً حاداً للأمن الغذائي.

ويعيش في محيط الفاشر 825 ألف طفل في «جحيم على الأرض»، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

فارون من مخيم «زمزم» للاجئين يبحثون عن مأوى في العراء (أرشيفية - أ.ف.ب)
فارون من مخيم «زمزم» للاجئين يبحثون عن مأوى في العراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

مئات آلاف النازحين

أدت الحرب التي دخلت عامها الثالث الثلاثاء الماضي، إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح 13 مليون شخص، في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.

كما أدى النزاع إلى تقسيم البلاد إلى قسمين عملياً؛ إذ يسيطر الجيش على الوسط والشمال والشرق، في حين تسيطر «الدعم السريع» على كل دارفور تقريباً، بالإضافة إلى أجزاء من الجنوب مع حلفائها.

وبعد الهجوم الكبير الذي شنته الجمعة في دارفور، أعلنت «الدعم السريع» الأحد سيطرتها الكاملة على مخيم «زمزم» للاجئين الذي كان يضم نحو مليون لاجئ، حسب مصادر إغاثية.

وأدى الهجوم إلى نزوح 400 ألف على الأقل من سكان المخيم إلى المدن المجاورة. وقالت «غرفة الطوارئ»، وهي مجموعة متطوعة مدنية بمدينة طويلة القريبة من الفاشر، إن النازحين الجدد «يعانون نقصاً في الغذاء ومياه الشرب ومواد الإيواء»، مع عدم توافر أي مساعدات إنسانية في المنطقة.

وكان مخيم «زمزم» أول منطقة في السودان أُعلنت فيها المجاعة في أغسطس (آب) الماضي. وبحلول ديسمبر (كانون الأول) امتدت المجاعة إلى مخيمين آخرين في دارفور، وفق تقييم مدعوم من الأمم المتحدة.

وحذرت الأمم المتحدة من أن الكثير من النازحين ربما ما زالوا عالقين في «زمزم».