أصعب مشكلة تواجه سوريا... ملايين النازحين لن يجدوا مكاناً يعودون إليه

مدن دُمرت أحياؤها بالكامل... ومنازل محتلة

نساء يجلسن أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)
نساء يجلسن أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)
TT

أصعب مشكلة تواجه سوريا... ملايين النازحين لن يجدوا مكاناً يعودون إليه

نساء يجلسن أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)
نساء يجلسن أمام مبنى متضرر من الحرب في بلدة القصير في محافظة حمص وسط سوريا (أ.ف.ب)

لا يزال مستقبل سوريا غامضاً بالوقت الذي تواجه فيه البلاد تحدي عودة ملايين اللاجئين الذين نزحوا بسبب الحرب التي استمرَّت أكثر من عقد من الزمن؛ فهناك أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري في الخارج و7 ملايين نازح داخل البلاد، وفق تقرير لمجلة «فورين أفيرز».

وتناول تقرير نشرته المجلة هذه المشكلة، وأشار إلى أن العديد من السوريين عادوا بالفعل، آملين في لمّ شمل العائلات وإعادة بناء وطنهم؛ خصوصاً بالنظر للمصاعب الاقتصادية في البلدان المضيفة.

وبحلول نهاية 2024، عاد ما يقرب من 500 ألف لاجئ، بما في ذلك 350 ألف لاجئ هربوا من الغزو الإسرائيلي للبنان، كما عاد 125 ألفاً آخرين في أوائل عام 2025. وهناك توقعات بعودة المزيد؛ إما طواعية أو بسبب الترحيل من الدول المضيفة التي تواجه ضغوطاً اقتصادية وسياسية، وفق التقرير.

تفاصيل التحديات

ووفق المجلة، المشكلة تكمن في أن معظم العائدين داخل سوريا لن يجدوا مكاناً يعودون إليه؛ فقد دُمّرت أحياء بأكملها في مدن مثل حلب والرقة بسبب قصف النظام المخلوع، وانكمش الاقتصاد بنسبة 80 في المائة، وهناك نقص حاد في الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه النظيفة.

وأضاف التقرير أن انتشار البطالة والتضخُّم المتفشي أدى إلى ارتفاع معدل الفقر إلى 90 في المائة، كما قد يتسبب افتقار البلاد إلى البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المدارس والمؤسسات بتعقيد إمكانية إعادة الإدماج الجماعي للنازحين.

وحسب التقرير، يجد العديد من العائدين منازلهم محتلَّة أو مدمَّرة أو مسكونة، مما قد يؤدي إلى نزاعات على الأراضي والمزيد من الاضطرابات، وتفاقم الوضع الهش في سوريا.

برنامج للعودة

وأشار التقرير إلى أهمية وضع برنامج منسق لعودة اللاجئين يشمل حكومة تصريف الأعمال في سوريا والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والبلدان المجاورة، مثل تركيا ومصر ولبنان والأردن، وقد أثبت هذا النهج نجاحه في أفغانستان والعراق.

ومن شأن مثل هذا الإطار أن يحمي العائدين ويحل النزاعات المتعلقة بالملكية ويدمج السوريين في عملية إعادة إعمار البلاد، وفق التقرير.

ورأى التقرير أن على البلدان المضيفة وقف عمليات الترحيل القسري، والسماح لوكالات الأمم المتحدة بالإشراف على عودة السوريين الطوعية إلى الوطن، مع إعطائهم خيار العودة إلى البلد المضيف، إذا ما وجدوا أن الأوضاع لا تزال غير صالحة للمعيشة.

وقال التقرير في هذا الصدد إنه على المجتمع الدولي ومفوضية شؤون اللاجئين تحفيز الدول على الوفاء بهذه الالتزامات عبر ربط المساعدات الإنسانية التي تتلقاها بالامتثال لخطة إعادة اللاجئين، وذكر التقرير حزمة المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي للبنان في 2024، والمساعدات الإنسانية التي يتلقاها الأردن من الولايات المتحدة سنوياً، البالغة 1.2 مليار دولار.

ووفق البيانات الرسمية اللبنانية، يتجاوز عدد النازحين السوريين في لبنان المليونين، علماً بأنه سُجلت عودة نحو 300 ألف منهم بعد سقوط النظام في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

نازحون سوريون يعودون إلى بلادهم من لبنان عبر معبر جوسية في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

وحاول رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، خلال زيارة قام بها إلى دمشق في يناير (كانون الثاني) الماضي؛ حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، الدفع قدماً بملف العودة، إلا أنه منذ ذلك الوقت لم يتم تحقيق أي خرق في هذا المجال.

وأكد التقرير ضرورة تمويل الخطة، مشيراً إلى أنه على الأمم المتحدة والمانحين الدوليين تقديم حوافز مالية لضمان العودة الآمنة والتدريجية.

وأضاف أن إدارة هذه الأزمة تتطلب إعادة بناء المؤسسات السورية لتقديم الخدمات والتوسط في النزاعات، وبالتالي فعلى منظمات المجتمع المدني التي كان لها دور حاسم في تقديم المساعدات طوال فترة الحرب مواصلة دعم جهود إعادة الإدماج.


مقالات ذات صلة

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

المشرق العربي صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم (الأربعاء)، أن قواتها عثرت على مستودع في ريف درعا يحتوي على صواريخ، قالت إنها كانت معدة للتهريب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

يشهد الملف السوري تحولاً لافتاً في المقاربة الأميركية بعد سقوط نظام الأسد، حيث باتت واشنطن تدفع نحو توسيع التعاون الأمني مع دمشق الجديدة بقيادة الرئيس الشرع.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

يمثّل تعيين السفير اللبناني هنري قسطون في دمشق، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري أحمد الشرع، الأربعاء، خطوة أساسية في استئناف العلاقات الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

تركيا ستفتح كل المعابر الحدودية مع سوريا بعد تنفيذ اتفاق «10 مارس»

جددت تركيا تمسكها بحل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمادها الأساسي، وتنفيذ اتفاق «10 مارس» بشأن اندماجها في الجيش السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الشيخ موفق طريف (رويترز)

الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل يطالب بضمانات أمنية أميركية للأقليات في سوريا

حث الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف أميركا على توفير الأمن للطائفة الدرزية لمنع تكرار أعمال العنف التي وقعت في وقت سابق من هذا العام.

«الشرق الأوسط» (جنيف )

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
TT

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم (الأربعاء)، أن قواتها عثرت على مستودع في ريف درعا يحتوي على صواريخ، قالت إنها كانت معدة للتهريب إلى «مجموعات خارجة عن القانون».

ونقلت «الداخلية السورية»، في بيان عن قائد الأمن الداخلي في محافظة درعا محمد إبراهيم السخني، قوله: «وردت معلومات دقيقة من مصادر موثوقة حول وجود مستودع داخل إحدى المزارع في ريف درعا الشرقي، يحوي صواريخ معدة للتهريب إلى مجموعات خارجة عن القانون».

وأضاف: «باشرت الوحدات المختصة عمليات الرصد والمتابعة الدقيقة، ونفذت عملية أمنية أسفرت عن ضبط المستودع. وقد عُثر بداخله على 42 صاروخاً من نوع (مالوتكا) و4 صواريخ من نوع (ميتيس) مزوّدة بقاعدة إطلاق».

ولم تكشف «الداخلية السورية» عن المزيد من التفاصيل حول المجموعات التي كان سيتم تهريب الصواريخ إليها. وقالت الوزارة إن الجهات المختصة تواصل تحقيقاتها «لكشف جميع المتورطين تمهيداً لتقديمهم إلى القضاء».


خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
TT

خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)

يشهد الملف السوري تحولاً لافتاً في المقاربة الأميركية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث باتت واشنطن تدفع نحو توسيع التعاون الأمني مع دمشق الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. هذا المسار، الذي يهدف إلى مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة وتحقيق الاستقرار، يتصادم حالياً مع نهج إسرائيل الميداني المندفع؛ ما يكشف عن خلاف آخذ في الاتساع بين الحليفين التقليديين حول مستقبل الدولة السورية.

جانب من لقاء ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض يوليو 2025 (أ.ف.ب)

وخلال مؤتمر خُصّص لتقييم المرحلة الجديدة في سوريا، وضع قائد القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) الأدميرال براد كوبر، مستقبل التعاون مع دمشق في صدارة النقاش حول السياسة الأميركية تجاه «سوريا ما بعد الأسد».

وشدد كوبر على أن واشنطن تعمل «بشكل متزايد» مع الجيش السوري لمواجهة تهديدات أمنية مشتركة، مؤكداً، أن دمج «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) داخل الجيش السوري سيعزّز الاستقرار الداخلي، ويُحسّن قدرات الدولة على ضبط الحدود وملاحقة تنظيم «داعش».

الرئيس الشرع مستقبلاً قائد «سنتكوم» الأدميرال براد كوبر والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك (الرئاسة السورية)

وأشار كوبر إلى أن القوات الأميركية قدّمت منذ أكتوبر (تشرين أول) الماضي «المشورة والمساعدة والتمكين» للسلطات السورية في أكثر من 20 عملية ضد (داعش)، وإحباط شحنات أسلحة متجهة إلى (حزب الله)»، لافتاً إلى أن هذه المكاسب «لا تتحقق إلا عبر تنسيق وثيق مع القوات الحكومية السورية».

لكن هذا المسار الذي تتبنّاه واشنطن يتقاطع حالياً مع خلاف آخذ في الاتساع بينها وبين تل أبيب حول ملامح «سوريا الجديدة»، وفق ما كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال». فقد رصدت تناقضاً نادراً بين البلدين حول مستقبل الدولة السورية بعد عام من سقوط نظام بشار الأسد، في وقت يدفع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب نحو مسار منفتح على دمشق، بدعم سعودي - تركي. فقد رفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع، واصفاً إياه بأنه «شاب مقاتل يقوم بعمل جيد»، في إشارة إلى استعداد واشنطن لتغيير جذري في سياستها.

ترمب والشرع في البيت الأبيض 10 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

وأشارت الصحيفة إلى أنه على النقيض من التوجه الأميركي، سارعت إسرائيل بعد الانهيار السريع للنظام السابق إلى تثبيت وجود عسكري في جنوب سوريا، مسيطرة على مساحة تُقدّر بـ250 كيلومتراً مربعاً. وتحولت هذه المنطقة نقطة انطلاق لسياسة توسّع أمني شملت اعتقالات، ومصادرة أسلحة، وتنفيذ غارات داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى استهداف مقر القيادة العسكرية في دمشق بذريعة حماية الطائفة الدرزية.

وتُرجِع الصحيفة هذا النهج الميداني المندفع إلى تحوّل في العقلية الأمنية الإسرائيلية بعد هجمات 7 أكتوبر 2023. فصانعو القرار في تل أبيب باتوا مقتنعين بأن أي تنازل أمني قد يشكّل ثغرة خطيرة.

ويشير يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أن «اتخاذ القرارات من واشنطن أسهل بكثير من اتخاذها من مرتفعات الجولان»؛ ما يعكس رغبة إسرائيل في تأمين مصالحها بشكل أحادي.

القوات الإسرائيلية في بيت جن بريف دمشق الجمعة الماضي (الجيش الإسرائيلي)

وبينما تعمل الإدارة الأميركية على رعاية مفاوضات أمنية بين دمشق وتل أبيب بهدف إنهاء الخلاف السوري - الإسرائيلي بالتوازي مع محاولات التهدئة في غزة وأوكرانيا، يدعو ترمب تل أبيب إلى «حوار قوي وصادق» مع دمشق.

لكن هذه الجهود اصطدمت بعقبات أساسية، أبرزها، رفض الشرع المطالب الإسرائيلية بإقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من جنوب دمشق حتى الحدود؛ لما قد تسببه من فراغ أمني كبير.

وتُحذّر أصوات مؤثّرة داخل إسرائيل من الإفراط في استخدام القوة؛ خشية أن تصطدم سياسات الحكومة برغبة واشنطن في إعادة تأهيل الدولة السورية الجديدة وتقريبها من منظومة «اتفاقات إبراهيم».

ويقترح بعض الخبراء الإسرائيليين قبول صيغة أمنية تسمح بانتشار الجيش السوري بالقرب من الحدود مقابل منع الأسلحة الثقيلة والقوات التركية، والانتقال من «استعراض القوة العسكرية إلى بناء القوة الدبلوماسية». ويتوقع دبلوماسيون أن يشبه أي اتفاق مرتقب صيغة 1974 التي أرست منطقة فصل للقوات، مع تعديلات تناسب المرحلة الجديدة.

الوحدات الأمنية بإدلب تستهدف خلايا تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في منطقة الدانا يوم الاثنين (سانا)

وتضيف الصحيفة أن الخلافات السياسية ترافقت مع توترات ميدانية متزايدة، أبرزها اشتباكات في بلدة بيت جن بعد دخول قوات إسرائيلية لاعتقال مطلوبين؛ ما أدى إلى سقوط قتلى سوريين وجرحى إسرائيليين. وزادت الاحتفالات الشعبية في دمشق بذكرى «سقوط الأسد»، التي شملت حرق أعلام إسرائيل، من حدّة الاحتقان.

وتتهم إسرائيل الحكومة السورية بزيادة «النبرة العدائية»، في حين يتهم الشرع تل أبيب بتوسيع منطقتها العازلة و«الهروب من مسؤولياتها» في غزة. ووفق مسؤولين أميركيين، فإن استمرار النهج الإسرائيلي الحالي يدفع دمشق نحو مزيد من التقارب مع تركيا، الخصم الإقليمي لتل أبيب.

وتؤكد «وول ستريت جورنال» أن الخلاف الأميركي - الإسرائيلي حول سوريا ليس مسألة عابرة، بل هو اختبار لصلابة التحالف التقليدي في منطقة تتشكل ملامحها من جديد. فـ«سوريا الجديدة» تبدو ساحة مفتوحة لإعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط، وسط سياسة أميركية تحاول الجمع بين مكافحة الإرهاب، وإعادة بناء الدولة السورية، ورسم صيغة أمنية جديدة بين دمشق وتل أبيب.


سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
TT

سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن لبنان يواجه انهياراً شبه كامل بعد عقود من سوء الإدارة والفساد والطائفية والحروب، مشيراً إلى أن حكومته تعمل على انطلاقة وطنية جديدة تقوم على ركيزتي السيادة والإصلاح لإعادة بناء الدولة والاقتصاد.

في مقال رأي كتبه سلام في صحيفة «فايننشال تايمز»، قال: «عندما انتقلت من رئاسة محكمة العدل الدولية لتولي رئاسة وزراء لبنان، كنت أدرك تماماً حجم التحدي. لم أجد دولة مستقرة، بل بلداً أنهار تقريباً بعد عقود من سوء الإدارة والطائفية والفساد والحروب. من أولوياتي كان استعادة سلطة الدولة وتعزيز سيادتها، بما يشمل احتكار الدولة للسلاح في كل أراضيها، وضمان سيادة القانون، إلى جانب تعزيز الأمن ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، وإعادة بناء المؤسسات لتعزيز الثقة الوطنية والدولية».

«قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار»

وأشار سلام إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، قائلاً: «فقدت عملتنا الوطنية أكثر من 98 في المائة من قيمتها منذ عام 2019، وانكمش الاقتصاد بنحو 45 في المائة، وتم تجميد أكثر من 124 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك. ثم جاء انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ليودي بحياة أكثر من 200 شخص، ويصيب آلافاً، ويدمر أجزاء واسعة من العاصمة، وهو ما كشف عن فشل مؤسساتي فاضح. كما زادت الأحداث الأخيرة مع إسرائيل من تدهور الوضع الأمني والدمار في البلاد».

وأضاف: «لكن قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار. مستقبلنا يمكن ويجب أن تقوده دولة قوية وحديثة، تدعم روح ريادة الأعمال والابتكار والإصرار التي يشتهر بها اللبنانيون منذ زمن طويل. لذلك، فإن حكومتنا مصممة على انطلاقة وطنية جديدة تستند إلى ركيزتين متلازمتين: السيادة والإصلاح».

السيادة أولاً

وأوضح سلام أن الركيزة الأولى، أي السيادة، تمثل مسألة حاسمة. وقال: «نتمسك بشكل قاطع بأن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها، وأنها وحدها من تملك السلطة لاتخاذ قرارات الحرب والسلام».

وأضاف أن حكومته أعطت الجيش اللبناني تعليماته في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، لوضع خطة شاملة لضمان احتكار الدولة للسلاح في جميع أنحاء البلاد. وبعد شهر واحد، تم إقرار خطة تحدد، كمرحلة أولى، مهلة ثلاثة أشهر لضمان السيطرة الحصرية للدولة على الأسلحة جنوب نهر الليطاني، مع احتواء الأسلحة في بقية المناطق.

وأشار سلام إلى جهود الحكومة لتعزيز الأمن، بما في ذلك مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، وفكك المئات من مستودعات الأسلحة غير المشروعة وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها من البضائع.

الإصلاح الاقتصادي

أما الركيزة الثانية، أي الإصلاح، فهي ضرورية لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات الداعمة له، بحسب سلام الذي أوضح أننا «أقررنا قانوناً تاريخياً برفع السرية المصرفية، وآخر يضع إطاراً حديثاً لإدارة الأزمات المصرفية، ونحن الآن نعمل على قانون طال انتظاره لضمان العدالة للمودعين وتوزيع عادل وشفاف للخسائر الكبيرة الناجمة عن الانهيار المالي».

وأكد أن هذه الإصلاحات ليست مجرد ضرورة أخلاقية، بل هي شرط أساسي لبرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، كما ستساعد في تفكيك الاقتصاد النقدي الذي أصبح أرضاً خصبة لغسل الأموال والجريمة المنظمة.

وتابع أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لضمان استقلال القضاء، وشكلت هيئات ناظمة مستقلة لإعادة هيكلة قطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، كما وضعت معايير للجودة والجدارة في التعيينات العامة. وأكد أن مواجهة هذه التحديات تتطلب دعماً متجدداً من الشركاء الدوليين.

الأمن ومواجهة الانتهاكات

وعلى الصعيد الأمني، أشار سلام إلى استمرار لبنان في الوفاء بالتزاماته وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وإعلان وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. لكنه أضاف أن إسرائيل تواصل انتهاك سيادة لبنان واحتجاز مواطنين لبنانيين، واحتلال خمسة مواقع على الأقل في الجنوب، وهو ما يهدد الاستقرار ويغذي تجدد الصراعات، ويقوض جهود الحكومة لاستعادة سلطة الدولة.

ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل من لبنان، وتعزيز دعم القوات المسلحة اللبنانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر قدرة على ضمان الاستقرار في البلاد.

إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات

وقال سلام: «بينما نتفاوض مع صندوق النقد الدولي ونسعى لجذب الاستثمارات، لن ندخر جهداً للحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار والتنمية. ونحن نحث شركاءنا الدوليين على دعمنا، فدون مساعدتهم ستجد المصالح المتجذرة فرصة لملء الفراغ وإعادة البلاد إلى قبضة الزبائنية والفساد والإفلات من العقاب».

وختم سلام مقاله بالقول: «لبنان مهم لاستقرار المنطقة الأوسع. نحن لا نطلب من أشقائنا أو شركائنا الدوليين أن يقوموا بعملنا نيابة عنا، بل أن يقفوا معنا ويساعدونا على النجاح».