كان غريباً أن تُعرب أوساط الموضة عن تفاجئها بخروج المصمم ساباتو دي سارنو من دار «غوتشي»، أو بالأحرى استغناء مجموعة «كيرينغ»؛ المالكة للدار الإيطالية، عنه بعد عامين فقط؟ فخروجه كان متوقعاً منذ مدة بالنظر إلى الخسارات المادية التي تتكبدها الدار منذ وقت، وأيضاً بسبب تحركات وسياسات المجموعات الكبيرة في السنوات الأخيرة؛ فهي لا تتردد في الاستغناء عن أي مسؤول، أياً كانت مهمته أو اسمه وتاريخه، ما دام لم يحقق لها نتائج سريعة. تفاعل المساهمين مع خبر خروج دي سارنو كان إيجابياً وتجلى في ارتفاع أسهم «كيرينغ» بنسبة 3 في المائة.

خروج ساباتو دي سارنو لم يكن مفاجئاً، مع العلم أنه ليس المسؤول الأول عما تتعرض له إيرادات «غوتشي» من تراجع. فحين تسلمها كانت تعاني من «وعكة تجارية» وكان مطالباً بحقنها بمضاد حيوي يعيد لها بريقها الآفل، خصوصاً أنها الجوهرة التي تُزيّن تاج «كيرينغ» وتشكل أكثر من ثلثي أرباحها. كانت المجموعة تأمل أن يحقق لها معجزة تتحدى الأزمة الاقتصادية العالمية. بدورها، وفرت له كل ما يحتاجه من دعم، بما فيه تنظيم معرض استعادي في لندن كان هو أحد أبطاله رغم أنه لم يمر على التحاقه بالدار سوى نحو عام.
«غوتشي» الماضي

وعندما تسلمها أليساندرو ميكيلي في عام 2015، حقق لها إيرادات ضخمة لم تكن متوقعة. الفضل يعود إلى أن ميكيلي ابتدع أسلوباً جديداً يجمع الغرابة بالـ«الفينتاج»، والفخامة بلغة تدغدغ رغبة فئة شبابية في الاستعراض. وجد هذا الأسلوب ترحيباً في الأسواق الآسيوية تحديداً؛ الأمر الذي أثلج صدور المساهمين. لكنه بعد نحو 5 سنوات أصاب العملاء بالملل، وفقد عنصر المفاجأة والغرابة الفنية، فكان لا بد من التجديد والابتكار، لكن ميكيلي اختار التكرار وتمسّك بأسلوبه. كانت النتيجة تراجع المبيعات بنحو 20 في المائة؛ الأمر الذي كان صادماً لمجموعة اعتادت الربح. كان الفراق بين المجموعة ومصممها حتمياً.
«غوتشي» دي سارنو

بتعيين ساباتو دي سارنو، عقدت «كيرينغ» الآمال عليه لكي يُحدث خضة فنية مماثلة لتلك التي أحدثها سلفه في عام 2015، لكن بلغة أكثر سلاسة وأقل «فذلكة» تضمن استقطاب شرائح كبيرة من الزبائن.
لم يتأخر المصمم الجديد، وأجرى محاولات جادة لترسيخ مكانته. ورغم أنه قدم صورة عصرية، فإنها كانت هادئة بدرجة لم تُحرِك ساكناً عند طرحها في المحلات. بمعنى أنها لم تكن مغرية تجارياً بما فيه الكفاية. فمن ناحية؛ افتقدت تلك الصورة الحسية المثيرة التي عاشتها «غوتشي» في عهد توم فورد، ومن ناحية أخرى افتقدت تلك الجرأة المفعمة بالغرابة الفنية التي فاجأ بها أليساندرو ميكيلي عالم الموضة والأسواق العالمية في سنواته الأولى.

ومع ذلك، كان التوقيت عدو ساباتو دي سارنو الأول... لم يكن في مصلحته؛ ما بين تغير سلوكيات المستهلك ونظرته إلى الموضة، والركود الذي تشهده الأسواق الآسيوية. الصين وحدها تُشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق بيوت أزياء عالمية كثيرة ما كانت تحققه في السابق من أرباح. لهذا لم يكن غريباً أن تبوء محاولات ساباتو بالفشل.
خليفته... من سيكون؟
ربما يكون المفاجئ في الخبر أن خروج المصمم كان فورياً، حتى إنه لن يشارك في «أسبوع ميلان» آخر هذا الشهر. فقد أعلنت الدار أن التشكيلة التي ستُعرض من تصميم «استوديو التصميم».
السؤال المطروح حالياً هو: من سيتولى مهمة إدارة «غوتشي» في المدة المقبلة، خصوصاً أن هناك أسماء كثيرة مطروحة تنتظر فرصة عمل جديدة؟ هل سيكون هادي سليمان الذي غادر «سيلين» في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعمل في دار «سان لوران» التابعة لـ«كيرينغ» سابقاً؟ أم سيكون البريطاني كيم جونز الذي فقد منصبه مصمماً لـ«ديور أوم» حديثاً؟ أم هي ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي يشاع منذ مدة أن دورها آت لمغادرة «ديور» وأن الإعلان عن الخبر مسألة وقت فقط؟ كل هؤلاء نجحوا في تحقيق النجاح التجاري للبيوت التي عملوا فيها، لكن «غوتشي» مختلفة، وتشكل تحديات كبيرة، ليس لتاريخها الغني بالأحداث والروايات والنجاحات والإخفاقات فقط؛ بل أيضاً لأنها جوهرة مجموعة «كيرينغ» والدجاجة التي اعتادت أن تبيض لها ذهباً، إضافة إلى أنها تؤثر على أسعار أسهمها بشكل مباشر. كل هذا سيجعل العبء ثقيلاً على أي مصمم سيتسلم مقاليدها في المرحلة المقبلة. أحوال السوق تتطلب حالياً الجمع بين الفني والتجاري.
















