مع تعزيز الجيش الإسرائيلي وجوده في بلدات وقرى ومناطق احتلها في ريفَي محافظة القنيطرة جنوب سوريا والعاصمة دمشق، ونشر صور من الأقمار الاصطناعية فحصتها «واشنطن بوست»، تظهر أكثر من نصف دزينة من المباني والمركبات في القاعدة الإسرائيلية بجباتا الخشب، مع بناء متطابق تقريباً على بُعد 5 أميال إلى الجنوب. أكد أهالي المنطقة، وبينهم مسؤولون، أن ذريعة إسرائيل للتدخل المتمثلة في إبعاد الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» عن الحدود، «غير موجودة»، لأن إدارة العمليات العسكرية أخرجت جميع الميليشيات من الأراضي السورية.
وبينما يبدي الأهالي تخوفهم من أن يصبح الاحتلال دائماً وليس كما تزعم إسرائيل بأنه مؤقت، دعا مختار قرية توغل فيها الجيش الإسرائيلي الدول الغربية إلى ردع إسرائيل وإرغامها على الانسحاب وتعزيز نقاط المراقبة الأممية.

وفي تعليقه على ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، أن إسرائيل تبني مواقع استيطانية في جنوب سوريا، وأن من بين البلدات والقرى التي تنشئ فيها هذه المواقع «جباثا الخشب»، أكد مختار البلدة الواقعة في القطاع الشمالي من محافظة القنيطرة، محمد مازن مريود، أن إسرائيل «أهلكت» الأهالي بتدخلها، وحذر من أنه «إذا لم تتحرك القوات الأممية فإننا سنتحرك بقوة وحزم»، من دون أن يوضح كيف ستكون طبيعة التحرك.
واستنكر مريود الاحتلال الإسرائيلي الجديد لقرى وبلدات في المحافظة، ودعا الدول الغربية لردع هذا الاحتلال وإرغامه على الانسحاب وتعزيز نقاط مراقبة الأمم المتحدة في المنطقة العازلة.
وأضاف مريود في تصريح هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن هناك ردع دولي لهذا الاحتلال، فقد يصبح دائماً، وخصوصاً أن الإدارة السياسية الجديدة منشغلة جداً بترتيب الأوضاع الداخلية».

بدوره قال محمد حسن، مختار قرية طرنجة المجاورة لـ«جباثا الخشب»، التي توغلت فيها أيضاً القوات الإسرائيلية، لـ«الشرق الأوسط»: «القاعدة التي يبنونها في جباثا قريبة من منازل المواطنين السوريين، وقد جرفوا أكثر من 10 دونمات من أجل ذلك، وعدا عن ذلك، يدخل جنود الاحتلال إلى القرى ويطلقون النار، وهذا الأمر يروع الأهالي». مضيفاً أن ما تقوم به إسرائيل من بناء للقواعد «دليل على أنها تريد تثبيت احتلالها».
وتابع: «إذا نزحنا من بيوتنا فأين نسكن؟ في الخيم، في الشوارع؟ لدينا أملاك وبساتين نعيش منها»، مشدداً على ضرورة تحرك الأمم المتحدة لإرغام إسرائيل على الالتزام باتفاقية «فض الاشتباك» لعام 1974 والانسحاب من الأراضي التي احتلتها.

وفي تصريح آخر قبل أيام لـ«الشرق الأوسط»، عبر تطبيق «واتساب»، قال رئيس مجلس مدينة القنيطرة، الشيخ محمد السعيد أبو حفص، الذي تم تكليفه من قِبَل الإدارة السياسية الجديدة بتسيير شؤون المحافظة: «حسب الادعاءات الإسرائيلية، فإنهم يريدون إبعاد الميليشيات الإيرانية و(حزب الله) عن الحدود، ولكن بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي انتفت هذه الذريعة، لأن إدارة العمليات العسكرية أخرجت الميليشيات الإيرانية من كل الأراضي السورية»، مجدداً التأكيد على أنه «لا توجد أي ميليشيات لإيران و(حزب الله) في جنوب سوريا والقنيطرة نهائياً».

وأوضح أبو حفص أن القيادة السياسية السورية تتواصل مع قنوات دبلوماسية معينة والأمم المتحدة ودول عربية وإقليمية، لإرغام الجيش الإسرائيلي على الخروج من المناطق التي توغل إليها مؤخراً في جنوب سوريا، مشيراً إلى أن هذا التواصل يأتي «بغرض تبديد مخاوف الإسرائيليين من وجود ميليشيات إيرانية و(حزب الله) في المنطقة، والوقائع على الأرض تنفي الادعاءات الإسرائيلية».
وأكد أبو حفص «عدم وجود أي محادثات أو تواصل مباشر بين القيادة السورية الجديدة وإسرائيل على أي مستوى».
الناشط والمحامي محمد الفياض، من أبناء محافظة القنيطرة ويقيم هناك، ذكر أن إسرائيل احتلت، منذ سيطرة إدارة العمليات العسكرية على البلاد، 23 بلدة وقرية ومنطقة محاذية لخط وقف إطلاق النار في القطاعين الشمالي والجنوبي من المحافظة، إضافة إلى «سد المنطرة» المزود الرئيس للمياه في القنيطرة وأريافها، في انتهاك سافر لاتفاقية «فك الاشتباك» لعام 1974.

تهديد دمشق
وأضاف الفياض لـ«الشرق الأوسط»: «احتلوا أيضاً كل التلال الاستراتيجية، ومع احتلالهم (المرصد الرسمي السوري) في سفوح جبل الشيخ بريف دمشق، باتوا يكشفون ليس العاصمة دمشق فقط، بل وريفها ومحافظة السويداء أيضاً»، معرباً عن أسفه لأن كل ذلك يحصل «على مسمع المجتمع الدولي». وتابع: «الاحتلال أقام ثكنة ومطاراً لإقلاع وهبوط طائراته العسكرية، في ريف دمشق، وقد رأيت الثكنة والمطار بأم عيني، كما شاهدت قاعدة يبنونها بين قريتي الحميدية والحرية».

وتؤكد أحاديث الأهالي أن الجيش الإسرائيلي يقوم بإنشاء قواعد عسكرية في كثير من المناطق التي احتلها في المنطقة العازلة.
وخلال عمليات التوغل يعمل الجنود الإسرائيليون على تجريف الأراضي الزراعية وشق طرق ترابية وقطع الأشجار وهدم وتخريب الكثير من المنازل والبنى التحتية، عدا عن الاعتقالات والانتهاكات بحق المواطنين السوريين.
يقول شاب من القنيطرة لـ«الشرق الأوسط»، اشترط عدم ذكر اسمه: «قرانا وأراضينا مستباحة من قِبَل إسرائيل، فقد استغلت الظرف الحالي في سوريا، وصار جنودها يدخلون ويخرجون كما يحلوا لهم، ويعتقلون من يشاؤون».
وبعد أن وصف الشاب الوضع بأنه «مأساوي جداً»، أوضح أن الأهالي يرفضون بشكل قطعي استمرار الوضع على هذا الشكل.
ولا يأخذ أهالي القنيطرة بمزاعم أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن هذا «الإجراء مؤقت وذو طبيعة دفاعية يهدف إلى كبح التهديدات المحتملة لبلاده من الجانب السوري»، ويبدون تخوفهم من أن يكون هذا الاحتلال دائماً.

في السياق، أبدى رجل خمسيني من أهالي قرية في القطاع الجنوبي احتلتها إسرائيل، استغرابه من تصريحات نتنياهو، وتساءل: «مم يتخوفون؟ هل بقي في أراضينا ما يهددهم؟». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «نتنياهو يكذب، لأن عناصر الميليشيات الإيرانية و(حزب الله) خرجوا، وبعد سقوط نظام الأسد، دمرت طائراتهم كل مواقع وأسلحة جيشه».
هذا، ويواجه الجنود الإسرائيليون في بعض القرى بمظاهرات شعبية رافضة، كما حصل في قرية «السويسة»، حيث أطلق الجنود الرصاص الحي بشكل مباشر على المتظاهرين وأصابوا 7 مدنيين.
الجولان المحتل
يُذكر أن مساحة هضبة الجولان تبلغ 1860كم، احتل منها الجيش الإسرائيلي 1250كم في أعقاب حرب يونيو (حزيران) عام 1967.
وبعد حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وحرب الاستنزاف التي تلتها وتوقيع اتفاقية «فض الاشتباك» في مايو (أيار) عام 1974، استعادت سوريا 100كم، من المناطق المحتلة.
وبموجب اتفاقية «فض الاشتباك» تم إنشاء منطقة عازلة في هضبة الجولان على الحدود بين سوريا وإسرائيل، وانتشرت فيها قوات الأمم المتحدة (أندوف) لمراقبة وقف إطلاق النار.