أفاعي موقع مسافي في إمارة الفجيرة

تعبير رمزي عن الحياة والخصوبة والشفاء والبعث

قطع فخارية مزيّنة بنقوش ثعبانية مصدرها موقع مسافي في إمارة الفجيرة
قطع فخارية مزيّنة بنقوش ثعبانية مصدرها موقع مسافي في إمارة الفجيرة
TT
20

أفاعي موقع مسافي في إمارة الفجيرة

قطع فخارية مزيّنة بنقوش ثعبانية مصدرها موقع مسافي في إمارة الفجيرة
قطع فخارية مزيّنة بنقوش ثعبانية مصدرها موقع مسافي في إمارة الفجيرة

كشفت أعمال التنقيب المتواصلة في الإمارات العربية عن سلسلة من المواقع الأثرية الموغلة في القدم، منها موقع مسافي التابع لإمارة الفجيرة. خرج هذا الموقع من الظلمة في 2003، حيث ظهرت على أرضه بالمصادفة مجموعة متفرقة من قطع برونزية متناثرة، صيغت على شكل أفعى ملتوية. وبعد 4 سنوات، باشرت بعثة تابعة للمركز العلمي الوطني الفرنسي أعمال التحرّي فيه بالتعاون مع هيئة الفجيرة للسياحة والآثار، ودفعتها نتائج هذه الأعمال إلى مواصلة التنقيب في 5 حملات جرت على مدى 6 سنوات. ظهرت معالم المستوطنة بشكل جليّ خلال هذه الحملات، وتضاعف عدد القطع الأثرية التي خرجت منها، وتبيّن أن مجموعة كبيرة منها تحمل كذلك صورة هذه الأفعى الملتوية التي عُرف بها الموقع قبل استكشافه.

يحمل موقع مسافي الأثري اسم قرية مجاورة له تنقسم في زمننا إلى قسمين، أولهما تابع لإمارة رأس الخيمة، وثانيهما تابع لإمارة الفجيرة. يمتدّ هذا الموقع على مساحة يبلغ طولها 4 كيلومترات، داخل مزرعة من مزارع النخيل غرب هذه القرية، فوق سهل منبسط في شرق وادي العبادلة، على حافة الجهة الشمالية من سلسلة جبال الحجر التي تغطّي قسماً كبيراً من شمال سلطنة عُمان وجزءاً من شمال دولة الإمارات. يطلّ الموقع على وادي العبادلة، ويشرف على المدخل الرئيسي لوادي حام الذي يمتدّ حتى مدينة الفجيرة. تُشكّل مسافي واحة تقع في منطقة تسقي بمياهها هذين الواديين، كما أنها تسقي وادياً ثالثاً يلتقي بهما، هو وادي سيجي الذي يمتد من مدينة الذيد بالشارقة إلى أراضيها الجبلية.

حوت رمال هذه الواحة مستوطنة شُيّدت وسط الجبال وبعيداً عن الساحل في حقبة بعيدة تمتد من عام 1600 إلى عام 300 قبل الميلاد. وتُمثّل هذه المستوطنة حضارة ازدهرت في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، من نهاية الحقبة التي تُعرف بالعصر البرونزي إلى الحقبة التي تُعرف بالعصر الحديدي. تمثّلت هذه المستوطنة بمبنى محصّن له سور يمتد على مساحة تتجاوز نصف كيلومتر من الناحية الغربية، في موازاة وادي سيجي. حوى هذا المبنى معبداً ومجموعة من المنشآت السكنية شهدت 3 أطوار من البناء تعاقب بعضها فوق بعض، كما تشهد أساليب البناء المتبعة. هكذا ظهرت آثار حضارة العصر الحديدي على مساحة واسعة من جنوب غرب منطقة مسافي السكنية، وبلغت الشارع الذي يربط بين هذه المنطقة ومدينة الذيد بالشارقة.

عُثر بين أطلال هذه المنشآت السكنية على بقايا أثاث حوى عدداً كبيراً من الأباريق والأوعية الفخارية، إضافة إلى بضع مجامر تميّزت بتكوينات تصويرية حيوانية. كما عُثر على العديد من الجرار المدفونة، منها جرّتان مليئتان بالسبائك والقطع المعدنية. حوى هذا الكنز 168 قطعة، وشكّل أكبر مجموعة معروفة من هذا النوع خرجت من موقع في هذه الناحية من جزيرة العرب. ضمّت هذه الغلة مجموعات أخرى من اللقى والكسور المتنوعة، منها مجموعة من المكتشفات البرونزية بلغ عددها 34 قطعة، حوت رؤوس سهام وحراباً. في المقابل، خرجت من المعبد المحدّد بجدار سميك مجموعة من اللقى، تضمّنت نحو 60 قطعة معدنية ذات أشكال ثعبانية، وأكثر من 200 قطعة فخارية زُيّنت بنقوش ناتئة تُمثل أفعى منقطة ملتوية، تعدّدت وضعيات التفافها بين قطعة وأخرى. وصلت القطع المعدنية بشكل شبه كامل، ومعظمها من النحاس. أما القطع الفخارية، فوصلت مجتزأة على شكل كسور متفرّقة في أغلب الأحيان، وتمّت إعادة تكوين عدد ضئيل من قطعها عن طريق جمع الكسور الخاصة بهذه القطع.

عُثر بين أطلال المنشآت السكنية على بقايا أثاث حوى عدداً كبيراً من الأباريق والأوعية الفخارية ومجامر تميّزت بتكوينات تصويرية حيوانية

تبدو هذه الأفعى واحدة من حيث الصنف، وتتميّز بشبكة من النقاط الدائرية تشكل سلسلة تمتد على مساحة بدنها الطويل، إضافة إلى نقطتين تعلوان رأسها العريض، وتشكّلان عينيها. تحضر هذه الأفعى على أوانٍ مختلفة، منها تلك التي تتميز بمقبض طويل عند طرفها، وتلك التي تتميّز بقواعد مستطيلة عالية، ومنها الأكواب والصحون والجرار التي تعددت تكويناتها. تلتف الأفعى حول قاعدة إناء طويلة تبدو أشبه بعمود فقد تاجه، ويشكّل ذيلها حلقة تنعقد حول الجزء الأسفل من هذا العمود. تظهر هذه الأفعى في وضعيّة مغايرة على قاعدة أخرى صيغت على شكل مخروط قصير، ويشكّل هذا النموذج شكلاً آخر من الأشكال المتبعة في هذا الميدان. في قطعة ثالثة، تحتلّ هذه الأفعى وسط قاع آنية من هذه الأواني المتعددة الأشكال، وتشكّل حلقة على شكل خاتم يعلوه رأس مرصّع. وفي قطعة رابعة، تحلّ هذه الأفعى الملتوية فوق قرص دائري صُنع كغطاء لآنية ضاع أثرها. وفي قطعة خامسة، تحلّ في شكل مشابه فوق قطعة مستطيلة مسطّحة صُنعت كمقبض لآنية أخرى اندثرت. وفي قطعة سادسة، تلتفّ حول نفسها في حلقات حلزونية ناتئة على جهة من جهات جرة فخارية، وتمثّل هنا نسقاً مغايراً يُعرف بالأفعى الحلزونية.

تحضر هذه الأفعى المرقّطة بقوّة في مسافي، غير أن هذا الحضور لا ينحصر قطعاً بهذا الموقع؛ إذ نجدها في مواقع أخرى تتوزع على أراضٍ عدة في دولة الإمارات وسلطنة عُمان، منها موقع البثنة في وادي حام التابع لإمارة الفجيرة، وموقع ساروق الحديد في إمارة دبي، وموقع الرميلة في إمارة أبوظبي، وموقع مويلح في إمارة الشارقة، وموقع سلوت في سلطنة عُمان. يشهد هذا الحضور الجامع للموقع الخاص الذي تحتله الأفعى في المعتقدات الدينية والحياة الروحية التعبدية الخاصة بإقليم عُمان، حيث شكّلت على ما يبدو تعبيراً رمزياً للحياة والخصوبة والشفاء والبعث والإنماء، كما في بلاد ما بين النهرين، ونواحي عيلام وحواضر المشرق.


مقالات ذات صلة

عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي

ثقافة وفنون عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي

عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي

قلّ أن ارتبط اسم شاعر عربي عبر العصور بالمرأة والحب، كما هو حال عمر بن أبي ربيعة.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون تمثال أنثوي من محفوظات متحف البحرين الوطني في المنامة

دمية جنائزية من مقبرة الشاخورة الأثرية في البحرين

تحوي مملكة البحرين سلسلة من المقابر الأثرية، من أبرزها مقبرة تُعرف باسم الشاخورة، نسبةً إلى القرية التي تجاورها.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون محفوظ يكشف عن مزاجه وعلاقته بالموسيقى... والخريف

محفوظ يكشف عن مزاجه وعلاقته بالموسيقى... والخريف

لأول مرة، يجمع عمل واحد كل ما قاله نجيب محفوظ حول أسرار فن الكتابة لديه وطقوس الإبداع، من واقع تجربته العملية الخاصة،

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حاجتنا إلى الفن

حاجتنا إلى الفن

لا توجد لحظة أفضل للتأمل في معنى الفن وحاجتنا إليه من لحظة غيابه الكامل عن جهاتنا الحسيّة، عندما تجلس وحيداً في صمت،

خالد الغنامي
ثقافة وفنون رواية تمزج تقاليد الأدب الروسي بالحداثة الفرنسية

رواية تمزج تقاليد الأدب الروسي بالحداثة الفرنسية

تتميز تجربة الكاتب جايتو جازدانوف «1903 - 1971» بسمات وخصائص عدة فريدة من نوعها، فهي تمزج تقاليد الأدب الروسي العريقة بالحداثة الفرنسية،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي

عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي
TT
20

عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي

عمر بن أبي ربيعة شاعر الأنوثة الهاربة والعبث المأساوي

قلّ أن ارتبط اسم شاعر عربي عبر العصور بالمرأة والحب، كما هو حال عمر بن أبي ربيعة. لا بل إن هذا الاسم بالذات استطاع أن يكتسب صفات وترجيعات لها وقع السحر في الوجدان العربي الجمعي، وأن يصبح رمزاً بالغ الفرادة لكل ما يتصل بفوران الروح والرغبات الحسية والاحتفاء بالحياة. ومع أن الافتتان بالجمال الأنثوي كان سمة مشتركة بين كثير من الشعراء الذين سبقوه، إلا أن عمر وحده هو الذي احتفظ من دون الآخرين بلقب شاعر الحب والغزل، ولم يستطع أحد مجاراته في ذلك، سوى نزار قباني في العصر الحديث.

عمر بن ربيعة في صورة متخيلة
عمر بن ربيعة في صورة متخيلة

وإذا كانت الظواهر الإبداعية لا تدين بنشوئها للصدف المجردة، بل هي ثمرة تقاطع خلَّاق بين الموهبة الفردية والشرط الاجتماعي والتاريخي، فإن من حق المتابع المتأمل أن يتساءل: لماذا عمَر بالذات؟ ولماذا تكونت ظاهرته في تلك الحقبة الزمنية، وفي حواضر الحجاز دون سواها من الأماكن؟

والواقع أن انتماء عمر إلى بني مخزوم، وهم بعض أكثر بيوتات قريش ثراءً ومَنَعَةً وكرماً، يعكس الرفاهية والدلال اللذين حكما حياة الشاعر وجعلاه ممتلئاً بنشوة العيش. وينقل الأصفهاني عن عبد الله، والد عمر، أنه كان الأكثر ثراءً في قومه، وأنه بعد إسلامه كان يكسو الكعبة من أمواله الخاصة مرة كل سنتين.وفي حين خلّف انتقال مركز الخلافة إلى الشام، جرحاً لا يندمل في نفوس الحجازيين الذين تم تهميشهم وإخراجهم من المعادلة السياسية، فقد واجه عمر هذا التهميش بانصرافه إلى العشق والحب، مجسداً اندفاعة جيل الشبان من أرستقراطيي قريش نحو افتراع الحياة والعبّ من ملذاتها المختلفة. وإذا كان زهو الشاعر بنفسه جزءاً لا يتجزأ من طباع بني مخزوم وتكوينهم النفسي الجماعي، فقد أسهمت وسامته البالغة في شعوره بالزهو، ورفعت منسوب نرجسيته إلى حدوده القصوى، بحيث بات يرى العالم بأسره انعكاساً لصورته في المرآة.

ويكفي أن نعود إلى ديوان عمر لكي نعثر على عشرات الشواهد الدالة على خيلائه. فحبيبته لا تملك حين تتعثر في المشي، سوى مناداته باسمه لكي تستعيد التوازن:

وإذا ما عثرت في مرْطِها

نهضت باسمي وقالت: يا عمر

والنساء اللواتي تناهى إليهن صيته عاشقاً مفرطاً في الوسامة، يتدافعن لرؤيته من خلف نوافذ بيوتهن:

وكنَّ إذا أبصرنني أو سمعن بي

سعيْن فرقّعنَ الكِوى بالمحاجرِ

وقد يكون إلباس عمر لنفسه لبوس الفاتح المظفَّر الذي يغزو بلا هوادة قلوب معجباته الكثيرات، نوعاً من المحاكاة الرمزية لسطوة السلطة السياسية التي لم يملك الشاعر، ولا الجماعة الحجازية القدرة على مواجهتها بالسلاح، فاختار أن يواجه جبروتها الفحولي، عبر فحولة موازية تتوسل لتحقيق أهدافها سلطة اللغة وسحرها المغوي.

كما يتمثل الطابع الإشكالي لتجربة الشاعر في اختلاف النقاد حول العلاقة بين شعره وسلوكه. ففي حين يُنسب إلى صديقه ابن أبي عتيق قوله: «ما عُصي الله عز وجلّ بشعرٍ أكثر مما عُصي بشعر ابن أبي ربيعة»، وإلى هشام بن عروة قوله: «لا ترووا لفتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة حتى لا يتورطوا في الزنا تورطاً»، لم يتردد الشاعر نفسه في تأجيج البلبلة المثارة حول ذلك، بحيث كان يعترف بالشيء ونقيضه في آن. فإذ سأله سُمرة الحميري، وقد التقاه شيخاً في الطواف: «أكلُّ ما قلته في شعرك فعلته؟»، أجابه عمر قائلاً: «نعم، وأستغفر الله». في حين أنه صرح في شيخوخته: بـ«أنه لم يكشف ثوبه عن حرامٍ قط». فضلاً عن إشارته إلى أن ولعه بالنساء لم يعدُ كونه مطاردة عن بُعد للجمال المطلق:

إني امرؤ مولعٌ بالحسْن أتبعه

لا حظَّ لي فيه إلا لذة النظرِ

أما نعت عمر من النقاد بالشاعر الإباحي، فهو لا يجد سنداً له في قصائده ومقطوعاته، حيث لا مكان في معجمه الشعري للبذاءة والفحش والتهتك. فرغم شغف عمر الحسي والشهواني بالمرأة، فإن هذا الشغف ظل في الإطار الضيق الذي التزم به العذريون في قصائدهم، ولم يتعدَّ حدود العناق والضم واللثم.

كما تتجلى منطقة التشابك النفسي والفني بين عمر وبين العذريين، في الكثير من النصوص التي تُنسب إلى الطرفين معاً، كالأبيات التي قالها في معشوقته الرباب، وتُنسب في الوقت ذاته إلى كثيّر عزّة، ومنها:

أفقْ قد أفاق العاشقون وفارقوا

الهوى واستمرّت بالرحيل المرائرُ

وهبْها كشيء لم يكنْ أو كنازحٍ

به الدار أو من غيّبتهُ المقابرُ

إلا أن تقاطع الرؤيتين إلى المرأة والحب، يبدو أكثر وضوحاً في تجربتَي عمر وجميل بثينة، بحيث تحيل نصوصهما إلى المكابدات ذاتها والألم إياه. وقد يتعدى التشابه بين الطرفين حدود الكتابة على البحر ذاته والقافية إياها، ليتشاركا المضامين والمعاني، حيث كل منهما مطارَد ومهدَّد بالقتل. فإذ يقول جميل:

أحِلماً؟ فقبل اليوم كان أوانه

أم أخشى؟ فقبل اليوم أوعدتُ بالقتلِ

يقول عمر في المقابل:

جرى ناصحٌ بالودّ بيني وبينها

فقرّبني يوم الخضاب إلى قتلي

ومع ذلك فإن تجربة عمر لا تقل في عمقها الأخير مأساوية عن تجربة جميل ورفاقه العذريين. فإذا كان جرح الثاني وليد حرمانه من بثينة، وافتقاره إلى حضورها الباعث على السكينة، فإن جرح الأول أبعد غوراً وأصعب التئاماً، لأن المنادى في حالة جميل يقتصر على امرأة واحدة هي بثينة، أما المنادى لدى عمر فلا يقتصر على «نُعم» وحدها، بل يتعدى النساء الأربعين اللواتي ذكرهنّ في شعره، ليطول كل نساء الكوكب.

ورغم ما أصابه في مغامراته النسائية من نجاحات، فقد كانت لدى عمر ما يشبه عقدة النقص العاطفي وعدم الشعور بالامتلاء، التي سُميت بعد قرون «عقدة الدون جوان»، (ومن المفارقات الغريبة أن يكون لعمر ولد اسمه جوان!). ولذا كان يكفي الشاعر المحبوب من عشرات النساء أن ترفضه امرأة واحدة، لكي تُفقده اعتباره لنفسه، فيشعر بأنه فاشل ومهزوم، ويجدّ في طلبها بأي ثمن. فهو لم يضطر إلى الزواج من كلثم المخزومية إلا لأنها رفضت بإصرار أن تلتقيه إلا تحت سقف الزواج الشرعي. وهو لم يتعلق بالثريا كل ذلك التعلق إلا لأنها، رغم حبها له، لم تستسغ عبثه المفرط وتعدد علاقاته. وحين تزوجت من سواه بدا شعره فيها مشوباً بكثير من الحسرات. وهذا ما حدث له أيضاً مع فاطمة الأشعث، التي خطبها في موسم الحج، فرضيت شرط أن يتبعها إلى وطنها العراق، وحين فعل أوصدت بابها في وجهه.

وككل مولع بالنساء، كانت مأساة عمر أن جسده أقل بكثير من ظمأ روحه، وذراعيه أقصر بكثير من رغباته، وقدميه لا تكفيان لبلوغ الأنوثة الأبدية التي ظل سرابها يلمع في أقاصي العالم. وقد يكون أبلغ ختام لهذه المقالة، هي الصورة التي رسمها لنفسه، ضلِّيل النساء وشريدهنّ الأبديّ، حين قال:

رأت رجلاً إما إذا الشمس عارضتْ

فيضحى وإما بالعشيّ فيخصرُ

أخا سفرٍ جوّاب أرضٍ تقاذفتْ

به فلواتٌ فهو أشعثُ أغبرُ