«بكاء وزغاريد وتكبيرات»... هكذا كانت مسيرة العودة إلى شمال غزة

«الشرق الأوسط» رافقت آلاف النازحين في رحلتهم

0 seconds of 53 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:53
00:53
 
TT
20

«بكاء وزغاريد وتكبيرات»... هكذا كانت مسيرة العودة إلى شمال غزة

نازح فلسطيني يعبر عن فرحته بالعودة إلى شمال غزة (الشرق الأوسط)
نازح فلسطيني يعبر عن فرحته بالعودة إلى شمال غزة (الشرق الأوسط)

 

بالبكاء والزغاريد والهتافات وحتى «تكبيرات العيد»، شق آلاف النازحين طريقهم من جنوب قطاع غزة إلى شماله، وسط مشاعر مختلطة غلبت عليها الفرحة بعد أن هُجروا قسراً من بيوتهم جراء حرب إسرائيلية تواصلت 15 شهراً.

ومنذ أن أعلن ليلاً عن التوصل لاتفاق يسمح بعودة النازحين، تجمع الآلاف عند «تبة النويري» بالنصيرات وسط قطاع غزة، وقضوا ليلتهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، إلى جانب آخرين نصبوا خياماً مؤقتة، في ظل لحظات عصيبة خشيةً من أي توتر جديد يمنع عودتهم.

وساد خلاف بين «حماس» وإسرائيل على موعدة بدء عودة النازحين، الذي كان مقرراً الأحد، لكن إسرائيل رفضت السماح بذلك لتمسكها بالإفراج عن رهينة قالت إنها مدنية بينما تمسكت الحركة بأنها «عسكرية»، لكن الوسطاء تدخلوا للوصول إلى توافق أسفر عن بدء العودة الاثنين.

وبحسب ما رصدت «الشرق الأوسط» فإن بداية التحركات جاءت عقب أداء كثير من العائدين لصلاة الفجر، وبعدها راقبوا تحركات دبابات الاحتلال الإسرائيلي التي تراجعت تدريجياً، وعقب ذلك تدفق شباب ركضاً وكأنهم في سباق، قبل أن يلحق بهم عشرات الآلاف من السكان مشياً على الأقدام إلى شمال قطاع غزة.

تجاهل المخاطر

ورغم المخاطر، لم ينتظر السكان طواقم الدفاع المدني وخبراء المتفجرات من الأجهزة الأمنية لفحص الطرق خشية وجود أي من مخلفات الاحتلال، وسارعوا بالعودة فوراً، وفق ما رصدت «الشرق الأوسط».

النازحون لم ينتظروا إجراءات التأمين وتوجهوا شمال غزة فور انسحاب الدبابات الإسرائيلية (الشرق الأوسط)
النازحون لم ينتظروا إجراءات التأمين وتوجهوا شمال غزة فور انسحاب الدبابات الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

ولم تستطع الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة «حماس» في غزة تطبيق خطتها الأمنية لمنع مرور المواطنين قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة حفاظاً على حياتهم، وذلك بسبب السيل البشري الكبير الذي تدفق من الجنوب إلى الشمال.

وبحسب بيان أصدرته «حماس»، الخميس الماضي، فإنه يُسمح للمواطنين بالانتقال من «محافظات الجنوب والوسطى إلى محافظات غزة والشمال من شارع الرشيد - البحر (مشياً على الأقدام فقط، وليس بالمركبات والسيارات).

وأشارت الحركة إلى أن العودة عبر مفترق الشهداء (نتساريم) - شارع صلاح الدين ستكون «بالمركبات والسيارات فقط، وليس مشياً على الأقدام»، مشيرة إلى أنه «سيكون هناك تفتيش عبر (جهاز X - RAY) لجميع المركبات بأصنافها».

فرحة بعد ألم وفقد

تقول سهام صافي وهي من سكان مخيم جباليا (شمال غزة)، وكانت نازحة في دير البلح (وسط)، لـ«الشرق الأوسط»: «لم أصدق أن هذه اللحظة ستأتي وأننا سنعود إلى مكان سكننا، بعد أن فقدت الأمل في العودة مجدداً».

وأشارت صافي إلى أنها فقدت منزلها ودمر بشكل كامل، لكنها تريد العودة إليه وتراه «حتى ولو كان ركاماً».

وبيّنت أنها قطعت مسافة طويلة حتى وصلت إلى «محور نتساريم» وصولاً لأطراف مدينة غزة، مشيرةً إلى أن المشي أنهكها تماماً، لكنها فعلت ذلك مضطرة في ظل اشتراطات الاحتلال من جانب وعدم قدرتها على دفع مبالغ باهظة الثمن وصلت إلى لأكثر من 1300 دولار من أجل أن تعود بمركبة عبر طريق صلاح الدين.

النازحون قطعوا مسافات طويلة على الأقدام في ظل صعوبة التنقل بالسيارات (الشرق الأوسط)
النازحون قطعوا مسافات طويلة على الأقدام في ظل صعوبة التنقل بالسيارات (الشرق الأوسط)

وقطع بعض العائدين نحو 7 كيلومترات من «تبة النويري» بالنصيرات وصولاً إلى دوار النابلسي بمدينة غزة سيراً على الأقدام، وغالبيتهم لم يفلح بالحصول على فرصة العودة لمكان سكنه بمركبة أو أي عربة، ما اضطره لاستكمال مسافات أكبر وصلت إلى 20 كيلومتراً في بعض الحالات، رغم أنهم يحملون أطفالهم وأمتعتهم. كما رصد مراسل «الشرق الأوسط».

وقال الشاب سمير شريم الذي كانت اعتقلته إسرائيل من شمال القطاع وأبعدته إلى جنوبه بعد الإفراج عنه، إن هذا التعب بعد السير لمسافات طويلة «يستحق لأنني سأعود لبيتي واشتقت لمنطقة سكني في حي الشيخ رضوان». وأضاف: «فرحتي لا يمكن أن توصف... أخيراً راجعين لبيوتنا ولغزة... اشتقنا لكل حاجة فيها».

أما المسنة فاتن الحجار وهي من سكان مخيم الشاطئ فقالت إنها تعود لمنزلها «بعد أكثر من عام عاشته في الخيام بظروف قاسية وصعبة جداً، فقدت خلالها اثنين من أبنائها». وأضافت: «لا شيء يعوضني عن أبنائي، ورغم كل الألم والوجع والقهر، إلا أني مبسوطة بعودتي لبيتي».

«حركة عكسية»

ومن بين مشاهد لافتة رصدها مراسل «الشرق الأوسط»، بدا أن بعض من تبقوا في شمال غزة، تحركوا عكسياً من مواقعهم إلى وسط وجنوب القطاع، لتقريب المسافات ولقاء عائلاتهم النازحة مبكراً واستكمال الحركة معهم.

وقال الشاب محمد الجوراني لـ«الشرق الأوسط»: «جئت من مخيم الشاطئ، وقطعت مسافة لا تقل عن 16 كيلومتراً، وسأصل إلى أقرب نقطة ممكنة من أجل لقاء والدتي التي اشتقت إليها كثيراً». وأضاف: «أنا مستعد أقطع 40 كيلومتراً من أجل أن أشاهد أمي وأشقائي بعد حرمان استمر 13 شهراً».

بعض من ظلوا شمالاً تحركوا جنوباً لاستعجال لقاء عائلاتهم (الشرق الأوسط)
بعض من ظلوا شمالاً تحركوا جنوباً لاستعجال لقاء عائلاتهم (الشرق الأوسط)

ولم يكن الحال مغايراً بالنسبة لرامز الحسني، الذي كان ينتظر عودة شقيقه الأكبر بعد أن فقدا والدتهما في مواصي خان يونس إثر وفاتها مريضة خلال محاولة نزوحها.

وبعدما تبادل الشقيقين الأحضان وهما يبكيان، قال رامز: «مشاعري مختلطة ولا أعرف فيما إذا كنت أبكي من السعادة بعودة شقيقي أو حزناً على وفاة والدتي... كانت أشهراً عصيبة وشعرنا وكأننا في غربة ولن نلتقي مرةً أخرى لكننا اليوم اجتمعنا بعد معاناة كبيرة».

«غصب عن الاحتلال»

ورغم الظروف الصعبة التي عاشها النازحون في جنوب قطاع غزة، والدمار الذي لحق في مناطق شماله، وتدمير غالبية المنازل، فإن بعضهم عد عودتهم تحدياً لإسرائيل وحكومتها ومنهم النازح فريد سليمان الذي قال: «رجعنا غصباً عن نتنياهو وكل حكومة الاحتلال... والتحية للمقاومة اللي رجعتنا على بيوتنا، وأفشلت مخططات التهجير»، وفق قوله.

آلاف الفلسطينيين يشقون طريقهم نحو شمال غزة (الشرق الأوسط)
آلاف الفلسطينيين يشقون طريقهم نحو شمال غزة (الشرق الأوسط)

وطالب سليمان الجهات الوسيطة وكل الأطراف بالإسراع بإدخال خيام وغيرها من المساعدات لمناطق شمال قطاع غزة بهدف إيواء النازحين العائدين بعدما فقد غالبيتهم منازلهم، مشيراً إلى أن هناك عائلات لم تستطع جلب خيامها معها بسبب المسافات الكبيرة التي قطعتها سيراً على الأقدام.

وذهب نازح آخر، واسمه عطية الهبيل، وكان من أوائل الشبان الذين عادوا إلى شمال القطاع إلى أن عودة النازحين تعني (تماماً) فشل كل محاولات ومخططات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تهدف لتهجير السكان من شمال قطاع غزة إلى جنوبه وربما من هناك إلى سيناء أو غيرها». وقال: «صمودنا نحن المواطنين الذين لا حول لنا ولا قوة هو ما أفشل هذه المخططات». وتابع: «كما تم تعمير غزة عدة مرات في حروب سابقة سنعود لتعميرها مرة أخرى... ولن نسمح مرة أخرى بتهجيرنا».


مقالات ذات صلة

الفاتيكان: الفلسطينيون «يجب أن يبقوا في أرضهم»

أوروبا أمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين يظهر على الشاشة خلال إلقاء كلمة في قمة العشرين بالبرازيل (حساب الفاتيكان عبر منصة إكس) play-circle

الفاتيكان: الفلسطينيون «يجب أن يبقوا في أرضهم»

رفض مسؤول كبير في الفاتيكان، الخميس، خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير الفلسطينيين من غزة، قائلاً إن «الشعب الفلسطيني يجب أن يبقى في أرضه».

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
المشرق العربي مصافحة بين وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الفرنسي جان نويل بارو قبيل بدء أعمال المؤتمر الدولي حول سوريا في باريس بعد ظهر الخميس (أ.ب)

جولة أفق سياسية بين وزيري خارجية السعودية وفرنسا

جولة أفق سياسية بين وزيري خارجية السعودية وفرنسا؛ الأمير فيصل بن فرحان وجان نويل بارو بباريس، تجدِّد رفضها التهجير القسري للفلسطينيين في غزة وفق خطة ترمب.

ميشال أبونجم (باريس)
العالم العربي أتباع الجماعة الحوثية في مَسيرة مسلَّحة بالعاصمة صنعاء (غيتي) play-circle

«الحوثي»: سننفذ عملاً عسكرياً إذا هاجمت أميركا وإسرائيل غزة

قال زعيم جماعة «الحوثي» اليمنية عبد الملك الحوثي إن جماعته ستنفذ عملاً عسكرياً على الفور إذا شنت الولايات المتحدة وإسرائيل هجوماً على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي أتباع الجماعة الحوثية في مَسيرة مسلَّحة بالعاصمة صنعاء (غيتي) play-circle

«الحوثي»: سننفذ عملاً عسكرياً إذا هاجمت أميركا وإسرائيل غزة

قال زعيم جماعة «الحوثي» اليمنية عبد الملك الحوثي إن جماعته ستنفذ عملاً عسكرياً على الفور إذا شنت الولايات المتحدة وإسرائيل هجوماً على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
المشرق العربي طفل فلسطيني جريح يرقد في مستشفى العريش بشمال سيناء في مصر بعد دخوله من قطاع غزة بعد سريان وقف إطلاق النار (إ.ب.أ) play-circle

مصر وقطر تعملان «بشكل مكثف» لإنقاذ الهدنة في غزة

قال مصدر فلسطيني، اليوم (الأربعاء)، إن الوسطاء القطريين والمصريين «يعملون بشكل مكثف» لحل الأزمة المحيطة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«مؤتمر باريس»: إجماع على دعم الانتقال في سوريا

الرئيس الفرنسي متوسطاً الوزراء المشاركين في المؤتمر حول سوريا بباريس أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي متوسطاً الوزراء المشاركين في المؤتمر حول سوريا بباريس أمس (إ.ب.أ)
TT
20

«مؤتمر باريس»: إجماع على دعم الانتقال في سوريا

الرئيس الفرنسي متوسطاً الوزراء المشاركين في المؤتمر حول سوريا بباريس أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي متوسطاً الوزراء المشاركين في المؤتمر حول سوريا بباريس أمس (إ.ب.أ)

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام مؤتمر دولي حول سوريا، بالعاصمة باريس، أمس، استعداد بلاده لبذل مزيد من الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية في سوريا، فيما بدا أن الحضور الأوروبي والعربي في المؤتمر عكس وجود إجماع على دعم المرحلة الانتقالية في سوريا. وأفاد ماكرون بأنه سيستضيف الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في فرنسا، قريباً. ودعا السلطات السورية إلى المشاركة في التصدي لتنظيم «داعش»، قائلاً إن مكافحة هذا التنظيم «أولوية مطلقة».

كما دعا ماكرون «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) إلى الاندماج في الجيش الوطني السوري.

وشارك في المؤتمر وزير الخارجية السوري أحمد الشيباني، ووزراء من دول المنطقة مثل السعودية وتركيا ولبنان إلى جانب قوى غربية، لكن الولايات المتحدة مثّلها حضور دبلوماسي على مستوى أقل.