موسكو وطهران توقعان 20 عاماً لـ«الشراكة الاستراتيجية الشاملة»

بزشكيان قال إنها «مرحلة جديدة تقوم على رفض الاستكبار الغربي»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع في الكرملين بموسكو في 17 يناير 2025 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع في الكرملين بموسكو في 17 يناير 2025 (أ.ب)
TT

موسكو وطهران توقعان 20 عاماً لـ«الشراكة الاستراتيجية الشاملة»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع في الكرملين بموسكو في 17 يناير 2025 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يحضران حفل توقيع في الكرملين بموسكو في 17 يناير 2025 (أ.ب)

أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، الجمعة، مرحلة جديدة في العلاقات بين موسكو وطهران، بعد التوقيع على «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين البلدين.

ووصف الطرفان الاتفاقية بأنها تضع أسساً لتوسيع آفاق التعاون في كل المجالات، وتنظم العلاقة والتعاون لـ20 سنة مقبلة بموافقة الطرفين.

وجرت مراسم التوقيع بعد جولتي محادثات مطولتين عُقدتا في الكرملين. واجتمع الرئيسان في جلسة ضيقة وجهاً لوجه وبحثا رزمة ملفات ثنائية وإقليمية ودولية، قبل أن ينضم فريقا عمل البلدين إلى الاجتماع الذي ناقش «كل الملفات المتعلقة بتعزيز التعاون وآليات الانتقال إلى مرحلة جديدة في العلاقات، فضلاً عن التطرق إلى كل الملفات الإقليمية والدولية»، وفقاً لمصادر الكرملين.

وفي ختام المحادثات وقع الرئيسان أبرز وثيقة استمر العمل لإعدادها نحو 3 سنوات، تخللتها مراحل مد وجزر وشهدت خلافات في منعطفات عدة؛ ما دفع موسكو إلى إعلان تجميد الحوار مع طهران بشأنها في منتصف العام الماضي. لكن الجانبين أطلقا جولات حوار مكوكية في موسكو وطهران أسفرت مع حلول الخريف عن التوصل إلى تفاهمات كاملة على الصياغة النهائية للاتفاقية التي تم التوقيع الجمعة على أساسها.

بوتين وبزشكيان يوقعان «الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة» في موسكو (أ.ف.ب)

اتفاقية تلبي المتغيرات

وتهدف الوثيقة إلى استبدال الاتفاقية الحالية بشأن أسس العلاقات ومبادئ التعاون بين روسيا وإيران، والتي تم توقيعها في عام 2001. وكان الجانبان أعلنا أن التغييرات الكبرى التي شهدها العالم والوضع الجديد حول روسيا وإيران دفعا إلى وضع الاتفاقية الحالية؛ كونها تلبي متطلبات الوضع وتضع آليات للتعامل مع المستجدات، وخصوصاً فيما يتعلق بتعرض البلدين لأوسع رزم عقوبات غربية.

ووصف بوتين في مؤتمر صحافي ختامي الاتفاقية الجديدة بأنها «تحدد أهدافاً طموحة، وهي وثيقة رائدة حقاً من أجل التنمية المستقرة للبلدين والمنطقة بأسرها».

وقال إن موسكو وطهران تنطلقان من رؤية مشتركة «لعدم التوقف عند ما تم تحقيقه في العلاقات، والارتقاء بعلاقاتنا إلى مستوى جديد نوعياً. وهذا هو معنى اتفاقية (الشراكة الاستراتيجية الشاملة) الموقعة بين البلدين».

وأشاد بجولات الحوار مع بزشكيان، وقال إن المفاوضات كانت «إيجابية للغاية»، مؤكداً أن روسيا تولي أهمية قصوى لتعزيز العلاقات الودية مع إيران.

ورأى بوتين أن إطار التعاون الجديد من شأنه أن يمهد لتنمية مستدامة في روسيا وإيران ومنطقة أوراسيا عموماً، مشيراً إلى أهمية الشراكة الروسية - الإيرانية في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وقال بوتين إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع العام الماضي بنسبة 15 في المائة. كما لفت إلى أن 95 في المائة من عمليات التبادل باتت تجري بالعملات الوطنية، بعدما تجاوز البلدان الكثير من العقبات، ونجحا في وضع آليات للتعاون المصرفي.

وتوقف بوتين عند التعاون الواسع في الطاقة، وأكد أن موسكو تواصل مساعدة إيران في تطوير مشروعات الطاقة النووية السلمية، مشيراً إلى أن مؤسسة «روس أتوم» الروسية تقوم حالياً ببناء وحدتين جديدتين لمحطة «بوشهر» للطاقة النووية؛ ما يسهم وفقاً لبوتين «بشكل كبير في تعزيز أمن الطاقة في إيران».

كما تحدث عن آفاق واسعة لتطوير التعاون اللوجستي لنقل الإمدادات والبضائع، وخصوصاً في إطار مشروع «ممر شمال - جنوب» الذي يقيمه البلدان.

بزشكيان قال إن التعاون مع موسكو يفتح مرحلة جديدة من رفض الهيمنة الغربية (أ.ب)

مواقف خارجية متطابقة

في السياسة الخارجية، أشار بوتين إلى تطابق مواقف روسيا وإيران بشأن معظم القضايا، وكشف عن أن الاجتماع المقبل للجنة الحكومية الدولية بين البلدين سيُعقد في النصف الأول من العام في موسكو.

وشدد على أن روسيا وإيران تتبعان مساراً مستقلاً على الساحة العالمية، وتقاومان ضغوطاً خارجية وممارسة عقوبات غير مشروعة، وأكد عزم موسكو وطهران «تطوير الشراكة باستمرار سنةً بعد سنة».

وتطرق إلى الملفات الإقليمية، مشيراً إلى مواصلة التنسيق مع طهران في منطقة جنوب القوقاز.

وأشار إلى الوضع في سوريا، مؤكداً التزام موسكو بالتوصل إلى حل شامل. وقال إن مستقبل سوريا يجب أن يحدده السوريون أنفسهم، وتمنى أن يتغلبوا على تحديات الفترة الانتقالية.

وقال بوتين إنه ناقش مع بزشكيان الوضع في غزة، وأعرب عن أمله أن يساعد الاتفاق بين إسرائيل و«حماس» في استقرار الوضع.

إيران لرفض هيمنة الغرب

من جانبه، أعرب الرئيس الإيراني عن أمله في استمرار الاتصالات بين موسكو وطهران. وبحسب قوله، فإن الاتفاق الجديد سيفتح فصلاً جديداً كبيراً في العلاقات مع روسيا.

وأكد بزشكيان أهمية تجاوز كل العقبات التي تتعلق بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا وإيران. وقال إن العمل المشترك الجاري حالياً يؤسس لمرحلة طويلة من التعاون.

وأشار إلى التطور الكبير في التعاون الثنائي، وتطرق إلى العلاقات الدولية، مؤكداً أهمية تنسيق المواقف بين موسكو وطهران.

وفي تعليق على الحرب الأوكرانية، قال بزشكيان إنه «لا حل عسكرياً لهذه الأزمة»، متطرقاً أيضاً إلى الضربات الإسرائيلية المتواصلة في لبنان وسوريا. وقال إن لدى روسيا وإيران رأياً مشتركاً في أهمية تجنب هذه الأعمال، والتوصل إلى توافقات تقوم على رفض الهيمنة الغربية.

وخلافاً لبوتين الذي لم يتطرق إلى ملف الأحادية القطبية في خطابه، فقد ركز الرئيس الإيراني على هذا الموضوع، وقال إن طهران وموسكو تعملان على مواجهة الاستكبار الغربي، وتتعاونان في إطار منظمات إقليمية مهمة مثل «شنغهاي» و«بريكس» و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» لكسر الهيمنة الغربية والانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلاً.

بزشكيان قال إنه «لا حل عسكرياً» للأزمة في أوكرانيا (رويترز)

اتفاقية «ليست ضد أحد»

بدوره، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن المعاهدة الجديدة ليست موجهة ضد أي دولة. وبحسب وزير الخارجية، فإن هذه المذكرة بنّاءة بطبيعتها، وتهدف إلى تعزيز قدرات روسيا وإيران في مختلف أنحاء العالم من أجل تطوير الاقتصاد بشكل أفضل، وحل القضايا الاجتماعية، وضمان القدرة الدفاعية بشكل موثوق.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن الاتفاق يشمل كافة جوانب التعاون بين البلدين. وبحسب قوله، فإن هذه ليست وثيقة سياسية فحسب، بل هي خريطة طريق للمستقبل.

وفي مقالة نشرتها الجمعة وكالة «نوفوستي» الحكومية الروسية، ذكر الوزير عراقجي ثلاثة مجالات رئيسة للاتفاق، وهي الاقتصاد والتكنولوجيا والعلاقات الإنسانية.

وأشار إلى أن أحد الجوانب المهمة للوثيقة الجديدة سيكون أيضاً تعزيز التعاون في مجال الدفاع والأمن. وتنص، من بين أمور أخرى، على استكمال ممر النقل الدولي «شمال - جنوب»، وزيادة حجم التجارة.

وتعتزم طهران وموسكو، في إطار الاتفاق الجديد، التعاون في إنتاج ونقل وتصدير الطاقة. ومن المقرر أيضاً نقل التكنولوجيات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة.


مقالات ذات صلة

النرويج تعتزم تعزيز دفاعاتها بغواصات وصواريخ لمواجهة روسيا

أوروبا نظام «هيمارس» الأميركي (رويترز)

النرويج تعتزم تعزيز دفاعاتها بغواصات وصواريخ لمواجهة روسيا

تعتزم النرويج شراء غواصتين ألمانيتين إضافيتين وصواريخ بعيدة المدى، مع سعي البلد المحاذي لروسيا إلى تعزيز دفاعاته.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

أعرب بدر عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» مع روسيا، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال الجلسة العامة لـ«منتدى الأعمال الروسي الهندي» في نيودلهي (د.ب.أ)

مودي وبوتين يعلنان اتفاقية تعاون اقتصادي تصل إلى 100 مليار دولار

أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الرسمية إلى الهند، استمرار بلاده في تزويد نيودلهي بالنفط رغم العقوبات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
تحليل إخباري المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز) play-circle

تحليل إخباري انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

يتعاظم القلق الأوروبي من النهج الأميركي في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة.

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.