هل الحياد المسلح أمل أوكرانيا الوحيد للحفاظ على وجودها بعد أن أصبحت أهدافها غير واقعية؟

المحلل يوجين رامر يتساءل ويضرب مثالاً بأن فنلندا فقدت 15 % من أراضيها لصالح موسكو لكنها انضمت للاتحاد الأوروبي و«الناتو» لاحقاً وأصبحت قوة اقتصادية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

هل الحياد المسلح أمل أوكرانيا الوحيد للحفاظ على وجودها بعد أن أصبحت أهدافها غير واقعية؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)

أصبحت حقيقة أن أوكرانيا تخسر الحرب مع روسيا مقبولة على نطاق واسع. ففي خلال أقل من ستة أشهر تحولت الرواية السائدة لدى الغرب من الحديث عن تحقيق النصر إلى تجنب الهزيمة.

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في قصر الإليزيه خلال 7 ديسمبر 2024 (رويترز)

وكانت المكاسب المبكرة التي حققها الجيش الأوكراني في 2022 قد رفعت سقف أهداف الحرب لتصبح تحرير كامل الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا، ومحاسبة الأخيرة على جرائم الحرب التي ارتكبتها. لكن هذه الأهداف لم تعد واقعية. وأصبح الحديث السائد بين مؤيدي أوكرانيا الآن يدور حول إنهاء الحرب بشروط تحرم روسيا من تحقيق الانتصار الكامل.

والسؤال الآن هو: كيف يمكن جعل روسيا توافق على وقف إطلاق النار والتفاوض على نهايةٍ لحرب تكسبها حالياً. ويمكن أن يقنع اقتراح جعل أوكرانيا دولة محايدة على المدى الطويل روسيا بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، بحسب يوجين رامر، المدير والزميل الكبير لبرنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي».

وفي تحليل نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، قال يوجين إنه مع اقتراب الحرب من دخول عامها الرابع، لا تستطيع أوكرانيا التغلب على تفوق روسيا شعباً واقتصاداً وأرضاً، رغم مساعدات الشركاء الغربيين لكييف.

جنديان أوكرانيان يشغّلان مسيّرة للتجسس قرب الحدود مع روسيا (أ.ف.ب)

فروسيا تملك عدد سكان ضخم يتيح لها تجنيد المزيد من الرجال لمواصلة الحرب، واقتصادها يعادل نحو 10 أمثال اقتصاد أوكرانيا قبل الحرب. والآن بعد أن خسر اقتصاد أوكرانيا نحو نصف تريليون دولار، وفي ضوء حجم الدولة أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل عليها استهداف منشآت البنية التحتية العسكرية الروسية بصورة فعالة.

في الوقت نفسه، فإن حلفاء أوكرانيا مثل الولايات المتحدة وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) واليابان وكوريا الجنوبية لا تشارك في القتال، في حين وصلت أوكرانيا إلى أقصى ما يمكن تحقيقه بمفردها على الأرض.

فولوديمير زيلينسكي في اجتماع «مجموعة الاتصال» (أ.ب)

طلب أوكرانيا من شركائها ضمانات أمنية، ومنها عضوية حلف «الناتو»، أو على الأقل مسار واضح وقصير للانضمام إليه بوصفه شرطاً مسبقاً للتفاوض مع روسيا. ولكن أعضاء «الناتو» أكدوا بوضوح أنهم غير مستعدين لضم أوكرانيا. وحتى أكثر المؤيدين لانضمام أوكرانيا إلى «الناتو» أصبحوا يرغبون في عدم دعوتها للانضمام قبل نهاية الحرب.

في المقابل، ترى روسيا أي تعهد من جانب الحلفاء بضم أوكرانيا إلى «الناتو» ضربة قاصمة لأي مفاوضات لوقف إطلاق النار. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن عضوية أوكرانيا في «الناتو» نتيجة غير مقبولة على الإطلاق، وقد أوضح ذلك في مقالته المنشورة عام 2021 حول «الوحدة التاريخية» المزعومة بين روسيا وأوكرانيا، والتي طرح فيها رؤيته للحرب.

وإلى جانب الرواية الكاذبة، ولكن الراسخة في المؤسسة الأمنية الروسية، بأن «الناتو» خالف وعده بعدم تمدده إلى الشرق، قال إن احتمال انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» هو دعوة لروسيا لمواصلة حملتها القاتلة ضدها.

جنديان أوكرانيان في إقليم دونيتسك يتحكمان بمسيّرة أُطلقت باتجاه المواقع الروسية (أ.ف.ب)

ويرى يوجين في التحليل الذي كان جزءاً من مبادرة مجلس العلاقات الخارجية الأميركي لتأمين مستقبل أوكرانيا وبرنامج واشنهايم للسلام والأمن، أن أمام كييف مسارين؛ الأول والذي تسلكه الآن: هو معركة بطيئة ومضنية ومفتوحة النهاية في ظل الخطر المتزايد المتمثل في تحقيق الجيش الروسي اختراقاً كبيراً من شأنه ألا يكون أمامها سوى قبول شروط بوتين للمفاوضات.

والمسار الثاني يتمثل في تقديم تسوية لبوتين تلبي بعض، وليس كل، شروطه وتتيح له إعلان النصر مع الحفاظ على أوكرانيا كدولة ذات سيادة. ومع ذلك فلا أحد يعرف وربما بوتين نفسه، ما إذا كان الرئيس الروسي سيقبل بحل وسط. فجيشه يحقق مكاسب على الأرض، لكن هذه المكاسب تأتي بأثمان فادحة. والاقتصاد الروسي يحقق أداء يفوق التوقعات، لكن معدل التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة يهددان بعرقلة النمو، وأصبحت البلاد تواجه نقصاً حقيقياً في القوة العاملة.

في الوقت نفسه، من الصعب أيضاً التنبؤ بشكل الحل الوسط المقبول. لكنه في أغلب الأحوال يجب أن يتضمن تنازلات أوكرانية عن أراض، بحيث تحتفظ روسيا بالأراضي التي استولت عليها. كما سيكون على أوكرانيا التعهد بعدم السعي إلى استردادها بالقوة، وبالتخلي عن حلم الانضمام إلى «الناتو»، والقبول بالحياد، أو «حالة عدم الانضمام إلى أي تحالف»، والتي وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مؤخراً بأنها «مبدأ أساسي». أما ما لا يمكن أن يتضمنه أي حل وسط فهو فرض قيود على قدرات أوكرانيا على الدفاع عن نفسها في مواجهة أي عدوان روسي آخر.

زيلينسكي في جولة ميدانية 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويقول يوجين إن هذه الشروط تبدو صعبة القبول بالنسبة لأوكرانيا، رغم أنها في الواقع لا تعني حرمان أوكرانيا من أي مكاسب متاحة أمامها. فهدف استعادة حدودها عام 1991 أصبح بعيد المنال، وعضوية «الناتو» لم تعد مطروحة أيضاً.

في الوقت نفسه، فإن الحياد لا يعني فقدان الأمن، ولا الدوران في الفلك الروسي؛ ففنلندا والسويد ظلتا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نشوب الحرب الروسية الحالية ضد أوكرانيا خارج «الناتو». وقبلت فنلندا بفقدان 15 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية. في الوقت نفسه، احتفظت فنلندا والسويد بوجودهما دولتين مستقلتين ذاتي سيادة، ثم انضمتا إلى الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب الباردة، وحققتا نهضة اقتصادية كبيرة.

زيلينسكي في جولة ميدانية 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ولكن هذا لا يعني أن أوكرانيا لا بد أن تحذو حذو النموذج الفنلندي أو السويدي أو أي نموذج آخر في سياستها الأمنية بعد الحرب. فليس هناك نموذج واحد يمكن لأوكرانيا أن تتبعه؛ لأن السياسة الأمنية لكل دولة تتحدد وفقاً لحجمها وموقعها الجغرافي وتاريخها واقتصادها وسياساتها. وبالتالي بوسع أوكرانيا أن تختار عناصر من نماذج مختلفة تناسبها على النحو الأفضل، بحسب يوجين.

وبناء على تجارب تلك البلدان، تستطيع أوكرانيا أن تضع مخططها الخاص لسياساتها الأمنية، بحيث لا يمنعها الحياد أو عدم الانحياز من الاحتفاظ بقوات مسلحة مدربة وذات قدرات عالية ومجهزة تجهيزاً جيداً، مدعومة بمجموعة كبيرة من جنود الاحتياط المدربين.


مقالات ذات صلة

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب» ولم يحقق أي هدف استراتيجي

أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في اليابان عام 2019 (رويترز)

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب» ولم يحقق أي هدف استراتيجي

بايدن يقول إن بوتين بات في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن، الجمعة، عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)

أزمات روسيا الاقتصادية ورقة رابحة في يد ترمب

تعطي أزمات روسيا الاقتصادية، الناتجة من تداعيات الحرب مع أوكرانيا، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب زخماً لتنفيذ وعوده بإنهاء الحرب في أقرب وقت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا صورة نشرها الرئيس الأوكراني لجندي من كوريا الشمالية وقع أسيراً في يد الجنود الأوكران (حساب الرئيس على إكس)

زيلينسكي يعلن أسر جنديين كوريين شماليين في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا أسرت اثنين من جنود كوريا الشمالية في أثناء قتالهما في منطقة كورسك الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جندي من لواء العمليات الثالث عشر «خارتيا» التابع للحرس الوطني الأوكراني يطلق مدفع هاوتزر من طراز «دي - 30» باتجاه قوات روسية في موقع على خط المواجهة (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على حي شيفتشينكو بشرق أوكرانيا

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم السبت، إن الجيش سيطر على حي شيفتشينكو في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

أكد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب» ولم يحقق أي هدف استراتيجي

President Joe Biden addresses the nation from the Oval Office of the White House in Washington, July 24, 2024, about his decision to drop his Democratic presidential reelection bid. (AP)
President Joe Biden addresses the nation from the Oval Office of the White House in Washington, July 24, 2024, about his decision to drop his Democratic presidential reelection bid. (AP)
TT

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب» ولم يحقق أي هدف استراتيجي

President Joe Biden addresses the nation from the Oval Office of the White House in Washington, July 24, 2024, about his decision to drop his Democratic presidential reelection bid. (AP)
President Joe Biden addresses the nation from the Oval Office of the White House in Washington, July 24, 2024, about his decision to drop his Democratic presidential reelection bid. (AP)

قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بات في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن، الجمعة، عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا. وعدّت حزمة العقوبات الجديدة ضربة أخيرة للاقتصاد الروسي قبيل انتهاء ولاية بايدن، حيث يسعى إلى ترسيخ إرثه في الدفاع عن أوكرانيا، وإرساء الأساس للضغط المستمر على موسكو من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب. وقال مسؤول أميركي كبير إن تلك العقوبات «هي الأكثر أهمية حتى الآن ضد القطاع الذي يعد أكبر مصدر للإيرادات لآلة الحرب التابعة للكرملين».

الرئيس الأميركي جو بايدن في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (إ.ب.أ)

بوتين لم يحقق أي أهداف استراتيجية

وخلال لقاء بالصحافيين في البيت الأبيض قال بايدن: «بوتين في وضع صعب حالياً، وأعتقد أن من المهم حقاً ألا يكون لديه أي متنفس للاستمرار في فعل الأشياء الفظيعة جداً التي يواصل القيام بها». وأكد البيت الأبيض أن بايدن تحدث إلى نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، وشدد على أهمية الاستمرار في دعم كييف في الحرب ضد روسيا. وأضاف البيت الأبيض في بيان: «بات جلياً الآن أن الحرب التي بدأها الرئيس (فلاديمير) بوتين ضد أوكرانيا كانت كارثة بالنسبة لروسيا. وبفضل شجاعة الشعب الأوكراني وعزيمته وبدعم من الولايات المتحدة، لم تتمكن روسيا من تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية في أوكرانيا».

فولوديمير زيلينسكي في اجتماع «مجموعة الاتصال» (أ.ب)

زيلينسكي يرحب

وشكر زيلينسكي لبايدن «دعمه الراسخ لاستقلال أوكرانيا، والدور الحيوي الذي أدته الولايات المتحدة لتوحيد المجتمع الدولي»، وفق ما جاء في منشور للرئيس الأوكراني على منصة «إكس». وقال زيلينسكي إنه قدّم التعازي (لبايدن) بضحايا حرائق الغابات التي تجتاح لوس أنجليس. ويسابق بايدن الوقت لتوفير أكبر قدر ممكن من الدعم لأوكرانيا قبل تولي ترمب سدة الرئاسة الأميركية، وسط مخاوف من قطع الملياردير الجمهوري الدعم عن كييف. ورحّب زيلينسكي بالعقوبات الأميركية الجديدة، وقال: «هذه الإجراءات توجه ضربة قوية للأساس المالي لآلة الحرب الروسية من خلال تعطيل سلسلة التوريد بالكامل».

جنود أوكرانيون يوجِّهون مدفع «هاوتزر» باتجاه القوات الروسية وسط هجوم موسكو على كييف في منطقة خاركيف 3 يناير 2025 (رويترز)

وفي المجمل، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 183 سفينة ناقلة للنفط، من أصل ما يقدر بنحو 1000 سفينة ضمن ما يُسمى «أسطول الظل» أو «الأسطول الشبح»، رغم أن عدداً من هذه السفن يرفع علم باربادوس وبنما. وشملت العقوبات إضافة لشركتي «غازبروم نفت» و«سورغوتنيفت غاز»، أكثر من 20 شركة تابعة لهما، تعمل في روسيا في تجارة النفط وفي حقول النفط.

كما شملت أيضاً تدابير ضد قائمة طويلة من الكيانات الأخرى المشاركة في جميع قطاعات أعمال الطاقة في روسيا تقريباً، إلى جانب ما وصفه المسؤولون بأنه «تضييق» لترخيص وزارة الخزانة الأميركية الذي سمح لروسيا بالحصول على أموال بالدولار مقابل صادراتها من الطاقة. وقالت الحكومة البريطانية إن أرباح الشركتين «تملأ صندوق الحرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتسهل الحرب» في أوكرانيا.

ونقل بيان عن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تأكيده أن «مواجهة شركات النفط الروسية من شأنها أن تستنزف صندوق الحرب الروسي، وكل روبل نأخذه من يدي بوتين يساعد في إنقاذ أرواح الأوكرانيين». ونددت «غازبروم نفت» بالعقوبات الأميركية والبريطانية التي استهدفتها، موضحة أنها «غير مبررة وغير مشروعة». وقالت الشركة، كما نقلت عنها وكالات الأنباء الروسية، إنها ترى أن «إقرار إدراج أصولها ضمن قائمة العقوبات الأميركية هو أمر غير مبرر وغير مشروع».

زيلينسكي في جولة ميدانية 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

عقوبات من أجل سلام عادل

وأوضح مسؤولون أميركيون أن هذه الإجراءات تهدف إلى منح الولايات المتحدة نفوذاً إضافياً للمساعدة في التوسط في «سلام عادل» بين أوكرانيا وروسيا. وقال جون هاردي، كبير الباحثين في الشأن الروسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، المحسوبة على الجمهوريين، إن تلك العقوبات تساهم في دعم جهود ترمب الذي كان واضحاً في رغبته في التوسط في اتفاق سلام في أقرب وقت ممكن. وأضاف هاردي قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إنه لتعظيم فرصه في التوصل إلى اتفاق جيد ودائم، ينبغي لترمب أن يطلب من الكونغرس تمرير مشروع قانون آخر للمساعدات لأوكرانيا.

جنديان أوكرانيان يشغّلان مسيّرة للتجسس قرب الحدود مع روسيا (أ.ف.ب)

وجاء إعلان العقوبات في أعقاب إصدار إدارة بايدن في الأسابيع الأخيرة، مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية لكييف، في مسعى لتوفير أقصى الدعم لها، قبل تسلم ترمب منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، في ظل غموض سياساته لحل هذا الصراع. وكان ترمب قد وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء النزاع في أوكرانيا «خلال 24 ساعة»، داعياً إلى «وقف فوري لإطلاق النار»، وإلى إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب. وقال، الخميس، إنه يحضر للقاء مع فلاديمير بوتين «لإنهاء» النزاع في أوكرانيا. وفي وقت سابق الجمعة، أعلن الكرملين أن الرئيس بوتين جاهز للتحاور مع ترمب دون شروط مسبقة، معرباً عن استعداده للتفاوض بشرط أخذ «الوقائع على الأرض» في الاعتبار في أوكرانيا.

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في قصر الإليزيه خلال 7 ديسمبر 2024 (رويترز)

وقالت أنّا بورشيفسكايا، كبيرة الباحثين في الشأن الروسي في معهد واشنطن، إن الرئيس ترمب يبدو أنه يريد أن يبعث برسالة قوة قبيل تنصيبه، على الرغم من التعارض الظاهر في تصريحاته. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس من مصلحة أميركا التخلي عن دورها القيادي في مواجهة منافسة شرسة من خصومها، سواء الصين أو روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية، بعد الإنجازات السياسية غير المسبوقة التي جرت خلال عام 2024، والتغييرات الكبيرة في المشهد السياسي، سواء في منطقة الشرق الأوسط، أو غيرها من المناطق الساخنة الأخرى.

أهمية مواصلة دعم كييف

وقال هاردي إن من شأن إقرار الكونغرس مساعدات جديدة أن يُظهِر لموسكو أن الدعم الأميركي لأوكرانيا سوف يستمر بعد نفاد سلطة المساعدات التي ورثها ترمب من بايدن. وأضاف قائلاً: «إذا كان الكرملين يعتقد أن المساعدات الأميركية سوف تنفد، فمن المرجح أن تكون روسيا أقل استعداداً للتنازل، وتختار بدلاً من ذلك الضغط من خلال ميزتها في ساحة المعركة سعياً إلى تحقيق شروط سلام قصوى. ولا تزال القوات الروسية تحقق تقدّماً على الجبهة الشرقية، وباتت تسيطر على نحو 20 في المائة من مساحة أوكرانيا. وطالب بوتين باحتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية التي أعلنت ضمها، داعياً أيضاً أوكرانيا إلى التخلي عن الرغبة في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

ناقلة النفط «إيفنتين» التي ترفع علم بنما وهي تطفو في البحر غير قادرة على المناورة شمال جزيرة روجين الألمانية في بحر البلطيق (أ.ف.ب)

أسر جنديين كوريين شماليين

قالت وزارة الدفاع الروسية، السبت، إن الجيش سيطر على حي شيفتشينكو في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا. وأضافت أن روسيا شنت ضربات بالطائرات والمسيرات والصواريخ على مطار عسكري في أوكرانيا وبنية تحتية للطاقة يستخدمها جيشها.

وأكد الجيش الروسي، السبت، التقدّم ميدانياً شمال غربي مدينة كوراخوف الأوكرانية التي أعلنت موسكو السيطرة عليها في وقت سابق من هذا الأسبوع، وتشكل معقلاً رئيسياً في منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا.

وقالت قوات الدفاع الأوكرانية إنها أسقطت 47 مسيرة روسية من طراز «شاهد» ومن أنواع أخرى، واختفت 27 طائرة مسيرة أخرى من أمام الرادار.

كما اعترفت روسيا أن أوكرانيا شنت هجمات بطائرات مسيرة على عدة مناطق في روسيا، مما أسفر عن تضرر مبنيين سكنيين في منطقة تامبوف، وإصابة ثلاثة أشخاص على الأقل.

وأفادت وزارة الدفاع الروسية باعتراض وتدمير 85 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل في عدة مناطق من البلاد، منها 31 طائرة مسيرة فوق البحر الأسود، و16 في كل من منطقتي فورونيج وكراسنودار، و14 فوق بحر آزوف، وعلى جبهة إقليم كورسك في روسيا التي احتلت أوكرانيا مئات الكيلومترات منها في هجوم خاطف، الصيف الماضي.

أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، السبت، أنه تم أسر جنديين كوريين شماليين جريحين من ساحة المعركة في المنطقة، ونُقلا إلى كييف للاستجواب. وهي المرة الأولى التي تؤكد فيها أوكرانيا احتجاز قوات كورية شمالية منذ نشرها في أواخر العام الماضي. وكتب زيلينسكي على «إنستغرام» في منشور تضمن صوراً للسجناء: «نجا جنديان، رغم إصابتهما، وتم نقلهما إلى كييف، حيث يتواصلان الآن مع جهاز الأمن الأوكراني». وأضاف: «لم تكن هذه مهمة سهلة: عادة ما تقوم القوات الروسية وأفراد عسكريون كوريون شماليون آخرون بإعدام جرحاهم لمحو أي دليل على تورط كوريا الشمالية في الحرب ضد أوكرانيا».

معرفة الحقيقة

جندي من لواء العمليات الثالث عشر «خارتيا» التابع للحرس الوطني الأوكراني يطلق مدفع هاوتزر من طراز «دي - 30» باتجاه قوات روسية في موقع على خط المواجهة (رويترز)

وقد يوفر أسر الجنديين لكييف معلومات استخباراتية مهمة حول التعاون بين بيونغ يانغ وموسكو.

وكتب زيلينسكي: «كما هو الحال مع جميع أسرى الحرب، يتلقى هذان الجنديان الكوريان الشماليان المساعدة الطبية اللازمة»، مضيفاً أنه أصدر تعليمات لمسؤولي الأمن بمنح الصحافيين حق الوصول إلى السجينَيْن، «والعالم يحتاج إلى معرفة الحقيقة حول ما يحدث». ووقعت روسيا وكوريا الشمالية اتفاقية دفاع مشترك في نوفمبر (تشرين الثاني)، وقالت أوكرانيا إن ما لا يقل عن 11 ألف جندي كوري شمالي تم إرسالهم إلى روسيا للمساعدة في الجهود الروسية لاستعادة الأراضي المحتلة من قبل أوكرانيا. وأبلغت القوات الأوكرانية لأول مرة عن وصول قوات كورية شمالية على نطاق واسع إلى ساحة المعركة في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، وقال زيلينسكي هذا الأسبوع إن ما لا يقل عن 4000 شخص قُتلوا أو جُرحوا بالفعل.