الإدارة السورية الجديدة... بين اكتساب الشرعية والتحديات الداخلية والخارجية

قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (رويترز)
قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (رويترز)
TT

الإدارة السورية الجديدة... بين اكتساب الشرعية والتحديات الداخلية والخارجية

قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (رويترز)
قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (رويترز)

يوماً بعد يوم يزداد الحراك الدبلوماسي الذي تشهده سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، مع تقاطر الوفود العربية والأجنبية إلى دمشق للقاء مسؤولي الإدارة الجديدة، وهو ما يضفي عليها نوعاً من الشرعية.

وزراء خارجية ودبلوماسيون ومسؤولون رفيعو المستوى ذهبوا إلى سوريا ما بعد الأسد بأسباب وتوجهات مختلفة، ولكن تلك الزيارات في حد ذاتها تمثل اعترافاً ضمنياً بالإدارة الموجودة حالياً وهو ما يشكل قوة دفع لها.

ويرى مراقبون أن إكساب الشرعية لتلك الإدارة يمثل فرصة جيدة لها لتثبيت أركانها، ربما لم تتوفر في حالات سابقة كثيرة أطيح فيها بأنظمة حاكمة، وكانت الإجراءات العقابية، مثل تعليق العضويات في منظمات دولية حاضرة، بدلاً من الاعتراف بالحكام الجدد.

لكن ربما يفسر البعض ازدواجية المعايير في التعامل مع حالات مماثلة لكون نظام حكم الأسد لم يكن يحظى بقبول معظم اللاعبين المؤثرين على الساحة الدولية، في حين يذهب فريق آخر لكون تغيير أنظمة الحكم في معظم الأحيان يجري عبر تحركات من المؤسسات العسكرية، ولكن المفارقة مع النموذج السوري هي أن من أطاح بنظام الأسد فصائل مسلحة تضم في صفوفها أجانب، وفي مقدمتها «هيئة تحرير الشام».

سوري يشارك في تجمع للمعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم من سجن صيدنايا بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)

تحديات الإدارة الانتقالية

رأت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية أن السقوط المفاجئ والصادم لنظام الأسد على يد «هيئة تحرير الشام» أثار ابتهاج السوريين الذين عانوا 13 عاماً من ويلات الحرب الأهلية وعقوداً أخرى من الحكم القمعي، لكنها ألقت الضوء على التحديات التي ربما تواجه الإدارة الانتقالية.

وذكرت المجلة أنه «مع تبلور حكومة جديدة في دمشق، يشعر السوريون والمراقبون الأجانب على حد سواء بالقلق بشأن مدى شموليتها وتمثيلها».

وتابعت: «هناك مخاوف من أن التوترات التي لم يتم حلها بين الجماعات العرقية والدينية في سوريا يمكن أن تعرقل جهود أحمد الشرع (قائد الإدارة الجديدة) لتوحيد البلاد وتوطيد حكمه».

واعتبرت «فورين أفيرز» أن الخيارات التي ستتخذها الولايات المتحدة على المدى القريب «ستؤثر على قدرة الإدارة الجديدة على بسط سلطتها بجميع أنحاء سوريا وإعادة الإعمار».

وأشارت المجلة إلى أن «هناك أسباباً تدعو إلى منح القادة الجدد في سوريا ميزة الشك. أحدها الحالة المزرية للبلد الذي مزقته الحرب: فأكثر من 70 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 60 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار منذ عام 2011، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة الإعمار 400 مليار دولار».

ومضت المجلة تقول إن قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع «أثبت أيضاً قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة، فبعد استيلائه على محافظة إدلب السورية عام 2017، مضى في بناء دولة أولية من الصفر، وطرد العديد من المقاتلين الأجانب من (هيئة تحرير الشام) لتبني أجندة وطنية سورية. وتبرأ من الطموحات السابقة... الأمر الذي مكن (هيئة تحرير الشام) من الزحف نحو دمشق في نهاية المطاف. كما تواصل الشرع مع المجتمعات المسيحية والدرزية الصغيرة... وتبنى تعليم المرأة، وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية من الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية».

الموقف الأميركي... و«دولة موحدة»

لعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن هو أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا تحققت إلى حد كبير، فحكم الأسد انتهى وانسحبت القوات الإيرانية والروسية من البلاد، بحسب المجلة التي رأت في التغيير الذي شهدته سوريا خسارة كبيرة بالنسبة لإيران، على وجه الخصوص، وقالت إن «خسارة حكومة صديقة في سوريا تشكل ضربة كبيرة، فقد خسرت طهران طريقها الرئيس لنقل الأسلحة إلى (حزب الله) في لبنان، وبالتالي خسرت طريقها لإعادة بناء (محور المقاومة) الذي أضعفته بشدة».

وعددت المجلة الأسباب التي ربما تفسر موقف واشنطن وعدم حاجتها إلى الإبقاء على وجودها العسكري أو العقوبات الساحقة التي كانت تهدف في البداية إلى إضعاف نظام الأسد، فتحدثت عن إلحاق القوات الأميركية وما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية المدعومة من الولايات المتحدة أضراراً بالغة بتنظيم «داعش» في شمال سوريا.

أحد أفراد قوات الأمن الجديدة يمشي أمام دبابات خلال عملية اعتقال موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد في حمص (أ.ب)

وفي ظل مخاوف وجدل أثارته قرارات وتصريحات لمسؤولين في الإدارة الجديدة في سوريا خلال أسابيع قليلة من توليها زمام الأمور، رأت المجلة الأميركية أن أفضل سيناريو لسوريا الجديدة وجيرانها هو قيام «دولة موحدة ومتماسكة يمكنها التفاوض على اتفاقات دبلوماسية تعزز الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل».

وحذرت من أن البديل هو «سوريا ضعيفة ومنقسمة ومعرضة للصراع، وهي نتيجة قد تتطلب وجوداً عسكرياً أميركياً طويل الأمد ومكلفاً بشكل متزايد في المنطقة، وتخلق مشكلات لتركيا (حليفة الولايات المتحدة)، وتعرض عملية إعادة البناء الحساسة في العراق للخطر، وينجم عنها موجة أخرى من الهجرة السورية».

ورأت أنه لتجنب هذا السيناريو «ينبغي على الولايات المتحدة أن تمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، وعليها أن تسحب قواتها من البلاد، مما يسمح لدمشق باستعادة السيطرة على المحافظات الزراعية والغنية بالنفط في شمال شرقي سوريا. ومع ذلك، تحتاج واشنطن أولاً إلى ضمانات بأن لدى الشرع (هيئة تحرير الشام) القدرة والإرادة لإبقاء (داعش) تحت السيطرة، وأن الحكومة الجديدة ستضمن سلامة أكراد سوريا ودمجهم، وإذا لزم الأمر تنأى بنفسها عن أنقرة للقيام بذلك».

وقالت المجلة إن رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة «سيسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا ويتيح للحكومة الوصول إلى النظام المصرفي الدولي».

ويرى محللون أنه يتعين الآن على الشرع ورجاله استغلال الفرصة وإثبات أنهم خرجوا من عباءة التنظيمات المسلحة إلى آفاق أرحب لبناء دولة جديدة تتسع لجميع مكوناتها، وعدم السماح لتضارب المصالح بإدخال سوريا في دوامة جديدة ربما تكون أشد وطأة مما شهدته خلال السنوات الماضية.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تؤيد تخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا

المشرق العربي خلال لقاء القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في دمشق 3 يناير 2025 (رويترز)

ألمانيا تؤيد تخفيف العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا

أفادت مصادر دبلوماسية، الثلاثاء، بأن ألمانيا تؤيد تخفيف بعض العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتحدث خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول... تركيا يوليو 2024 (رويترز)

تركيا تهدد بشن هجوم على «وحدات حماية الشعب» الكردية إذا لم تستجب لمطالبها

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الثلاثاء، إن تركيا ستشن هجوما عبر الحدود في شمال شرق سوريا ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية إذا لم تلبّ الجماعة مطالب أنقرة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
المشرق العربي أحمد العودة قائد «غرفة عمليات الجنوب» وهي ائتلاف فصائل في محافظة درعا، في مدينة بصرى بمحافظة درعا جنوب سوريا... 5 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ائتلاف فصائل مسلحة في جنوب سوريا يتمسك بسلاحه

يتمسّك ائتلاف «غرفة عمليات الجنوب» بسلاحه، رغم قرار السلطات الجديدة حل التشكيلات المسلحة كافة، مبديا في الوقت ذاته استعداده للانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة أسعد حسن الشيباني يتحدث خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمّان يوم 7 يناير 2025 (رويترز)

الشيباني: سنتريث في عقد المؤتمر الوطني السوري حتى يتسنى تمثيل الجميع

نقلت وسائل إعلام رسمية عن وزير خارجية الإدارة السورية، أسعد الشيباني، قوله، اليوم الثلاثاء، إن سوريا ستتريث في تنظيم المؤتمر الوطني حتى يتسنى تمثيل الجميع.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

لبنان يقرر تسليم نجل القرضاوي إلى الإمارات

 عبد الرحمن القرضاوي (إكس)
عبد الرحمن القرضاوي (إكس)
TT

لبنان يقرر تسليم نجل القرضاوي إلى الإمارات

 عبد الرحمن القرضاوي (إكس)
عبد الرحمن القرضاوي (إكس)

قررت الحكومة اللبنانية تسليم الناشط المصري عبد الرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، استجابةً لطلب الاسترداد الذي تقدّمت به السلطات الإماراتية، وتنفيذاً لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن مجلس وزراء الداخلية العرب، بناءً على فيديو سجّله القرضاوي خلال جولة له في باحة المسجد الأموي بدمشق، هاجم فيه دولاً عربية.

وصدر قرار التسليم بعد ساعات قليلة جداً على تلقي مجلس الوزراء اللبناني مرسوماً أعده وزير العدل، هنري الخوري، بهذا الخصوص، وأكد مصدر وزاري مطلع أن «مرسوم التسليم مبني على مطالعة قانونية للنيابة العامة التمييزية في لبنان، أبدت فيها الأخيرة موافقتها على التسليم باعتبار أن الجرم المسند إلى القرضاوي الابن ليس جرماً سياسياً».

وأكد المصدر الوزاري أن القرار «يستند إلى مذكرة التوقيف الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي يلزم لبنان تلبية الطلب الإماراتي، لكون لبنان عضواً في هذا المجلس وموقعاً على اتفاقياته».