الجهاز الأمني الجزائري يتعامل مع «بيئة معادية» داخل الحدود مع الساحل

مصادرة أسلحة حربية في مواجهات ضارية ضد مهربي المخدرات

تجار مخدرات مع بضاعتهم الممنوعة التي صادرها الجيش (وزارة الدفاع)
تجار مخدرات مع بضاعتهم الممنوعة التي صادرها الجيش (وزارة الدفاع)
TT

الجهاز الأمني الجزائري يتعامل مع «بيئة معادية» داخل الحدود مع الساحل

تجار مخدرات مع بضاعتهم الممنوعة التي صادرها الجيش (وزارة الدفاع)
تجار مخدرات مع بضاعتهم الممنوعة التي صادرها الجيش (وزارة الدفاع)

أسفر اشتباك مسلح وُصف بـ«العنيف جداً» بين الجيش الجزائري ومجموعات من تجار المخدرات المنتشرين بكثرة على حدود البلاد الجنوبية، عن اعتقال 6 مهربين للممنوعات السامة، هم 4 جزائريين واثنان من جنسية أجنبية.

وأكدت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان، وقوع الاشتباك بمنطقة عين أميناس، بالقرب من الحدود مع ليبيا والنيجر، مشيرة إلى أن الاشتباكات، التي جرت الأربعاء الماضي، وفق البيان ذاته، كانت مع «عصابة تهريب مسلحة».

وتظهر صور نشرها الجيش عبر حساباته على وسائل التواصل أن مهربي المخدرات كانوا مدججين بالأسلحة الحربية.

أسلحة تجار المخدرات (وزارة الدفاع)

وتمكن عناصر الوحدة العسكرية، التي خاضت العملية، من مصادرة 3 رشاشات من نوع «إف إم بي كي»، ورشاشين من نوع «كلاشنيكوف»، ونحو 2500 رصاصة من عيارات مختلفة. كما تمكنت الوحدة العسكرية من ضبط كمية هائلة من المواد المخدرة، وفق البيان نفسه، بلغت نحو 2.5 مليون قرص، من مادة «بريجابالين» شديدة التخدير، التي تقول الصحافة الجزائرية إن «الشباب في البلاد يستهلكونها بكثرة».

كما أسفرت العملية العسكرية، وفق بيان وزارة الدفاع، عن ضبط الجيش مركبتين ذات دفع رباعي، و3 أجهزة اتصال من نوع «ثريا»، وجهاز إرسال واستقبال، بالإضافة إلى 4 هواتف ذكية.

وقالت وزارة الدفاع إن نتائج العملية «تأتي في سياق الجهود المتواصلة لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة المنظمة بكل أشكالها، بخاصة التصدي لآفة الاتجار بالمخدرات في بلادنا»، وأثنت على «الاحترافية العالية، واليقظة والاستعداد الدائمين، لقواتنا المسلحة في كامل التراب الوطني».

وتمثل هذه العملية، وفق تقدير مراقبين، أكبر حملة ضبط للمخدرات في الجزائر. وكان أكبر تحرك أمني ضد تجار المخدرات في مارس (آذار) 2023، حين تمكنت الشرطة من ضبط 1.6 مليون قرص مخدر في وسط البلاد وغربها وشرقها وجنوبها. وفي فبراير (شباط) الماضي، ضُبط 1.4 مليون قرص مخدر في تامنراست بأقصى الجنوب، والوادي بالجنوب الشرقي، وفي وهران بالغرب.

جانب من المخدرات المصادرة (وزارة الدفاع)

ونشرت وزارة الدفاع، في الأشهر الأخيرة، تقارير عن «المخاطر والتهديدات في الجنوب»، حيث تفلت الحدود البرية المترامية من مراقبة حكومات المنطقة، خصوصاً في مالي والنيجر حيث الأوضاع السياسية مضطربة نتيجة صراعات داخلية. كما أن الوضع في ليبيا غير مستقر.

وتضمنت هذه التقارير مجموعة من الإجراءات والتدابير الأمنية الرامية إلى التصدي لتجارة المخدرات، وارتباطاتها بمهربي السلاح والبشر، وبعناصر التنظيمات الإرهابية. وتتمثل الإجراءات في تكثيف الدوريات والمراقبة، ونشر وحدات عسكرية مختصة لتنفيذ مهام تفتيش على طول الحدود الجنوبية، بهدف رصد ومنع أي محاولات تهريب.

كما تحرص السلطات الأمنية الجزائرية على إحداث تعاون بين مختلف أجهزة الأمن، بما فيها حرس الحدود والدرك الوطني، لتعزيز الجهود المشتركة في مكافحة التهريب.

وتستعين الأجهزة الأمنية، ضمن هذه الخطة، بوسائل مراقبة متطورة، مثل المسيّرات وأجهزة الاستشعار، لرصد التحركات المشبوهة في المناطق الحدودية.

أجهزة اتصال وهواتف المهربين (وزارة الدفاع)

ويتعامل الجيش والأجهزة الأمنية مع تضاريس صعبة و«بيئة عدائية» في الجنوب، مما يتطلب جهوداً مستمرة ومكثفة لمراقبة وتأمين الحدود. كما يواجه الجيش تطور أساليب المهربين وابتكارهم طرقاً جديدة في الأنشطة الممنوعة.

وتضمنت التقارير العسكرية ذاتها أن قطاعات الجيش تمكنت من إحباط محاولات تهريب كميات كبيرة من المخدرات عبر الحدود الجنوبية منذ بداية العام، مبرزة «أهمية تعزيز التعاون مع الدول المجاورة، لتبادل المعلومات والخبرات في مجالَي مكافحة تهريب المخدرات والجرائم العابرة للحدود».


مقالات ذات صلة

وثائق سرية تكشف حيرة غربية بعد فوز زروال برئاسة الجزائر

شمال افريقيا الرئيس الجزائري الأسبق اليمين زوال يدلي بصوته في انتخابات البرلمان عام 1997 (أ.ف.ب)

وثائق سرية تكشف حيرة غربية بعد فوز زروال برئاسة الجزائر

بعد 3 عقود على فوز اليمين زروال برئاسة الجزائر، «الشرق الأوسط» تعرض وثائق سرية من الأرشيف البريطاني تكشف الإرباك الغربي إزاء هذه اللحظة الحاسمة.

كميل الطويل (لندن)
شمال افريقيا رئيس الجزائر مع رئيس أركان الجيش (وزارة الدفاع)

الجيش الجزائري يهاجم «خونة باعوا وطنهم»

بينما يتصاعد الخطاب الرسمي في الجزائر حول وجود «مؤامرات تستهدف البلاد»، أطلقت السلطات ما يمكن وصفها بـ«ذراع رقمية» تتولى مهمة «التصدي لحملات التشويه».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قائد الجيش مع عسكريين أثناء عملية عسكرية (أرشيفية - وزارة الدفاع الجزائرية)

الجيش الجزائري يعلن القضاء على 6 إرهابيين شرق البلاد

«تعزز هذه العملية حصيلة النجاحات التي تحقّقها قوات الجيش في مختلف مناطق البلاد، وتُبرز الإصرار الثابت على اجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه»...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

«أزمة إسقاط الطائرة المسيّرة»: الجزائر ترفض شكوى مالي أمام محكمة العدل الدولية

أعلنت الجزائر رفضها التعامل مع شكوى رفعتها حكومة مالي إلى محكمة العدل الدولية، تتهمها فيها بإسقاط طائرة مسيّرة تابعة لقواتها المسلحة مطلع أبريل (نيسان) الماضي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا ملصق الاحتفالات المعتمد من طرف وزارة الدفاع (الوزارة)

الجزائر: احتفالات بـ«يوم الجيش» بعد أسبوع من دخول «التعبئة العامة» حيز التنفيذ

يأتي الاحتفال بعد أسبوع من دخول «قانون التعبئة العامة» حيز التنفيذ، وهو ينظم انتقال البلاد بمؤسساتها وأجهزتها المدنية والأمنية، من حالة السلم إلى حالة الحرب.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.