الموقف الأوروبي من «سوريا الجديدة» بين الترغيب والتحذير

الشرع مستقبلاً ستيفن هيكي مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية (أ.ف.ب - سانا)
الشرع مستقبلاً ستيفن هيكي مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية (أ.ف.ب - سانا)
TT

الموقف الأوروبي من «سوريا الجديدة» بين الترغيب والتحذير

الشرع مستقبلاً ستيفن هيكي مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية (أ.ف.ب - سانا)
الشرع مستقبلاً ستيفن هيكي مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية (أ.ف.ب - سانا)

رغم رغبة دول الاتحاد الأوروبي في التزام الحذر والامتناع عن التسرع وحتى الإسراع باتخاذ تدابير أساسية إزاء السلطات السورية الجديدة ممثَّلةً في «هيئة تحرير الشام»، بانتظار أن تتحول الأقوال والوعود الصادرة عن قائدها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) إلى أفعال، فإنها لا تريد أن تتأخر في العودة إلى المشهد السوري، خصوصاً أن الولايات المتحدة وبريطانيا سبقتاها إلى دمشق.

الشرع مستقبلاً ستيفن هيكي مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية البريطانية (أ.ف.ب - سانا)

وبعد يوم حافل بالمناقشات في بروكسل، حيث برزت بعض الفروقات في المواقف بين الأعضاء الأوروبيين، فإن كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في التكتل الأوروبي سارعت إلى الإعلان، الثلاثاء، عن عودة الاتحاد الأوروبي الرسمية إلى سوريا، وذلك بعد يوم واحد من الزيارة التي قام بها الدبلوماسي ميخائيل أونماخت إلى دمشق.

وقالت كالاس، في كلمة لها أمام البرلمان الأوروبي المجتمِع في مدينة ستراسبورغ الفرنسية: «نحن مستعدّون لإعادة فتح بعثتنا، وهي السفارة الأوروبية، ونريدها أن تعود إلى الخدمة بكامل طاقتها»، مضيفةً أنها طلبت من رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي الذهاب إلى دمشق، الاثنين، للتواصل مع القيادة الجديدة في سوريا والجماعات المختلفة الأخرى.

واستبقت ذلك بتغريدة على منصة «إكس» جاء فيها: «لا يمكننا أن نترك فراغاً في سوريا. ينبغي أن يكون للاتحاد الأوروبي حضور» في سوريا، ملمحةً إلى التزامه «الحذر» في حواره مع السلطات الجديدة.

وللتقليل من مغزى وأهمية البادرة الجديدة، ذكَّرت كالاس بأن السفارة الأوروبية لم تغلَق أبداً بشكل رسمي، وأن التغير الرئيسي الذي حصل أن سفيرها المعتمَد انتقل إلى بيروت ولم يعد إلى دمشق.

تخوُّف من عودة الإرهاب

ينطلق الاتحاد الأوروبي من مبدأ رئيسي عبَّرت عنه المسؤولة الأوروبية، الاثنين، بمناسبة اجتماع بروكسل، حيث أكدت أنه «لا يتعين علينا أن نكرر الأخطاء التي ارتُكبت في ليبيا وأفغانستان، حيث أفسحنا المجال للفراغ، ولذا يتعين أن نكون حاضرين حول طاولة (المحادثات) للتحضير لإعادة إعمار البلاد بالتشارك مع الدول العربية».

مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس خلال كلمتها للبرلمان الأوروبي في ستراسبوغ الثلاثاء بمناسبة اليوم الذي خصصه البرلمان لبحث الأوضاع السورية (إ.ب.أ)

ونقلت صحيفة «لو موند» الفرنسية المستقلة، في عددها ليوم الثلاثاء، أنه «يبدو أن الجميع يرى ويتفهم الحاجة إلى إقامة اتصالات مع النظام الجديد».

من جانبها، أكدت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية من أنقره، عقب اجتماعها مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الثلاثاء، أنه «علينا الآن تكثيف تعاملنا المباشر مع هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى».

إجماع أوروبي

واضحٌ أن هناك «إجماعاً» أوروبياً، على المستويين الجمعي والفردي، على التعامل بجدية مع التطورات المتسارعة في سوريا. فالكل يعي أهمية التحديات المطروحة وتأثيراتها ليس فقط إقليمياً ولكن أيضاً على أوروبا نفسها. بيد أن المقاربات بين الأعضاء تبين وجود «تمايزات» حول كيفية التعاطي وسرعة الاستجابة. ولعل أفضل مثال على ذلك ملف الهجرات، حيث إن ما يقل عن ستة دول، من بينها إيطاليا والنمسا واليونان وقبرص... تدفع باتجاه الإسراع بالانفتاح على النظام الجديد رغبةً منها في التبكير بإعادة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها إلى بلادهم.

لكنَّ فون دير لاين ذكَّرت من أنقرة بشروط عودة اللاجئين، وهو الموقف الأوروبي التقليدي المتمسك بالعودة الطوعية والكريمة والآمنة.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين متحدثةً إلى الصحافة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقره الثلاثاء (أ.ب)

من جانب آخر، تتخوف هذه الدول، ومعها الاتحاد بوصفها مجموعة، من أن تدهور الأوضاع مجدداً في سوريا والعودة إلى القتال سيعنيان مزيداً من الهجرات باتجاه أوروبا، وهو ما من شأنه أن يفاقم التصعيد السياسي الداخلي لهذه الدول وإعطاء دفعة لليمين المتطرف الذي يبني سياساته ودعايته الانتخابية على رفض الهجرات.

بيد أن التخوف الأوروبي الثاني مردّه عودة الإرهاب ممثلاً بالدرجة الأولى في تنظيم «داعش»، ليس فقط إلى سوريا ولكن أيضاً وخصوصاً إلى البلدان الأوروبية نفسها. وليس من حاجة إلى التذكير بما عانى منه كثير من الدول الأوروبية من الإرهاب أكانت فرنسا أو إسبانيا أو ألمانيا... والحال أن «داعش» ما زال حاضراً في البادية السورية رغم الضربات التي تشنها القوات الأميركية المتمركزة إنْ في سوريا أو في العراق. لذا، فإن أحد المطالب الرئيسية للأوروبيين ولغيرهم يتناول موضوع الإرهاب والحصول على ضمانات من السلطات الجديدة لجهة التزامها محاربة «داعش» بحيث تكون رئيسية على أجندتها.

ماضي «الجولاني»

ووفق كالاس، فإن الأوروبيين «لا يريدون بروز أي تطرف أو راديكالية في سوريا»، في تلميحٍ إلى ماضي «هيئة تحرير الشام» وأبو محمد الجولاني نفسه، الذي يريد من خلال تصريحاته المتلاحقة التخلص من صورة ماضيه المتقلب.

وتتعين الإشارة إلى أن الجولاني (أو أحمد الشرع)، «يحظى (حتى اليوم) بتقبل غربي» وإن كان متحفظاً. وذهبت كالاس إلى القول، يوم الاثنين، إن هيئة تحرير الشام «تقول الأشياء الصحيحة». لكن ما ينتظره الأوروبيون، حقيقةً، هو الأفعال. وبالتوازي تتخوف أوروبا من الفوضى في الداخل السوري ومن تبعاتها على دول الجوار وأبعد منها. كذلك تريد التأكد، هذه المرة وبشكل نهائي، من أن سوريا قد تخلصت من سلاحها الكيماوي إلى غير رجعة وذلك بالتعاون وتحت إشراف المنظمة الدولية لتحريم الأسلحة الكيماوية.

الخطوط الحمراء

ما سبق يعد غيضاً من فيض مضبطة المطالب الأوروبية والدولية من النظام الجديد. ولا حاجة للتذكير بـ«الخطوط الحمراء» الأوروبية من حيث المصالحة والانتقال السياسي وتمثيل جميع الأقليات، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والتعددية، ناهيك بالتخلص من النفوذين الروسي والإيراني... وهذه المطالب يرفعها الأوروبيون لدى كل حديث عن سوريا. لكنَّ السؤال المطروح يتناول الأوراق التي يمتلكها الأوروبيون للضغط على النظام الجديد.

حقيقة الأمر أنها كثيرة ولأن السلطات الجديدة تحتاج إلى كل شيء وليس فقط إلى المساعدات الإنسانية، فـ«هيئة تحرير الشام» موجودة على قائمة المنظمات الإرهابية وهي راغبة في رفعها منها. وما دامت لم تُرفع سيصعب على الأوروبيين الاعتراف بالنظام الجديد. وسوريا خاضعة لعقوبات أوروبية ودولية متعددة الأشكال والأنواع ولا يمكن لها أن تخرج من أزماتها الاقتصادية والمالية ما دامت العقوبات موجودة. أما الحاجة الكبرى فتتمثل في إعادة الإعمار التي لن تتم من غير مساهمات عربية وأوروبية ودولية.

من هنا، ترى مصادر فرنسية أنه «لا خيار» للنظام الجديد، إذا أراد أن يبتعد عن النموذج الأفغاني أو الليبي، إلا أن يستمع لما تريده أوروبا وأن يتعاون ويعجل بتوفير البراهين على المطابقة بين أقواله ووعوده وأفعاله. ومقابل «الخطوات الإيجابية» المطلوبة من النظام الجديد، تُبدي أوروبا، وفق تصريحات أعلى مسؤوليها، الاستعداد لمواكبتها. لكنَّ الإعلان عن النيات شيء وتحقيقها على أرض الواضع شيء آخر.

ولتحصل هذه الأمور، من الضروري استقرار الوضع وتوافر إرادة دولية تمنع تشظي سوريا. والحال أن ما تخطط له تركيا وما تقوم به إسرائيل غير مشجع ويبين أن خططاً مختلفة تماماً تُهيَّأ لسوريا وللمنطقة بشكل عام.


مقالات ذات صلة

عملية أمنية تستهدف وكراً لتنظيم «داعش» في داريا بريف دمشق

المشرق العربي القبض على أحد عناصر «خلية داعش» في داريا بريف دمشق (سانا)

عملية أمنية تستهدف وكراً لتنظيم «داعش» في داريا بريف دمشق

فكَّك الأمن الداخلي السوري خلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش»، وألقى القبض على أفرادها، وذلك خلال عملية أمنية محكمة في منطقة داريا بريف دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الأمن السوري (أرشيفية - الداخلية السورية)

تفكيك خلية إرهابية والقبض على متزعمها في سوريا

أعلنت وزارة الداخلية السورية، الأحد، تفكيك خلية إرهابية، والقبض على متزعمها، بالإضافة إلى 6 من أفرادها في محافظة ريف دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود أميركيون يجهزون مقاتلة "إف 15إي" بالذخائر قبيل انطلاقها لضرب أهداف ل"داعش" في سوريا الجمعة (أ.ف.ب)

«ترمب ينتقم»... ضرب 70 هدفاً لـ«داعش» في سوريا

نفّذ الرئيس دونالد ترمب تهديدَه بالانتقام من تنظيم «داعش» على خلفية مقتل 3 أميركيين، هم جنديان ومترجم، بهجوم قام به متطرفٌ في تدمر بالبادية السورية، السبت.

سعاد جروس (دمشق) «الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)

الجيش الإسرائيلي يعلن القبض على مشتبه بانتمائه لـ«داعش» في سوريا

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إنه ألقى القبض على مشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش» في جنوب سوريا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
خاص طائرة «إف-15» في قاعدة بالولايات المتحدة قبل الانطلاق للمشاركة في الضربات الأميركية على مواقع «داعش» بسوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ف.ب)

خاص جبل العمور والوادي الأحمر وجبل البشري... خريطة الضربات ضد «داعش» في سوريا

قالت مصادر مقربة من وزارة الدفاع في دمشق إن عملية قوات التحالف ضد تنظيم «داعش» في البادية السورية، قد تكون عملية «مفتوحة» تمتد لأيام.

سعاد جروس (دمشق)

جدل في العراق بعد شكر القضاء للفصائل المسلحة على «نزع السلاح»

رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)
رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)
TT

جدل في العراق بعد شكر القضاء للفصائل المسلحة على «نزع السلاح»

رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)
رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان (موقع المجلس)

في خضم الحديث المتصاعد في العراق حول قبول بعض قادة الفصائل المسلحة بمبدأ «حصر السلاح بيد الدولة»، أثار البيان المقتضب الذي أصدره رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، وقدم فيه الشكر إلى قادة الفصائل لاستجابتهم لنزع السلاح، أسئلة وانتقادات من متابعين ومراقبين للشأن العراقي، كما أثار ردة فعل غاضبة من النائب الأميركي جو ولسن.

وقال مجلس القضاء الأعلى في بيان مقتضب، السبت، إن «رئيس مجلس القضاء الأعلى يشكر الأخوة قادة الفصائل على الاستجابة لنصيحته المقدّمة إليهم بخصوص التعاون معاً لفرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة والانتقال إلى العمل السياسي بعد انتفاء الحاجة الوطنية إلى العمل العسكري».

وتمحورت معظم الاعتراضات والنقاشات المحلية حول «الوظيفة الطبيعية للقضاء» التي، حسب المنتقدين، تقوم على تحقيق العدالة لا على «تقديم الشكر للخارجين عن القانون».

ويبدو أن اللغط والانتقادات التي رافقت البيان قد وصلت إلى مسامع مجلس القضاء، ودفعته إلى إصدار إيضاح يشرح الأمر مفصلاً.

وقال المجلس في إيضاح نشره على موقعه الرسمي، إن ما صدر عن القاضي زيدان «يعكس تأكيده ضرورة التزام جميع الأطراف بمسار سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة، توجهاً مؤسساتياً راسخاً ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العراقية الحديثة».

وأضاف أن شكره لقادة الفصائل على استجابتهم لدعوته بالتعاون في هذا المسار يأتي «بوصفه تعبيراً عن مقاربة قانونية مسؤولة، لا تنطوي على أبعاد سياسية ظرفية، بل تستند إلى مرجعيات دستورية وتشريعية واضحة وملزمة».

رئيس الحكومة العراقية يتوسط رئيس «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشار الإيضاح إلى أن الدستور العراقي ينص في المادة الخامسة على أن «السيادة للقانون»، كما «تؤكد المادة التاسعة منه حظر تكوين الميليشيات المسلحة خارج إطار الدولة»، الأمر الذي يجعل حصر السلاح بيدها «التزاماً دستورياً واجب النفاذ، لا خياراً سياسياً خاضعاً للتقدير».

ورأى المجلس أن دعوة رئيسه، فائق زيدان، «إلى الانتقال من منطق العمل المسلح إلى فضاء العمل السياسي المشروع تكتسب أهميتها الخاصة لصدورها عن السلطة القضائية المستقلة».

وخلص إلى القول إن «هذا التوجّه (الشكر) يؤسس لرؤية قانونية تهدف إلى ترسيخ سلطة الدولة وتعزيز الأمن والاستقرار، عبر إدماج جميع القوى الفاعلة ضمن الإطار الدستوري، وتكريس مبدأ حاسم مفاده أن القرار السيادي واحتكار استخدام القوة لا يكونان إلا بيد الدولة».

مع ذلك، لم يحل إيضاح القضاء دون استمرار الانتقادات وعلامات الاستفهام المحلية. وكتب الناشط السياسي موسى رحمة الله عبر صفحته في «فيسبوك» أن «القضاء مرجع محايد، وأي اشتراك له في محادثات مع أطراف مسلحة أو منتهكي القانون يفقده حياده ويضعه في موقع الانحياز».

وأضاف أن «القاضي لا يوجّه النصح إلى المخالف ولا يشاركه النقاش، بل يحاسبه وفق القانون. فلا يجوز إرشاد من يُفترض محاسبته، ولا فتح حوار مع من ينتهك حقوق الإنسان أو يحمل السلاح خارج الدولة. إن هيبة القضاء تُصان حين يكون القانون هو اللغة الوحيدة».

انتقادات جو ولسن

ووجّه النائب الأميركي الجمهوري جو ويلسون، المعروف بانتقاداته المتواصلة لرئيس مجلس القضاء، فائق زيدان، انتقادات شديدة للأخير على خلفية تقديمه الشكر للفصائل المسلحة العراقية لموافقتها على إلقاء السلاح.

وكتب ويلسون في منشور على منصة «إكس» أن «رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي وجّه الشكر علناً للفصائل المسلحة على نيتها المعلنة بنزع السلاح. إن هذا الكلام لا يعكس سلوك مؤسسة دولة ولا حياد القضاء، بل يُظهر بوضوح وجود قناة اتصال وعلاقة مستمرة بين قيادة القضاء والفصائل المسلحة».

وأضاف أن «القضاء المستقل لا يقدم الشكر للجماعات المسلحة على اتباع نصائحه، ولا يقيّم تحركاتها السياسية أو العسكرية. هذا السلوك خارج تماماً عن نطاق صلاحياته الدستورية».

واعتبر ويلسون أن «هذا الخطاب يؤكد أن المسألة لا تتعلق بسيادة القانون، بل بتداخل الأدوار ومحاولة توجيه رسائل سياسية تحت غطاء القضاء. هذا السلوك يُعد من أخطر التهديدات التي تواجه العدالة والدولة».

وتواصل الفصائل المسلحة استجابتها لدعوات حصر السلاح بيد الدولة، وقد صدرت خلال اليومين الأخيرين مواقف رسمية بهذا الشأن من الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، والأمين العام لـ«كتائب الإمام علي»، شبل الزيدي، وقائد فصيل «أنصار الله الأوفياء»، حيدر الغراوي، إضافة إلى المتحدث الرسمي باسم «كتائب سيد الشهداء».


عملية أمنية تستهدف وكراً لتنظيم «داعش» في داريا بريف دمشق

عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)
عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)
TT

عملية أمنية تستهدف وكراً لتنظيم «داعش» في داريا بريف دمشق

عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)
عناصر الأمن السوري في داريا بريف دمشق (سانا)

فكَّك الأمن الداخلي السوري خلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش»، وألقى القبض على أفرادها، وذلك خلال عملية أمنية محكمة في منطقة داريا بريف دمشق.

ونقلت الوكالة الرسمية (سانا) تصريح العميد أحمد الدالاتي قائد الأمن الداخلي في محافظة ريف دمشق، الذي قال فيه إن الوحدات المختصة في الأمن الداخلي، نفّذت بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة، عمليةً أمنية محكمة في منطقة داريا، استهدفت وكراً لتنظيم «داعش» الإرهابي، بعد تحريات ومعلومات استخبارية دقيقة ومتابعة مستمرة لتحركات عناصره خلال الأسابيع الماضية.

وأضاف العميد الدالاتي: «أسفرت العملية عن تفكيك الخلية الإرهابية بالكامل، وإلقاء القبض على متزعمها، إضافة إلى 6 من أفرادها، وضبط أسلحة وذخائر متنوعة بحوزتهم، معدّة لاستخدامها في أنشطتهم الإرهابية». وأوضح أنه جرى تنفيذ العملية، وفق أعلى درجات التخطيط والدقة، مع الالتزام التام بالإجراءات الاحترازية لضمان سلامة المدنيين.

عنصر من قوات الأمن بريف دمشق في أثناء الحملة على خلية إرهابية في داريا (سانا)

ورأى المسؤول الأمني أن العملية تعكس مستوى التنسيق بين وحدات الأمن والاستخبارات، وقدرتها على تفكيك الخلايا الإرهابية. وتأتي هذه العملية ضمن استراتيجية مستمرة لتجفيف منابع الإرهاب، ومنع أي تهديد لأمن المجتمع، وتحقيق السلم والاستقرار فيه.

من عملية ضد «داعش» في ريف إدلب (وزارة الداخلية السورية)

وكانت قيادة الأمن الداخلي في محافظة إدلب قد تمكنت في السادس عشر من الشهر الحالي، بالتعاون مع إدارة مكافحة الإرهاب بجهاز الاستخبارات العامة، وخلال عملية أمنية محكمة، من إلقاء القبض على خلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش» مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب.

وتجدر الإشارة إلى أن الغارات الجوية المكثفة التي شنتها الولايات المتحدة على سوريا، مساء الجمعة، أبرزت التحديات التي يواجهها الرئيس السوري أحمد الشرع، في سعيه الحثيث لفرض سيطرته على البلاد، وإدارة علاقته الناشئة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

استخدمت قوات القيادة المركزية الأميركية في عمليتها ضد تنظيم «داعش» طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ومدفعية (سنتكوم)

وأكدت القيادة المركزية الأميركية أن طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ومدفعية أميركية قصفت أكثر من 70 موقعاً يُشتبه بأنها تابعة للتنظيم في وسط سوريا، مستهدفةً البنية التحتية ومواقع الأسلحة التابعة للتنظيم. وشاركت طائرات حربية أردنية في العملية.

ومنذ انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، كثّف التنظيم هجماته في البلاد، وفقاً لمسؤولين أميركيين وسوريين، فضلاً عن خبراء أمنيين. وصرّحت الحكومة السورية، يوم السبت، بأنها تُكثّف عملياتها العسكرية ضد التنظيم. وجاء في البيان السوري: «تدعو الجمهورية العربية السورية الولايات المتحدة والدول الأعضاء في التحالف الدولي إلى دعم هذه الجهود؛ ما يُسهم في حماية المدنيين، واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة».

القبض على أحد عناصر «خلية داعش» في داريا بريف دمشق (سانا)

ويواجه الشرع مهمة صعبة تتمثل في توحيد الجماعات المتباينة والأقليات الدينية تحت قيادته، بما في ذلك فصائل تحمل أفكاراً متطرفة، وأخرى كانت تابعة لتنظيم «القاعدة»، كما كان هو نفسه.

ولم يستبعد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسائل عملياتية، إمكانية شنّ مزيد من الغارات الجوية الأميركية. وقال المسؤول إن قوات الأمن السورية، بدعمٍ من الاستخبارات الأميركية، ستُكثّف جهودها في الوقت الراهن لشنّ غاراتٍ على عناصر تنظيم «داعش»، وقطع إمدادات الأسلحة عنهم.

وبعد الهجوم الدامي على أميركيين، جدد ترمب دعمه للزعيم السوري. وشنّت الولايات المتحدة هجمات واسعة النطاق ضد التنظيم عندما كان الأسد لا يزال يحكم سوريا. ورغم تراجع قوة التنظيم في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك في معظمه إلى الهزائم العسكرية وفقدان الأراضي، فإنه لا يزال موجوداً في صحاري وسط سوريا النائية، حيث يشن هجمات متفرقة.

عملية لقوات الأمن السوري اعتقلت فيها منفذي استهداف عناصر أمن في معرة النعمان بمحافظة إدلب (سانا)

وفي هذا الشهر، أعلن التنظيم مسؤوليته عن مقتل 4 ضباط حكوميين سوريين في محافظة إدلب شمال غربي البلاد. كما أعلنت السلطات السورية مسؤوليتها عن هجومين في محافظة دير الزور شرق البلاد، استهدف أحدهما مركبة عسكرية بعبوة ناسفة.

وخلال الأسبوع الماضي، صرّحت السلطات السورية بأنها ألقت القبض على عدد من الأشخاص المنتمين إلى خلية تابعة لتنظيم الإرهابي في إدلب، بالإضافة إلى عضو في التنظيم بالعاصمة دمشق، عُثر بحوزته على مواد متفجرة وطائرات مسيّرة انتحارية.

ويوم السبت، كان المحللون العسكريون لا يزالون يقيّمون مدى تأثير هذه الضربات على قدرات التنظيم. وقال أندرو تابلر، الذي شغل منصب مدير مكتب البيت الأبيض لشؤون سوريا خلال إدارة ترمب الأولى: «يُظهر عدد الضربات أن وجود تنظيم (داعش) لا يزال أقوى مما كان يُعتقد سابقاً».


لبنان: مشروع قانون استرداد الودائع يُفجر غضب المصارف والمودعين

مقر «المصرف المركزي» في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)
مقر «المصرف المركزي» في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

لبنان: مشروع قانون استرداد الودائع يُفجر غضب المصارف والمودعين

مقر «المصرف المركزي» في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)
مقر «المصرف المركزي» في بيروت (الوكالة الوطنية للإعلام)

أثار الإعلان عن الخطوط العريضة لمسودة قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، والمعروف بـ«قانون الفجوة المالية»، غضب المودعين في المصارف اللبنانية، وجمعية المصارف التي قالت مصادر مالية إنها «غير راضية» عن مسودة القانون، كما سُجّلت ملاحظات من قبل «صندوق النقد الدولي» على المسودة التي تبدأ الحكومة الاثنين، مناقشتها.

وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة، تبدأ الاثنين مناقشة الخطة، تمهيداً لإقرار مشروع قانون باسم «الانتظام المالي واسترداد الودائع»، ثم تحيله إلى البرلمان لدراسته وإقراره، وسط توقعات بأن يتعرض القانون في مجلس النواب لتعديلات كبيرة، على ضوء الاعتراضات عليه.

وقالت مصادر مالية لـ«الشرق الأوسط» إن مسودة القانون «أغضبت المصارف»، كما «أثارت رفض المودعين»، مضيفة أن «صندوق النقد الدولي» سجّل ملاحظات سريعة، ما يعني أن القانون «لن يمر كما هو في البرلمان، رغم توقعات بأنه سيمر في الحكومة الاثنين أو الثلاثاء على أبعد تقدير».

وتقول الحكومة إن القانون يتوافق مع المعايير الأساسية لـ«صندوق النقد الدولي»، ومن ضمنها مبدأ تراتبيّة المطالبات (Hierarchy of Claims). أما التفاصيل، فستخضع بطبيعة الحال للنقاش ضمن المفاوضات المستمرة، وهو أمر طبيعي في جميع برامج الدول مع الصندوق.

وترى مصادر مطلعة على صياغة القانون، أنه يختلف جذرياً عما سبق، لأنه، وللمرة الأولى، يُقدّم آليات استرداد محددة وواضحة، وسندات مدعومة بأصول حقيقية، وخريطة طريق مُلزِمة لإعادة رسملة المصارف.

وترى أن القانون لا يُشكّل إدارة للأزمة وتمديداً لها، بل بداية مسار فعلي لاستعادة الحقوق وإنهاء المراوحة والفوضى، وإحياء القطاع المصرفي وإنعاش الاقتصاد، وتفعيل المساءلة والمحاسبة، وتعزيز الإصلاح.

اعتراض البرلمان

وبدأت أول ملامح الاعتراضات على القانون برسالة وجهها رئيس لجنة الاقتصاد البرلمانية النائب فريد البستاتي إلى رئيس الحكومة نواف سلّام، ووزير المالية ياسين جابر، ووزير الاقتصاد عامر البساط، أعلن فيها معارضته المسودة، وأنه سوف يسعى لـ«منع إقرارها حتى تعدّل وتُصبح عادلة ومنصفة لجميع المودعين».

نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد (رئاسة الحكومة)

وقال: «اقتراح القانون الذي تعدّه الحكومة، الذي أعلنت عن تفاصيله، مجحف بحق المودعين وبحق الاقتصاد وبحق لبنان؛ لأنه لا يُعيد الثقة، ولا يُطلق عجلة الاقتصاد. هذا القانون لن يمرّ، وسوف نقاومه ونحاربه»، مضيفاً: «نعلن اليوم عن افتتاح لائحة الشرف للنواب الذين سيعارضونه».

اعتراض المصارف

على ضفة المصارف، عقدت «جمعية مصارف لبنان» اجتماعاً لمجلس إدارتها، بعد ظهر الأحد، وناقشت «قانون الفجوة المالية»، بانتظار ما ستطرحه الحكومة في اجتماعها الاثنين. وخصص هذه الجلسة للبحث في خطورة مشروع القانون هذا على مستقبل المودعين وأموالهم وعلى القطاع المصرفي.

ونقلت قناة «إم تي في» التلفزيونية عن مصادر الجمعية، قولها إن هذا القانون يُحمّل تكلفة تغطية كل الفجوة المالية لمصرف لبنان، ويُبرّئ الدولة من أي من مسؤولياتها، وهو بالنسبة إليهم يُشكل «براءة ذمّة لكل الجرائم المالية والمخالفات والهدر والفساد في الدولة اللبنانية منذ عشرات السنوات».

وقالت المصادر إن «إقرار هذا القانون بصيغته الحالية ينسف ما تبقى من ودائع للمودعين لعدم قدرة المصارف وحدها على تأمين أكثر من 20 مليار دولار لتغطية أوّل 100 ألف دولار لكل مودع».

وأفادت القناة بأن المصارف تلوح بالإضراب وإقفال أبوابها في حال أصرّت الحكومة في مشروعها المقدّم على تحميل المصارف وحدها التكلفة، ما يعني حكماً عدم القدرة على تسديد أموال المودعين وإفلاس معظم المصارف معها.

المودعون يعتصمون

من جهتها، أعلنت جمعية «صرخة المودعين» عن تحرّك احتجاجي واسع تحت عنوان «الاثنين يوم غضب للمودعين»، داعيةً إلى مشاركة كثيفة في الاعتصام المقرّر يوم الاثنين على مدخل القصر الجمهوري في بعبدا، بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي ستبحث المشروع تمهيداً لإقراره.

ويؤكد مواكبو إعداد القانون أنه «لا يوجد أي اقتطاع أو شطب للقيمة الاسمية للودائع»، وتُشدد على أن «القيمة محفوظة بالكامل، وما يتغيّر فقط هو آلية السداد وجدولها الزمني، بما يضمن العدالة والاستدامة وعدم تحميل المودعين تكلفة الانهيار».

ويُشير هؤلاء إلى أن 85 في المائة من المودعين محميون بالكامل، وهم المودعون الذين تقل قيمة ودائعهم عن 100 ألف دولار، وسيحصلون على هذا المبلغ كاملاً من دون أي حسم، وخلال فترة زمنية مقبولة «بما يحمي الفئات الأوسع والأضعف، ويعيد جزءاً أساسياً من الثقة بالنظام المالي».

أما المودعون المتوسطون والكبار فيحصلون على 100 ألف دولار نقداً مقسطة على 4 سنوات، تماماً مثل صغار المودعين، فيما يُصرف المبلغ المتبقي عبر سندات قابلة للتداول، تُسدَّد تدريجياً وفق جدول زمني واضح، وتكون مسنودة بأصول المصرف المركزي. وترى الحكومة أن «هذه الآلية توازن بين حماية الحقوق الفردية والحفاظ على الاستقرار المالي العام».