انتخابات غانا: المعارضة تقلب الطاولة في وجه الحزب الحاكم

ماهاما يعود إلى القصر... والبلد يرسخ «الاستثناء الديمقراطي» في غرب أفريقيا

أنصار مرشح المعارضة جون دراماني ماهاما يحتفلون بانتصاره في انتخابات الرئاسة في أكرا (أ.ب)
أنصار مرشح المعارضة جون دراماني ماهاما يحتفلون بانتصاره في انتخابات الرئاسة في أكرا (أ.ب)
TT
20

انتخابات غانا: المعارضة تقلب الطاولة في وجه الحزب الحاكم

أنصار مرشح المعارضة جون دراماني ماهاما يحتفلون بانتصاره في انتخابات الرئاسة في أكرا (أ.ب)
أنصار مرشح المعارضة جون دراماني ماهاما يحتفلون بانتصاره في انتخابات الرئاسة في أكرا (أ.ب)

قلب حزب المعارضة الأول في غانا الطاولة على الحزب الحاكم، وفاز بالانتخابات الرئاسية التي نظمت، السبت، لتؤكد غانا أنها استثناء ديمقراطي في منطقة غرب أفريقيا؛ حيث تنتشر في محيطها القريب الانقلابات العسكرية، ولا تكاد تمر انتخابات دون أزمة أمنية وأعمال عنف.

لكن البلد الأفريقي الغني بالذهب والكاكاو، ظل وفياً لتقاليد ديمقراطية بدأت مع التعددية الحزبية مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومكنته من تحقيق التغيير بشكل متكرر، وبشكل هادئ وسلمي، وتنظيم انتخابات تنافسية وشفافة بالمقارنة مع ما هو معهود في أفريقيا.

المرشح الرئاسي لحزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» جون دراماني ماهاما خلال اقتراعه في مدينة بولي السبت (رويترز)
المرشح الرئاسي لحزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» جون دراماني ماهاما خلال اقتراعه في مدينة بولي السبت (رويترز)

العودة للقصر

وتشير النتائج الأولية غير الرسمية إلى تقدم زعيم المعارضة ورئيس حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي»، جون دراماني ماهاما، بنسبة وصلت إلى أكثر من 56 في المائة من أصوات الناخبين، وهو ما يضمن له العودة إلى القصر الرئاسي، بعد 8 سنوات من العمل المعارض.

وكان ماهاما قد حكم غانا لولاية رئاسية واحدة امتدت من 2012 حتى 2016، حين خسر الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي نانا أكوفو-أدو، الذي استمر في الحكم ولايتين متتاليتين، مدة كل واحدة منهما 4 سنوات.

وبما أن الدستور يمنع حكم البلاد لأكثر من ولايتين، قرر الرئيس المنتهية ولايته ترشيح ودعم نائبه محمود باوميا، ليخوض السباق مع 11 مرشحاً آخر، ولكنه في الحقيقة كان عليه أن يواجه ماهاما، الخصم القوي وزعيم المعارضة والعارف بدهاليز الحكم.

واستطاع ماهاما أن يستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة، ليقنع فئة الشباب والناخبين الجدد بالتصويت له وقلب الطاولة على الحزب الحاكم.

المرشح الرئاسي الجديد للحزب الوطني محمودو بوميا رفقة الرئيس نانا أكوفو أدو خلال تجمع انتخابي في غانا الثلاثاء الماضي (رويترز)
المرشح الرئاسي الجديد للحزب الوطني محمودو بوميا رفقة الرئيس نانا أكوفو أدو خلال تجمع انتخابي في غانا الثلاثاء الماضي (رويترز)

المرشح المسلم

محمودو باوميا خاض الانتخابات من موقعه كنائب لرئيس البلاد، وعينُه على منصب الرئيس، وهو خبير اقتصادي يبلغ من العمر 61 عاماً، خريج جامعة أوكسفورد.

باوميا الذي ينحدرُ من الأقلية المسلمة، كان قريباً من أن يصبح أول رئيس مسلم لدولة غانا، وهي نقطة كانت حاضرة في النقاش الانتخابي داخل البلاد، ولكنها لم تكن حاسمة في النتيجة النهائية.

ويشير الخبراء إلى أن باوميا تضرر كثيراً من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب غانا، وكان يراه الناخبون ذلك الخبير الاقتصادي الذي عجز كنائب للرئيس عن إيجاد حلول للأزمة.

رغم كل الانتقادات التي واجهها باوميا خلال الحملة الانتخابية، فإنه دافع بشراسة عن سياسات حزبه، وقال إنه رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة، فإن البلاد أصبحت على «أعتاب تحول اقتصادي عميق».

ومع ظهور النتائج الأولية للانتخابات، لم يتأخر باوميا في الاعتراف بالهزيمة، والاتصال هاتفياً بخصمه وتهنئته بالفوز، وعقد مؤتمراً صحافياً بعد ساعات من إغلاق مكاتب التصويت، قال فيه: «لقد اتصلت للتو بفخامة جون ماهاما لتهنئته كرئيس منتخب لجمهورية غانا».

تحديات كبيرة

ورغم أجواء الاحتفالات التي عمت غانا، وخروج أنصار ماهاما للشوارع، فإن حالة من الترقب الحذر تسود البلاد، فالرئيس الجديد «القديم» وإن كان يعود إلى القصر الرئاسي وهو يعرفه، فإن الغانيين يتذكرون الأزمات التي عاشتها البلاد خلال 4 سنوات من حكمه.

يتذكرون أزمة التيار الكهربائي الخانقة التي ضربت البلاد خلال حكم ماهاما، حتى إن الشارع والصحافة المحلية أطلقت عليه لقب «رجل انقطاع الكهرباء».

حاول ماهاما أن يصرف النقاش عن ماضيه في الحكم، وركز على انتقاد السياسات الاقتصادية «الفاشلة» للحزب الحاكم، مع وعود بحل قضايا جوهرية مثل قضية التنقيب الأهلي عن الذهب بطريقة غير قانونية، وهو ملف شائك ومعقد في بلد يصنف كأكبر منتج للذهب في أفريقيا.

يحتدم النقاش في غانا حول قطاع التنقيب الأهلي عن الذهب، وأضراره على الاقتصاد والبيئة والأمن، في الوقت الذي كان الحزب الحاكم يقترح «دعم» المنقبين الأهليين لتحويل أنشطتهم إلى «مناجم صغيرة»، مع إلزامهم باحترام البيئة وعدم استخدام مواد كيماوية سامة.

أما ماهاما، فتعهد خلال الحملة الانتخابية بتنظيم صارم للتنقيب الأهلي عن الذهب، والتوقف الفوري عن منح أي تراخيص جديدة للمنقبين، وهي وعود يتوقع المراقبون أن تفتح عليه أبواباً هو في غنى عنها؛ بسبب اعتماد قطاعات واسعة من السكان على نشاط التنقيب عن الذهب.

وبذلك يخاطر ماهاما بالدخول في مواجهة مع أصحاب المناجم الصغيرة، الذين كثيراً ما يتهمون الحكومات المتعاقبة بالانشغال بالتضييق عليهم، في حين تكون عاجزة عن مواجهة الشركات العالمية التي تستغل مناجم الذهب الكبيرة في البلاد.

معركة البرلمان

ومن أجل الوفاء بالكثير من وعوده، خاصة لتنظيم قطاع التنقيب الأهلي عن الذهب، يحتاج ماهاما إلى أغلبية مريحة في البرلمان، الذي جرى التصويت عليه، يوم السبت، بالتزامن مع انتخابات الرئاسة.

وتشير أغلب التوقعات إلى أن المعارضة في طريقها لتحقيق أغلبية «مريحة ومفاجئة»، خاصة بعد أن تراجعت نسبة الحزب الحاكم في انتخابات الرئاسة إلى أقل من 41 في المائة.

وخلال السنوات الأربع الأخيرة، كان الحزب الحاكم يتمتع بأغلبية بسيطة جداً، من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 275 نائباً، ما أدخله في أزمات سياسية عاصفة، خاصة حين فتح النقاش حول قوانين مثيرة كقانون الحرية المثلية.


مقالات ذات صلة

الجزائر تُعِد خطة «للتصدي للأخبار المضللة»

شمال افريقيا جانب من أشغال الاجتماع الأفريقي حول مكافحة الأخبار الكاذبة (وزارة الاتصال الجزائرية)

الجزائر تُعِد خطة «للتصدي للأخبار المضللة»

أعلن وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان عن العمل على إعداد خطة للتصدي «للأنباء المضللة»، وذلك خلال اجتماع عقده «مكتب التنسيق الأمني لشمال أفريقيا» في الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا «وكالة الفضاء الأفريقية» تهدف إلى مواجهة التحديات التي تواجه القارة السمراء (وزارة التعليم العالي بمصر)

مصر تُعزز حضورها الأفريقي بمقر لـ«وكالة الفضاء»

تُعزز مصر حضورها في القارة السمراء بافتتاح مقر «وكالة الفضاء الأفريقية» بالقاهرة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - رواندية بشأن التهدئة بـ«شرق الكونغو» وتعاون دول حوض النيل

بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع نظيره الرواندي بول كاغامي، الخميس، تهدئة الأوضاع في إقليم شرق الكونغو، والتوصل إلى حل سياسي سلمي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا صورة من حريق قارب بالولايات المتحدة في سبتمبر 2019 (أ.ب - أرشيفية)

مصرع 50 شخصاً في حريق قارب بالكونغو

قال مسؤول محلي، اليوم (الأربعاء)، إن 50 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصبح 100 في عداد المفقودين عندما شب حريق في قارب بالكونغو وأغرقه.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب على متن الطائرة الرئاسية «إير فورس ون» في فلوريدا (رويترز)

منشور لترمب عن قمة مجموعة العشرين يثير غضب حزب جنوب أفريقي

أثار منشور للرئيس الأميركي دونالد ترمب يُشير فيه إلى أنه لن يحضر قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا، غضب حزب راديكالي طالته انتقادات الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)

تقارير بشأن نشر تركيا جنوداً بالصومال لدعم جيشه ضد «حركة الشباب»

جانب من اجتماع الرئيس التركي إردوغان ونظيره الصومالي شيخ محمود على هامش «منتدى أنطاليا الدبلوماسي»... (الرئاسة التركية)
جانب من اجتماع الرئيس التركي إردوغان ونظيره الصومالي شيخ محمود على هامش «منتدى أنطاليا الدبلوماسي»... (الرئاسة التركية)
TT
20

تقارير بشأن نشر تركيا جنوداً بالصومال لدعم جيشه ضد «حركة الشباب»

جانب من اجتماع الرئيس التركي إردوغان ونظيره الصومالي شيخ محمود على هامش «منتدى أنطاليا الدبلوماسي»... (الرئاسة التركية)
جانب من اجتماع الرئيس التركي إردوغان ونظيره الصومالي شيخ محمود على هامش «منتدى أنطاليا الدبلوماسي»... (الرئاسة التركية)

كشفت مصادر صومالية عن نشر تركيا 500 جندي في مقديشو، ضمن مرحلة أولى من عملية أوسع تشمل إرسال 2500 عسكري؛ لتعزيز قدرات القوات الحكومة في مواجهة هجمات متصاعدة من «حركة الشباب» الإرهابية المسلحة.

وأفادت مواقع إخبارية صومالية، الخميس، بأن طائرتين عسكريتين تركيتين حَطّتا في مطار مقديشو، هذا الأسبوع، محملتين بالأفراد والمعدات، وكان في استقبالهما مسؤولون رفيعو المستوى من وزارة الدفاع الصومالية.

وأضافت أن التحرك التركي جاء في إطار تعزيز التعاون الأمني مع الصومال بناءً على طلب رسمي من حكومته في أعقاب نكسة كبيرة للقوات الصومالية، بسيطرة مقاتلي «حركة الشباب» على قاعدة القيادة المركزية في منطقة آدان يابال بإقليم شبيلي الوسطى الأسبوع الماضي، بعد التقدم في عشرات البلدات والقرى؛ مما أثار مخاوف من توسع نفوذ الجماعة الإرهابية.

ولفتت إلى أن القوات التركية من المتوقع أن تركز على تأمين المواقع الاستراتيجية في مقديشو؛ بما فيها المنشآت الحكومية والبنى التحتية الحيوية، ومن المرجح أن تتحرك بحذر؛ لتجنب تورط أنقرة في الصراع بالصومال، مع مواصلتها دعم جهود استقرار البلاد.

جانب من تدريب قوات صومالية بالقاعدة العسكرية التركية في مقديشو (إعلام تركي)
جانب من تدريب قوات صومالية بالقاعدة العسكرية التركية في مقديشو (إعلام تركي)

ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب أنقرة على التقارير الصومالية، كما لم تتطرق إليها وسائل الإعلام التركية.

وسقطت قذائف «هاون» في 5 أبريل (نيسان) الحالي، بالقرب من القصر الرئاسي بالعاصمة الصومالية مقديشو؛ ما أسفر عن إصابة مدنيين اثنين على الأقل.

وأعلنت شركتا «مصر للطيران» و«الخطوط الجوية التركية»، في 6 أبريل الحالي، تعليق رحلاتهما إلى العاصمة الصومالية مقديشو، عقب قصف محيط مطارها الدولي بقذائف «هاون».

وسبق أن أعلنت وزارة الإعلام الصومالية، في 18 مارس (آذار) الماضي، عن إحباط هجوم من «حركة الشباب» استهدف موكب الرئيس حسن شيخ محمود، وأسفر عن سقوط ضحايا بين المدنيين.

ويشهد الصومال صراعاً دامياً منذ سنوات بين القوات الحكومية ومسلحي «حركة الشباب» التي تسعى لإقامة حكم متشدد وفق تفسيرها الخاص للشريعة الإسلامية.

وتكثف السلطات الصومالية في المدة الأخيرة من عملياتها العسكرية ضد معاقل «الحركة»، في إطار جهودها لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي الصومالية وضمان الأمن والاستقرار في البلاد.

وأطلقت الحكومة الصومالية، منذ عام 2022، حملة عسكرية لطرد عناصر «حركة الشباب» من المناطق الوسطى بالبلاد، رغم استمرار التنظيم في تنفيذ هجمات واسعة النطاق.

أنقرة ومقديشو وقّعتا اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي في فبراير 2024 (وزارة الدفاع التركية)
أنقرة ومقديشو وقّعتا اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي في فبراير 2024 (وزارة الدفاع التركية)

ووافق البرلمان التركي، في 28 يوليو (تموز) من العام الماضي، على مذكرة رئاسية بشأن نشر عناصر من القوات المسلحة في الصومال بما يشمل المياه الإقليمية لمدة عامين، في إطار «الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي» الموقعة بينهما يوم 8 فبراير (شباط) 2024؛ ومن أجل دعم أنشطة ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والتهديدات الأخرى.

وأقامت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج بالصومال عام 2017، وتتولى قواتها المسلحة تدريب الجنود الصوماليين؛ سواء على الأراضي التركية وفي قاعدتها بالصومال.

والتقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في 12 أبريل الحالي، الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، على هامش «منتدى أنطاليا الدبلوماسي» الرابع في جنوب تركيا.

وأكد إردوغان العمل على تطوير العلاقات بين تركيا والصومال، ومواصلة اتخاذ خطوات لزيادة التعاون بين البلدين، وأنه يولي أهمية لتحقيق المصالحة الوطنية في الصومال عبر الوحدة والتكاتف والتضامن، وأن تركيا ستواصل دعم ذلك.