دمشق... ذعر وتوتر وتهافت على شراء المواد الغذائية

«الشرق الأوسط» ترصد أجواء العاصمة السورية مع اقتراب الفصائل المسلحة

متجر لبيع الخضار في دمشق اليوم (الشرق الأوسط)
متجر لبيع الخضار في دمشق اليوم (الشرق الأوسط)
TT

دمشق... ذعر وتوتر وتهافت على شراء المواد الغذائية

متجر لبيع الخضار في دمشق اليوم (الشرق الأوسط)
متجر لبيع الخضار في دمشق اليوم (الشرق الأوسط)

مع اقتراب الفصائل المسلحة من العاصمة السورية، يسود الذعر والتوتر بوضوح بين الدمشقيين خشية تدهور الأوضاع أكثر، واحتمال حصول مواجهة ضخمة بين القوات المهاجمة والقوات الحكومية المتحصنة في دمشق ومحيطها.

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» في العاصمة السورية اليوم، لوحظ خلو الأرفف المخصصة للمواد الغذائية والسلع الأساسية في غالبية المحال التجارية منذ ساعات الصباح، وسط انهيار متسارع في قيمة العملة المحلية. فقد وصل سعر صرف الدولار الأميركي في دمشق صباح اليوم (السبت) إلى 30 ألف ليرة، مرتفعاً بنسبة 35 في المائة خلال أقل من 20 ساعة. وفي وقت توقف فيه معظم تجار الأغذية والمواد المستوردة عن البيع، أغلقت محال تجارية أبوابها في ظل تهافت سكان العاصمة على شراء ما تبقى من مواد غذائية أساسية. وخلت المحال التي أبقت أبوابها مفتوحة من الزيت والأرز والبرغل والشاي والمعلبات والمناديل الورقية، وسط شكاوى مواطنين من أن الأسعار ارتفعت بشكل قياسي خلال ساعات قليلة. وقالت سيدة دمشقية: «فتلت الشام (أي ذهبت إلى كل مكان) ولم أجد كيلو رز... الحمد لله قدرت أشتري أدوية وخبز».

وبينما توقف معظم الورشات عن العمل، بدا أن نسبة كبيرة من المواطنين اختارت الرجوع إلى منازلها مع انتصاف النهار في انتظار ما ستؤول إليه التطورات، وسط مخاوف مما يمكن أن يحصل إذا خاضت قوات حكومة دمشق معركة كسر عظم مع الفصائل، وإذا لم تتمكن في نهاية المطاف من الصمود في وجهها. وتتركز المخاوف على شكل اليوم التالي لما يمكن أن يحصل بعد معركة دمشق المرتقبة. أحمد، وهو عامل فلسطيني في ورشة بناء، قال همساً لـ«الشرق الأوسط»: «لا أكاد أصدق أنهم (يقصد الأفرع الأمنية) سيرحلون. لقد سجنت ظلماً في الفرع العسكري مدة 6 أشهر ولولا لطف الله كنت في عداد الموتى». وأوضح أن «تهمتي كانت التواصل مع المسلحين في الغوطة، مع أنني كنت أعمل في ورشة تعمل لصالح شركة سيرتيل (شركة الاتصالات) وهم أرسلوني إلى تلك المناطق لبناء برج». وتابع أحمد باكياً: «لا أصدق ما يحصل. أنا خائف».

شوارع شبه خالية في العاصمة السورية السبت (الشرق الأوسط)

وفي مشهد غير مألوف بدمشق، لوحظ توقف سيدات مسنات في طوابير أمام بسطة لبيع الدخان. كان أحد الباعة يتابع ارتفاع السعر على الهاتف وبائع آخر يسلّم الطلبات للزبائن بعد انتشالها من صندوق كرتوني كبير وثالث يتابع عملية البيع. كان ذلك يتم بسرعة تسابق الزمن في ظل ارتفاع الأسعار الخيالي. إحدى النساء الواقفات في الطابور قالت إن الصنف الذي تدخنه أشرته يوم الخميس بـ10 آلاف ليرة واشترته يوم الجمعة بـ20 ألف ليرة، واليوم (السبت) قال لها البائع إنه أصبح بـ40 ألفاً، ونصحها بالشراء لأنه «بعد قليل لن تجدي باكيت (علبة سجائر واحد) بالشام كلها». وبالفعل، في أقل من ربع ساعة كان البائع قد اختفى، وكذلك عشرات بسطات بيع الدخان التي كانت تحتل الأرصفة في بعض شوارع دمشق قبل بضعة أيام. كما اختفت بسطات البضائع عموماً، وتراجعت الحركة في الشوارع مع تقدم ساعات النهار، في مشهد عكس أجواء قاتمة ومخاوف لدى شريحة واسعة من سكان دمشق. وعلّقت صحافية سورية سبق أن اعتقلت مدة شهرين بفرع الخطيب الأمني سيئ الصيت: «مشاعري مضطربة جداً. نأمل في أن ينتهي هذا الوضع بسرعة... أنا لا أستوعب».

تراجع الحركة في دمشق السبت (الشرق الأوسط)

وكان رمضان، وهو بائع في محل للبنّ والشوكولاته، يبيع لزبائنه عندما تلقى اتصالاً هاتفياً يبلغه بضرورة وقف البيع. قال لزبائنه: «مهما رفعنا الأسعار، فالبيع الآن خسارة». وهو كان يعبّر بالطبع عن مشاعر كثير من التجار في ظل جنون الأسعار في الأسواق.

وإضافة إلى نقص المواد الأساسية في دمشق، لوحظ غياب عناصر الأمن وأشخاص يوصفون بأنهم شبيحة من الشوارع، لكن بقي عناصر باللباس العسكري في محيط مقرات أمنية. كما لوحظ أن أحياء يسكنها موالون للحكم السوري شهدت في الأيام الماضية حركة نزوح باتجاه الساحل على وجه الخصوص، وسط مخاوف من إمكان عزل دمشق التي تشهد انقطاعاً مزداداً في التغذية الكهربائية وتردي خدمات الاتصالات مع تصاعد الضغط عليها.


مقالات ذات صلة

الشرع يناقش مع قادة الفصائل المسلحة «شكل المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة»

المشرق العربي القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع خلال لقائه عدداً من قادة الفصائل العسكرية في دمشق (القيادة العامة في سوريا على تلغرام)

الشرع يناقش مع قادة الفصائل المسلحة «شكل المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة»

قالت القيادة العامة، السبت، إن أحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، ناقش مع قادة من الفصائل العسكرية شكل الجيش الجديد في سوريا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي أحمد الشرع زعيم «هيئة تحرير الشام» (وسط) وعلى يساره بالزي العسكري مرهف أبو قصرة المعروف باسم «أبو حسن الحموي» خلال اجتماع بدمشق في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2024 (تلغرام)

الشرع يعين أبو قصرة وزيراً للدفاع في سوريا

قال مصدر رسمي، لوكالة «رويترز» للأنباء، السبت، إن الإدارة الجديدة في سوريا عينت مرهف أبو قصرة المعروف باسم «أبو حسن الحموي» وزيرا للدفاع في حكومة تصريف الأعمال.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقطة من فيديو لعناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» تطلق طائرة مسيّرة تحمل قذيفة مضادة للدبابات

الجماعات الكردية السورية في موقف دفاعي مع تغير ميزان القوى

مع حشد جماعات معادية مدعومة من تركيا ضدها في شمال سوريا، وسيطرة جماعة صديقة لأنقرة على دمشق، تقف الفصائل الكردية الرئيسية في سوريا في موقف دفاعي.

«الشرق الأوسط» (القامشلي - بيروت - أنقرة )
المشرق العربي اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي متطوع سوري يساعد الشرطة في تنظيم حركة المرور بدمشق (أ.ف.ب)

مدنيون سوريون يتطوعون لتنظيم ازدحام السير في دمشق بعد سقوط النظام

عند تقاطع مروري في منطقة أبو رمانة بدمشق، يبذل متطوعون شباب بلباس مدني كلّ ما في وسعهم؛ لتنظيم السير في مدينتهم التي تختنق بازدحام السيارات والفوضى المرورية.


مقتل 17 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على غزة

رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)
رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)
TT

مقتل 17 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على غزة

رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)
رجل أمام جثمان أحد ضحايا الغارات الإسرائيلية على منزل في دير البلح بوسط غزة اليوم (رويترز)

قال مسعفون إن ضربات نفذها الجيش الإسرائيلي على أنحاء قطاع غزة، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 17 فلسطينياً، منهم 8 قتلوا في مدرسة تؤوي عائلات نازحة بمدينة غزة. جاء ذلك في وقت أمر فيه الجيش الإسرائيلي بإخلاء مستشفى كمال عدوان بشمال القطاع. وذكر مسعفون فلسطينيون أن 8 بينهم أطفال قتلوا في مدرسة موسى بن النصير التي تؤوي عائلات نازحة في مدينة غزة، حسبما أوردت وكالة «رويترز» للأنباء.

مواطنون يبحثون عن الأحياء في موقع تعرض لغارة إسرائيلية بدير البلح بغزة (أ.ف.ب)

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إن الضربة استهدفت مسلحين من حركة «حماس» يعملون من مركز قيادة داخل المدرسة. وأضاف أن مسلحين من «حماس» استخدموا المكان للتخطيط لهجمات ضد القوات الإسرائيلية وتنفيذها.

وفي مدينة غزة أيضاً، قال مسعفون إن 4 فلسطينيين قتلوا عندما ضربت غارة جوية إسرائيلية إحدى السيارات. وقتل ما لا يقل عن 5 فلسطينيين في غارتين جويتين منفصلتين على رفح وخان يونس جنوب القطاع.

الجيش يأمر بإخلاء مستشفى كمال عدوان

وفي بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حيث يواصل الجيش العمليات منذ أكتوبر (تشرين الأول)، قال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان، إن الجيش أمر العاملين بالمستشفى بالإخلاء ونقل المرضى والجرحى إلى مستشفى آخر في المنطقة.

وقال أبو صفية إن المهمة شبه مستحيلة لأن العاملين لم يكن لديهم سيارات إسعاف لنقل المرضى. ويواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ عمليات في بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون بشمال قطاع غزة، وكذلك في مخيم جباليا القريب منهما منذ 3 أشهر تقريباً.

أجساد ضحايا غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات أمس خارج مستشفى شهداء الأقصى (أ.ب)

ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بتنفيذ «تطهير عرقي» لإخلاء تلك المناطق من السكان لإنشاء منطقة عازلة. وتنفي إسرائيل ذلك وتقول إن الحملة العسكرية في المنطقة تهدف إلى محاربة مسلحين من «حماس»، ومنعهم من إعادة تنظيم صفوفهم. وقالت إن قواتها قتلت مئات المسلحين وفككت بنية تحتية عسكرية منذ بدء العمليات هناك. وقال الجناحان العسكريان لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إنهما قتلا كثيراً من الجنود الإسرائيليين في كمائن خلال الفترة نفسها.

نقاط عالقة في اتفاق وقف إطلاق النار

ولم يتمكن الوسطاء بعد من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس». وقالت مصادر قريبة من المناقشات لـ«رويترز» يوم الخميس، إن قطر ومصر تمكنتا من حل بعض نقاط الخلاف التي تعوق الاتفاق بين طرفي القتال، لكن لا تزال هناك نقاط عالقة.

مواطنون يبحثون عن متاعهم في موقع تعرض لغارة إسرائيلية بدير البلح وسط قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)

وشنت إسرائيل حربها على غزة بعد أن اقتحم مقاتلون بقيادة «حماس» بلدات إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، في هجوم تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز أكثر من 250 رهينة. وتقول إسرائيل إن نحو 100 رهينة ما زالوا محتجزين، لكن من غير الواضح عدد من لا يزالون على قيد الحياة منهم، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرباً واسعة النطاق ضد حركة «حماس» في غزة، أدت إلى مقتل أكثر من 45 ألف شخص ودمار كبير في المنازل والبنية التحتية، وأسفرت الحرب عن نزوح معظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتدمير أغلب القطاع الساحلي.