مصر تعالج الوافدين ضمن مبادرات قومية رغم «ضغوط» إقامتهم

105 آلاف حالة استفادت «مجاناً» من حملة القضاء على «فيروس سي»

مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)
مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر تعالج الوافدين ضمن مبادرات قومية رغم «ضغوط» إقامتهم

مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)
مصر تستعرض تجربتها في علاج الوافدين من «فيروس سي» خلال ورشة عمل بالتعاون مع المركز الأوروبي لعلاج الأمراض والأوبئة (وزارة الصحة المصرية)

لم تمنع الضغوط والأعباء المادية الكبيرة التي تتكلفها مصر جراء استضافة ملايين الوافدين، من علاج الآلاف منهم من «فيروس سي»، ضمن مبادرة رئاسية للقضاء على الوباء الكبدي انطلقت عام 2018، ومستمرة حتى الآن.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، الدكتور حسام عبد الغفار، خلال ورشة عمل دولية للقضاء على الأوبئة، استضافتها القاهرة، واختتمت الخميس: «إن مصر قدمت العلاج بالمجان لأكثر من 105 آلاف و506 وافدين، بالتعاون مع المنظمات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».

وتقدّر بيانات حكومية رسمية أعداد الأجانب الموجودين في مصر بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7 في المائة من تعداد السكان، الذي تجاوز 107 ملايين نسمة.

ولم تُفرق وزارة الصحة خلال جولاتها لإجراء المسوح واكتشاف الفيروس وعلاجه بين مصري أو وافد من أي جنسية أخرى، بل على العكس كانت جولاتها تستهدف مناطق وجودهم، مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في مدينة 6 أكتوبر، وفق ما أكده عبد الغفار لـ«الشرق الأوسط».

ولفت إلى أن التكلفة تحسبها مصر، وتقدمها للجهات المعنية، مثل مفوضية شؤون اللاجئين، أو المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، متحفظاً على ذكر الكيفية التي تُشارك بها، مثل هذه المؤسسات في العلاج، وشدّد في الوقت نفسه على أن «مصر لا تطالب أي وافد بمقابل للعلاج، أو إجراء الفحوصات، ويجري معاملتهم مثل المصريين في ذلك».

وأضاف عبد الغفار: «المبادرات الرئاسية تكون من دون أي مقابل»، وتوجد 14 مبادرة رئاسية تُعنى بالصحة في مصر.

ووفق تقديرات الحكومة المصرية فإنها «تتحمل نحو 10 مليارات دولار سنوياً، جراء تكلفة استيعاب 9 ملايين وافد على أراضيها»، في حين يعاني الاقتصاد، ويشهد معدل التضخم فيها ارتفاعاً متتالياً، مسجلاً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 26.3 في المائة على أساس سنوي.

وخلال الورشة التي استضافتها القاهرة على مدار يومي الأربعاء والخميس، بالتعاون مع المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والأوبئة، وبمشاركة 36 دولة، من بينها ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا، ناقش المشاركون كيفية الاستفادة من تجربة مصر في توسيع نطاق الكشف على الفئات المستهدفة، واستخدام الكواشف الحديثة، وكذلك نقل التجربة المصرية في وضع الخطط والاستراتيجيات لضم الوافدين ضمن الفئات المستهدفة بالكشف، وفق بيان الصحة المصرية.

تقول وزارة الصحة المصرية إنها لا تفرق بين المصريين والوافدين في تقديم العلاج ضمن المبادرات الصحية (وزارة الصحة المصرية)

وأمام تأزم الأوضاع الاقتصادية والتدفقات المستمرة للمهاجرين، دعت الحكومة المصرية في أكثر من مناسبة إلى زيادة المنح والمساعدات لها لاستيعاب الوافدين، الذين «يتمتعون بحرية إقامة، ويستفيدون من جميع الخدمات المقدمة شأنهم شأن المصريين»، وفق تصريحات رسمية تؤكد عدم التفريق في المعاملة.

وفي مايو (أيار) الماضي، تحدّث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الضغط الذي يُشكّله «الضيوف» -وهو المصطلح الذي عادةً ما يطلقه على المهاجرين واللاجئين- على الموارد المصرية المحدودة، ضارباً المثل بالمياه، قائلاً: «إنهم يستهلكون مياهاً تصل إلى 4.5 مليار متر سنوياً، إذا ما جرى احتساب متوسط استهلاك المياه في مصر بنحو 500 متر»، عادّاً ذلك يُمثل «عبئاً كبيراً».

في حين قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال لقائه المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، بالقاهرة، في أبريل (نيسان) الماضي: «إن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء لتوفير حياة كريمة للوافدين إليها».

ولا يرى عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، خبير دراسات السكان والهجرة الدكتور، أيمن الزهيري، في الإعلان عن علاج مصر للوافدين من «فيروس سي» استعراضاً للحصول على مزيد من المساعدات أو المعونات، قائلًا لـ«الشرق الأوسط»: «إن القاهرة تقوم بذلك من منطلق أخلاقي، وغير مقتصر على مبادرة القضاء على (فيروس سي)، إذ تُقدم كل التطعيمات اللازمة، سواء ضد شلل الأطفال أو السل أو غيرهما لأطفال الوافدين أيضاً... كل ذلك يحدث دون ضغط، بل هو التزام مصري أصيل».

وقبل شهور، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حصلت مصر على منحة قدرها «12.2 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، لتلبية الاحتياجات الأساسية في الصحة والتعليم، وتعزيز القدرة على الصمود والحماية للاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء الأكثر احتياجاً الذين يعيشون في مصر»، وفق بيان لوزارة الخارجية آنذاك.

وأشاد الزهيري بسياسة الدولة بوجه عام تجاه الوافدين، في الاستيعاب والدمج، متطرقاً إلى قانون اللجوء، الذي أقره البرلمان المصري قبل أيام، قائلًا: «الحكومة بذلك استعادت جزءاً من سيادتها التي تركتها طيلة 44 عاماً، لمفوضية شؤون اللاجئين».

ويمنح القانون الجديد الحكومة حق البت في طلبات اللجوء، وينظم في 39 مادة أوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم، وهو أول تشريع داخلي ينظم شؤونهم في مصر، منذ صدقت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين بجنيف في 28 يوليو (تموز) 1951.

واستبعد الزهيري أن يؤدي القانون الجديد إلى تراجع في أشكال التمويل والدعم التي تقدمها مفوضية شؤون اللاجئين للوافدين إلى مصر، قائلاً: «المفوضية لا تمول اللاجئين، هي تتعامل مع عدد من المنظمات المدنية التي تُعنى بشؤونهم، وتقدم مساعدات عينية أحياناً لكن لحالة حالة، وليس لكل مَن يحمل صفة لاجئ».


مقالات ذات صلة

​ميركل لم تندم على قرار إدخال اللاجئين السوريين رغم أنه دفعها للتقاعد

أوروبا كتاب ميركل «حرية» طرح للبيع في مكتبة ببرلين (رويترز)

​ميركل لم تندم على قرار إدخال اللاجئين السوريين رغم أنه دفعها للتقاعد

لم تبد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أي ندم حول قرارها بفتح أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين عام 2015 في كتابها «حرية».

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية وزير الدفاع التركي يشار غولر خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان الثلاثاء (وزارة الدفاع التركية)

وزير دفاع تركيا يستبعد عملية عسكرية جديدة ضد «قسد» شمال سوريا

استبعد وزير الدفاع التركي يشار غولر شن عملية عسكرية تستهدف مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا سبق أن لوح بها الرئيس رجب طيب إردوغان مراراً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)

عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

أدت النزاعات والكوارث الطبيعية في أفريقيا إلى زيادة كبيرة بعدد النازحين داخلياً حتى وصل إلى 35 مليوناً بنهاية العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون في أحد شوارع غرب مدينة غزة اليوم (أ.ف.ب)

حكومة غزة: مئات آلاف النازحين يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن مئات آلاف النازحين في القطاع يستعدون للعيش في الشوارع دون مساعدات أو مأوى.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)
TT

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

في أول جولة أفريقية له منذ تعيينه في منصبه أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، اختار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ثلاث محطات، أولاها تشاد، تليها أثيوبيا، وتنتهي في السنغال. وقال باور، في تسجيل فيديو على موقع وزارته الرسمي، إنه يتوجه الى تشاد بداية «من أجل محادثات مع السلطات التشادية، وأيضاً من أجل الالتقاء باللاجئين السودانيين» في هذا البلد. وعدّ بارو أن «الأزمة الإنسانية التي أفضى إليها النزاع السوداني تعد الكبرى في زمننا» من حيث إنها أدت إلى نزوح ما لا يقل عن 13 مليون شخص، فيما 25 مليوناً آخرون يعانون من سوء التغذية، وأن لها الأولوية في جولته الأفريقية الراهنة.

وأضاف الوزير الفرنسي أن أحد أهداف زيارته عنوانه «التثبت من أن التزامات المشاركين في مؤتمر باريس لمساعدة السودان، الذي عقد في شهر أبريل (نيسان) الماضي، وأسفر عن وعود بتقديم ملياري دولار، يتم تنفيذه». وبالفعل، فإن الوزير الفرنسي انتقل إلى الحدود المشتركة بين السودان وتشاد، حيث تتمركز غالبية اللاجئين السودانيين هرباً من الحرب الدائرة في بلادهم.

مع اللاجئين في مخيم أدري

ومن مدينة أدري التشادية، التي زارها برفقة نظيره التشادي عبد الرحمن غلام الله، حيث مخيمات اللاجئين، حثّ جان نويل بارو طرفي النزاع في السودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات. والأهم من ذلك أنه دعا «القوى الخارجية المتحالفة مع المتحاربين إلى التوقف عن صبّ الزيت على النار»، لكن من غير الدخول في لعبة الأسماء، واتهام دول بعينها بالتدخل في الحرب الأهلية الدموية الدائرة في السودان، التي لا يرى أحد اليوم كيف ومتى سوف تنتهي.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة بأدري في تشاد للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور (رويترز)

وقالت مصادر فرنسية إن باريس «تشعر بالأسى» لأنها بذلت جهوداً كبرى من أجل جمع الأسرة الدولية مرتين لمدّ يد المساعدة للسودان، المرة الأولى خلال المرحلة الانتقالية. والمرة الثانية في الربيع الماضي. والحال أن هذه الجهود ذهبت سدى. وتأسف باريس لأن حرب السودان لم تجتذب تدخلات دول بعينها فقط، وإنما مرتزقة يساهمون بها طمعاً بثروات باطن الأرض السودانية، وخصوصاً الذهب. وأعلن بارو، الخميس، أن باريس سوف «تخصص 7 ملايين يورو إضافية لدعم نشاط الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في مكافحة الكوليرا ودعم النساء والأطفال» في تشاد. وتريد باريس من زيارة الوزير لمخيمات اللاجئين إظهار أنها «تفي بوعودها» إزاء مأساة هؤلاء.

تشاد في الحياد

وإزاء الاتهامات التي تساق ضد تشاد بأنها تسمح بتمرير السلاح إلى المتحاربين في السودان، أكد وزير خارجيتها أن بلاده «تلتزم الحياد التام» في هذا الصراع. مضيفاً، كما نقلت عنه وكالات الأنباء، أن بلاده «لديها مصلحة في البقاء على الحياد قدر الإمكان» في هذه الحرب. وأفادت مصادر فرنسية أن هذه النقطة خاصة كانت موضوع بحث بين وزيري خارجية البلدين. ولفرنسا قواعد عسكرية في تشاد، تعززت بعد انسحاب قواتها من مالي والنيجر وبوركينافاسو، عقب الانقلابات التي شهدتها هذه الدول في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وتخطط باريس لإعادة النظر في انتشار قواتها في منطقة الساحل وخليج غينيا.

رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي سيلتقي الوزير الفرنسي في الأيام المقبلة (إ.ب.أ)

ومن جانب آخر، أفادت المصادر الفرنسية أن حرب السودان ستكون أحد المواضيع التي سيبحثها وزير الخارجية مع موسى فكي محمد، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي، الذي سيلتقيه في أديس أبابا. ويعبّر المسؤولون الفرنسيون عن تراجع الاهتمام الدولي بالحرب في السودان، حيث يُقدر عدد القتلى بـ150 ألفاً، فيما ربع سكان هذا البلد اضطروا للنزوح أو اللجوء، فيما الأوبئة والمجاعة والمجازر المتنقلة تفتك بالمدنيين.

حرب اجتماعية عشائرية

وفي مجموعة من التقارير، خصصتها لحرب السودان خلال الشهر الحالي، سعت صحيفة «لو موند» الفرنسية المستقلة إلى إلقاء الضوء على ما يجري في هذا البلد منذ 18 شهراً. وكتبت في أول تقاريرها أن العوامل الدافعة وراء هذه الحرب اجتماعية من جانب، ولكنها عشائرية وعرقية أيضاً. وتضيف أن «الأطراف الخارجية تستغل الصراع، وتؤججه وتنفخ في أواره بسبب التنافسات الدولية التي تغذيها الأطماع بأصول وثروات البلاد». ويضيف التقرير أن السودان هو «أحد أكبر منتجي الذهب في أفريقيا، ولديه ساحل طويل على البحر الأحمر، وهو بوابة رئيسية للتجارة العالمية». وبالتالي فإن العديد من الدول لديها طموحات، وترى في دعم هذا الطرف أو ذاك خدمة لمصالحها. من هنا، تعدّ الصحيفة أن نداءات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تبقى دون صدى، فيما الأسرة الدولية أو على الأقل الدول القادرة من بينها، تكتفي ببعض الدعم المالي والاستجابة للحاجات الإنسانية. ورغم فائدة وضرورة وأهمية كل ذلك، فإنه لن يفضي إلى وقف الحرب، ومعها الفظائع المرتكبة خلالها، وهو الأمر المؤسف حقاً.