الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

«لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة على مستوى الحمض النووي، التي قد يكون لها آثار صحية مدى الحياة»، وفقاً لنتائج دراسة دولية رائدة قادها باحثون من جامعة «ساري» الإنجليزية.

الدراسة التي تعد الأولى من نوعها، جرى نشرها، الأربعاء، في مجلة «الجمعية الطبية الأميركية للطب النفسي» (جاما سايكتري).

وقال البروفسور مايكل بلوس، المؤلف الرئيسي للدراسة من كلية علم النفس بجامعة ساري: «في حين أنه من المعروف أن الحرب لها تأثير سلبي على الصحة العقلية للأطفال، فقد وجدت دراستنا أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير. وجدنا أيضاً أن الحرب مرتبطة بما يعرف بالشيخوخة الوراثية - مما قد يعني أن الحرب قد تؤثر على نمو الأطفال».

وأوضح في بيان صادر الأربعاء: «بشكل عام، ترسم دراستنا صورة أوضح للتكلفة المأساوية للحرب، بما يتجاوز الإجهاد العقلي للملايين من الأطفال المحاصرين في وسطها».

وكان فريق البحث في جامعة ساري - بالتعاون مع جامعة كوليدج لندن البريطانية، ومعهد التنمية والبحث والدعوة والرعاية التطبيقية، وجامعة القديس جورج في لبنان، ومنظمة غير حكومية دولية رائدة - قد جمع عينات لعاب من 1507 أطفال لاجئين سوريين، تتراوح أعمارهم بين 6 و19 عاماً، يعيشون في مستوطنات غير رسمية في لبنان.

تم استخدام الاستبيانات، التي أكملها كل من الأطفال ومقدمي الرعاية لهم، لقياس التعرض للأحداث المرتبطة بالحرب التي مر بها الطفل.

كما قام الباحثون بتحليل مثيلة الحمض النووي (DNAm)، وهي عملية وراثية تتم فيها إضافة مركبات كيميائية صغيرة، تسمى مجموعات الميثيل، إلى شريط الحمض النووي في مواقع مختلفة في الجينوم (المجموعة الكاملة من الجينات). وتعمل هذه المجموعات مثل المفاتيح الكهربائية، حيث تقوم بتشغيل الجينات أو إيقاف تشغيلها أو تعديل مدى قوة التعبير عنها، دون أن تغير في تسلسل الحمض النووي الفعلي نفسه.

وتلعب مثيلة الحمض النووي دوراً رئيسياً في عمليات التطور الطبيعي للجسم ويمكن أن تتأثر بأشياء مثل النظام الغذائي والإجهاد والتعرض للصدمات. فعندما يمر شخص ما بأحداث متطرفة، مثل الحرب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغييرات تؤثر على صحته البدنية والعقلية على المدى الطويل.

آثار بيولوجية دائمة

يدرس العلماء هذه التغييرات لفهم كيف يمكن للتجارب المجهدة أن تترك آثاراً بيولوجية دائمة على الجسم. وقد وجدوا أن الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب أظهروا تغيرات في عدة مواقع ومناطق في الجينوم. وقد ارتبطت بعض هذه التغيرات بالجينات المشاركة في وظائف بالغة الأهمية مثل النقل العصبي (كيف تتواصل الخلايا العصبية) والنقل داخل الخلايا (كيف تتحرك المواد داخل الخلايا).

ووفق الدراسة فإنه من غير المعروف أن هذه التغيرات الجينية موجودة في أشكال أخرى من الصدمات الناتجة عن الفقر أو التنمر مثلاً، مما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى استجابات بيولوجية فريدة من نوعها في الجسم.

الفتيات الأكثر تأثراً

ووفق الباحثين فإن هذه الورقة البحثية هي جزء من دراسة أكبر بدأت في عام 2017، التي تعد أول دراسة واسعة النطاق من نوعها بين الأطفال اللاجئين، مما يمهد الطريق لفهم أعمق لكيفية تأثير الصدمات على نمو الصحة العقلية لهؤلاء الأطفال.

ونظر باحثو الدراسة أيضاً في كيفية اختلاف التأثيرات البيولوجية للحرب بين الأولاد والبنات. ووجدوا أن الفتيات اللاتي تعرضن لأحداث الحرب أظهرن تغييرات أكثر تأثيراً في الجينوم الخاصة بهم مقارنة بالأولاد، وخاصة في الجينات المرتبطة بـالاستجابة للإجهاد وتطور الدماغ.

وبينما تأثر كل من الأولاد والبنات، أظهرت الفتيات استجابة بيولوجية أقوى للتعرض للحرب، مما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة للتأثيرات طويلة المدى للصدمة على المستوى الجزيئي.


مقالات ذات صلة

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

يوميات الشرق صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

وجدت دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثين، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق من المهم مراقبة مسارات تطوّر تنظيم المشاعر لدى الأطفال (جامعة واشنطن)

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة الذين يواجهون صعوبة في التحكُّم بمشاعرهم وسلوكهم عبر نوبات غضب، قد يظهرون أعراضاً أكبر لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك أشارت دراسة أميركية جديدة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة (متداولة)

دراسة: بطانة الرحم المهاجرة والأورام الليفية قد تزيد خطر الوفاة المبكرة

تشير دراسة أميركية موسعة إلى أن النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة أو بأورام ليفية في الرحم ربما أكثر عرضة للوفاة المبكرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد تدهور الحالة النفسية (جامعة كولومبيا)

المحتوى السلبي على الإنترنت يزيد الاضطرابات النفسية

كشفت دراسة بريطانية أن الأفراد الذين يعانون تدهور صحتهم النفسية يميلون إلى تصفح محتوى سلبي عبر الإنترنت، مما يؤدي إلى تفاقم معاناتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

التوتر قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في منتصف العمر

هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)
هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)
TT

التوتر قد يؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية في منتصف العمر

هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)
هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية (أ.ف.ب)

تظهر الأرقام السنوية ارتفاعاً حاداً في السكتات الدماغية بين أولئك الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكثر، حيث يلقي الخبراء باللوم على السمنة المتزايدة وارتفاع نسبة الكوليسترول والسكري وسوء نمط الحياة.

إلا أن هناك سبباً آخر رئيسياً يلقي الخبراء باللوم عليه في هذه المشكلة الصحية، وهو التوتر.

وتحدث السكتة الدماغية عندما ينقطع إمداد الدم إلى جزء من المخ، إما بسبب انسداد وإما انفجار وعاء دموي، ما قد يتسبب في موت خلايا المخ. ودون علاج طارئ، يمكن أن تكون السكتة الدماغية قاتلة أو تسبب إعاقات طويلة الأمد مثل الشلل وفقدان الذاكرة ومشكلات التواصل.

لماذا يسبب التوتر السكتة الدماغية؟

يقول الدكتور جوزيف كوان، المتخصص في إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية: «في حين أنه من الصعب إثبات أن السكتات الدماغية مرتبطة بالتوتر، إلا أن هناك علاقة واضحة بين مستويات التوتر العالية وخطر السكتة الدماغية».

ويضيف كوان، الذي يعمل أيضاً استشارياً أول في مركز السكتة الدماغية في مستشفى تشارينغ كروس، أحد أكثر مراكز السكتة الدماغية ازدحاماً في المملكة المتحدة «عندما تكون متوتراً، يكون لديك مستويات أعلى من الأدرينالين؛ ما يرفع ضغط الدم، ويزيد من الالتهاب في الجسم، وكلاهما يتلف الشرايين، ويعد من عوامل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية».

ولفت كوان إلى أن الأشخاص المصابين بالتوتر غالباً ما يلجأون لسلوكيات تزيد أيضاً من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، في محاولة منهم لتقليل توترهم.

ومن بين هذه السلوكيات شرب الكحول والتدخين وتناول الوجبات السريعة غير الصحية ومشاهدة التلفزيون، ومن ثم كثرة الجلوس وقلة ممارسة الرياضة.

ويقول كوان: «قديماً، كان الناس يعودون إلى المنزل من العمل، ويتناولون العشاء، ويذهبون في نزهة، ويقابلون بعض الأصدقاء، ويخرجون للرقص - ولكن الآن يعودون إلى المنزل، ويسكبون لأنفسهم كأساً من النبيذ، ويأكلون ويشاهدون التلفزيون».

ويضيف: «لقد جعل توصيل الطعام الوضع أسوأ - لست مضطراً حتى إلى مغادرة المنزل لتناول الطعام غير الصحي».

ما العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في الإصابة بالسكتات الدماغية؟

تشمل المشكلات الصحية التي تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية ارتفاع ضغط الدم، والرجفان الأذيني (نوع من عدم انتظام ضربات القلب)، وارتفاع نسبة الكوليسترول والسكري.

ويقول كوان إن قلة النوم هي عامل خطر رئيسي للإصابة بالسكتات الدماغية، وكذلك السمنة، ولكن التوتر يغذي كل هذه العوامل.

ويضيف: «عندما تكون متوتراً، لا تنام جيداً وتكون أقل عرضة لممارسة الرياضة والعناية بجسمك».

كيف يمكن أن نتصدى للسكتة الدماغية في منتصف العمر؟

وفقاً للدكتور كوان، يحتاج الأشخاص في منتصف العمر إلى البدء في تناول الطعام بشكل أفضل، وممارسة لمزيد من التمارين الرياضية - والتوقف عن التوتر الشديد ومعالجة ارتفاع ضغط الدم والكولسترول.

ويقول: «لقد عرفنا خلال السنوات العشر الماضية أن أعداد المصابين بالسكتة الدماغية في الفئة العمرية من 45 إلى 55 عاماً تزداد بشكل أسرع من الفئات العمرية الأكبر سناً. إنهم يأتون إلى قسمي بسكتات دماغية حادة جداً».

ويضيف: «إنهم يميلون إلى الإصابة بجميع عوامل الخطر التقليدية المرتبطة بهذه المشكلة الصحية، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والتدخين والتوتر، ومع ذلك فإن ما يذهلني في هذه الفئة العمرية هو الانخفاض الشديد في النشاط البدني».

وينصح كوان الأشخاص بمتابعة قياسات ضغط الدم والكولسترول الخاصة بهم باستمرار، وكذلك قياس أوزانهم والسعرات الحرارية التي يتناولونها وعدد الخطوات التي يمشونها يومياً.