إسرائيل تضع لبنان أمام خيارَي قبول الاقتراح الأميركي أو تصعيد الحرب

جيشها يدخل قوات المدفعية وينظم جولات للصحافيين في خط الهجوم الثاني بالجنوب

دخان غارة إسرائيلية يغطي بلدة الخيام اللبنانية (إ.ب.أ)
دخان غارة إسرائيلية يغطي بلدة الخيام اللبنانية (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تضع لبنان أمام خيارَي قبول الاقتراح الأميركي أو تصعيد الحرب

دخان غارة إسرائيلية يغطي بلدة الخيام اللبنانية (إ.ب.أ)
دخان غارة إسرائيلية يغطي بلدة الخيام اللبنانية (إ.ب.أ)

أكدت مصادر عسكرية في تل ابيب أن الجيش أدخل، لأول مرة منذ حرب 2006، قوات المدفعية إلى الأراضي اللبنانية، وذلك لزيادة الضغط على الحكومة اللبنانية و«حزب الله». وقالت هذه المصادر إن هذه الخطوة، التي تمت قبل يومين، بالغة الأهمية الآن بعد أن دخلت مفاوضات وقف النار في أزمة.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد توقع هذه الأزمة، صبيحة الاثنين، إذ قال في اجتماع للجنة الخارجية والأمن البرلمانية، إن «إسرائيل تشدد الضغط العسكري في الهجمات على لبنان بانتظار رد بيروت على مسودة اتفاق وقف النار التي اقترحتها الولايات المتحدة».

وفي الوقت الذي نشرت فيه أنباء متفائلة حول قرب التوصل إلى اتفاق، قال نتنياهو إن الوسيط الأميركي آموس هوكستين لن يصل إلى لبنان إذا لم يبلغه اللبنانيون مسبقاً موافقتهم على الاتفاق.

وفي الساحة السياسية الإسرائيلية يحتدم النقاش حول الحرب مع لبنان. وتشير الاستطلاعات إلى أن الأغلبية (51 في المائة) من المواطنين تعارض التوصل إلى اتفاق قبل شل قدرات «حزب الله» تماماً عن تهديد إسرائيل. وطالما يرون أن الحزب يطلق الصواريخ ويلحق الأضرار ويدخل ملايين الناس إلى الملاجئ مفزوعين يزداد تشددهم أكثر. ولا يقتنعون بموقف الجيش الذي يقول إنه «حقق معظم أهداف الحرب وبدأ الإعداد لعودة المواطنين النازحين عن بيوتهم وبلداتهم قرب الحدود مع لبنان».

وقد خرج موقع «ميدا» اليميني، المحسوب على نتنياهو، بسلسلة مقالات يعارض فيها وقف الحرب مع لبنان في الظروف الحالية، ويحتج على النية بقبول مسودة الاتفاق الذي جلبه هوكستين.

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)

فهو في نظرهم «لا يضمن تصفية خطر عودة (حزب الله) إلى تهديد إسرائيل». وقال: «مصدر إحجام العدو عن مهاجمتنا يكمن في الحسم السابق له ولحلفائه. يجب أن يخشى العدو أن يهاجمنا لأنه رأى ما حدث في المرة الأخيرة التي حاول فيها. لكن في حالتنا نعرف أن إنهاء الحرب الآن باتفاق هوكستين سيجعل (حزب الله) يعلن الانتصار، وليس هذا بالأمر المقبول. يجب ضربه بطريقة لا يجرؤ فيها على القول إنه انتصر».

وكتب أحد عقائديي اليمين، نيسيم سلمي، يقول: «من بين حروب إسرائيل، هناك اثنتان فقط يعدّهما العرب خسارة: النكبة في سنة 1948، الكارثة التي فقدوا فيها أجزاء كبيرة من الأرض وتم تهجيرهم بشكل جماعي في حرب الاستقلال، والنكسة في 1967، التي خسر فيها العرب مرتفعات الجولان وسيناء وقطاع غزة وكل يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغور الأردن الغربي. ومقارنة بهذه الحروب، فإن الانسحاب من لبنان عام 2000 والانسحاب من غزة عام 2005 يُنظر إليهما على أنهما انتصاران لـ(حزب الله) و(حماس)».

التصفية

وقال سلمي إن المنظمات الآيديولوجية الدينية، التي تعتمد على السكان الذين يؤمنون بهذه الآيديولوجية مثل «حماس» و«حزب الله»، لا تهزم بالأرض بل بالتصفية. «فطالما تسيطران على الأراضي والسكان المتعاطفين الذين يعملون دروعاً بشرية وخلفية لوجيستية، فإن الحرب سوف تستمر. لذلك لا بد من تصفيتها».

وأضاف: «تم القضاء على هيئة الأركان العامة لـ(حزب الله) بالكامل وتم تدمير جزء كبير من منظومة الصواريخ، ولكن لم يتم القضاء على المنظمة، ولا يزال خط المواجهة المحلي الداعم لها في البقاع موجوداً، ولا يزال طفيلياً على الجمهورية اللبنانية ولا تزال خلفيته اللوجيستية من إيران إلى لبنان براً أو جواً موجودة. الجيش الإسرائيلي يتحدث عن عملية (سهام الشمال) محدودة النطاق، مع المناورة فقط بالقرب من الحدود في المناطق التي تسيطر على أراضي دولة إسرائيل، وبحسب الهدف الذي حدده على المستوى السياسي: عودة سكان الشمال إلى منازلهم. في غضون أسبوع، أو شهر، أو شهرين، سيكمل الجيش الإسرائيلي مهمته، وسيدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وسيبدأ (حزب الله) على الفور في التسلح وتعزيز قوته مرة أخرى، وهذه المرة من خلال التعلم وتحسين مواجهة نظام الاستخبارات والمناورة في الجيش الإسرائيلي. ستمر سنوات قليلة وسنعود إلى التهديد نفسه، الذي كان لدينا في الشمال قبل الحرب وربما بشكل مزداد».

نداء الجنرالات

ونشرت صحيفة «يسرائيل هيوم» نداء من جنرالات في الاحتياط تابعين لليمين يناشدون الحكومة احتلال الأراضي اللبنانية حتى الليطاني أولاً، ومواصلة ضرب «حزب الله» وإزالة أي تهديد من الشمال. وبعد ذلك يمكن استخدام جنوب لبنان ورقة مساومة في عملية السلام مع لبنان، ومن الممكن أن يعود إلى لبنان في حال توقيع اتفاق سلام، والذي سيختلف عن الاتفاقيات مع الأردن ومصر، وفي ضوء الدلائل القائمة هناك، من الممكن اعتباره اتفاقاً «ساخناً» مشابهاً للاتفاقيات الإبراهيمية.


مقالات ذات صلة

مقتل امرأة وإصابة 10 آخرين في هجوم صاروخي على شمال إسرائيل

شؤون إقليمية مبنى متضرر في شمال إسرائيل بعد إطلاق صواريخ من لبنان (رويترز)

مقتل امرأة وإصابة 10 آخرين في هجوم صاروخي على شمال إسرائيل

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية وفاة امرأة وإصابة 10 أشخاص آخرين، اليوم (الاثنين)، عندما سقط صاروخ على مبنى في بلدة شفاعمرو بشمال إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)

مساعد لنتنياهو يُشتبه بتسريبه وثائق «خطط للانتحار في المعتقل»

كشفت مصادر بإدارة مصلحة السجون عن أن كبير مستشاري بنيامين نتنياهو، إليعازر فلدشتاين، الذي تولى مهمة «المتحدث باسم رئيس الحكومة»، خطط للانتحار في زنزانته بالسجن.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

تقرير: نتنياهو يدرس إقالة رئيس «الشاباك»

قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يفكر في إقالة رئيس جهاز الشاباك (الأمن الداخلي) رونين بار، بحسب مصادر مقربة من نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي عسكري لبناني يعمل على إزالة لغم من الأرض (موقع الجيش اللبناني)

«العنقودية» الإسرائيلية كارثة «متجددة» في جنوب لبنان

قبل أن ينتهي لبنان من عملية إزالة القنابل العنقودية التي ألقتها إسرائيل في الجنوب في حرب يوليو (تموز) 2006 ها هو اليوم قد يكون أمام تفاقم هذا الخطر.

كارولين عاكوم (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

نتنياهو: لن أدعم صفقة تعيد «حماس» للسلطة بغزة

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن «الشيء الوحيد الذي تريده (حماس) هو صفقة تنهي الحرب وتسمح للجيش الإسرائيلي بمغادرة القطاع من أجل العودة إلى السلطة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)
الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني (إ.ب.أ)
TT

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)
الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني (إ.ب.أ)

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو، ممثلة بـ«لجنة حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح»، إلى النظر إلى التهديدات الإسرائيلية التي تحيق بالمواقع الأثرية اللبنانية ومنها المسجل على لائحة «اليونيسكو» للتراث العالمي، وتوجيه تحذير إلى إسرائيل مفاده أن استهدافها أمر لن يمر دون عقاب. وجاء التحذير في جلسة استثنائية دعا إليها لبنان ووافقت عليها أكثرية أعضاء اللجنة التي يرأسها مندوب فنلندا لدى المنظمة الدولية.

الحقد الإسرائيلي على صور لم ينحصر بحدود حاضرها الراهن (أ.ف.ب)

وبنتيجة المداولات والتصويت، حصل لبنان على 4 أمور رئيسة:

الأول لفت انتباه العالم والمنظمات الدولية إلى المخاطر التي تهدد جانباً من الذاكرة الإنسانية والتاريخ البشري، بالنظر لما تمثله هذه المواقع خصوصاً قلعة بعلبك الرومانية وقلعة صور البحرية، وكلا الموقعين مهدد مباشرة بالعنف الإسرائيلي.

والأمر الثاني أن اللجنة الدولية قررت، وفق البيان الصادر عن «اليونيسكو» عقب انتهاء الاجتماع، أن المواقع الأثرية اللبنانية وعددها 34 موقعاً أخذت تتمتع بـ«أعلى مستوى من الحصانة ضد الهجوم والاستخدام لأغراض عسكرية»، وهو ما يشار إليه وفق التسمية الدولية بـ«الحماية المعززة».

تصاعد الدخان بعد غارة إسرائيلية على صيدا بجنوب لبنان (رويترز)

وبالتالي فإن الطائرات الحربية الإسرائيلية لن يكون متاحاً لها بعد اليوم وفي حال أذعنت إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي أن تسرح وتمرح وتقصف أي مواقع في لبنان من غير وازع أو رادع. وجاء في البيان أن «اليونيسكو» تحذر من أن «عدم الامتثال لهذه البنود سيشكل انتهاكاً خطيراً لاتفاقية لاهاي لعام 1954 (لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح) وسيفتح الباب أمام إمكانية الملاحقة القضائية».

والأمر الثالث أن لبنان يستطيع الإفادة من الصندوق الخاص المخصص للجنة في إطار مساعدة مالية طارئة لإنقاذ تراث البلاد. وأخيراً أن لبنان ما زال يحظى بتعاطف على المستوى الدولي ويتعين عليه أن يستفيد منه في المنظمات الدولية إذا عرف كيفية التعاطي والعمل الموحد الذي يستلهم مصلحة لبنان العليا.

ومن بين المواقع الأثرية المدرجة في القائمة، إضافة إلى موقعي بعلبك وصور اللذين «تم رصد ضربات بالقرب منهما مؤخراً»، بحسب البيان، ثمة مواقع أخرى شهيرة على الخريطة السياحية اللبنانية ومعروفة عالمياً وفي مدن قائمة من آلاف السنين مثل صيدا وصور وجبيل، إضافة إلى مواقع أقرب عهداً مثل عنجر وبينت الجين والمتحف الوطني في بيروت وكذلك متحف سرسق.

تجدر الإشارة إلى أن تضافر الجهود، سواء من بيروت عبر حراك النواب ووزارة الثقافة والمجتمع المدني والجمعيات الأهلية والثقافية، أو ما قامت به البعثة اللبنانية لدى «اليونيسكو»، بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه لبنان من 300 مثقف وأكاديمي وعالم آثار، أسهم في الضغط على لجنة «اليونيسكو» لدفعها لتحمل مسؤولياتها والتغلب على الضغوط التي مارستها جهات موالية لإسرائيل.

الخراب الذي أحدثته الغارات الإسرائيلية على مدينة بعلبك الواقعة شرق لبنان والتي تحتضن القلعة الشهيرة بالاسم نفسه (رويترز)

وجاء تدخل المجموعة ليجعل «اليونيسكو» عاجزة عن التفلت من طلب الحماية للمواقع الأثرية اللبنانية.

إشادة ميقاتي

وكان من الطبيعي أن تكون ردة الفعل اللبنانية الرسمية بالغة الإيجابية. فقد أشاد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في بيان صحافي بـ«انتصار القانون»، معتبراً أن القرار «صفعة مدوية للعدو الإسرائيلي الذي يواصل اعتداءاته التدميرية على لبنان».

وأضاف: «هذا الحكم يشكل رادعاً قوياً للعدو الإسرائيلي لأنه يعتبر أي اعتداء على المواقع الأثرية جريمة حرب، ما يبرر ملاحقة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية».

بصيص أمل

من جانبه، أعلن وزير الثقافة محمد مرتضى: «هذا القرار هو بصيص أمل كبير وسط الظلام». وتابع: «نأمل أن يثني هذا الإجراء إسرائيل التي تتصرف خارج أي إطار تنظيمي عن الإضرار بالمواقع المحمية».

أما المديرة العامة لـ«اليونيسكو» أودري أزولاي فقد أعلنت أن هناك تعاوناً عميقاً وطويل الأمد بين المنظمة الدولية ولبنان، مضيفة: «لن ندخر جهداً في تقديم جميع الخبرات والدعم اللازمين لحماية تراث لبنان الاستثنائي».

كل ما سبق يمكن الاعتداد به. بيد أن ما يهم هو النتيجة. وبكلام آخر، السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستنصاع إسرائيل إلى قرار اللجنة وهي التي ضربت بعرض الحائط القرارات الدولية أكانت الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية أو عن محكمة العدل الدولية أو عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة؟ السؤال رئيس ومركزي ويرتبط بالوضع في لبنان واستمرار الحرب الإسرائيلية عليه.