زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

قرار الادعاء يحرم مارين لوبن من الترشح لخمس سنوات وجوردان بارديلا سيكون البديل

مارين لوبن في مبنى المحكمة يوم الأربعاء الماضي خلال جلسات المحاكمة مع 24 من رفاقها في البرلمان الأوروبي (أ.ف.ب)
مارين لوبن في مبنى المحكمة يوم الأربعاء الماضي خلال جلسات المحاكمة مع 24 من رفاقها في البرلمان الأوروبي (أ.ف.ب)
TT

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

مارين لوبن في مبنى المحكمة يوم الأربعاء الماضي خلال جلسات المحاكمة مع 24 من رفاقها في البرلمان الأوروبي (أ.ف.ب)
مارين لوبن في مبنى المحكمة يوم الأربعاء الماضي خلال جلسات المحاكمة مع 24 من رفاقها في البرلمان الأوروبي (أ.ف.ب)

تعيش فرنسا هذه الأيام تداعيات زلزال سياسي من شأنه أن يقلب رأساً على عقب التوازنات الحزبية والسياسية التي استقرت عليها البلاد بعد الانتخابات الأوروبية والتشريعية التي جرت الربيع الماضي، والتي جعلت حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف القوة الأولى في فرنسا. و«التجمع» وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة بقيادة زعيمته غير المنازعة مارين لوبن، التي نجحت لمرتين (في عامي 2017 و2022) في ولوج المرحلة الثانية والنهائية من المنافسة الانتخابية الرئاسية التي فاز بها الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

مارين لوبن مع محاميها في المحكمة يوم الأربعاء 13 نوفمبر (أ.ف.ب)

وتمني مارين لوبن النفس بأن تكون الانتخابات المقبلة التي ستحل في عام 2027 الفرصة الذهبية بالنسبة لها لتدخل، أخيراً، قصر الإليزيه، وهو الحلم الذي داعب مخيلة والدها جان ماري لوبن، وقد ورثت عنه الزعامة والحزب والطموح الرئاسي. والحال أن كل ذلك يمكن أن يتبدد بعد اختتام المحاكمة التي خضعت لها مع 24 من رفاقها في البرلمان الأوروبي، حيث الكل متهم باختلاس أموال من الاتحاد الأوروبي، خلال سنوات، تقدر قيمتها الإجمالية بـ4.5 مليون يورو، وأن لوبن كانت في «قلب نظام (الغش) المدبر»، الذي طُبق بين عامي 2004 و2016.

زلزال سياسي

ليست لوبن وحزبها أول من احتال على الاتحاد الأوروبي من خلال توظيف أشخاص بصفتهم مساعدين للنواب الأوروبيين في القيام بعملهم. لكن عملية الغش والاحتيال، وفق القضاء الفرنسي، بلغت مستويات غير معروفة سابقاً. وما يميزها، وهذا الأهم، أن الادعاء العام طلب، بعد انتهاء المحاكمات، إنزال عقوبة السجن خمس سنوات بحق لوبن، من ضمنها سنتان مع النفاذ ولكنهما قابلتان للتعديل، وتغريمها 300 ألف يورو ومنعها من الترشح لمدة خمس سنوات.

ماكرون مع وزير الداخلية (رويترز)

كما طلب الادعاء تغريم الحزب بدفع مبلغ 4.3 مليون يورو. ويرى الادعاء، كما أثبتت التحقيقات، أن «التجمع» استخدم الأموال الأوروبية مصدراً لتمويل نشاطاته السياسية، وأن مساعدي النواب لم يعملوا أبداً لمعاونة هؤلاء في إتمام انتدابهم في البرلمان الأوروبي، بل لتعزيز حزب مارين لوبن وترسيخ تجذره وتوسيع دعايته واجتذاب محازبين جدد. ويمكن اعتبار أن الحزب المذكور نجح في هذه المهمة، الدليل على ذلك الأصوات؛ أن لوبن حصلت على 41.5 بالمائة من الأصوات في انتخابات 2022، فيما حصلت في رئاسيات 2017 على 33.9 بالمائة من الأصوات.

انطلاقاً من هذا التقدم الثابت الذي انعكس على تكاثر عديد نوابها في البرلمان الفرنسي وحلول حزبها في المرتبة الأولى فرنسياً في الانتخابات الأوروبية، فإن لوبن ووراءها حزبها يعتقدان أن دورها قد حان للوصول، أخيراً، لارتداء العباءة الرئاسية. وما يزيد من قناعات الطرفين أن ماكرون «البعبع» الذي هزمها مرتين، لم يعد يحق له الترشح لولاية ثالثة بموجب منطوق الدستور، وأن اليمين التقليدي مشتت، واليسار يعاني من التمزق بين مكوناته الأربعة. من هنا، فإن الفقرة الأليمة في قرار الادعاء ليست المبلغ المالي المطلوب تسديده ولا قرار السجن الفعلي لعامين الذي يتوقع أن تحوله المحكمة إلى حمل القلادة الإلكترونية، بل حرمان لوبن من الترشح للانتخابات الرئاسية لمدة خمس سنوات. والحال أن هذه الانتخابات ستجرى في عام 2027 ما يعني أن مرشحة اليمين المتطرف، عملاً بقانون يعود لعام 2016، ستحرم من الترشح في حال صدر الحكم النهائي بتجريمها في الدعوى المقامة عليها وعلى رفاقها. والأسوأ من ذلك أن أي إدانة لها ستترافق مع هذا الحرمان، بالتالي فإن مستقبلها الرئاسي قد يصبح في صيغة الماضي.

جيرالد دارمانان وزير الداخلية المستقيل (أ.ف.ب)

لوبن تندد بـ«النظام» الساعي لإزاحتها

إزاء هذا الوضع، نددت لوبن بقرار الادعاء العام، معتبرة أن «النظام» يريد القضاء عليها وإزاحتها من المشهد السياسي وحرمان ناخبيها من التصويت بحرية للمرشح الذي يختارونه. وسارع «التجمع» إلى إطلاق عريضة، الخميس، عبر منصة «إكس» تحت عنوان «ادعموا مارين! دافعوا عن الديمقراطية»، ندد فيها بـ«تدخل فاضح في تنظيم الحياة البرلمانية بدون الاكتراث لفصل السلطات»، وبـ«محاولة للقضاء على صوت المعارضة الحقيقية» و«الالتفاف على العملية الديمقراطية». أما برونو غولنيش، المسؤول الثاني سابقاً في الحزب فقد عبر عن «الذهول والاستنكار» إزاء قرار الادعاء. والحال أن الأخير ونواباً كثيرين سابقين من حزبه بإبرام «عقود صورية» مع مساعدين برلمانيين كانوا يعملون في الحقيقة لحساب الحزب. وبينت جلسات المحاكمة التي امتدت لثلاثة أسابيع أن الكثير من هؤلاء المساعدين لم يذهبوا أبداً إلى بروكسل، مقر المفوضية والبرلمان الأوروبيين، كما اعترفوا بأنهم كانوا يعملون حقيقة لصالح الحزب، وليس لصالح النواب في ولايتهم الأوروبية، وأن وظائفهم «الرسمية» كانت حقيقة «وهمية».

إزاء هذا الواقع المستجد، قال جودران بارديلا، رئيس الحزب للقناة الإخبارية «سي نيوز»، الخميس، إن حركته «ركعت نصف ركعة»، وأن مسؤوليته أن يقول إنه «لا يمكننا أن نقبل بأن يقوم قاض بسبب عدم تقديره للوبن بحرمانها من الترشح للانتخابات الرئاسية».

من جانبه، انبرى وزير الداخلية السابق جيرالد درامانان إلى الدفاع عن لوبن، مندداً بـ«الضراوة» التي واجهتها في المحكمة وبقرار الادعاء. وقال دارمانان الذي يفترض به كشخصية احتلت منصباً وزارياً طيلة سبع سنوات أن يدافع عن نزاهة المحكمة وحرية القضاء. والحال أنه غرد على منصة «إكس» قائلاً: «سيكون أمراً صادماً أن تمنع لوبن من الترشح، وأن تحرم من أصوات الفرنسيين»، مضيفاً أنه «إذا رأت المحكمة أنها مذنبة وتتعين إدانتها، فإنها لا تستطيع، من الناحية الانتخابية، أن تفعل ذلك من غير رأي الناخبين». وكثيرون رأوا في كلام دارمانان محاولة للتقرب من «التجمع الوطني» وحاجته له في الانتخابات المقبلة.

مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف والمرشحة الرئاسية السابقة لدى دخولها المحكمة يوم 15 أكتوبر (رويترز)

يبقى أن قرار الادعاء لا يعني الحكم المبرم، إذ إن الحكم يجب أن يصدر عن القضاة، كما أن لوبن تستطيع تقديم استئناف بحكم أن ما صدر عن محكمة الدرجة الأولى. إلا أن مقتلها يكمن في أنها ستمنع من الترشح بفعل قانون صُوّت عليه في البرلمان، ويقضي بحرمان أي نائب من حق التصويت والترشح في حال إدانته جنائياً. وإذا أزيحت لوبن، فإن البديل جاهز، وهو السياسي الشاب الطالع بارديلا الذي أوكلت إليه لوبن رئاسة الحزب للتفرغ، منذ عامين، لترشحها للرئاسيات المقبلة.


مقالات ذات صلة

حزب ميركل يستعد للعودة إلى السلطة بسياسة أكثر يمينية

تحليل إخباري شولتس متحدثاً للإعلام لدى وصوله إلى مقرّ الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأربعاء (أ.ب)

حزب ميركل يستعد للعودة إلى السلطة بسياسة أكثر يمينية

تستعد ألمانيا لتغييرات قد تكون جذرية خصوصاً في سياسات الهجرة بعد الانتخابات المبكرة التي ستجري في البلاد في 23 فبراير (شباط) المقبل.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس يبتسم لوزير الاقتصاد وحماية المناخ بعد إعلان نتائج التصويت على الثقة في مجلس النواب الاثنين (أ.ف.ب)

المستشار الألماني يخسر ثقة النواب في تصويت يمهّد لانتخابات مبكرة

خسر المستشار الألماني أولاف شولتس، الاثنين، كما كان متوقعاً ثقة النواب في تصويت أنهى ولايته التي قوّضها انهيار الائتلاف الحكومي، ومهّد الطريق لانتخابات تشريعية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا زورابيشفيلي، الموالية للغرب، رئيسة جورجيا منذ 2018، تقول هي الرئيسة الشرعية وترافض التنحي(ا.ب.أ)

جورجيا تنتخب رئيساً مقرباً من روسيا وسط احتجاجات

تتخبّط جورجيا، الدولة القوقازية، في أزمة منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفاز بها حزب «الحلم الجورجي» الحاكم، وطعنت بنتائجها

«الشرق الأوسط» (تبليسي (جورجيا))
أوروبا آلاف المتظاهرين تجمعوا خارج البرلمان في تبليسي للتظاهر ضد تأجيل مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوم 30 نوفمبر (أ.ف.ب)

مخاوف من تفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب رئيس يميني مقرّب من موسكو ومناهض لأوروبا

تتفاقم الأزمة في جورجيا مع انتخاب نواب حزب الحلم الجورجي اليميني المتطرف الحاكم مرشحه ميخائيل كافيلاشفيلي، في عملية انتخابية مثيرة للجدل.

«الشرق الأوسط» (تبليسي)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

هل يؤيد الألمان التعجل في إعادة السوريين إلى بلادهم؟ استطلاع يجيب

امرأة سورية تحمل طفلاً وأمتعتها أثناء انتظارها العبور إلى بلادها من تركيا (إ.ب.أ)
امرأة سورية تحمل طفلاً وأمتعتها أثناء انتظارها العبور إلى بلادها من تركيا (إ.ب.أ)
TT

هل يؤيد الألمان التعجل في إعادة السوريين إلى بلادهم؟ استطلاع يجيب

امرأة سورية تحمل طفلاً وأمتعتها أثناء انتظارها العبور إلى بلادها من تركيا (إ.ب.أ)
امرأة سورية تحمل طفلاً وأمتعتها أثناء انتظارها العبور إلى بلادها من تركيا (إ.ب.أ)

بعد إسقاط النظام الحاكم في سوريا، أعرب غالبية الألمان في استطلاع للرأي عن عدم دعمهم أي تعجُّل في إعادة مئات الآلاف من المهاجرين السوريين إلى بلادهم.

وأظهر الاستطلاع، الذي أجراه معهد «فالن» لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من القناة الثانية في التلفزيون الألماني «زد دي إف»، أن 64 في المائة من الألمان يريدون التمهل في إصدار قرارات الإعادة حتى تسود في سوريا ظروف مستقرة وسلمية.

وبعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية، استولى تحالف بقيادة «هيئة تحرير الشام» في سوريا على السلطة قبل أسبوعين تقريباً، وفرَّ الرئيس السابق بشار الأسد إلى روسيا.

ووفقاً للاستطلاع، فإن 27 في المائة فقط من الألمان يتوقعون أن تكون في سوريا الآن ظروف مستقرة وسلمية، بينما لا يعتقد ذلك 63 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع.

ولا يعتقد سوى 6 في المائة فقط أن جميع اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى ألمانيا يجب أن يعودوا في أسرع وقت ممكن إلى موطنهم. ويرى 27 في المائة فقط أن أولئك الذين ليس لديهم وظيفة هنا هم من يجب عليهم المغادرة.

ووفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، يوجد حالياً نحو 975 ألف سوري في ألمانيا. وجاءت الأغلبية في السنوات التي تلت عام 2015 نتيجة الحرب الأهلية السورية.

تجدر الإشارة إلى أن معدل توظيف اللاجئين السوريين في ألمانيا يبلغ حالياً نحو 40 في المائة. وقرر المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين مؤخراً عدم البتّ في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين في الوقت الحالي بسبب التطورات المتسارعة في البلاد.