جدل علمي حول عدد القارات

أربعة متطلبات تحدد صفاتها الجيولوجية

جدل علمي حول عدد القارات
TT
20

جدل علمي حول عدد القارات

جدل علمي حول عدد القارات

يمكن لأي شخص لديه خريطة، أن يرى أن قارتي آسيا وأوروبا متصلتان. ولهذا السبب غالباً ما يطلق عليهما اسم «أوراسيا». والتقسيم بين القارتين تعسفي إلى حدٍ كبير، فهو تحديداً تقسيم ثقافي، أكثر منه «علمياً». لذا، هل من العدل أن نقول إن هناك في الواقع ست قارات فقط؟

وماذا عن أميركا الشمالية وآسيا؟ إنهما متصلتان بجرف بحر بيرنغ، الذي كان أرضاً جافة عبرها البشر ذات يوم ولم تغمرها الفيضانات إلا في الماضي الجيولوجي القريب. ومن الناحية الفنية، هذا يجعل آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا قارة واحدة. هل يعني هذا أن هناك خمس قارات فقط؟

تقسيم القارات

يزعم خبراء آخرون أن خمس وست وسبع قارات خاطئة، ويجادلون لصالح ثماني قارات. حتى أن هناك من يذهب إلى حد القول إن هناك قارتين فقط... وهناك وهم بالاتفاق العام حول عدد القارات.

إن هذا الخلاف ينشأ جزئياً لأن هناك نوعين من القارات: القارات التي تعترف بها الثقافات في مختلف أنحاء العالم، والقارات التي يعترف بها الجيولوجيون.

يمكن للثقافات أن تحدد القارة بأي طريقة تريدها، في حين يتعين على الجيولوجيين استخدام تعريف. وقد جعلت الأبحاث الجيولوجية في السنوات الأخيرة تحديد حدود القارات أقل بساطة مما كان يبدو ذات يوم، حيث يجد الباحثون أدلة على وجود «مواد قارية» غير متوقعة.

يقول فالنتين رايم، الجيولوجي بجامعة فريبورغ في سويسرا: «هذا يثير الكثير من الاهتمام لأن هناك آثاراً مهمة على فهمنا لآليات انفصال القارات وتكوين المحيطات وتكتونيات الصفائح». ويضيف: «ولكن بعد الإثارة يأتي الفحص الدقيق والمناقشة للتأكد من أن الأدلة قوية».

صفات القارة

من الناحية الجيولوجية، لكي تكون قارة، يجب أن تحتوي قطعة من كوكب الأرض على أربعة متطلبات:

- ارتفاع كبير بالنسبة لقاع المحيط.

- مجموعة واسعة من الصخور النارية والمتحولة والرسوبية الغنية بالسيليكا.

- قشرة أكثر سمكاً من القشرة المحيطية المحيطة.

- حدود واضحة المعالم حول منطقة كبيرة بما يكفي.

توجد المتطلبات الثلاثة الأولى في كل كتاب مدرسي للجيولوجيا تقريباً. ولكن الأمر لا ينطبق على المتطلب الرابع. فما هو «كبير بما يكفي»، أو إلى أي مدى «محدد جيداً» يجب أن تكون حدود القارة المحتملة، هي أمور لا تتم مناقشتها كثيراً.

ويقول نيك مورتيمر، الجيولوجي في معهد أبحاث العلوم GNS الحكومي في نيوزيلندا: «أي شيء كبير بما يكفي لتغيير خريطة العالم مهم. إن تسمية وتحديد جزء من الأرض كقارة، حتى لو كان صغيراً ورقيقاً ومغموراً، أكثر إفادة من مجرد ترك الخريطة فارغة».

ترقيم القارات

وهذا يخلق مشاكل لترقيم القارات. ولنتأمل هنا آيسلندا، التي تقع فوق صدع يمتد حول الأرض، وهو الفرع الأطلسي من سلسلة التلال المحيطية الوسطى. فالنشاط البركاني هناك يفصل ببطء بين الصفائح التكتونية التي ترتكز عليها أميركا الشمالية وأوروبا. ويقع معظم هذا التلال عميقاً تحت المحيط. ولكن في آيسلندا، فإنه يقع فوق مستوى سطح البحر.

وهناك لغز آخر يتلخص في أن البراكين هناك كثيراً ما تنفث الحمم البركانية المكونة من القشرة القارية المنصهرة، رغم أن آيسلندا تبعد آلاف الأميال عن أي قارة. ولذلك يشتبه بعض الجيولوجيين في أن آيسلندا ليست جزيرة منعزلة في البحر، بل إنها في واقع الأمر جزء من قارة (وإن كان تحديد تلك القارة قد يصبح معقداً أيضاً).

وتجد هذه الفكرة دعماً لها قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث تفصل سلسلة تلال وسط المحيط في البحر الأحمر أفريقيا عن آسيا. ويحدث هذا الانفصال بمعدل نمو الأظافر. وعلى طول معظم هذه التلال، يكون الانفصال واضحاً ومباشراً. ولكن الانفصال يكون أكثر فوضوية حيث يلتقي البحر الأحمر بخليج عدن. في مكان وجود نقطة واضحة للترقق، حيث تتشكل قشرة المحيط، تتفتت القشرة القارية بين أفريقيا وآسيا إلى مئات القطع. وفي هذا الموقع، لا توجد نقطة واضحة... أين تنتهي أفريقيا وتبدأ آسيا.

وتقول جيليان فولغر، عالمة الجيولوجيا بجامعة درهام في إنجلترا: «إن الأمر أشبه بقطعة حلوى قوية وسميكة للغاية تتمدد، ولكنها لا تنكسر».

وكان رايم وزملاؤه نشروا أخيراً دراسة في مجلة الجيولوجيا تُظهر أن آيسلندا أيضاً لديها قطع حلوى ممتدة بشدة تحت البحار المحيطة بها. بدلاً من الانفصال الواضح بين أميركا الشمالية وأوروبا، يبدو أن هناك مزيجاً معقداً من المواد المنصهرة وشظايا القشرة القارية متناثرة في مسار بين كتلتي اليابسة يمر عبر آيسلندا. تماماً مثل النقطة التي يلتقي فيها البحر الأحمر وخليج عدن، لا توجد نقطة واضحة حيث تنتهي أميركا الشمالية وتبدأ أوروبا.

قارة «زيلانديا»

ثم هناك نيوزيلندا، التي تثير المشاكل حقاً لأطفالنا. فرغم أن نيوزيلندا وأستراليا غالباً ما يتم تجميعهما معاً، فإنهما ليسا في القارة نفسها. وبينما يُنظَر إلى أستراليا على نطاق واسع باعتبارها قارة قائمة بذاتها، فإن فكرة أن نيوزيلندا جزء من قارتها الخاصة، «زيلانديا»، هي حجة أحدث.

تمتد الأرفف المغمورة التي ترتفع عالياً فوق قاع المحيط لأميال أبعد من الدولة - الجزيرة الصغيرة. وعلى طول حواف تلك الأرفف، توجد مياه عميقة وقشرة محيطية أرق من القشرة الموجودة أسفل الأرفف. وتُظهِر عينات الحفر وعينات التجريف في قاع البحر والصخور التي تم جمعها من المنطقة أن الكتلة العملاقة التي تقع عليها نيوزيلندا تتكون من صخور نارية ومتحولة ورسوبية غنية بالسيليكا، تماماً كما هي الحال مع جميع القارات الأخرى.

وبينما يعتقد القليلون أن زيلانديا قارة من الناحية الثقافية، «فإنها تُعَد قارة جيولوجية بشكل متزايد»، كما يقول مورتيمر. ولكن الجميع غير متفقين، ويشيرون إلى المعيار الرابع المزعج الذي يتم تجاهله في معظم الكتب المدرسية.

يبلغ سمك القشرة التي تشكل زيلانديا ما بين 10 كيلومترات و30 كيلومتراً، مما يجعلها أكثر سمكاً من 7 كيلومترات من معظم قشرة المحيط. ولكن سمكها ليس مثل سمك قشرة القارات الأخرى، الذي يتراوح عادة بين 30 و46 كيلومتراً. وهذا يجعل الحدود بين زيلانديا والمحيط أقل وضوحاً وأكثر صعوبة في التمييز. كما يخلق الحجم مشاكل أيضاً، إذ تبلغ مساحة زيلانديا المعروضة 4.9 مليون كيلومتر مربع، وهي أصغر كثيراً من أستراليا، التي تبلغ مساحتها 7.7 مليون كيلومتر مربع فقط.

ثم هناك حقيقة مفادها أن زيلانديا مغمورة في الغالب. والوجود فوق الماء ليس جزءاً من التعريف الجيولوجي للقارة، ولكن يبدو أن هذا مهم ثقافياً، لأن الناس معتادون على التفكير في القارات على أنها أرض جافة.

جدل جيولوجي

لا يزال الجيولوجيون يتجادلون حول ما تعنيه هذه الاكتشافات حول القشرة القارية والمحيطية لعدد القارات. وما هو مؤكد أن البحث يكشف عن وجود أكثر من طريقة لانفصال قارتين، وأن الانقسام ليس دائماً «نقيّاً»

أو حتى كاملاً.

ويقول رايم: «هناك في الأساس قارتان رئيسيتان فقط. القارة القطبية الجنوبية وكل شيء آخر عداها... لأن أميركا الجنوبية متصلة بأميركا الشمالية عبر بنما، وأميركا الشمالية متصلة بآسيا عبر مضيق بيرينغ، وآسيا متصلة بأوروبا وأفريقيا وأستراليا عبر جبال الأورال وسيناء وإندونيسيا على التوالي».

ولا يتفق مورتيمر مع هذا الرأي. ويقول: «إن زيلانديا منفصلة عن أستراليا بحوض محيطي يبلغ عرضه 25 كيلومتراً وعمقه 3600 متر... وبناءً على منطق رايم، فإن هذا يعني أن هناك في الواقع ثلاث قارات».

لكنه أقر ببعض عدم اليقين، مضيفاً: «ما لم يتم العثور على الغور العميق الذي يكون قشرة قارية عميقة جداً، مثل حالة آيسلندا... فإن زيلانديا ستكون في هذه الحالة جزءاً من أستراليا». أما آيسلندا فهناك أيضاً احتمال أن تكون جالسة فوق جزء كبير من قشرتها العائمة الحرة، ولذا ربما تكون القارة رقم 9.

* خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

خيال علمي يصبح حقيقة... روبوتات دقيقة ستساهم في توصيل الأدوية داخل الجسم البشري

تكنولوجيا جراحة كهربائية لعلاج انسداد القنوات الصفراوية بواسطة روبوتات مصغرة (المركز الألماني لأبحاث السرطان)

خيال علمي يصبح حقيقة... روبوتات دقيقة ستساهم في توصيل الأدوية داخل الجسم البشري

تطوير روبوتات لينة مبتكرة تم تصميمها لتكون مرنة وذات قدرة على التفاعل مع المحيطات المختلفة، سواء داخل الجسم البشري أو في بيئات مدمرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أدى تراجع الأمطار قبل 6 آلاف عام إلى تحوّل المنطقة مجدداً لبيئة قاحلة (واس)

«كاوست»: «الربع الخالي» كان موطناً لأنهار ومروج خضراء

كشفت دراسة بحثية علمية حديثة أن «الربع الخالي»، أكبر صحراء رملية متصلة في العالم لم تكن في الماضي كما نعرفها اليوم أرضاً جافة وقاحلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
علوم صورة قدمتها شركة «كولوسال بيوساينسز» لجروين عُدِّلا وراثياً ليشبها الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)

باحثون أميركيون ينجحون في إعادة ذئب شرس انقرض قبل 10 آلاف عام

أعلنت شركة أميركية ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية عن إعادة إحياء ذئب من الانقراض بعد أكثر من 10 آلاف عام.

«الشرق الأوسط» (تكساس (الولايات المتحدة))
تكنولوجيا التقنية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليل زمن الاستجابة إلى أقل من ثانية واحدة (Noah Berger)

تقنية جديدة تحوّل إشارات الدماغ إلى كلام طبيعي في أقل من ثانية

نجح باحثون بتطوير تقنية تُحول إشارات الدماغ إلى كلام مسموع في الزمن الحقيقي، ما يعيد الأمل لفاقدي القدرة على النطق.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تتعاون «أبل» مع خبراء طبيين لإنتاج محتوى موثوق داخل التطبيق يثري تجربة المستخدم ويوجه سلوكه الصحي (شاترستوك)

«أبل» تستعد لإطلاق «الطبيب الافتراضي» في 2026

المدرب الصحي الذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي ويقدم توصيات شخصية عبر تطبيق «Health» ويجمع بين التتبع الصحي والخصوصية والمحتوى الطبي المتخصص.

نسيم رمضان (لندن)

ثورة رقمية تقترب من طب الأسنان

نظم مطورة لابتكار وتصميم تركيبات الاسنان
نظم مطورة لابتكار وتصميم تركيبات الاسنان
TT
20

ثورة رقمية تقترب من طب الأسنان

نظم مطورة لابتكار وتصميم تركيبات الاسنان
نظم مطورة لابتكار وتصميم تركيبات الاسنان

شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً باستخدام التقنيات الرقمية المتقدمة في مجال الرعاية الصحية؛ حيث أصبح الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد من الأدوات الأساسية لتعزيز الدقة وتخصيص العلاجات. ولا تكمن قصة هذا التقدم العلمي فقط في الابتكار التقني، بل تمتد لتشمل تحسين نوعية الرعاية المقدمة للمرضى، وتحقيق نتائج أسرع وأكثر فاعلية.

وفي مقالة مهمة للدكتور جورج فرديمان رئيس الأكاديمية العالمية للطباعة ثلاثية الأبعاد في طب الأسنان نُشِرت في 25 مارس 2025 بمجلة منبر طب الأسنان العالمية (Dental Tribune International)، قال إن هذا العام شهد موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على 3 أجهزة طباعة ثلاثية الإبعاد بتقنية الذكاء الاصطناعي نتيجةً لأهم 3 بحوث تمت في السنوات الأخيرة ربطت بين الذكاء الاصطناعي والطابعة ثلاثية الأبعاد.

دراسات علمية متميزة

وأدرج أدناه هذه الدراسات الرائدة التي تبرهن على الإمكانات الخارقة لهذه التقنيات في إعادة تشكيل مستقبل طب الأسنان.

• الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد: اندماج ثوري. أجرى هذه الدراسة الحديثة فريق من الباحثين بجامعة كولومبيا، بقيادة الدكتور جون ميلر، ونُشرت في مجلة بحوث طب الأسنان Journal of Dental Research في عام 2023. وقد ركزت على كيفية دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلُّم الآلي والشبكات العصبية، مع تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتعزيز دقة تصنيع الأطقم السنية والتعويضات المُخصصة.

وأوضح الدكتور جون ميلر في بحثه أن استخدام الذكاء الاصطناعي يسمح بتحليل بيانات المرضى بشكل موسَّع، وتحديد أنماط تشوهات الأسنان والاحتياجات الخاصة لكل مريض. كما قام النظام الذكي بتحويل هذه البيانات إلى نماذج رقمية يمكن تحويلها بسهولة إلى قطع مطبوعة بدقة عالية. وبفضل هذا الاندماج، تم تحقيق نتائج مبهرة في تقليل الأخطاء وتحسين التناسب الوظيفي والجمالي للأطقم السنية، مما يسهم في رفع جودة العلاج وتحسين تجربة المريض.

وتشير النتائج إلى أن هذه الطريقة تُمكِّن الأطباء من تقديم علاجات مخصصة بشكل فعال وسريع، ما يفتح آفاقاً واسعة لعصر جديد في طب الأسنان.

وبعدما كانت عملية صناعة طقم الأسنان تأخذ تقريباً 5 زيارات لطبيب الأسنان و3 أشهر يمكن لهذه التقنية أن تجعلها بزيارتين فقط بينهما أسبوع واحد، وبدقة تصل إلى 99 في المائة.

«نانوألماس» لتصميم تركيبات الأسنان

• تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصميم التيجان والجسور وتركيبات زراعة الأسنان. في دراسة نُشرت عام 2022 بالمجلة العلمية مواد الأسنان المتقدمة Advanced Dental Materials، قام فريق بحثي من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، بقيادة الدكتورة سارة لوبيز، باستكشاف القدرات الجديدة للطباعة ثلاثية الأبعاد في تصميم مواد تركيبات أسنان مبتكرة. ركزت الدراسة على تطبيقات الطباعة في إنتاج مواد متطورة مثل البوليمرات المعززة بجسيمات النانوألماس. وهو نوع من ألماس بحجم النانوميتر ويتميز بتركيبته الكرستالية (البلورية) الماسية صغيرة الحجم، التي تُظهِر قدرة فائقة على تحمل الضغوط وتحقيق توافق حيوي متميز.

أوضحت الدكتورة سارة لوبيز أن استخدام النانوألماس في تعزيز المواد يساهم في تحسين قوة التحمل والمرونة، إضافةً إلى مقاومة التآكل والتلف مع مرور الزمن.

ويُمكّن هذا النهج العلمي الثوري من تصنيع تركيبات أسنان متفوقة من حيث الجودة والشكل والتشابه الدقيق مع الأسنان الطبيعية. كما أشارت الدراسة إلى أن هذه التقنية لا تقتصر على تصنيع الأطقم التعويضية فقط، بل تمتد لتشمل تصنيع التقويمات وأدوات الجراحة التفاعلية التي تُسهم في تسريع عملية الشفاء وتحقيق نتائج طويلة الأمد، مما يُعدّ تحولاً نوعياً في مجال تصميم المواد السنية.

هندسة نسيجية

• الهندسة النسيجية وتجديد الأنسجة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.

تأتي الدراسة الثالثة لتسليط الضوء على أحد أكثر التطبيقات طموحاً للطباعة ثلاثية الأبعاد في طب الأسنان، وهو تجديد الأنسجة والهندسة النسيجية. وقد أُجريت هذه الدراسة في جامعة ستانفورد بقيادة الدكتور ألكسندر تشين، ونُشرت في مجلة Regenerative Dentistry عام 2024. وركز البحث على استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصميم هياكل داعمة تُسهل تجديد أنسجة الفكين والعظام حول الأسنان.

أشار الدكتور ألكسندر تشين إلى أن التطبيق الناجح لهذه التقنية يعتمد على استخدام مواد حيوية متطورة تعمل قالباً لتسهيل نمو خلايا جديدة واستعادة الوظائف الحيوية للأنسجة المتضررة. وقد ساعدت هذه الطريقة الباحثين في تحقيق تقدُّم ملحوظ في علاج حالات فقدان الأسنان والتلف الناتج عن الأمراض المزمنة، مثل التهاب اللثة المتقدم وتآكل العظام.

كما أكد البحث على الإمكانات المستقبلية لاستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في زراعة الخلايا وتكاملها مع النسيج الطبيعي بشكل يضمن استعادة القدرة الوظيفية والمظهر الجمالي.

مستقبل واعد

تلقي هذه الدراسات الضوء على مستقبل واعد في مجال طب الأسنان؛ حيث تُترجم الأفكار الثورية إلى تطبيقات عملية تغيّر من معايير العلاج التقليدية؛ إذ إن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد يمثل نقلة نوعية في كيفية تصميم وتنفيذ العلاجات السنية، مما يسمح بتخصيص العناية بكل مريض وفق احتياجاته الفردية. كما أن البحث في تصميم المواد السنية المبتكرة وتجديد الأنسجة بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد يُعدّ خطوة رائدة نحو تحقيق نتائج علاجية أكثر دقة وكفاءة؛ ما يعزز ثقة المرضى في جودة الرعاية الطبية المقدَّمة.

ومع استمرار البحث والتطوير في هذه المجالات، يمكننا أن نتوقع ظهور تقنيات جديدة ومبتكرة تُمكِّن من تحقيق تكامل أكبر بين الطب التقليدي والرقمي، ما يسهم في تقديم حلول علاجية متطورة تجمع بين الحرفية العلمية والابتكار التكنولوجي.

من المؤكد أن هذه الإنجازات ستضع أساساً قوياً لعصر جديد في طب الأسنان؛ حيث تصبح الرعاية المخصصة والسرعة في الإنجاز جزءاً لا يتجزأ من تجربة العلاج.

إن الترابط بين الأبحاث والتطبيقات العملية يعكس مدى أهمية التعاون بين المؤسسات البحثية والجامعات المتقدمة في دفع عجلة التطوير إلى الأمام، لتصبح في النهاية جميعها جزءاً من قصة نجاح علمية ملهمة. وبهذا التكامل بين التقنيات الرقمية والطب الحيوي، يتجلى المستقبل الواعد لتخصص طب الأسنان؛ حيث يُمكن للأبحاث العلمية الدقيقة أن تتحول إلى حلول علاجية مبتكرة تعيد تعريف معايير الرعاية الصحية وجودتها. نماذج رقمية

من البيانات تتحوَّل إلى قطع مطبوعة... و«نانوألماس» لتصميم تركيبات الأسنان